أقلام حرة

الأفكار والخلود!!

صادق السامرائيالمتداول في واقعنا المعرفي، يمضي على سكة أن الأفكار كائنات جامدة وذات صلاحيات مطلقة، وهو إقتراب يتقاطع مع نواميس الوجود المحكومة بإرادة الدوران الدائبة، التي تفرض التبدل والتغيير على كل شيئ في الكون.

والأفكار وليدة مكانها وزمانها، ولكل حالة فكرة تتوافق مع جوهرها، وما فيها من التطلعات والتحولات والنوازع والتمددات.

فلا يصح إعتقال النهر في مستنقع، والهواء في بالون، والقول بأن ما في أي مكان يصلح لكل مكان، وما في أي زمان يصلح لكل الأزمان.

وهذه المقدمة تأخذنا إلى ظاهرة عجيبة راسخة، أو تحقق ترسيخها في الوعي الجمعي، مفادها أن الأمة أوجدت رموزها المعرفية في عصور إزدهارها، وعلينا أن نستحضر ما أوجدوه ونفرضه على واقع لا يعرفونه.

فترانا نكتب بقدسية ورهبة، عن علماء ومفكرين في مسيرة الأمة، وكأنهم مسك الختام، وعندهم إنتهى كل علم ومقام.

ومن الصعب تفسير هذا السلوك الذي يختلف عمّا يحصل في مجتمعات الدنيا، التي فيها طوابير من الرموز بكافة المجالات، وما تجمدوا حولهم، بل إنطلقوا منهم، وتواصلوا مع أزمانهم وأماكنهم، ولايزالون يتجددون ويتطورون، وفقا لمعطيات العصر الذي يعيشون فيه، ولا يوجد مَن يستحضر أفكار الأموات لإيجاد حلول للتحديات المعاصرة.

ويبدو أن في الأمر نزعة إتلافية وترقيدية لإرادة الأمة، وإيهام الأجيال بأنها غير قادرة على الإتيان بما جاء به السابقون، وأن عقولها جامدة خامدة لا تتصل بمكانها ولا بزمانها.

فعلى سبيل المثال، القول بأن إبن رشد، أو إبن خلدون، لديهما الحلول الناجعة لمعاناتنا، خداع وتضليل، وتنكيل بهما.

والمطلوب الإنطلاق مما بجعبتنا، والتفاعل وفقا لمعطيات مكاننا وزماننا، والعمل لوضع الأسس القادرة على صناعة الحاضر الأقوى والمستقبل الأفضل.

فلكل زمان ومكان أفكاره وعقوله المتفاعلة بإبداعية معاصرة ومثمرة.

فهل لنا أن نرى ونتبصر؟!!

***

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم