أقلام حرة

ليلة القبض على TikTok

ما تضمنته "لائحة المحتوى الرقمي بالعراق" هو عملية إجهاز بشكل كامل على مفهوم حقوق الشعب في دساتير الأمم، والسعي لتحويل المواطن إلى مجرد كائن " لا يرى..لا يسمع.. لا يتكلم"، كائن منتهى حلمه الحصول على ساعة من الإنترنت وانتظار أن تسمح الجهات الرسمية بأن تتجول الناس داخل صفحات الفيسبوك وتويتر، وقبل هذا عدم الاقتراب من المدعو(TikTok) لأنه يشجع على الفساد كما أخبرنا أحد نجوم فضائيات هذا العصر الديمقراطي.

هنا تصبح شعارات مثل الحرية والديمقراطية والتغيير وحقوق الإنسان، مجرد مفردات تلاحق من يرددها وتنعته بالمخرِّب، إن لم تلصق به العبارة الشهيرة "أجندات أجنبية"، في ذلك تصبح مأساة شباب الاحتجاجات لأنهم تظاهروا من أجل المطالبة بأبسط حقوق الإنسان، من حياة كريمة وخدمات أسوة بما تتمتع به المنطقة الخضراء ومنازل المسؤولين، نموذجاً واضحاً على أنّ الإنسان العراقي مجرّد رقم يُستخدم أحياناً في الانتخابات، وأحياناً كثيرة ينقل إلى سجل الموتى.

كان من السهل على أصحاب لائحة المحتوى الرقمي أن يوضحوا للناس حقوقهم في العدالة الاجتماعية والأمان الصحي والتعليم الجيد، والسكن اللائق، وأن يشرحوا لنا أن المهم هو السعي لبناء العراق كدولة للحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية، بلا وضع فقرات تعاقب كل من تسوِّل له نفسه "الإساءة إلى الدولة أو السلطات العامة فيها أو الأشخاص الطبيعية والمعنوية في العراق" وإذا كان من حق الأجهزة الأمنية أن تحاسب من يسيء إلى كيان الدولة، فأعتقد أنه من المضحك منع الناس من الحديث عن فساد المسؤولين وامتنيازات النواب.

والعجيب والغريب أنه من أجل حماية العملية السياسية العرجاء، استباحت الجهات الحكومة ومعها خبراؤها الأشاوس كل شيء، فبعد الاصرار على قانون حرية التعبير داخل قبة البرلمان، جاء الدور على التصدّي للسيد فيسبوك ومعاونيه، لأنهم كشفوا زيف الديمقراطية في العراق، ولان المسؤولين انتابتهم حالة الرعب، من أنّ الفيسبوك ينقل بالصوت والصورة ما يجري داخل بلاد الرافدين .

كيف يسقط كبار الساسة في أوروبا وأمريكا ويذرفون الدموع أمام الفضائيات؟ بسلاح اسمه مواقع التواصل الاجتماعي، وليس بإصدار قوانين تحسب على العراقيين عدد اللايكات؟..

للأسف بعد 20 سنة من سرقة ثروات البلاد، والخراب وفقدان الأمن والأمان يريدون منا أن نقول للص والانتهازي والمزور والمرتشي سمعاً وطاعة.. وغير ذلك فإن الجميع عملاء مشاغبون.. يريدون منا طاعة عمياء للصوص والمستبدين باسم الدفاع عن معايير الفيسبوك.

يريدون منا أن نزيف الحقائق، أو نكتب عن الجنة الموعودة في العراق، كي نفوز برضاهم ونصبح في عينيهم بشراً صالحين للكتابة والقول والتعبير عن الآراء، على الرغم من مزاعم لائحة المحتوى الرقمي أنها تحمي حرية التفكير والتعبير، وتحارب من أجلها. غير أن الواقع يكشف عن حقيقة تقول إن حرية التعبير في العراق محكومة بمفاهيم الطبقة السياسية التي تريد فرض قناعاتها على جميع العراقيين، ومن يخرج عنها يطرد من جنة الديمقراطية العراقية.

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المتدى البغدادية

 

في المثقف اليوم