أقلام حرة

لا يسمعون ولا يقرأون!!

نعيش في عصر لا أسمع ولا أقرأ، يدعو للتفاعل الفوري المستقيد، فما عاد البشر الجديد يقرأ مثل أسلافه، ولا يجيد الإصغاء، إنه متحفز الحواس وينطلق بقوة نحو ما يجيش في دنياه.

قد يستغرب البعض مما تقدم، لكنه لو نظر في نفسه وما حوله لتبين له بأن عصر القراءة إلى أفول، وتشير الإحصاءات في المجتمعات المتقدمة لتدني مستويات القراءة عند الطلبة في جميع المراحل، فكيف بأطياف المجتمع الأخرى؟

إن وسائل التواصل المتسارعة تستدعي إختصار فترة التركيز والإنتباه وتكثيفها، بحيث لا تتجاوز بضعة دقائق إن لم نقل ثواني.

فالبشر في دوّامة الإستجابات الإنعكاسية، والفرق واضح بين إستجابات أجيال القرن العشرين وأجيال القرن الحادي والعشرين، الذين يتسمون بالسرعة الفائقة والقدرة على قطع مسافات طويلة بلمح البصر.

وعندما نقارن بين أبناء المجتمعات المتقدمة والمتأخرة، فكأننا نقارن بين سرعة الفهد والسلحفاة، ولا تزال أقلام أجيال القرن العشرين تكتب على ذات الإيقاع المترنح في دروب الأيام، وتريد أن ترسّخ مفاهيم إندثرت وما عادت ذات قيمة ومعنى في القرن الحادي والعشرين.

إنها ذات الحالة التي تمر بها البشرية عقب إنتقالها من قرن لآخر، فالقرون ما عادت تسير على ذات السكة المعهودة من قبل.

ولهذا ربما  القراءة بلا فائدة ولا تمنح ما يسوّغ التواصل بقراءة كتاب، فالجيل الصاعد يريد كبس حشد من الأفكار في بضعة كلمات، وخير الكلام ما قل جدا ودل!!

إنها نبوءة أجدادنا الذين ركزوا في عصر الأمة الذهبي على الإختصار، وكان في مقدمة الذين إختصروا كتب جهابذة المعارف في زمانه وقبله (إبن منظور)، (630 - 711) هجرية، فأدركَ مبكرا أن الإختصار هو الطريق الذي ستسلكه الأجيال،  وها نحن في عصر الإقتضاب والحث على القراءة الخاطفة، والإيقاع المتسارع اللازم لبث الأفكار.

فهل بقي للكتاب دور كما كان في سالف الأزمان؟

يبدو أن الحالة النفسية التي أوجدتها معطيات القرن الحادي والعشرين لا تعزز ذلك، وصارت الشاشة الصغيرة بعباراتها الخاطفة ولغاتها المستحدثة، الوسيلة الرائدة للتفاعل المعرفي بين أبناء القرن العجيب المبتكرات.

***

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم