أقلام حرة

دولة رئيس مجلس الوزراء..مع التحية

وزير التعليم العالي!

اتحدث لجنابكم الكريم بوصفي قضيت اربعة عقود في التعليم العالي، وكنت في التسعينيات عضوا في لجنة من ثلاثة اكاديميين مهمتها اختبار صلاحية حملة الدكتوراة القادمين من جامعات امريكية وبريطانية ودول اخرى للتدريس في الجامعات العراقية، ومحاضرا لربع قرن بمركز طرائق التدريس الذي يقوم بدورات تدريبية للتدريسيين بهدف الارتقاء بمستوى التعليم الجامعي، واستاذا في جامعات عراقية وعربية، ومشرفا على أكثر من سبعين اطروحة دكتوراة، ومؤلفا لكتب منهجية تدّرس في الجامعات. وكنت مقرر اول مؤتمر للتعليم العالي بعد 2003 في (ايلول 2004)، وفيه اقر ستة اهداف من اصل ثمانية وضعتها انا ومعتمدة حاليا في الوزارة، وانتخبت في (2005) رئيسا لرابطة اساتذة جامعة بغداد، وقبلها حصلت في(2000) على تكريم وزارة التعليم العالي الخاص برعاية العلماء.

اقول هذا معتذرا ومضطرا، لأن السياسيين لا يعرفون غير السياسيين ولا يرتاحون لعلماء النفس والأجتماع المستقلين لأنهم يقولون الحقيقة، ولأن العراق بعد 2003 صار طاردا للأكاديميين، ولأن معظم الذين تولوا هذه الوزارة ما كانوا مؤهلين، ولا يعرفون أن اهم وأخطر وزارة في العراق هي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. فهم لا يدركون ان التعليم العالي يعدّ أحد أهم المحركات الرئيسة لأداء النمو الأقتصادي والتقدم الأجتماعي والتنمية من خلال تعزيز الابتكار وزيادة المهارات العالية للخريجين، والقدرة التنافسية للدول بوجه عام وللأفراد بوجه خاص. وأنه الوسيلة التي تعمل على تحسين نوعية الحياة للناس ومعالجة التحديات الأجتماعية والعالمية الكبرى، وأن تقدم الدول يعتمد بالدرجة الأساسية على البحوث العلمية التي ينجزها العقل الأكاديمي، وانها هي التي تعد العقول العلمية التي تبني الانسان والوطن..فضلا عن أن اساتذتها موزعين بين مستقلين سياسيا وبين من يحتل مواقع متقدمة في الأحزاب العراقية، وان صوتهم مسموع في الفضائيات العراقية والعربية والأجنبية.

في ضوء ما اوجزناه في اعلاه عن اهمية وخطورة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي..فان تساؤلي لجنابكم الكريم، هو:

ما المؤهلات التي يتمتع بها من اخترته وزيرا لهذه الوزارة؟

استطلاع رأي

من عادتي انني استطلع الرأي في قضايا كهذه، فتوجهت بهذا الأستفسار:

(أرجو تزويدي بمعلومات حقيقية وموضوعية عن وزير التعليم العالي الذي اختاره السيد السوداني ..؟).

في ادناه نماذج من اجابات اكاديميين ومثقفين ونشطاء:

* رجل راكز نفسيا واجتماعيا ومتوازن. درس في جامعة الكوفة لغة عربية وكان مهذبا ومنتظما ولبقا وذكيا. سياسيا هومجاهد بطل وشجاع ولا يخشى شيئا.

* على عيني سياسي ومجاهد وبطل وشجاع..بس هاي وزارة تعليم عالي.

* الوزير منصب سياسي في كل بلاد الدنيا، جينين بلاسخيرت كانت قبل تسلمها منصب ممثلة الأمين العام في العراق وزيرة دفاع هولندا.العبرة في إدارته للوزارة والتزامه بالأنظمة والقوانين وتطوير التعليم ومؤسساته.

* باعتقادي اول قرار سيصدره ويطبق على الجامعات هو التزام الطالبات بالحشمه والأخلاق، هذا اولا

ثانيا - إضعاف دور الجامعات الحكوميه وزياده الاهتمام( بالنسبه العدديه) للجامعات الاهليه،

ثالثا - سيكون منح الشهادات الجامعيه المزوره على قدم وساق وبالمزاد العلني.

* لا تسعد الامة إلا بثلاثة: حاكم عادل، وعالم ناصح، وعامل مخلص، وان شاء الله يكون عامل مخلص. نتمنى له التوفيق، والايام القادمة سوف نرى ما يقدمه هذا الشاب الغيور.

* استاذي، انت اعرف منا بهذا الامر وهو واضح حاله حال الاخرين، الامر ليس للمؤهلات ولكن للتوافقات.

* يقال انه اكمل دراسته العليا في لبنان في الجامعة الاسلامية والتي الغي الاعتراف بها من قبل التعليم العالي.

* المحاصصة والانتماء الحزبي هو الحاكم، اما الكفاءة فهذه محذوفة من القاموس عندهم.

* السؤال، هل عمل في الجامعات العراقية حتى يعرف مشاكلها ويحلها؟!هل قدم محاضرات للطلبة؟ واين نشرت بحوثه، السيرة الذاتية تدل على ضعف علمي لهذا الشخص.

* انطو الرجال فرصة يشتغل وبعدين احجو عليه.

* ادري اشلون انطيه فرصه هو لا صاير معاون عميد ولا عميد ولا رئيس جامعه اشلون اتريده يقود وزاره ويعوفون البرفسوريه والدكاتره خريجين جامعات عالميه ويجيب واحد خريج جامعه مزوره!.

وزارة التعليم العالي.. تاريخ

تأسست وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق عام 1970 وكانت الدكتورة سعاد خليل اسماعيل اول وزيرة لها (اجريت معها لقاءا صحفيا لجريدة الجامعة التي اصدرها وزير التعليم العالي الدكتور منذر الشاوي، ببيتها في الصليخ عام 1989)، تلاها الدكتور هشام الشاوي..محمد صادق المشاط..منذر ابراهيم الشاوي..وكان معظم من تولى هذا المنصب يحملون شهادة الدكتوراه من جامعات عالمية رصينة، وخبرة غزيرة وبمرتبة (بروفيسور)، وخرجت اساتذة اسسوا كليات في بلدان عربية..الى ما بعد 2003 حيث كانت الأنتكاسة.

علي الأديب.. مثالا

تولى السيد علي الأديب منصب وزير التعليم العالي في (2010)، وبدعوة من مكتبه، جرى في نيسان (2012) لقاء شخصي معه عرض عليّ العودة الى بغداد مع تلميح نقله لي ملحق ثقافي كان حاضرا اللقاء بأسناد موقع اكاديمي كبير لي.. فشكرته واعتذرت. وفي نهاية اللقاء اسديت له نصيحة كانت بالنص:

ان سيكولوجيا السلطة في العراق عودت المحيطين بالمسؤول ان يقولوا له ما يحب ان يسمعه، واخشى أن يكون المحيطون بك من هذا النوع وبينهم من هو حديث الخبرة.. وعليه اقترح على جنابك تشكيل هيئة مستشارين بدرجة بروفيسور من الاختصاصات العلمية والانسانية على ان يكونوا مستقلين سياسيا.. ولم يأخذ بها فكان التراجع الكبير لمستوى الجامعات العراقية واقحامها في السياسة الطائفية..شاهد على ذلك، انني دعيت لمناقشة اطروحة دكتوراه في الجامعة المستنصرية، وحين دخلتها لم اصدّق أنني ادخل جامعة بل جامعا! حيث اللافتات السود من مدخلها الى أروقتها..مكتوب عليها عبارات شيعية بعضها فيه ما يبعث على الكراهية والتحريض الطائفي.

نعيم العبودي.. كيف سيكون؟

ما اتصف به سلفه السابق السيد علي الاديب ينطبق على السيد نعيم العبودي، فكلا الرجلين امتهنا السياسة، الأول في حزب الدعوة والثاني في (عصائب اهل الحق). ولا يعنيني هنا معتقدات (الحزبين)، بل المؤهلات التي ينبغي ان يتصف بها من يتولى هذه الوزارة.

ان السيد العبودي لا يمتلك مؤهلات وزير تعليم عالي وبحث علمي في بلد كالعراق متعدد القوميات والأديان والمذاهب والثقافات.فالرجل (الشاب) تلقى محاضرات ثقافية ودينية ونضال وجهاد سياسي صاغت فكره بآليات دوغماتية ومعتقدات طائفية..تؤثر كلها في أدائه الوظيفي وان حاول تحييدها، وانه سيخضع لما يريده من رشّحه ومن يتولى قيادة (عصائب اهل الحق) التي ينتمي لها، وان كانت ضد ارادته.

وبغض النظر عن التهمة الشائعة عن الجامعة الأسلامية في لبنان (التابعة للمجلس الأعلى الشيعي في لبنان) التي منحته شهادتي الماجستير والدكتوراه، من انها تمنح شهادات مزورة او بثمن.. فانها جامعة غير رصينه لا تؤهل من يتخرج فيها ان يتولى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق.يؤكد ذلك أن وزارة التعليم العالي كانت قد اصدرت قرارا بتعليق الدراسة في ثلاث جامعات لبنانية (الجامعة الحديثة للأدارة والعلوم، الجامعة الأسلامية في لبنان، وجامعة الجنان) لعدم التزامها بمعايير الرصانة العلمية..ما يعني ان السيد نعيم العبودي ليس مؤهلا اكاديميا لتولي هذا المنصب الرفيع، ولا يمتلك الخبرة، ولن يأخذ بالنصيحة التي كنا اسديناها لسلفه علي الأديب، لأن سيكولوجيا السلطة في العراق عودت حتى الحاكم المستقل سياسيا ان يحيط نفسه باشخاص يقولون له ما يحب ان يسمعه، فكيف اذا كان سياسيا ومنتميا الى (عصائب أهل الحق)!.

في ضوء ذلك فان التعليم العالي سيتدهور اكثر، ومؤكد ان امر تغييره الآن ليس مناسبا، لكننا نتوقع ان سيادتكم ستراقبون اداءه، وتتابعون ما سيكتبه اكاديميون نخبة من داخل العراق وخارجه، فتعمدون اولا الى توجيهه قبل ان تضطروا الى ان تأتوا ببديل يكون قادرا على اصلاح ما افسده غيره في اهم مؤسسة علمية.. فبالعلم والعلماء يبنى المواطن والوطن، مع خالص تمنياتنا بالموفقية.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم