أقلام حرة

حالنا من القانت الى سعدون

لا تشغل بالك، عزيزي القارئ بمحاولة الوقوف على معنى وجود المطرب سعدون الساعدي في باحة مدرسة ابتدائية يلقي على الطلبة الصغار دروساً في كيفية أن تصبح مليونيراً من خلال نشيد "صمون عشرة بألف"، ففي الحقيقة أننا نعيش عصر الرثاثة بكل معانيه، ففي الوقت الذي تعجز فيه الحكومة من توفير مناهج دراسية جديدة للطلبة، يتمكن شخص من تأسيس شركة برأسمال قدره خمسة ملايين دولار، ليستولي بعدها على 840 مليار دولار، ولأننا نعيش في عصر الشركات الوهمية التي لفلفت مليارات الدولارات في وضح النهار، فإن ظاهرة سعدون الساعدي لن تكون غريبة عن مجتمعنا.. قبل عقود كتب الصحفي الشهير أحمد بهاء الدين في عموده اليومي الذي كان ينشره في صحيفة الأهرام عن ظاهرة أحمد عدوية والانفتاح في مصر الذي قضى على الطبقة الوسطى بأن البلاد تحولت إلى "سداح مداح"، فما الغريب حين نقرأ أن صاحب شركة اسمها القانت  يريد ان يلعب باموال الدولة "سداح مداح "، وبمعاونة أحزاب نافذة يتحول إلى ملياردير يشتري بيوتاً في المنصور والجادرية وبنايات في اليرموك، باموال دائرة الضرائب ، ويحول الباقي إلى بنوك في الخارج..

لا أعلم ما هو شعور عائلة تنتظر أن تتعطف عليها الحكومة وتضع اسمها ضمن قوائم الرعاية الاجتماعية لتستلم نهاية الشهر 200 ألف دينار، وهي تسمع أن أشخاصاً استطاعوا أن يسرقوا تريليونات من الدنانير، وهم مطمئنين إلى أن لا أحد سيحاسبهم.

شركة القانت التي استمدت اسمها من مفردة تدل على الورع ، هي نتاج لمرحلة العشوائيات في إدارة الدولة، وهي ابنة لمرحلة يراد للقيم أن تنهزم فيها وأن تتوارث البلاد سلالة تسعى لإشاعة الركاكة والرداءة والانتهازية والوصولية. ولهذا يخطئ من يتصور أن فضيحة أموال الضرائب ستكون الأخيرة في سجل فضائح الدولة العراقية، أو أن الذين قاموا بها هم نفر ضالّ لا يمثلون الطبقة السياسية، ذلك أنه من الواضح أننا أمام عملية سطو منظم على مقدرات وثروات البلاد.. ولهذا أجد من العبث ان تخرج علينا هيئة النزاهة ببيانات ثورية عن الإطاحة بالفاسدين، ومن المضحك أن ننظر للأمر من زاوية ضيقة تقول إن القضاء أمر بإجراء تحقيق في القضية، ذلك أن القصة باكملها تعبّر عن غياب وتغييب لمفردة نسيها المواطن العراقي اسمها القانون .

والآن، هل تصدقون معي أن هذه الطبقة السياسية بوضعها الحالي تفتح أبوابها للعدالة الاجتماعية ، وأنها مشغولة، أصلاً، ببناء دولة المؤسسات؟.. فنحن أمام مجموعة تدافع عن سرقة المال العام .

حكاية شركة القانت والخراب الذي يحيط بالتعليم والصحة والصناعة والزراعة، يثبت لنا بالدليل القاطع كيف سرق منا حتى الحلم بمجتمع مستقر مزدهر. وتعالوا نتساءل: لماذا أصبحت غالبية الناس لا تهتم اذا شُكلت الوزارة، ام لا!!

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم