أقلام حرة

ضاع موطني بين الملّايات والماكيرات

لا أعني بكلمة موطني في عنوان المقالة النشيد الوطني "العراقي"، كون البلدان التي تحترم تاريخها وتراثها وشعرائها قادرة على أن يكون لها نشيد وطني من كلمات أحد شعرائها وتلحين أحد أو مجموعة من ملحنّيها. والأناشيد الوطنية للبلدان المختلفة نرى فيها تراث وتاريخ وجغرافية وأمل وقوّة بمستقبل أفضل لها وشعوبها، والأناشيد الوطنية تلعب دورا في بثّ الحماس بين أبناء الشعب ليتكاتف من أجل بناء بلده، حتّى أنّ بعض البلدان التي تعتمد أكثر من لغة تكتب نشيدها وتلحنّه باللغات الرسمية فيها كما كندا التي تنشد نشيدها الوطني باللغتين الأنجليزية والفرنسية. والعراق فيه وكان فيه العديد من الشعراء الفحول ذوي القصائد الوطنيّة التي من الممكن لو توفّرت الوطنية عند ساسة اليوم، لكان لنا نشيد وطني عراقي يغوص في تاريخ هذه الأرض وتراثها ويحلّق عاليا فوق نخيله وجباله لينظر من الأعالي لرافديه وهما يبثّان الحياة في الأرض التي يراد لها أن تموت ببطء وعذاب!! 

النشيد الوطني العراقي مرّ بمراحل عدّة، ففي العهد الملكي تمّ تلحين السلام الملكي من قبل الضابط الإنكليزي الميجر جي. آر. موري، وكان لحنا بلا كلمات،  ومع ذلك حاول أحد الشعراء العراقيين كتابة كلمات تتناغم واللحن. وبعد نجاح ثورة الرابع عشر من تمّوز تمّ تلحين السلام الجمهوري من قبل الموسيقار العراقي لويس زنبقة وأسماه نشيد موطني وهو غير نشيد " موطني " اليوم، وكان كما السلام الملكي بلا كلمات. بعد إنقلاب الثامن شباط 1963 ووصول البعث للسلطة أُعتمد نشيد الجمهورية العربية المتحدّة/ المصريّة (والله زمان يا سلاحي)  وهو من كلمات الشاعر المصري صلاح جاهين والحان الملحن المصري كمال الطويل وغناء أم كلثوم كنشيد وطني للعراق!! وفي العام 1981 أستبدل صدام حسين النشيد الوطني " العراقي" بآخر من كلمات الشاعر السوري شفيق الكمالي والحان اللبناني وليد غلمية.

بعد الأحتلال الأمريكي لم يسعى الذين وصلوا للسلطة ليكون لـ "بلدهم" نشيد وطني من كلمات وألحان أحد شعراء العراق الكبار وجيش من ملحنّيه الذين رفدوا المكتبة الفنية العراقية بمئات الألحان المميزة، بل ذهبوا الى نشيد "موطني" من كلمات الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان والحان محمّد فليفل. هذا النشيد لا يزال هو النشيد الرسمي للدولة العراقية، على الرغم من أنّ هناك قصائد كثيرة تستطيع أن تكون وبفخر نشيدا وطنيا عراقيا، لكن من أين نأتي بعراقيين في السلطة لينجزوا هذه المهمّة!!؟

الأناشيد الوطنية تعزف في مختلف المناسبات، كأستقبال الوفود الأجنبية، وعندما يعتلي أبطال الرياضة منصّات التتويج، وعندما ينشده التلاميذ في المدارس ليتعلمّوا من خلال إداءه حب الوطن والعمل على رفع إسمه عاليا. فهل يُنشد النشيد الوطني "العراقي" في مثل هذه المحافل!؟

عزف  نشيد "موطني" في حضرة الماكيرة سارة حيدر وبحضور ضباط كبار من الجيش العراقي، فضيحة وطنية وأخلاقيّة وسياسيّة لم تحصل في أي بلد يحترم تاريخه وشعبه لليوم. لسنا ضد عمليات التجميل التي تقوم بها المختصّات في هذا المجال مطلقا، ولسنا في وارد نقدهنّ أبدا، الّا أنّ حضورهنّ في الصف الأول الى جانب رتب عسكرية كبيرة جعلت من هذا النشيد وإن كان غير عراقي نشيد مبتذل، كما هو مبتذل أيضا وهو يُنشد عند حضور ملّاية أو رادود في تجمّع جماهيري.

المسألة اليوم ليست محاسبة من أهان النشيد الوطني " العراقي" بعزفه أمام ماكيرة، بل العمل على أعتماد نشيد وطني عراقي حقيقي نابع من تراث هذه الأرض وتاريخها، نشيد كتبه شاعر عراقي يعرف معنى الوطن، وملحنّ عراقي يجيد تلحين أغاني الناس. ليكن هدفنا جميعا هو الضغط على سلطة المحاصصة لتبني مثل هذا النشيد، الذي يجب أن يتغنّى ببلادنا وشعبنا.

وعودة لعنوان المقالة من جديد أقول أنّ الذي ضاع بين الملّايات والماكيرات ليس النشيد الوطني، بل الوطن نفسه وهو يباع في مآتم مرّة، وفي سهرات حمراء مرّة..

***

زكي رضا - الدنمارك

في المثقف اليوم