أقلام حرة

مجالس المحافظات عود على بدء أم ماذا!؟

راوحت قضية مجالس المحافظات العراقية لفترة ليست بالقصيرة، امتدت وبعمر إنعاشي لما يقارب الأربع سنوات، وتنازعتها خلال تلك الفترة الماضية، رغبات الساسة أصحاب القرار، على الاستمرار في عملها من عدمه. فعام 2017 كان عام انتهاء عمرها الدستوري، دون التجديد لها عبر انتخابات. وبسبب ما اكتنف أعمال أغلب تلك المجالس من عيوب وتشوهات، لذا تعرضت لانتقادات حادة ومعارضة قوية لاستمرار عملها. وتوجت تلك المعارضة بمطالب جماهيرية واسعة، كانت أحدى أكثر النشاطات فاعلية، والتي أحيتها الانتفاضة الجماهير الشعبية عام 2019، حيث استطاعت التأثير على القرار السياسي، مما أضطر البرلمان العراقي تحت تأثير الحراك الشعبي، إلى إنهاء تمديد عمل المجالس وتوابعها في الاقضية والنواحي، ووافق على منح الصلاحيات للمحافظين في إدارة شؤون المحافظات.

اعترض وقتذاك البعض من أعضاء المجالس لدى المحكمة الاتحادية العليا، التي اتخذت بدورها قرارا نص على إن وجود مجالس المحافظات جاء بنص دستوري، ووفق هذا النص لا يمكن إلغاء تشكيلها. ولكن القرار ذاته أشار إلى كون قرار البرلمان كان صحيحا ومناسبا في إلغاء وجودها، لسبب قانوني تشريعي أيضا، وهو انتهاء ولايتها القانونية منذ عام 2017 لذا لا يمكن التجديد لها دون انتخابات.

النص الدستوري الذي وضع هيكل مجالس المحافظات ضمن مؤسسات الدولة العراقية، أريد منه تفتيت قوة المركز وقراراتها الملزمة والمجحفة في بعضها، لصالح تشكيلات إدارية جديدة في مؤسسات الدولة تأخذ طابع اللامركزية الإدارية في العمل، وهي صيغة مستحدثة تتناسب وطبيعة تنوع تشكيلات الشعب العراقي وأيضا تضع معالجات للخلل الكبير في تعامل الحكومات المركزية السابقة مع بعض المحافظات على حساب الأخريات.

في نظام الحكم اللامركزي الإداري تكون المحافظات ممثلة بمجالسها، ومسؤولة مسؤولية مباشرة عن إدارة شؤونها، ومختلف مشاكلها واحتياجاتها واستراتيجيات برامجها الإنمائية. وتكون مهام مجلس المحافظة تشريع القوانين الداخلية الخاصة بالمحافظة على أن لا تتعارض وأحكام دستور العراق، وكذلك مراقبة عمل رئيس الحكومة المحلية الذي يمثلها المحافظ.

سربت الأنباء من جديد عن موعد لانتخابات مجالس المحافظات، وحدد حسب الاتفاق المبرم بين الكتل السياسية المتوافقة تحت مسمي تحالف إدارة الدولة، وكموعد مفترض، تاريخ الانتخابات للمجالس، في الشهر العاشر من عام 2023، على أن يسبقه تغيير في قانون الانتخابات الحالي وإبداله بصيغة سانت ليغو، التي تجد الكتل السياسية الحاكمة فيها، ما يضمن حصولها على العدد المطلوب من مقاعد البرلمان القادم ومثله في مجالس المحافظات المنوي انتخابه.

وبسبب هذه التسريبات وغيرها،وبفعل واقع التجارب السابقة على حياة العراقي، والتي أوغلت في إيجاعه وأخذته لكل هذا الخراب الحاصل، بات التفكير بالمستقبل يقلق المواطن لا بل يفزعه، وقد أخذ العجز واليأس مأخذه عند الكثيرين،فأصبحت الناس يائسة مغلوبة على أمرها. فكل شيء يسير داخل دوائر مغلقة لا يعرف لها منفذ أو إلى أين تأخذهم في دوامتها المرعبة.

فجميع مؤسسات السلطة ومثلها بعض مؤسسات المجتمع المدني وأحزاب وقوى سياسية، تشارك وبوسائل مختلفة ومتعددة بصناعة الإيذاء والقسوة والخراب والخيبات، وبسببهم أغلق الأفق في وجه شعبنا، ولم يبق هناك غير بصيص نور خافت من الجائز أن يتم إخماده في القريب القادم، وأخذ يتسرب هذا الخوف إلى عقول الناس، مع ترقب إخفاق وزارة السيد محمد شياع السوداني، بسبب هيكلتها التي بنيت على ذات النهج القديم وهو نظام المحاصصة البغيض.

 فليس هناك في الأفق ما يشير لقبول ورضا سلطة الأحزاب، الانتقال إلى إصلاح البنى والهياكل السياسية والإدارية لمؤسسات الدولة، والتخلي عن نهج المحاصصة السابق. فالجميع يتمسك بفكرة مشاركته الحكم، والتفاوض على نسب الحصص التي ينالها، ومقدار قيمها المالية والمعنوية، وهذا هو الجهد المبذول، والذي يعمل على تركيبته أصحاب الحل والعقد. فهم أعرف من غيرهم بأن التغيير والإصلاح أياً كانت طبيعته، سوف يمس في الأساس تركيبتهم وهياكلهم السياسية، ويعمل على انحسار نفوذهم، لذا يجاهدون لمنعه مهما كانت طبيعته.

أيضا هناك سلسلة حلقات وتوابع جميعها تشارك في صناعة الخراب وإيذاء الناس، لا بل ان سلسلة الحلقات هذه على كثرتها، تبدو مثل حيتان أو تماسيح تلتهم أي شيء يقع في طريقها، وتترقب الحصول على ما يهبه لها حكام المنطقة الخضراء المشرفون على توزيع ميزانية الدولة .فحلقة الوزراء ورؤساء المؤسسات والمدراء العامون، دائما ما تضمن حصصها من مداخيل المؤسسات والوزارات ذاتها، بعد أن تصبح تلك الدوائر ضياعا يمتلكها هؤلاء دون حساب ورقابة. و العديد من المؤشرات سبق وأثبتت ضلوع بعض الوزراء ورؤساء الدوائر في سرقة أموال الشعب، ودائما ما كانت أصابع الاتهام ولازالت تشير للكثير من حوادث الاختلاس وسرقة المال العام والتصرف غير المسؤول بأموال الدولة، من قبل لجان في الدوائر القريبة من مجلس الوزراء بالذات، بعد أن تشكلت حلقات نافذة ومتنفذة في مؤسسات الدولة، جلهم من الأقارب والخلان والمريدين. مثلما حدث في السرقة الأخيرة التي سميت سرقة القرن وكبش فدائها نور زهير جاسم.

ولن يتوقف الأمر عند حدود هذه الحلقة التي أسرفت بنهب الأموال تحت أعين وأنظار ورضا من يمتلك خزائن العراق، فهناك وفرة من التوابع والمتواليات من مؤسسات السرقات والنهب وإضاعة المال العام دون حياء أو خوف، تعمل بالعلن ودون مساءلة، بل تتحدى جوع الناس وعريهم، ومن ضمن جوقة هؤلاء السراق كان هناك العديد من أعضاء مجالس المحافظات، وكانوا هم الأكثر قسوة ولؤما في هدر وضياع أموال الشعب، وأولها تخصيصات ميزانية المحافظات.

فقد عدت هذه الحلقة العجيبة الهجينة، الأكثر خطورة وإيذاء على أهلهم في المحافظات من باقي الحلقات، فهؤلاء تفوقوا على الجميع في فنون السرقة والاحتيال، وهم من جعل حياة الناس تذهب إلى الدرك الأسفل، حيث تنعدم الخدمات وتفشل المشاريع وتنهار البنى التحتية، رغم التخصيصات الكبيرة التي كانت تقدم لتلك المجالس حسب ميزانية الدولة.

فالبعض من أعضاء مجالس المحافظات دائما ما كانوا يضعون نصب أعينهم مقدار الكسب المادي الذي يحصلون عليه، من خلال الكومشنات وتقاسم تلك الأموال أو محاصصتها مع ما يصرف على المشاريع. فنجد ان الكثير من الأموال التي صرفت على المشاريع المتلكئة، ذهبت هدرا بسبب التنافس والتقاتل الحزبي لإفشال بعضهم للبعض أولا،أو بسبب ضيق أفقهم التعليمي وتحزبهم وجهلهم بطرق إدارة المؤسسات والمشاريع، وكيفية التصرف بالميزانية وتوزيعها على أبواب صرف مناسبة وعقلانية وذات مردود ايجابي وجدوى اقتصادية. يضاف لذاك الطمع الشخصي والسلوك غير النبيل في استغلال هذه التخصيصات وصرف جلها بما سمي بالامتيازات والمكافآت، التي توزع بينهم منذ اليوم الأول لورود الميزانية ولحين نفادها. وقد استولى هؤلاء على أموال تقدر بالمليارات دون مساءلة وحساب.

فهل سيختلف الأمر والحال عن سابقاته؟؟ . فمع التخصيصات التي وعدت بها ميزانية العام 2023 للمحافظات، ومن ثم انتخابات مجالس المحافظات وظهورها للعلن مرة أخرى. فما الذي يحدث بعد ذلك. يا ترى هل يبدأ شوط القتال والتدافع لإيجاد أبواب لابتلاع تلك التخصيصات من خلال إعادة ترتيب مشاريع وهمية وطرق ملتوية، يتم فيها توزيع الأموال وتقاسمها كغنائم من موارد مالية ليس لها مالك، حسب التشريع الشيطاني الدارج.

وهل يعاد ذات المشهد البائس السابق، فنجد الوضع ومهما أريد منه الخير والصلاح، وتوفرت فيه حسن النوايا لتقديم خدمات أو تحسين حال، ووضع أسس لمشاريع تنقذ الناس وتبني لهم ما يسعفهم ويشعرهم بقيمتهم الإنسانية.عندها سنجد مجالس المحافظات وبذات الهمم والنوايا السابقة التي بنيت عليها المحاصصة الحزبية، تجهد على إغلاق جميع منافذ النجاة، وتعمل على تفتيت وإضاعة أحلام الناس. كون هذه المجالس ومنذ البداية، وضعت كحلقة طفيلية حسب التفسير السياسي السائد، وبموجب ذلك وبناء عليه أسست لها الأحزاب صناديق جباية خاصة، تعتمد ميزانيتها على ما تستحوذ عليه من أموال الدولة، وباقي عمليات الكسب التي تكون في أغلبها غير شرعية. لذا لا تريد هذه الأحزاب بل تمانع وبشدة وتقاتل لغرض أبقاء الحال على ما هو عليه، وعدم الابتعاد عن مبدأ المحاصصة، والدفع لإعادة مجالس المحافظات إلى عهدها السابق، بحجة كونها من ضمن فقرات الدستور العراقي، فالتخلي عن هذه الحلقة المهمة سوف تفقد الأحزاب بسببه الكثير من المنافع، ولن تجد ما يكفي لسد أفواه وجوع المتنفذين فيها للمال الحرام.

***

فرات المحسن

في المثقف اليوم