أقلام حرة

هل سيصلح المونديال القطري ما أفسدته الحرب الروسيكرنيّة؟

تفصلنا أيام قلائل – نحن في اليوم الثالث من شهر (نوفمبر) 2022 م – عن انطلاق العرس الكروي في دوحة العرب، وقطر المحبة والسلام والوئام. والعالم الرياضي، وغير الرياضي، في شوق وترقب لصفارة الانطلاقة الموندياليّة.

و تشاد الأقدار – ولا مردّ لمشيئتها – أن تقام منافسات كأس العلم.. في ارض عربيّة إسلاميّة خليجيّة، لا تزيد مساحتها عن...، لكنّ عقول أبنائها، من ساسة ومثقفين وإعلاميين وعسكريين، اكبر ممّا يتصوّر المرء العاقل.

إنّ عبقريّة الأمم لا تقاس بما تملكه من أراض شاسعة، وثروات باطنيّة وظاهرة وصلبة وسائلة، مائيّة وبريّة، إنّما تقاس بما تحوزه من العبقريّة العقلية الحيّة، الراشدة، المفكّرة، المتطلّعة إلى التسامي والتميّز. والدولة القطريّة الشقيقة، ومواطنيها، من الرجال والنساء والشباب والشابات والكهول والشيوخ، قد تجلّت فيهم روح العبقريّة، التي فاقت الحدود الجغرافيّة، والحيّز الترابي ومجاله.

و أود، حتى لا أطيل في المقدّمات، كي أبلغ النهايات والغايات، دون أن يملّ القاريء، أن اطرح التساؤلات التاليّة: هل سيصلح مونديال قطر، ما أفسدته الحرب بين الإخوة (كرامازوف) في روسيا وأوكرانيا؟ هل سيضع المتحاربون السلاح، ويعود الجيشان المتحاربان إلى الثكنات؟ هل ستعاد الأسلحة إلى مخازنها، ويفرح الآباء والأمهات والجدّات والأجداد لعودة أبناءهم من جبهات القتال سالمين؟ هل ستبتهج الزوجات برجوع أزواجهن إلى دفء أحضانهنّ، وقد بدأت معالم الشتاء تزحف على العواطف الزوجيّة؟ هل سيعود للأبناء آباؤهم؟

تلك تساؤلات، راودتني عن نفسي، وأنا أشاهد، عبر منصات الشاشة ومواقع التواصل الاجتماعي، حجم الفرح والسرور والسلام في شبه الجزيرة القطريّة. لقد بدأت – فعلا – تظاهرات المونديال القطري، منذ ان فازت قطر الشقيقة، بتنظيم الكأس الغالية. يومها لم يصدق الأشقاء والأعداء، أنّ كأس العالم ستحط رحالها في أحضان قطر، وراودهم الشكّ – إلى درجة اليقين – في قدرة هذه الإمارة العربيّة، الإسلاميّة، الخليجيّة، الصغيرة مساحة، على تنظيم تظاهرة رياضيّة بمثل هذا الحجم. وبدأت الدسائس الشيطانيّة تحاك في الخفاء والعلن من أجل سحب شرف التنظيم من دوحة العرب والمسلمين، بل والإنسانيّة جمعاء. ولكنّ (أسكتت جهيزة قول كلّ خطيب ومتقوّل) و(ألقم كل كلب عوى ونبح حجرا) وواصلت القافلة سيرها، حتى بلغت مكمنها. وعادت أسراب الغربان الناعقة إلى وكناتها مهزومة، كسيرة القوادم.

إنّ الرياضة – قبل أن تكون نشاطا بدنيّا وعضليا – ارتقاء ذهنيّ و نفسي، يمارسها الإنسان الحرّ، العاقل لصقل المشاعر وتقويمها، والسموّ بالعواطف الإنسانيّة، الفطريّة إلى مواطن الحكمة والتعايش والتعارف والتعاون. ورياضة كرة القدم، كإحدى الرياضات الجماعيّة الأكثر شعبيّة ومتعة في عصرنا، قادرة على ترسيخ هذه المباديء الإنسانيّة الساميّة، السالفة الذكر.

كم أتمنى، أن يرمّم المونديال القطري، العلاقات الدوليّة الحاليّة، القائمة على – في معظمها – على المكايد والدسائس والطمع والحسد والعدوان والبراغماتية البغيضة، المتوحّشة.

ماذا لو دفن المتحابون الروس والأوكران أحقادهم، ووضعوا أسلحتهم جانبا، وطردوا شياطين الحرب من تحت نمارقهم؟ ماذا لو ندموا على ما فعلوه وسبّبوه من مآس ومظالم للأبرياء؟ ماذا لو تسامحوا وتعانقوا، وعاد كلٌّ منهم إلى حدود ه التربيّة، وفسحوا المجال المجال لأطفال أوكرانيا وروسيا والعالم أجمع لرؤية مباريات (سلميّة) على ملاعب قطر الرائعة؟ أليس ذلك هو عين الحكمة؟ أليست الرياضة قادرة على إصلاح ما أفسدته السياسية؟ بلى، والله. إنّ الروح الرياضيّة لقادرة على بثّ البهجة والمتعة في أعماق البيوت الأهليّة، ولو كانت في كوكب غير كوكب الأرض.

اعلموا، أيهّا المتحاربون في روسيا وأوكرانيا وتجّار الموت في بلاد الغرب والشرق - قبل أيّام من المونديال القطري - أنّكم خلقتهم للعيش في سلام، وكُلّفتم بتعمير كوكب الأرض، لا بتدميره. وأنّ كل ما صنعتموه من أسلحة فتاكة بالبشر والشجر والحجر، باطل، وجب عليكم تدميرها بالكامل. إنّ البشريّة لا تهدّدها كائنات من خارج الكرة الأرضيّة، وإنّما تهدّدها – بالفناء – أسلحتكم الفظيعة.

إنّني على يقين، متفائل جدّا بنجاح - وأعتقد أنّ الكثير من محبّي السلام والكرة يقاسمونني هذا اليقين والتفاؤل – الموندبال القطري في عمومه وتفاصيله، وكليّاته وجزئياته. بل سيكون مونديالا فريدا من نوعه، وآية من آيات العبقريّة القطريّة، تنشر سحرها على العالمين، ولو كره الحاسدون والمغتاظون،، سيعجز اللاحقون على الإتيان بمثله.

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

 

في المثقف اليوم