أقلام حرة

الإمامُ الحسينُ وَالقِصَّةُ الكبيرة

لِكُلِّ انسانٍ في هذهِ الحياةِ قِصَصٌ صغيرةٌ وقِصَّةٌ كبيرةٌ، القِصَصُ الصَّغيرةٌ، هي عبارة عن اهتماماتِ الانسانِ بشؤونِهِ الخاصَّةِ. واهتمامُ الانسانِ بِشؤونِهِ الخاصَّةِ وشؤونِ مايرتبط بها من أُمورٍ عائِلِيَّةٍ وجعلها محوراً تَدورُ عليها حياتُهُ، هذهِ تُشّكِّلُ قِصَّةً صغيرةً.

 كثيرٌ من الناسِ يجعلونَ قِصَصَهم الصَّغيرةَ، الْمِحورَ وَقُطبَ الرّحى، الذي تدورُ حياتُهُم حولَهُ.

وأنا هنا لا أدعو الى أَنْ لايهتمّ الانسانُ بحياتِه الشَّخصِيَّةِ والعائِلِيَّةِ، بل الاهتمامُ بها من الواجب الذي أَمَرَنا اللهُ تعالى بِأَدائِهِ. ولكنني أدعو ان لا تكونَ هذِهِ القِصَصُ الصغيرةُ هي محورُ اهتمامِ الانسانِ. بل ينبغي أَنْ تكونَ لهُ قِصَةٌ كبيرةٌ، أَو يربطَ قِصَصَهُ الصغيرةَ بالقِصَّةِ الكبيرةِ.

ولِأَضربَ مثلاً على كَيْفِيَّةِ رَبطِ الانسانِ القصة الصَّغيرة بالقِصَّةِ الكبيرة، وهذا المثالُ هو المظاهرات، الذي يخرُجُ في المظاهرةِ من اجلِ قِصَصِهِ الصغيرة، الجوع والفقر ونقص الخدمات التي هي قصص شخصيَّةٌ يعيشها الفردُ، فتجد هذا الفرد الذي يَعيشُ قِصَصَهُ الصغيرةَ، يقطعُ الطرق ويحرقُ المؤسساتِ ويقتلُ؛ لانَّهُ حَوَلَّ قِصَّتَهُ الصغيرة وجعلها قِصَّةً كبيرةً. أَمّا اذا ربطَ قِصَّتَهُ الصغيرة بِقِصَّةٍ أَكبر وهي قِصَّةُ الشعب الذي يعيش نفس هذه القصص فيكون لحركته معنى وانظباطاً،ولن يحرقَ مُؤسساتِ الشَّعب ولا يُعَطِّلُ الدوامَ ؛ لانَّ قصَّتَهُ ارتبطتْ بقصةِ الشعب ومعاناته ارتبطت بمعاناة الناس وهمومه بهمومهم؛ فبالتالي هو لايحرقُ مؤسساتِ الشعب ويعرفُ أَنَّ لهُ حدوداً لابُدَّ ان يقفَ عندها.

مُشكِلَةُ الامامِ عليٍّ (ع) مع كُلِّ الذينَ خاصموه، هو أَنَّهُ (ع) كان يعيشُ القِصَّةَ الكبيرةَ، قِصَّةَ الأُمَّةِ كُلِّها، وَأَنَّ خُصُومَهُ كانوا يعيشونَ قِصَصَهُم الصغيرة، وَأَطماعَهُم الدنيويَّةَ.

المشروعُ الحُسَيْنِيُّ ليسَ قِصَّةً صغيرةً؛ لانَّ الصراعَ لم يكنْ صراعاً شّخصِيّاً، ولم يكنْ صراعاً بينَ أُسَرٍ وعائلاتٍ حتى يكونَ هذا المشروعُ قِصَّةً صَغيرةً، بل كان المشروعُ الحسينِيُّ قِصَّةً كبيرةً ؛ لانَّهُ كان صراعاً من اجل الاصلاح، والاصلاحُ قِصَّةً كبيرةً وليس مجرد كلمةً بسيطةً تلوكها الأَلْسُنُ، أَوْ شعاراً يرفعُهُ أَصحابُ المصالحِ الذينَ واجهوا الحسينَ (ع) في مشروعِهِ الاصلاحيِّ. " خرجتُ لطلَبِ الإِصلاح في أُمَّةِ جَدِي" هيَ مشروعٌ نهضوي كبيرٌ وقِصَّةٌ كبيرةٌ. كان مشروعُ الامامِ الحسين عليه السلام مشروعُ إنقاذ أُمَّةٍ من بَراثِنِ الاستبدادِ، ووضعِ قدمِها على الطريقِ الصحيح. اذن: الامامُ الحُسَيْنُ (ع) صاحبَ مشروعٍ كبيرٍ وقِصَّةٍ كبيرةٍ. العظماء دائماً هم اصحابُ القِصَصِ الكبيرةِ، يُضَحُّونَ من اجل هذه القصة بكل قصصهم الصغيرةِ وبكلِ مايملكون، والامامُ الحسين في مقدمة هؤلاء الكبار. اَمّا الصغار والتافهون فَيُضَحُّونَ بالقصةِ الكبيرةٍ لِحسابِ قِصصهم الصَّغيرةِ.

***

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم