أقلام حرة

الاستلاب التراثي!!

أجيال الأمة يجهلون تراثها العلمي ويعانون من أمية تراثية مزمنة، توارثوها وانغرست في الوعي الجمعي بآليات تكرارية مبرمجة تهدف لإستلاب وجودهم.

فالمغروس في الوعي العام بواسطة الآخرين، أن هولاكو قد رمى ما في بيت الحكمة ببغداد سنة (1258) ميلادية، في نهر دجلة حتى صار فيها جسرا من الكتب تعبر عليه الناس، وبهذا فأن تراثها قد ذهب مع الماء.

وهذه فرية إنطلت على الأجيال، ذلك أن بيت الحكمة ببغداد أنطلقت في زمن هارون الرشيد (170 - 193) وبلغت ذروتها في زمن المأمون (198 - 218)، وخبت في زمن المعتصم (218 - 227) خصوصا بعد أن نقل العاصمة إلى سامراء، ويُقال أن الواثق (227 - 232) قد بعث فيها بعض النشاط وكذلك المتوكل (232 - 247)، وبعدها تحول الخلفاء إلى دمى تحت إمرة القادة والمتنفذين من الأقوام المختلفة، فأهملوها وإنهمكوا بالحفاظ على وجودهم في كرسي الخلافة ولو إلى حين.

ولا يوجد ما يشير إلى أنها ذات نشاط يضاهي عصر المأمون منذ (247) هجرية وحتى (656) هجرية حين سقطت بغداد، فهل بقيت بعد أكثر من أربعة قرون على إنشائها، وبغداد تتعرض للفيضانات  والهجمات التدميرية والحروب الداخلية، والبناء لم يكن من الحجر، بل معظمه من الطين (اللبن) والجص.

ثم أن بيت الحكمة كانت أشبه بدار نشر، تؤلَّف فيها الكتب وتترجم، ويبدأ الوراقون بنسخها وبيعها، وإرسالها إلى حواضر الدولة العباسية.

فما في بيت الحكمة ليس نسخة واحدة وربما نسخ أصلية للنسخ المنتشرة في مشارق الأرض ومغاربها.

ويقال أن هولاكو إستحوذ على الكتب النفيسة وباعها للدول الغربية، والدليل الآخر الذي يدحض الإدعاء فمن السهل أن تحرق بدلا من نقل الكتب إلى النهر، فكيف يعقل أن نهر دجلة العارم التيار آنذاك تصمد فيه الكتب وتبني جسرا!!

وحريق بغداد جاء للوقاية من الأوبئة لكثرة الجثث المتراكمة في أرجائها.

وبإحتراق بغداد إحترق ما تبقى في بيت الحكمة من كتب، وأشك أنها بقيت تحوي كتبا على مدى أربعة قرون، وما إهتم بها الخلفاء الذين مروا عليها وعددهم بعد المتوكل (26).

ويُذكر أن أبو نصر الطوسي قد نقل (400000) مخطوطا من بيت الحكمة إلى مرصد مراغة أثناء حصار بغداد قبل دخولها، وإن صح ذلك فأن المغول لم يجدوا فيها ما يكفي لترويج فرية رميها في نهر دجلة، وكأنهم كانوا يمتلكون ناقلات عملاقة وليس بغالا وحميرا.

ومن المعروف أن معظم كتب التراث محجوبة في ظلمات مخازن المكتبات والمتاحف، ويسمحون بتحقيق ما يرونه مناسبا منها ويمنعون الآخر.

فعلينا أن نتحرر من قبضة التجهيل بالتراث العلمي العربي، وننطلق بمسيرة إحياء معاصرة.

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم