أقلام حرة

وصلتْ فزعتكم!!

أربعون ثانية استمرت الهزة الأرضية أو استمر الزلزال في سورية وفي تركيا. ما حصل هو شيء مخيف، ومرعب، ويدمي القلوب. الرحمة والغفران لمن رحلوا، والشفاء العاجل لمن هم في عداد المصابين.غالبية الدول العربية مثل الجزائر وتونس وليبيا ومصر والأردن والعراق ولبنان والإمارات العربية المتحدة وعمان والمملكة العربية السعودية، غالبية الدول العربية قامت بتلبية نداء الإستغاثة وأرسلت، ولا تزال ترسل إلى حين كتابة هذا النص مساعدات عينية ومادية إلى سورية، نقولإلى الشعب السوري، مثلما أوفدت فرق الإنقاذ وفرق المتطوعين لإنقاذ من دمرت بيوتهم وسقطت الأبنية على رؤوسهم ورؤوس أطفالهم. وعبر الشعب السوري قيادة وشعبا من خلال وسائل الاعلام، او من خلال الاتصال المباشر، عبرعن شكره وتقديره لهذه المواقف النبيلة ولروح النخوة العربية الحقة هذه.

لا أنسى أن أذكر مساعدات الدول الصديقة والحليفة مثل إيران والصين وروسيا الإتحادية وفنزويلا وأرمينيا ... لهذه الدول نقول: العرفان بالجميل محفوظ في القلوب أيتها الشعوب الصديقة.

ما دفعني لكتابة هذه السطور هما أمران إثنان: الأول - هو إمتناع الدول الغربية عن إرسال المساعدات والمعدات وفرق الإنقاذ إلى سورية تحت ذريعة أن ذلك يخالف (قانون قيصر)، الذي لا يمكن أصولا إعتباره قانونا كونه صادرا عن دولة تحارب الدولة السورية، وتحتل قسما من أراضيها، وتنهب القمح السوري والنفط السوري، وتصدره عن طريق شمال العراق، أو ما يسمى إقليم كردستان العراق، إلى جانب رعايتها ومساندتها لقوى الإرهاب مثل داعش والنصرة وغيرها، في حين أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة وفريق من الساسة الغربيين كانوا ولا زالوا يدعون أنهم أرسلوا قواتهم إلى العراق وسورية لمحاربة الإرهاب. هذا يذكرنا بمن يقوم بفعل القتل ويمشي خلف جنازة القتيل. دعونا نعتبر (قانون قيصر) نظريا، نعتبره قانونا. ألا يعرف كل خبراء القانون أنه في حين ظهور قوة قاهرة مثل الزلازل أو الأعاصير وغيرها يصبح ذلك القانون غير ساري المفعول.ثم من يمتثلون اليوم لبنود (قانون قيصر) المشؤوم هذا... هم أنفسهم في زمن الحرب الكونية على سورية، منذ بداية الأحداث إلى يومنا هذا لم يمنعهم القانون الدولي المعروف والقائل بعدم التدخل في شؤون الدولة المستقلة - ذات السيادة، او خرق حرمة حدودها الجغرافية، إذ عرفوا بل تفننوا بعملية - كيف تخترق الحدود، وكيف لا تحترم السيادة، وكيف القيام برعاية قطعان الإرهاب بجميع أشكالها. الا يذكركم هذا بالمثل الشعبي العراقي (يم ابن عمها...) ساسة الغرب يقدمون لنا أمثلة متضاربة : فهم حين اللزوم يقومون بخرق الأعراف الدولية والقانون الدولي، ومن جهة أخرى يحترمون بنود نص وضع فقط من قبل دولة محتلة للأرض السورية، و هي خصم في المسألة السورية. حقا إنه نفاق سياسي مكشوف.

الأمر الثاني - هو عدم إستيعاب فريق كبير ممن يكتبون إلى صحيفة المثقف الغراء، عدم فهمهم، وعدم إستيعابهم لما جرى على أرض سورية منذ أواسط آذار عام 2011 حتى يومنا هذا. فهذا يقول (النظام السوري)، وذاك يعتبر ما جرى حربا أهلية.

سوف أبدأ من بعيد. أنا أيها السادة، أيها المثقفون أقيم في روسيا منذ بداية السبعينات، أي أصبح زمن إقامتي هنا في بلد الإغتراب يتجاوز ثلاثة وخمسين عاما، بينما عمري الآن 75 عاما، نستنتج من ذلك أنني لست موظفا في الدولة السورية، ولست أحد أساتذة واحدة من جامعاتها، ولا أنتظر وظيفة أومكافأة بسبب كبر السن.. من هنا يجب النظر إلى قولي بشكل موضوعي، كون شهادتي كما يقال ليست مجروحة.

من لا ينظر إلى تاريخ الأحداث منذ إنهيار الإتحاد السوفييتي إلى اليوم ويأخذ العبر يكون واقعا في شبهة تاريخية.إن إنهيار الإتحاد السوفييتي، وحل المعسكر الإشتراكي، وتجزئة يوغوسلافيا، وقصف صيربيا – كل هذا لم يكن ليحصل إلا من خلال شراء الضمائر، والتدخل المباشر ماديا وإعلاميا وماديا، أي بفضل نشاط البنوك الغربية والمؤسسات الغربية وتدخل عناصر من الجهات الخاصة في شؤون دول أجنبية –ذات سيادة، بقرار من قبل أمريكا ومن يقف في صفها من حكومات، حتى أن لدى الإدارة الأمريكية توجد جوائز وميداليات منحت لبعض الرجال تحمل أسم (ميدالية إنهيار الإتحاد السوفييتي).

في منطقتنا نحن – أي في عالمنا العربي. من مننا نسي محاصرة العراق مدة من الزمن؟ ومن مننا نسي تجويع أبناء العراق بحجة أن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل؟ قتِلَ صدام، وسقطت بغداد وتم إصدار أول قرار لبريمر يقضي بحل الجيش العراقي، وكل مؤسسة تابعة للقوات العراقية، وبعد التفتيش لسنين لم يحصلوا على ما يثبت أدعاءهم عن أسلحة الدمار الشامل. في حين كانت ماكينة الإعلام الأمريكية تبث أن أمريكا صديقة للشعب العراقي، وخصمها فقط هوالحاكم صدام حسين. السؤال لماذا إذن قام بريمر بحل الجيش العراقي؟ بل لماذا تم قتل العلماء العراقيين؟ ولماذا نهبت المتاحف العراقية؟ ولماذا نهبت مؤسسات الدولة في العراق؟

أما عن ما سمي بالربيع العربي، فقد كان الرهان أنهم أي الفريق الغربي سوف يضحون برأسي بن علي ومبارك للحصول على رأسي القذافي والأسد. الكل يعرف الرواية الفرنسية، وكيف القذافي قدم الدعم لحملة ساركوزي الإنتخابية، وكلنا سمع القذافي في الجمعية العامة منتقدا منظمة الأمم المتحدة، وكلنا سمع عن فكرة القذافي في العمل على تأسيس منظومة نقدية أفريقية يتم بفضلها الاستغناء عن الدولار. من هنا نستنتج أن أحداث ليبيا ليست ثورة كما ظن البعض بل تدخل غربي مباشر للقضاء على دولة ذات سيادة. سورية لم توقع إتفاق صلح مع إسرائيل - هذه الدولة التي تحتل أراضي عربية سورية - بل وتحتل كل فلسطين وقرى لبنانية، وتمتلك سلاحا نوويا، وسلاحا كيميائيا، وجيشها يشكل خطرا على كل دول المنطقة بما في ذلك إيطاليا واليونان وقبرص وتركيا وإيران، ناهيك عن هذا الخطر الذي يهدد كافة الدول العربية المجاورة والبعيدة.

حين سقطت بغداد لم تأت القوات الأمريكية بدباباتها وجنودها فقط، بل جلبت على ظهر دباباتها عملاء لها ومنظري سياسة خدمة الغرب، إلى جانب منظري تقسيم العراق على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، في هذا الوسط الذي أوجدته القوى الغازية نبتت أفكار معادية للعرب وللقومية العربية، إذ صرنا نرى وبكل وضوح دعوة أستنكار لأي فكر يستند إلى وعي الذات القومية. على هذه التربة المعادية للعرب وجد الفكر الإسلاموي طريقه لتشكيل تنظيمات على أساس ديني متعصب، على هكذا تربة نبت تنظيم ما سمي داعش وغيره.

ردا على سيدة تسمي ما حدث في سورية حربا أهلية أقول : سيدتي أنت مشتبهة ! الفرق التي ادعت أنها تقاتل لأجل الحرية والديمقراطية هدمت المصانع والمعامل، وقصفت أنابيب الغاز والنفط، ودمرت محطات توليد الكهرباء، أما زعماء من أدعوا أنهم زعماء معارضة ارتموا بأحضان الغرب وقطر وغيرها للحصول على الدعم بالسلاح والمال، أرجو من حضرتك الاطلاع على المقابلة، التي أجراها الإعلاميون مع حمد بن جاسم عن نشاطه السياسي والمالي لمحاربة الدولة السورية، وكمية الأموال التي قدمتها قطر لهذا الغرض..... كانت هناك مشاريع غربية،أقرت في الغرف السوداء لتسليم الشرق الأوسط لتنظيم الإخوان المسلمين. في سورية لم تسلم من بطش الإرهاب لا المؤسسات الطبية ولا الصيدليات ولا المشافي، حتى أنهم دمروا معامل الأدوية في غوطة دمشق مع صيحات التكبير. ووصل الأمر إلى قدس الأقداس، إذ أنهم دمروا المساجد التي بنيت في عهد الأمويين، ودمروا الكنائس، حتى أنهم دمروا قواعد الصواريخ المضادة للطائرات، ودمروا المرصد الكبير في شمال سورية، إلى جانب تدميرهم لمختبرات البحث العلمي التابعة للجيش العربي السوري، و قاموا بقتل الخبراء مع إغتيال الطيارين السوريين بعد عودتهم من دورة في روسيا. أما عن إغلاق المدارس وتحويلها إلى أوكار لرجال العصابات والتنظيمات الإرهابية فحدث ولا حرج. أريد أن أختم كلامي بالقول أنه مع الأسف الشديد كثيرون من مثقفينا أسرى للمنهل الاعلامي الغربي، الذي يدار من قبل أجهزة لا تحترم العرب بل تكن لهم العداء. كلنا يذكر حادثة طائرة لوكربي التي ليس للدولة الليبية أي علاقة بها، بل هي ناتجة عن تصفية حسابات داخل الأجهزة الإستخباراتية الأمريكية نفسها، وبشكل وقح قاموا بعملية إستثمار لهذه الحادثة على حساب الشعب الليبي....ما حدث ويحدث في سورية كونها لم تقم بتوقيع إتفاقية سلام مع الدولة الصهيونية المعتدية، ولم تذهب نحو التطبيع حسب شروط الغرب، وكونها دعمت وتدعم حتى هذه الساعة قوى المقاومة في لبنان وفلسطين. وأخيرا أقول يجب التفريق بين ما هو سياسي وما هو وطني، من يختلف مع الدولة في السياسة، عليه التفريق بين السياسة وحب الوطن. لا يجوز أن تعاقب الوطن كونك تختلف مع قادة هذه الدولة في السياسة.

***

بقلم إسماعيل مكارم

......................

* الفزعة: هي التوجه لإنقاذ المستغيث، ومن يطلب العون والمساعدة.

في المثقف اليوم