أقلام حرة

مُجتمعاتُ غِزيَة!!

صادق السامرائيقال (دريد بن الصمة) في قصيدة له بعد أن نصح قبيلته وما إستمعت لنصحه، والقصة معروفة :

"وما أنا إلا من غزية إن غوت...غويت وإن ترشد غزية أرشد"!!

وغزية إرثنا السلوكي ولها إنتمينا، فلا تسأل عن الفرد فهو الرقم في القطيع، وإن كان حكيما وحليما وعليما.

غِزية ترمز للتبعية والإستسلام لإرادة سائدة تحتم سلوكا ما، وعلى العقول أن تتعطل وتمشي خلف الذي قبض على مصيرها، وتلك محنة مجتمعات برموزها.

فالمجتمع ليس بعدد أفراده بل بعدد رموزه، أي أن المجتمعات مختصرة برموزها، أيا كان نوعها وتوجهها.

فمجتمعات المليون ربما تساوي بضعة أشخاص، بعد أن تحولت إلى كينونات تابعة لهم وقابعة في مرابعهم.

وبموجب مناهج غِزية، نجد المجتمعات في دول الأمة لا تمثل حجمها الحقيقي، بل مختصرة بعدد قليل من الأشخاص.

وعندما حلت الديمقراطية في ديارنا، تحقق التعبير الأمثل عن هذه النزعة المناهضة لأبسط مفردات الحرية والرأي النزيه، فأصبحت صناديق الإقتراع، تمثل أصوات الأفراد المتبوعين بالذين يدلون بأصواتهم، ومَن يدلي بصوته الحر يُحسب من الأعداء، ويُحلل دمه بفتوى مَن يتظاهر بدين.

وبسبب آليات غزية تأسّنت الوجوه وتمترس الفساد، وتصاغرت الدولة، وتضاعفت المخاطر، وضاعت الحقوق، وما عاد للحياة قيمة ومعنى، والأفراد الذين يختصرون المجتمع يتاجرون بأتباعهم، ويرمون بهم في أتون الويلات للحفاظ على صوامع متعهم وغنائمهم المقدسة.

وتلك محنة مجتمعات بالديمقراطية التي تضع على رأسها قبعة غِزية!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم