أقلام حرة

الجاهلية وما هي!!

كتب طه حسين (1889 - 1973) كتابه (في الشعر الجاهلي) سنة (1926)، وأقام الدنيا ولم يقعدها، وكتب بعده مَن كتب، وتبددت طاقات الكتاب والمفكرين فيما لا ينفع.

فما قيمة القول بأن المعلقات ليست من ذلك الزمان، وفقا لمنهج الشك وتحكيم العقل، وتقييم حالة داستها سنابك القرون؟

أثبتنا عقليا أم لم نثبت ماذا سنجني؟

وهل أن العقل لوحده يكفي للإثبات والنفي؟

فليس كل ما يبدو مقنعا عقليا بصائب!!

الجاهلية مصطلح ربما لا وجود له في الواقع، فالمجتمعات وليدة زمانها ومكانها، فإن كان العرب من الجاهلين بما تعنيه الكلمة من توصيفات متعددة، فالمجتعات من حولهم كمثلهم أو هم كمثل غيرهم، فهم على تواصل مع مجتمعات الدنيا بوسائل الحياة المتاحة آنذاك.

ومن الأدلة البينة التي لا تحتاج إلى تمحيص أن القرآن يخاطب المجتمع الذي إنتشر فيه، ولا يوجد ما يؤكد أن النبي الكريم كان يشرح ويفسر للناس ما تعنيه الآيات، بل أنه مكث بينهم ثلاثة عشر عاما يخوض مناقشات وحوارات، وما قتلوه، ولو كانوا كما يُراد تصويرهم لأجهزوا عليه منذ البداية، ولما تحملوه طيلة بقائه في مكة.

بعيدا عن الحفريات والآثار المادية، فالبراهين السلوكية تؤكد أن العرب قبل الإسلام كانوا أمة متحضرة وفقا لمفردات عصرها، ولديهم قدرات فكرية ومعرفية ذات قيمة حضارية وإنسانية، وعندهم نظامهم الذي يساهم في الحفاظ على قوتهم وبقائهم العزيز.

وهم مجتمعات ذات أخلاقيات ومبادئ وأعراف أشبه بالقوانين والدساتير، ويعرفون معطيات زمانهم وقيمة مكانهم، وتفكيرهم إقتصادي وتجاري، وهو أساس القوة والإقتدار، وهذا ما تفتقده المجتمعات العربية المعاصرة، خصوصا التي بلّدها النفط.

وعودة على الشعر ما قبل الإسلام، لا يمكن إنكار موطنه وزمنه، والقول بأنه صناعة عباسية لا يستند على براهين ذات قيمة، وهو مجرد لعبة عقلية تنطلق من أرضية الشك، التي لا تصلح لكل شيئ، فالعقل ليس مطلق الإقتدار، ومحكوم بما يتوفر له من المفردات والعناصر المعرفية، وكلما عرف يرى أنه لا يعرف، فكيف لقطرة ماء أن تحدثنا عن المحيط الذي تتوطنه؟

لنبتعد عن هذه الإقترابات الإلهائية المبددة للطاقات والمحاصرة للقدرات!!

وهل لنا أن نتفاعل مع مكاننا وزماننا لنعاصر ونكون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم