أقلام حرة

الأمين الخليفة المذبوح!!

محمد أبو عبدالله إبن هارون الرشيد (170 - 198) هجرية، وإستلم الحكم في عمر (22)، وحكم (5) سنوات، (193 - 198) هجرية، وعاش (27) سنة. قتله وذريته (طاهر بن الحسين) قائد أخيه المأمون، وذبحوه وحُمل رأسه إليه، وهو أول خليفة عباسي يُذبَح، والثاني المستعين بالله (221 -252) هجرية،  الذي ذبحه (سعيد الحاجب) في سامراء، بأمر من الخليفة المستضعف المعتز بالله (232 - 255) هجرية.

ربّاه الكسائي والأصمعي وقطرب وحماد عجرد (الراوية).

"كان من أحسن الشباب صورة، أبيض، طويلا، جميلا، ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة ، يُقال إنه قتل مرة أسدا بيده، وله فصاحة وبلاغة وأدب وفضيلة.

لكنه كان سيئ التدبير، كثير التبذير، ضعيف الرأي، أرعن، لا يصلح للإمارة".

"إبتاع الخصيان وغالى بهم وصيرهم لخلوته، وكان مغرما بخادمه كوثر"

ثاني يوم من خلافته أمر ببناء ميدان للعب الكرة بجوار قصر المنصور، ثم بعد ذلك جرّد أخاه القاسم عما ولاه الرشيد، وبعدها خلع أخاه المأمون من ولاية العهد، وبدأت المنازلة التي قضت عليه وعلى معالم بغداد وذريته.

إستمر الصراع بينه وبين المأمون (195 - 198) هجرية، وحوصرت بغداد أثناءه (15) شهرا.

هو ضحية ولاية العهد الثنائية أو الثلاثية، المأمون أكبر منه بستة أشهر، وبتأثير من زبيدة وبنو هاشم، إضطر الرشيد أن يعلن ولاية العهد للأمين وهو في سن الخامسة، وبعدها وبضغط من البرامكة جعل ولاية العهد للمأمون وهو في سن الثانية عشرة، وعندما إتضح أمامه الصراع الشعوبي لهذا القرار، أقر بولاية عهد ثالثة للمؤتمن، ربما ظنا منه لتحقيق التوازن ومنع التصارع..

فما قام به هارون الرشيد خطأ ستراتيجي فظيع ينم عن عدم خبرة قيادية، إذ قسّم الدولة العباسية إلى ثلاثة أقاليم بين أولياء عهد ثلاثة، الأمين والمأمون والمؤتمن، ولم يتعظ من تجربته مع أخيه الهادي، وإنتهى الأمر إلى مأساة مروعة بينهم..

كان الأمين منهمكا باللعب والشراب، وفي إنقطاع عما يدور حوله، فهو كأنه الخليفة، لكنه لا يعرف معنى أن يكون خليفة، ويبدو لا يزال دون مرحلة النضج، ويعصف فيه النزق والطيش وحب الملذات، وما أعار أهمية لشؤون الحكم وتدبير أمور الدولة المترامية الأطراف.

وبخصوص شخصيته لابد من الإعتماد على ما ورد في بعض الكتب التي لا يُعرف مدى صدقها ونزاهتها، ودرجة إنحيازيتها لطرف دون طرف، لكن الأمور بخواتمها، وما إنتهى إليه الأمين يشير إلى ملامح سلوكية تفاعلت وتراكمت وأنهت حياته.

فهل كان حكيما بتجريد أخيه القاسم من إقليمه، وخلعه المأمون؟

الأحداث بتداعياتها تشير لفقدان الحكمة وحسن التدبير، وكان عليه أن يتعامل مع المأمون بأساليب أخرى بدلا من إذكاء العداء والتنافر بينهما، وهما اللذان تربيا سوية كتوأم، وتلقيا أرقى التعليم عن أساتذة كانوا جهابذة عصرهم.

والمشكلة التي تواجه الخلفاء وفقا لأسلوب ولاية العهد، أن معظمهم يتسلم الخلافة وهو في ريعان شبابه وفوران رغباته ونزواته، فيجد نفسه وسط ما يطلق ما فيه منها، فينغمس بما لذ وطاب ويتغافل عن أمور الدولة، فلا طاقة له بعد أن أنهكته الرغبات المفلوتة للتفاعل بأسلوب آخر، فيتحكم بالدولة القادة والوزراء وما حوله من الحاشية.

فصغر سن الخليفة من الأسباب الفاعلة في التدهور والفساد، وهذه ظاهرة فاعلة عند معظم الخلفاء، فالذين تسنموا الخلافة بعد الثلاثين كانوا أحكم وأحزم من غيرهم، فالطيشان السلوكي واضح في السن المبكرة، ومَن تولاها مبكرا أطاح بها وأطاحت به.

ويبدو أن "الفضل بن الربيع"  و"الفضل بن سهل"، هما اللذان أوقدا نيران الفتنة وأججاها لتأمين مصالحهما الشخصية، الفضل بن ريبع يُقال هو الذي كان يحث الأمين على خلع المأمون، والفضل بن سهل كان يحث المأمون على التحدي والمواجهة، حتى إنتهت الغلبة للأخير، فمات الأمين، وأصيب المأمون بتداعيات نفسية أثرت على رؤيته ومسيرته وما تحقق في زمانه، كتكفير عما إقترفه بحق أخيه!!

فالأخَوان لم يكونا على ما يرام نفسيا وسلوكيا، ولكل منهما منعطفاته وخطاياه، وللفضلين دورهما في تأجيج العداوة الشديدة بينهما.

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم