أقلام حرة

لا يدري ويدري أنه يدري!!

صادق السامرائيربما لم ينتبه الخليل بن أحمد الفراهيدي لهذا الوصف، بعد تقسيمه للرجال وفقا لرؤيته الحسابية الدقيقة، التي لا تزال صالحة للعمل.

فالسائد في المجتمعات المتأخرة عن ركب العصر، أن الشخص فيها لا يدري وفي يقينه أنه يدري، ومن أعرف العارفين بالدنيا والعلم والدين، فينطق بأبجديات الجاهلين ويستهين بالعلم المبين، فعنده منتهى المعارف والعلوم، وما بعد قوله قول، ولا بعد رأيه رأي.

فهو يمسك بينابيع الدراية والإدراك، ووفقا لذلك تنتفي قيمة المعارف والعلوم، ويصبح ما يُكتب ويُنشر مجرد كلام.

أي أن الكلمة فقدت معناها ودورها في بناء الحاضر والمستقبل، وغدت أرخص بضاعة.

وفي الزمن (المنوَّر بالديمقراطية)، صارالكلام بلا قيمة وأثر، وشمل الإبداع بأنواعه.

والعلة أن الواقع يخلو من المنجزات العلمية الواضحة، المترجمة للإرادة الإبداعية الإبتكارية الفاعلة في المجتمع، فانتقلت الحياة من مكانها الفعّال، إلى فضاءات الوهم والإنفعال، فكأننا ننجز ما نعجز عنه بإطلاق الكلام على عواهنه.

وهو سلوك إستلابي تدميري خطير، يمثل الضياع والإنهزام والإنتكاس والإنكسار، وتساهم بترسيخه النخب، والجامعات التي كثرت فيها البحوث الخائبة، وأصحابها يحصلون على درجات تسمى علمية، وكأنهم حقا من ذوي العلم والمعرفة، وهم الغارقون في بحر الكلام الخالي من العطاء، والتعبير المادي عن الفكرة بالعمل.

فما أكثر الرسائل الجامعية الكلامية، وما أخوى الواقع من العطاءات المنبثقة من المعارف والعلوم.

لكنهم يدرون وهم الجاهلون، وما حولهم يجهلون، وفي مستنقعات الجهل والأمية، تتكاثر الأوافي والحنافيش وعظايا الهلاك الشديد.

فلا تقل لي شيئا وأنا العارف بكل شيئ!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم