أقلام حرة

سلمان رشدي ومعول التجديف

مصطفى كامل الكاظمياستغرق الكاتب الهندي الاصل سلمان رشدي في استهتاره بروايته المجدفة التي نشرت عام 1988 لتستهدف حدثاً عظيماً تحقق في الشرق كان المسلمون يحلمون به منذ قرون. فالثورة الاسلامية انبثقت فيايران عام 1979 بزعامة الامام الخميني.

هناك فرق بين النقد والتجديف. قد يندرج النقد تحت حرية الكلام أو التعبير إذ يمكن نقد دين او فكرة وفقاسس منطقية وإدراك دون استخدام كلمات مسيئة او ازدراء وتجديف.

فالتجديف: يُعرّف بأنه تشويه سمعة الدين او او اي معتقد ومقدس بالقول أو الفعل. فيكون الهدف من تجريم التجديف هو حماية المقدسات وتطويق مشاعر الكراهية للأديان.

فالحرية اذن لا تعني اثارة غضب مليار ونصف مليار مسلم.. ولا تعني سب الاله والاستهزاء بالرسل والانبياءوبمعتقدات الناس. بل هي تعقّل وابداع لترسيخ اواصر التعايش السلمي واشاعة المحبة والسلام.

من هنا يأتي خطابنا للمشنعين بفتوى الامام الخميني العظيم في اهدار دم صاحب الجريمة من بعد هذاالاستهتار الصارخ.

اقول: رُبَّ كلمة تقتل (لا رواية ماجنة من 250 صفحة ساخرة ومتجنية على الاسلام ونبيه الاعظم وتمسعرضه ومقدساته).

واقول: رُبّ شرارة تحرق سهلاً، فأنصفونا ايها العقلاء في ممالآتكم تحت حجة حرية التعبير. وحريٌبالضمائر الحرة ان توجه طعونها وانتقادها لمثل هذه المشاريع الخبيثة والسفاسف والازدراء.

بمناسبة الموضوع، فاني وجدت المشنعين واؤلئك الذين استنفرت نفوسهم لمهاجمة فتوى الامام ومناصرةحريّة رشدي في روايته الشيطانية انهم لم يقرأوا الرواية ولم يطلعوا على حجم الاستهتار والاساءةلمقدساتنا. بل انهم مجرد (طشّة) مع اؤلئك الذين يتربصون بالدين وبقداسته.

اليهم نقول ايضاً: ان قانون التشهير لعام 2009 جريمة جديدة بموجب الدستور الذي يعتبر نشر أو قولكلام إزدراء أديان جريمة توجب العقوبة من اجل الحفاظ على السلام المجتمعي.

وهناك دول تجرّم بشكل صريح الاساءة للاديان كاليونان واسبانيا والهند وجنوب افريقيا وسويسرا وغيرها، بل كانت هناك دول تجرّم بالسجن كل من يحرض على الكراهية ويتطاول على الدين والعرق كالدنمارك وفرنسا وكندا والبرازيل وفنلندا.

فالتجديف موضوع اخذ حيّزا كبيراً في مناقشات متعددة داخل رواق الامم المتحدة منذ العام 1999 وصدرتتوصيات تدين التجديف وتحظر التجديف.

وكذلك صدرت قرارات من قبل مجلس حقوق الانسان بهذا الخصوص لكن الحملة الهوجاء التي استقطبتجمهور العهر وافئدة المغفلين وألسنة الناقمين على الدين والتي خضعت لتوجه دولي معروف ادى الى الغاءهذه القوانين الكابحة لجماح الشواذ.

ففي الاصل كان التجديف جريمة بحكم القانون في بريطانيا ونيوزلندا وايرلندا وكندا بإعتبار ان الاغلب الاعممن سكانها من الديانة المسيحية وقد يعرّض التجديف الى الغضب الجماهيري.. لكن هذه القوانين الغيت مؤخراً في بريطانيا للسبب المتعلق بالمؤامرة والدناءة. ويتذرعون ان حظر ازدراء الدين كبح لحرية التعبيروانه سيعيد اوروبا الى الوراء المتأخر.

ليس خافٍ على عاقل ان تجريم التجديف بمجمله يؤسس لضبط قيم مجتمعية عالية تردع العنف والجريمة وتفتح الباب واسعاً أمام التعايش السلمي بين الأديان والتسامح المجتمعي بين الافراد بتنوع ثقافاتهم ودياناتهم. لكن هذا ما لا ترتضيه مؤسسات تسعى لتدمير النقاء تحقيقاً للهيمنة وتلبية للسادية والشذوذ والاطماع وإثارة العنف. فراحت هذه المؤسسات كلعنة تسند أمثال المجلة الفرنسية الهابطة (شارلي إيبدو ) ورسومها المسيئة حتى شملتها صولة الغضب التي قضت على حياة 12 شخص بينهم رسامو كاريكاتيروصحافيون وهم من اركان المجلة عام 2015 في الذكرى الخامسة والثلاثين للفتوى الخالدة.

أدرك بعدها بعض القضاة وعقلاء الكلمة والصحافة خطورة الامر فصدرت اثر الهجوم أحكام قضائية صارمةضد من يهدر كرامة مقدس لدى طائفة، لكن الامر ايضاً قابلته زمرة الشذوذ بذريعة حرية التعبير والدفاع عنحقوق الانسان وحريته في افكاره وإن كانت طوباوية سوداء، فقادة في بلدان اوربية أدانوا الهجوم علىالمجلة تحت عنوان حرية التعبير. لكن مطالب القضاة واصحاب الفكر المتزن أسسوا لحظر ازدراء الأديان فيعدد من بلدانهم. فمثلا رأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن النمسا لم تنتهك حرية التعبير بإدانة امرأةلأنها وصفت النبي محمد بـ (المتحرش بالأطفال).،! حيث أعادت المحكمة التأكيد على أن قانون حقوقالإنسان يعترف بحق عدم جرح المشاعر الدينية. في الوقت الذي رأى الشاذون ان قرار المحكمة هذا ضد حريةالتعبير.

وفي اسبانيا واجه الشاذ ويلي توليدو محاكمته لإزدرائه الدين بعد إبلاغ الشرطة عن منشوراته على موقعفيسبوك من قبل جمعية من المحامين الكاثوليك.

وكذلك الحكم ضد المغنية البولندية دودا، التي اساءت للدين المسيحي بقولها: إن الانجيل كتبه شخص كانتحت تأثير النبيذ والماريخوانا.

وفي الهند مؤخراً تم الحكم بإحراق اربعة هنود وهم احياء في ملأ عام بسبب اهانتهم لبقرة (يقدسها الهندوس). وهكذا في دول عربية واجنبية عقوبات صارمة من الحبس الى الاعدام لكل من يرتكب الازدراء. واننحو 20% من دول اوروبا تجرّم رسمياً التجديف، لكن بريطانيا وبعض الدول التي تهيمن عليها سطوةارادة شيطانية ألغت التجريم وتكلفت الملايين من الدولارات لحماية رشدي الذي ظل مختبئاً ثلاثة عقود ونصف مع استمرار فاعلية فتوى هدر دمه.. وكان بالامكان استصدار اعتذار وسحب الرواية بدلاً من اذاعتهابلغات العالم واستمرار الغضب الديني ضد هذا المعتوه وضد حماته.

فهل بعد هذا الاصرار يتوقع ان يحترم رشدي وان تقدم له باقة ورود من يد هادي؟

***

مصطفى الكاظمي - استراليا

 

في المثقف اليوم