أقلام حرة

راضي المترفي: وفاء

عادت إلى بيتها بعدما أسرها الطبيب المعالج بأن زوجها في أيامه الأخيرة اذ أصبح طبيا ميئوسا منه فرتبت كل شيء واودعت ابنها وابنتها لدى صديقتها في الجوار واعلمتها أنها ستغيب عدة أيام لرعاية زوجها في المستشفى واودعت مصوغاتها وماتملك من مال عندها واوصت صديقتها بطفليها خيرا بعد أن لمحت لها بأن الموت لا يفرق بين سليم وسقيم ثم عرجت على الصيدلية وابتاعت علاج ممنوع بعد إيهام الصيدلي بغرضها ورقدت في الليلة الأولى تحت سريره بعد أن اختفى صوته وامتنع عن تناول الطعام والدواء وقبل منتصف الليلة الثانية أخبرها الطبيب بان زوجها دخل دور الحشرجة وقد يلفظ أنفاسه الأخيرة بين لحظة وأخرى ولما خرج الطبيب مدت يدها إلى جيبها وأخرجت ما اشترته من الصيدلية وابتلعته دفعة واحدة مع كاس ماء ومعه حبوب مخدرة ونامت مطمئنة وكان الطبيب بين فترة قصيرة وأخرى يطل عليهما وبعد منتصف الليل بأكثر من ساعتين سمعه الطبيب يطلب ماء فهرع إليه لكن المريض جلس منتصبا وطلب طعام فذهل الطبيب وفحص النبض ودرجة الحرارة وكانا طبيعيين فحاول ايقاضها ليبشرها بتحسن صحة زوجها فوجدها جثة هامدة .

في الصباح تم تحويل جثة المتوفية للمشرحة لتشخيص سبب الوفاة مع أن الطبيب على شبه يقين أنها ماتت منتحرة بسائل شديد السمية معللا ذلك بخوفها من مواجهة الحياة في حالة رحيل زوجها متناسية أن الله يغير الأمر ما بين رمشة عين وانتباهتها .

مكث عدة أيام في المستشفى من دون أن يخبره أحد بما حصل لزوجته ثم أخرج بعد أن تعافى وعند الباب أخبره الطبيب بماجرى فلم يبدو عليه كثير اكتراث ولما استقر به الجلوس في البيت استذكر الأيام الخوالي يوم أحبها واحبته في دار رعاية الأيتام وكيف أقامت لهم الإدارة بعد إكمال الثامنة عشرة من العمر حفلة عقد قران وزفاف ومنحتهما مبلغا من المال ليبدأ به حياتهما خارج الدار وكيف واجها الحياة وحيدين من دون أن يكون لهم قريب أو سند وقرر أن ينهي حياته بنفس الطريقة التي رحلت بها لكن دخول الأطفال ومعهم المرأة الجارة اربكه وابكاه منظرهما وحيدين من دونها فانهار باكيا فخرجت المرأة مسرعة وجاءت بجار مسن اخذ يهديء من روعه ويعظه ويشجعه على الصبر في المكاره ثم اتفق الرجل المسن معها على أن تعود بالأطفال إلى بيتها ويأخذ هو الزوج المكلوم إلى بيته ريثما يستعيد حالته الطبيعية .

مرت الايام واندملت الجراح وحلت نعمة النسيان لكن الأطفال تمسكوا بالبقاء في بيت المرأة وبعد أشهر تولى الجار المسن الأمر فخطب له تلك المرأة لكنه اشترط عليها أن تحمل اسم الراحلة وبعد موافقتها تزوجا وعاشا في بيت واحد مع اطفالهما وأصبحت الأولى ذكرى بعيدة.

***

راضي المترفي

في المثقف اليوم