أقلام حرة

خرافة الشهيدة التي أزهرت شجرة

ثامر الحاج امينيستغرب البعض من الانتشار الكبير والمهيمن للمعتقدات الشعبية على الحياة العامة ويخشى من دورها الخطير في توجيه سلوك قطاعات كبيرة من المجتمع باتت للأسف ضحية الجهل والخرافة، ويعتقد هذا البعض ان الايمان بالغيبيات ظاهرة طارئة وجديدة على مجتمعنا ويشعر ازاءها بالقلق من انها باتت تشكل هاجساً مخيفا يهدد بخراب العقول والبلاد، ولكن لو عاد هؤلاء الى كتب التاريخ لوجدوا ان الايمان بالخرافة والمعتقدات الشعبية موغل في القدم وله جذور عميقة في التاريخ تعود الى عصور ما قبل الميلاد وقد توارثتها الاجيال البشرية الى يومنا هذا، وتحتفظ ذاكرة الديوانية بالعديد من الحكايات التي تنتمي الى حقل الخرافة المبتلاة بها المجتمعات الفقيرة ذات الأمّية العالية الواقعة تحت سيطرة الجهل، فعادة ما تكون هذه المجتمعات ارضا خصبة لنموها وانتشارها، فالديوانيون يتذكرون أحداث انقلاب شباط 1963 وما رافقه من انتهاكات إنسانية واسعة بحق الوطنيين وأسرهم على أيدي عناصر الحرس القومي تجسدت بمظاهر القتل والاغتصاب والتمثيل بالجثث والتي قام بتوثيقها بالصور والمذكرات والتقارير كتاب (المنحرفون) الصادر عام  1964، فبعد سنتين من انجلاء تلك الفترة المرعبة ظهرت شجرة يوكالبتوس عند الباب الخلفي لبيت متصرف الديوانية ــ الكائنة حالياً خلف بناية دائرة التقاعد  ــ وكان لهذه الشجرة برعمان ناتئان اشبه ما يكونان بثديي فتاة شابة، فأشيع حينها ان هذه الشجرة هو قبر شهيدة من ضحايا الحرس القومي ويعود نسبها الى الرسول الكريم (علوية) وذهب تأويلهم لهيئة الشجرة الى انه ولكرامة هذا النسب عاد الجسد الدفين وأزهر شجرة مباركة بهيئة فتاة، وخلال ايام قليلة اخذت الألسن تتناقل هذه الرواية وانتشرت بشكل واسع وكبير في المدينة دفعت الناس عصر كل يوم الى الزحف زرافات الى الشجرة للتبرك بها وحفر اسمائها على لحائها الطري مقترنة بالأماني وعبارات التقديس، وكان متصرف المدينة آنذاك السيد علي هادي وتوت وهو من أهالي مدينة الحلة يراقب عن كثب هذا الطقس اليومي الغريب الذي أخذ كل يوم بالاتساع ما دفعه الى اصدار الأمر باقتلاع الشجرة ورميها بعيدا كي يتخلص من هذا المنظر الذي أخذ يشكل له قلقا وإزعاجاً، وبخطوة المتصرف الجريئة هذه هدأت عاصفة الزحف من دون أي رد فعل يذكر.

***

ثامر الحاج امين                                                                 

في المثقف اليوم