أقلام حرة

تفجير المساجد وقتل الأبرياء في محراب الصلاة

قبل عدة أيام، هز العالم خبر انفجارٍ وقع بمسجد في بيشاور بباكستان خلال صلاة الظهر، راح ضحيته أكثر من 100 شخص كانوا في لحظة صلاة لربهم في المكان الذي ينبغي أن يكون أكثر أمانا من غيره لأنه مكان عبادة، وهل هناك شخص في العالم- أيا كان دينه أو فلسفته أو قوميته- يرضى بقتل الأبرياء المجردين من الأسلحة الدنيوية والمتسلحين بسلاح الإيمان في محراب الصلاة؟!

هذا المسجد الذي وقع فيه التفجير الإرهابي الذي تبنته بداية حركة طالبان باكستان ثم سحبت تبنيها، يقع داخل مقر للشرطة ويخضع لحراسة مشددة في ظل وجود 400 شرطي بهذه المنطقة وقت الانفجار، مما يؤكد أن الجماعات الإرهابية المتطرفة استطاعت أن تخترق أكثر الأماكن الأمنية حراسة، خاصة وأن المجرم الذي فجر نفسه كان يقف في الصف الأول ويرتدي ملابس الشرطة بحسب الأخبار المتداولة.

وبعيدا عن ملابسات الحادث الذي تحقق فيه الشرطة الباكستانية، يبقى السؤال: كيف يقوم إنسان أعطاه الله نعمة العقل والتفكر والتدبر بتفجير نفسه داخل مسجد يصلي فيه الناس؟ خاصة وأن هؤلاء الناس من نفس دينه وعقيدته؟ وما هو الفكر الذي يصل بالإنسان إلى ارتكاب هذا الفعل الإجرامي البعيد عن تعاليم الإسلام والأديان وينبذه العقل السليم والفكر المستقيم؟

هذه الحادثة تعيدنا إلى الوراء، حيث مئات الهجمات الانتحارية على المساجد في العراق وأفغانستان وباكستان والسعودية والكويت ومصر طوال السنوات الماضية، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء الذين تواجدوا في المسجد وقوت وقوع التفجير الإرهابي.

وبالإضافة إلى المساجد، فقد شهدت أفغانستان بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة باتفاق أمريكي وقوع تفجيرات انتحارية طالت مدارس للأطفال في كابل، نعم أطفال صغار كانوا يخرجون من المدارس فرحين ومتجهين إلى بيوتهم بعد انقضاء اليوم الدراسي ولكن لم يكونوا يعلمون أن هناك أشخاصا حاقدون تجردوا من كل القيم الدينية والإنسانية، يتربصون بهم بكل خسة ونذالة من أجل التلذذ بقتلهم ورؤية أشلائهم تتبعثر هنا وهناك، حتى يقيمون دولتهم الإرهابية التي يبشّرون بأنها تقيم العدالة في الأرض وينعم بظلالها الكافر قبل المؤمن، وكأن دولة هؤلاء لا تقوم إلا على أنقاض المساجد وأشلاء الأطفال.

إن الخطابات المتطرفة لا تنتج إلا أشخاصا متطرفين وإقصائيين، لا يرون الحقيقة إلا في أنفسهم فقط، وبالتالي يقصون كل خطاب يخالفهم أو يرون أنه يعارض خطابهم، وأصحاب هذا الخطاب الإقصائي المتطرف يعتقدون أن كل من يخالفهم فدمه حلال، وبالتالي يتقربون إلى الله بسفكه، وللأسف الشديد فإنه بدلا من معالجة هذه الخطابات المتطرفة ومواجهتها فكريا، فإنه يكتفى بالحل الأمني أو العسكري الذي فشل حتى الآن في القضاء على التطرف وأسبابه، ولا ننسى أن حركة طالبان وصلت إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس عام 2021 باتفاق أمريكي، وفشلت الجامعات والمنظمات الإسلامية حتى الآن في توعية الشباب فكريا من هذه المنظمات الإرهابية المتطرفة، بل وجدنا للأسف من يبرر لها ويدافع عنها وينعي قادتها.

 ولذلك فإن معالجة الإرهاب والتطرف الديني كما يقول الدكتور علي حرب في كتابه “الإنسان الأدنى.. أمراض الدين وأعطال الحداثة”، تقتضي العودة إلى جذر المشكلة التي يتهرب الجميع من مواجهتها.

***

صالح البلوشي/ كاتب عُماني

في المثقف اليوم