أقلام حرة

بين الضيف والمضيف!

تشهد طرق العراق وشوارعها منذ أسابيع وإلى هذه اللحظة آلاف المحطات من التواصل الوجداني والعلاقة الإنسانية بين زوار أربعين الإمام الحسين عليه السلام من جانب، وبين أسر وأهالي القرى والمدن العراقية من جانب آخر.

لوحة رائعة رسمها أهل العراق للملايين من ضيوفهم بمداد حاتمي مبهج طافح بالجود والكرم، يملأه الود والحب والتعاطف والروح العبقة إلى أبعد الحدود.

علاقة غير عادية لم نراها في أية بقعة من بقاع العالم، بل لم نسمع مثيلا لها عبر محطات التاريخ، حين يتعاطى كل مضيف بكل سخاء وكرم مع كم كبير من البشر لم يلتقيهم من قبل، وليس لديه معرفة سابقة بهم إلا كونهم من زوار الحسين ع. فتفتح لهم أبواب البيوت لاستقبالهم، وتصرف قوت السنة لتقدم كل أنواع الخدمة في سبيل إشاعة الراحة والطمأنينة والسكينة لهم. كل ذلك من أجل كسب الثواب ونيل عظيم الأجر من رب العزة والجلالة.

هذا السلوك الفطري الذي ينطلق من دوافع قيمية وتأسيس عقدي منبعه خلطة سحرية لا يجيد مزجها إلا من تشرب فؤاده بعشق الحسين ع، هذا الإمام الذي خرج لنصرة دين الله والحفاظ على ذكره، وقتل في سبيله هو وأبنائه وخيرة أصحابه وسبيت نساءه قربانا لإحياء دينه، والتضحية بكل ما يملك من أجل ضمان عدم الانحراف عن القيم الإنسانية النبيلة كالعدل والحرية والاستقامة والحق والجهاد والتضحية. وما هذه العلاقة بين ملايين الضيوف الزوار، ومع من يخدمهم إلا إحياء لجميع هذه القيم.

حقا هي محطة ملفتة في حياتنا المعاصرة لا يمكن إلا الوقوف أمامها بكل إجلال واحترام وامتنان وتقدير، واستلهام معانيها العبقة واستيعاب رسائلها القيمة من الشرف والعزة والكرامة دروسا لتقويم مسارنا إلى التكامل والكمال.

***

د. سامي ناصر خليفة

في المثقف اليوم