أقلام حرة

مفارقات لم أكتبها بصيغة قصص

هناك بعض الأحداث والظواهر التي حدثت في الواقع حولتها إلى روايات وقصص قصيرة لكنّ بعضها تجاهلته ظنا مني أنه يفقد طعمه إذا ما تغير من حالته التي هو عليها إلى قصة أو أي جنس أدبي آخر من هذه المفارقات تذكرت ثلاثة:

مصغّر (وعر)

على وفق قاعدة التصغير في اللغة العربية (وعير) مصغر (وعر) إلى هنا لا مشكلة في الأمر لكنني حين أعود إلى العالم 1974 أجد الأمر مختلفا فما تعلمته في جامعة البصرة -قسم اللغة العربية وجدته يصبح نكتة طريفة في الفوج الأول اللواء 91 الذي رابط بين جبلي زوزك وهندرين، كان هناك جدي متطوع على جهاز الإرسال اسمه (وعير) عندما يتصل به أحد سواء من كبار الضباط أم ضباط الصف وجنود الأفواج يقول :نعم وعير ..هنا يضع الطرف الآخر في موقع حرج..فهل يقصد الجندي المتطوع (وعير) اسمه جملة واحدة أي مصغر وعر أم يدعو على الآخر مهما كانت رتبته ..زعيم من اللواء أم الرائد آمر الفوج.. فالواو في اللهجة العامية العراقية تعني في بعض الاستعمالات الدعاء بالشر عندما أدعو على أحد أقول له وقز القرت أو وحّمِسْ وموت فإذا جزّأنا وعير إلى واو الدعاء بالشر وعير التي تعادل في الفصحى العضو الذكري فإن الأمر يكاد يكون مصيبة بالمناسبة عير في اللغة الفصحى تعني الحمار وهناك شاهد لغوي في شرح قطر الندى والفية ابن مالك للدلالة على دخول حرف الجر على نعم وبئس وهو :نعم السير على بئس العير أي نعم السير على حمار مقول فيه بئس الحمار لكن شواهد اللغة لا تنفع مع جندي الإشارة وعير الذي يظن الجميع أنه يجزئ اسمه حين يخاطبه أحد مهما كانت رتبته حتى إن السيد الآمر نفسه لايجرؤ أن يقترح عليه تغيير اسمه لأنه سيعدها إهانة له ولأهله الذين سموه بهذا الاسم بالتالي تحال الإهانة إلى مجلس عشائري تطرح فيه مسألة الفصل والتعويض عن شرف الاسم ولا أحد يغامر بذلك.

الضمائر عند بعضهم

بعض العراقيين من غير العرب يتميزون بموهبة تعلم اللغات بصورة سريعة ومن هؤلاء شاب كان معنا حين قدمنا إلى الدنمارك في ثمانينيات القرن الماضي. كنا خليطا من العراقيين واللبنانيين، كاتب هذا الحدث، والشاعر القدير جمال جمعة والشاعر المرحوم حميد العقابي والصحفي البحراني هاني الريس وآخرين، بقينا في السفينة الراسية في الخليج عند ساحل المدينة شهرين ثم انتقلنا إلى مدينة هيذر سليو وسط الدنمارك..هذا الشاب غير العربي لم يكن يعرف العربية من قبل وخلال احتكاكه بنا تعلم لغتنا لكنه أحيانا يخطي بالضمائر أقول أحيانا وليس دائما، في يوم من الأيام جاء لص وسرق سترة ذلك الشاب (القمصلة الثخينة التي يرتديها) حيث كان الوقت شتاء والثلج أو الصقيع لا يحتمل ولم يكن معنا نقود كافية لشراء ملابس إذ كنا نستلم نهاية كل أسبوع مساعدات قليلة من الصليب الأحمر.

حالما عرفنا بأمر السرقة ذهبنا إلى ذلك الشاب المسروق كي نواسيه ونعرض عليه أن نجمع له مالا يشتري قمصلة جديدة تقيه البرد..كان حقا غاضبا على السارق ..التفت إلينا وقال يشكرنا لكن بانفعال وحماس

- والله لو أعرف السارق الذي سرقني أطيّح حظكم (طبعا أنا لطّفت العبارة كثيرا بهذه الصيغة على طريقة بعض جامعي الحديث الشريف لأنّه قال والله لو عرفت السارق لن... ت خواتكم وإن كنتم لاتصدقونني فاسألوا الشاعر القدير جمال مصطفى الذي كان شاهدا على ذلك الحدث.

هاني الريس والخطوط الجوية العراقية

هاني الريس السياسي والصحفي البحراني وصل قبلي إلى الدنمارك بأسابيع عرضنا عليه أن يذهب إلى الخطوط الجوية العراقية ليجلب بعض الصحف إلينا لأنه من البحرين ولهجته تشفع له تقبل الفكرة ودخل وعندما سأل الموظف أشار عليه أن يرافقه إلى الطابق العلوي حيث الصحف ومعها يستضيفونه بفنجان قهوة، وعندما صعد كانت المفاجأة هناك نهروه وصاحوا بوجهه من أية محافظة أنت بغداد أم كربلاء العمارة أم البصرة أم الموصل وبدؤوا ينهالون عليه ضربا بالايدي وركلا بالأرجل ومن حسن حظ الأستاذ هاني أن هناك موظفة دنماركية تعمل في الطابق الأرضي أثارها الزعيق والصراخ فاتصلت بالشرطة الدنماركية التي حضرت وخلصته من أيدي موظفي الخطوط الجوية العراقية.

هناك الكثير في جعبتي من المفارقات التي وحدتها لاتصلح قصصا بل سر جمالها في أن تبقى كما هي وسأنشر الذي أتذكره منها.

***

د. قصي الشيخ عسكر

 

في المثقف اليوم