أقلام حرة

هل التغيير حتمي في ايران؟

منذ شهرين تقريبا تشهد ايران موجة من الاحتجاجات العفوية المستمرة  الناتجة عن الكبت والسخط الدائم من الحكم الذي يتسلط على اعناق الشعب منذ اكثر من ارعة عقود دون اي تغيير يمكن ان يتوافق مع او يناسب التغييرات التي يشهدها العالم والواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي حتى في ايران نفسها، فلم يبق امامم الاجيال التي لم تشهد منذ اكثر من اربع عقود الا الملالي والعمامات والافكار والفلسفات الدينية المنتهية صلاحيتها فقط. انها حقا ثورة عارمة لم تشهد هذه الجمهورية مثيلها طوال حكمها وانها تبشر بالتغيير الشامل والجذري لكونها عفوية نابعة عن ارادة كافة القوميات والطبقات والفئات وفي طليعتها النساء التي اصبحوا وقودا للثورة قبل اخوانهم. اهم ما فيها انها ثورة داخلية مستقلة غير مستندة على القوى الخارجية، بل المعادلات السياسية لم تدع اية قوة خارجية ان تتدخل وهذا امر ايجابي وسوف تظهر ننائجها لصالح هذا الشعب في نهاية الامر. يمكن التاكد بانها ثورة شعبية نقية لم تتدخل اية جهة داخلية حاملة لافكار ضيقة الافق  فيها، والشعب هو الوحيد الذي يقدم التضحيات الكبيرة طوال هذه المدة، وانهم برهنوا على استقلاليتهم واعتمادهم على نفسهم فقط من خلال سير الاحتجاجات وردود الافعال التي تظهر من القوى التي تقف بعيدا غير مساندا لها، لا بل هناك اليوم مساعدات من قبل بعض الجهات الخارجية  للسلطة من اجل اطفاء نار الثورة، وهم ينتظرون المكافئة منها فيما بعد اخمادها، والمواقف الغربية وتحركات الواضحة في الشرق الاوسط والمواقف العلنية توضح هذا الامر بشكل بيٌن.

الامر المفرح في ثورة ايران الشبابية، انها تختلف عن الربيع العربي الذي تدخل فيه الكثيرون، بينما  ما يحدث في ايران ثورة داخلية مجردة تحوي في طياتها من الدوافع الذاتية التي تجعلها مستمرة على الرغم من استخدام السطلة الايرانية ابشع الوسائل لاخمادها، ان الانسجام الذي فرض نفسه بين القوى الاجتماعية الداخلية منعت التدخلات وسدت الطريق امام  الفوضى التي توقعت السلطة ان تحدث وهي كانت تهدف ذلك كي يستلم الشعب تلفائيت عند اطالة الامر وحدث العكس وتفاجئت من ادامتها رغم العوائق.

لقد ولى الزمن الذي لعب الدين والمذهب في بقاء السلطة قوية مقاومة. تراكم الاسباب المعيشية وانعدام الحرية هي التي دفعت الى عدم تحمل الحال من قبل كافة مكونات الشعب لما شهدوه من بقاء مثل هذه السلطة جاثما على رقابهم طوال هذه المدة الطويلة . ان هذه السلطة واضحة المعالم للجميع، فهي غير ديموقراطية وتدعيها زورا وبهتانا بل انها حكم مجموعة ثيوقراطيةاعتمدت الدين والمذهب والمصالح المشتركة الضيقة اساسا لبقائها وادامة سلطتها ليس الا.

ان ما يؤكد ادامة الثورة الى ان تتحقق اهدافها هو:

* الثورة نابعة عن ارادة الشعب فقط وليس لفئة معينة او حزب او طبقة خاصة. قدوتها النساء والشباب.

* وقود الثورة من الاجيال الجديدة للشباب التي لم تفتح اعينها الا على تضليلات الملالي والسلطة الدينية ودفعت الشباب بالذات الكثير ثمنا لبقاء هذه الفئة الحاكمة من الدماء والمال، ولم يشهدوا اية مرحلة ولو قصيرة، مساعدة لهم في الحياة السعيدة الهانئة.

* ثورة فريدة في امرها، لكونها استهلت بتضجية نساء وتطلعهم الاكثر وتضحياتهم وبقائهم طوال هذه المدة صامدات في طليعة الثورة.

* الثوار لم يدعوا اية ايديولوجية او فلسفة او دين معين، بل كل مطالبهم هو العيش بحرية وسلام وشعارهم الرئيسي المراة، الحياة، الحرية، خير دليل على هذا الكلام.

* وجود وسائل التواصل الاجتماعي الذي يدفع الى الوحدة والثورة النظيفة غير المسبوقة من قبل بهذا الشكل وخاصة في الشرق الاوسط.

* الخطاب الرئيسي والمعلن يعبر عن نشر التعاون والحب وابعاد البغض والكراهية بين كافة المكونات وهذا عمل رئيسي لتقدمها يوما بعج اخر ونجاحها في النهاية.

نحن هنا لا نبالغ ان قلنا ان الثورة رد فعل ونتيجة طبيعية لرفض ما حصل في ايران لقرون عديدة من فرض ارادة معينة وحدود دولة مفروضة دون وجه حق، وعلى جساب حقوق الاكثرية ومواصلة غبن المكونات طوال هذه المدة الطويلة. والمفرح ان الثورة وحدت هذه المكونات ولم نر اي خلاف ولو بسيط بينهم بل يتوحدون يوما بعد اخر بقوة اكثر.

***

عماد علي

 

في المثقف اليوم