أقلام حرة

الاقتصاد العراقي ما بين غباء صدام ولصوص اليوم

هنالك مغالطات تاريخية تطرح عبر وسائل الاعلام او مواقع التواصل الاجتماعي بهدف التضليل، حول الإدارة الاقتصادية في عهد صدام، وللفترة من 1979-2003، فالبعض يعتبرها فترة ازدهار اقتصادي! وان صدام كان ذو نظرة اقتصادية ثاقبة! وانه اهتم بالاقتصاد العراقي وعمل على تقويته! في افكار عجيبة غريبة، والبعض يعتبرها فترة تخبط وغباء لسلطة صدام! فبسبب رعونة صدام اضاع الاموال العراقية بمغامراته الغبية، وتسبب بديون ضخمة كبلت العراق لعقود قادمة، لذلك كان الاعوجاج في البناء هو التركة الثقيلة التي استلمها لصوص الحكم الجدد، والذين كان همهم الاول التمسك بنهج صدام في تبديد الاموال العامة.

كان الاقتصاد العراقي في السبعينات يعتبر من أقوى الاقتصاديات في المنطقة، بل كان العراق مرشح أن يصبح قوة مالية مؤثرة، نتيجة الثورة الاقتصادية وأسعار النفط المرتفعة، الى أن حصل التغيير السياسي في العراق، حيث تم عزل الرئيس البكر وتنصيب صدام نفسه بالقوة والترهيب رئيسا للعراق، مع دعم امريكي وصهيوني.

حروب صدام والخسائر الاقتصادية

ومع صعود صدام لكرسي الحكم دخل الاقتصاد العراقي مرحلة مخيفة، ففي الأشهر الأولى لحكمه دخل صدام في حرب ضد إيران، دفعه الغرب لشنها لتقاطعهم مع الحكم الايراني الثوري، فكان صدام المهرج الذي يتحرك بالإرادة الامريكية، والحرب تعني تكاليف ضخمة جدا، ومما يعني تحرك الخزين القومي لشراء السلاح، بالاضافة لتحمل ديون باهظة في سبيل توفير السلاح.

كان صدام يظنها حرب قصيرة، لكن الغرب كان يهمه فتح سوق السلاح واستمرار تدفق السلاح لذلك استمرت ثماني سنوات، أكلت معها الأخضر واليابس، وخرج العراق مديونا بأرقام مخيفة، مع انه كان في عام 1980 يملك احتياطي يقدر ب 300 مليار دولار! وهو رقم عملاق في ذلك الوقت، مع الأسف كله تبخر في سنوات الحرب مع إيران!

ثم تلتها العقوبات الدولية القاسية بعد آب/1990، نتيجة حرب صدام الثانية بعد دخول الكويت، حيث ضاع كل ما تم تأسيسه طيلة العقود السابقة، بسبب تكاليف الحرب الكبيرة، والضربات الجوية التي طالت جميع مؤسسات الدولة، وحتى المعامل والمصانع القطاع الخاص، أي انه تم تدمير البيئة الاقتصادية العراقية بكاملها.

غياب التخطيط الاقتصادي

غياب الخطط الاقتصادية الرصينة، ومغامرات صدام غير المحسوبة النتائج، تسببا في تدهور الاقتصاد العراقي ليصل لأسوأ مراحله في عام 2003، ولولا العقوبات الدولية التي أجبرت صدام على بيع النفط مقابل الغذاء والدواء، لما تحصل الشعب على تلك المعونة الغذائية الشهرية، والتي كانت عون مهم للشعب في تلك الفترة، والتي أخمدت نار الثورة. 

المؤشر هنا ان غياب الخطط الاقتصادية واضح في مسارات الحياة الاقتصادية من عام 1980 والى يومنا هذا ، مما يعني استمرار التخبط وضياع الفرص،

العهد الجديد والفساد الاقتصادي

وبعد انتهاء مرحلة صدام وبزوغ عهد جديد، حيث الحكومات الديمقراطية المنتخبة من قبل الشعب، لكن مع الأسف انتشر مرض الفساد ليعطل كل مؤسسات الدولة، وهذا المرض الخطير كان بدعم امريكي ومساندة بعثية، حيث لا يراد للعراق الاستقرار الاقتصادي، وهكذا تضيع الأموال المخصصة سنويا، فالصناعة تعيش أسوأ مراحلها، والزراعة شبه ميتة، إما التجارة فهي لجذب البضائع الرديئة للسوق العراقي، والذي تحول الى سوق كبير للنفايات.

فقط كان الاعتماد على إيرادات النفط، وأهملت تماما الزراعة والصناعة وتم نهب الموازنات السنوية، وتحول مبلغ كبير رواتب للطبقة السياسية، ومنافع عجيبة، وحتى تعاقدات مؤسسات الدولة أصبحت دينصورات الاحزاب شريكة فيها، وهكذا دخل العراق في نفق مظلم طيلة 19 عام من نهب أموال خزينة الدولة، من قبل حيتان الطبقة السياسية، وبعض الاحزاب الفاسدة، وبقايا البعث.

تشريع قوانين نهب الخزينة

ونتذكر جيدا الأزمة في السوق النفطية، عندما هبط سعر البرميل الى ثلاثين دولار، حيث تعرض العراق لهزة عنيفة، نتيجة الإنفاق السنوي الكبير ومن دون أي اهتمام بقطاعي الزراعة والصناعة، معتمدين فقط على إيرادات بيع النفط، فوصل الحال بالسلطة للتلويح بعدم توزيع رواتب الموظفين!

بالمقابل قامت السلطة التشريعية بتشريعات ظالمة، فمن جهة تشرع  قانون بزيادة الاستقطاعات من الموظفين، ومقابل هذا تشرع قانون ظالم تعطيهم تقاعد ضخم جدا لكل الطبقة السياسية (البرلمان، الوزراء، الوكلاء، رؤساء الهيئات المستقلة، الرئاسات الثلاث)، وهذا ينذر بمستقبل مخيف فبعد ثلاثين عاما سيصبح جيش كبير من هذه الطبقة هو من يستولي على الموازنة باعتبارها رواتب تقاعدية.

الاتفاقية الصينية ونباح الكلاب

وعندما جاء حلا سحريا للعراق عبر الاتفاقية الصينية، حيث تعتبر فرصة تاريخية للأعمار والاستقرار الاقتصادي، لكن عندها هب ابناء عفلق وعشاق النهب وعبيد الصنمية وبتحريك من القوى الظلامية الى رفض الاتفاقية الصينية، ليس خوفا على العراق! بل  لأنها ستسبب بخسائر كبيرة جدا للأمارات والكويت والسعودية واسرائيل ومصر والاردن، وهنا يتضح من يحرك من! فكانت تظاهرات تشرين التي نجحت في ايقاف الاتفاقية الصينية وعزل الرجل الساعي لتوقيعها (عادل عبد المهدي)، ثم جاءت سلطة جديدة تتناغم مع من سعى بالضد من الاتفاقية الصينية، لتحصل فواجع اقتصادية لا تعد ابتداء من رفع سعر الدولار، وكان رفع سعر صرف الدولار ذو هدفين

- الاول: خنق الشعب والسعي لسحقه، كي تستمر سطوتهم على الحكم والسيطرة على الخزينة العامة.

- الثاني: للضغط على الجمهورية الايرانية، التي مازالت تحت الحصار الاقتصادي الغربي.

اخيرا

فألان العراق يعيش أسوا مراحله الاقتصادية، والغريب أن لا توجد خطط واضحة أو برامج معلنة، لتصحيح أخطاء الأمس، بل يبدو أن الساسة مستمرين بسلوكهم الاقتصادي السلبي، المبني على أساس استهلاك كل ما يدخل خزينة الدولة، وأخيراَ نقول: هل سيأتي يوم ويعيش العراق ضمن خطط اقتصادية رصينة، تنمي حاضره وتحمي مستقبله، ام ستستمر عملية (الفرهود) لخزينة الدولة والتي تمارسها حيتان كبيرة مدعومة من الكبار!؟

***

بقلم/ اسعد عبدالله عبدعلي

في المثقف اليوم