أقلام حرة

(الزگرتي).. لم يعد مشبوهاً

ثامر الحاج امينحياة المجتمعات حافلة بالتطورات والتغيرات ويعود ذلك الى ان عقل الانسان ليس جامدا بل هو عقل حي متغير ومبتكِر على الصعيدين الفكري والعلمي، ومن الطبيعي ان يرافق كل تطور تحولات اجتماعية تستجيب لها المجتمعات طوعيا او تخضع لها مرغمة بفعل شدة التأثير عليها، ومنها المتغيرات التي تطرأ على نمط المعيشة والذي يختلف من مكان الى آخر ومن زمان لزمان أي ان ما يصح اليوم في هذا المكان من سلوك قد يعد مخالفا في مكان آخر وكذلك ما يكون معيبا اليوم قد يكون طبيعيا في الغد، وفي ضوء هذه الفكرة وفي خضم المتغيرات التي يشهدها واقعنا الاجتماعي تحضر هنا مفردة (الزگرتي) التي كانت شائعة ومتداولة في أوساطنا الشعبية وهي صفة ملازمة لكل شخص مجرد من العائلة، حتى ان حضورها زحف الى الامثال الدارجة فقالت في واحدة منها (انا زگرتي ما لحگتني غير تفگتي) أي ليس لي الا سلاحي، وفي صبانا كنا ننظر الى الزگرتي بشيء من الريبة وعدم الارتياح ذلك ان ما ترسخ في مخيالنا الشعبي هو ان الزگرتي لا عمل لديه سوى اصطياد النساء واستدراجهن الى صومعته، دون ان ندرك حينها ان هناك من بين الزكرتية معلمين وموظفين جاؤوا من مدن بعيدة من اجل تعلمينا وانجاز معاملاتنا واضطرهم الحال الى استئجار بيت مستقل أو غرفة في بيوت العوائل الفقيرة التي كانت تدفعها الحاجة المادية الى التنازل عن جزء من استقلالها، وأيامها كانت العوائل التي تقوم بتأجير واحدة من غرف بيتها للزكرتي تتعرض الى انتقادات الجيران وتصل الى المشاجرة احيانا بسبب الخشية على بناتها من قنص الزكرتي وايقاعهن في حبائله، والطريف ان الزكرتية التي كانت تشكل عندنا مصدر قلق وخوف وننظر اليها بشيء من الارتياب والدونية نجدها في سوريا تختلف في دلالتها وتحظى بمكانة مرموقة بين الناس فهم القبضايات الشجعان الذين تتجلى فيهم الشهامة وصدق الاقوال .

منذ عقود غابت هذه المفردة من قواميس حياتنا الشعبية وصار بمقدور أي شخص ودون مانع اجتماعي كالذي عليه من قبل استئجار شقة لممارسة طقوسه مع شيء قليل من التحفظ ومراعاة حقوق الجوار .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم