أقلام حرة

العقل والدين!!

العلاقة بين العقل والدين غامضة ومشوشة، فالإنتماء للدين ليس عقليا، وإنما قلبيا، أي أن الإيمان يسبق العقل، وجميع الأديان تنطلق من أن ما يؤمن به البشر، أيا كان نوعه – لا ريب فيه.

وحالما يتم إقحام العقل في الدين، فالشك سيكون المنهج المطلوب العمل به، ومسألة العقل والنقل قديمة قدم الأديان، وموجودة في المجتمعات الأخرى.

العقل لا بد له أن ينفصل عن الدين ليراه، وحالما يتم ذلك تقع الواقعة، لأن رؤية الشيئ من داخله تختلف عن رؤيته من خارجه، فالبشر يسبح في مياه الدين ولا يستطيع رؤية غيرها ويمضي عمره غريقا بالدين، أما إذا فعّل عقله وتبصر في الأمر وعاينه من الخارج، فالعديد من التداعيات ستتوافد إليه، ويصبح في محنة إدراكية وتيهان معرفي، قد يجبره على الإعتقاد بأن ما يبصره عين المطلق، وغيره لا يرى الدين كما يراه، وفي جهل وغواية وإندحار بما لا يمت بصلة للدين.

ومعظم الأديان أصابها ما أصابها من النوازل والصراعات القاسية بسبب إقحام العقل في منطلقاتها وما تسعى إليه، والمشكلة أن الإقحام سينجم عنه تصورات ورؤى مناوئة لما هو متداول، فيحسب الذي أدرك بعقله أن الذين يمارسون الدين وفقا لإنتماءاتهم القلبية، في غفلة وجهل شديد.

ويتناسى أدعياء العقل الفاعل في النصوص الدينية، أنهم كغيرهم لا يعرفون إلا ما تتمكن منه عقولهم المأسورة بالمعارف المتوفرة أمامها، وتتناسى أن فوق كل ذي علم عليم.

وفي الإسلام تجربة المعتزلة خير دليل على التفاعل العقلاني مع النص الديني، وكيف صاروا يحاولون إجبار الناس على إتخاذ منهجهم على ما يرونه هو الدين القويم.

وبعدهم إبن رشد (520 - 595) هجرية في الأندلس، أقحم العقل في النص الديني وما أفلح في بناء المنهج المعرفي اللازم للدين المعقلن، مع أنه فقيه ومتبحر بالفلسفة وعلم الكلام.

وتجدنا في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، أمام جمهرة من الذين يدعون لإعمال العقل بالنص الديني، ويتوهمون بأن ذلك سيقدم الدين على طبق من ذهب للأجيال، والدين يسير وواضح وهمهم أن يعسروه، وكأنهم مسوقون للمتاجرين بالدين.

والجميع يعرف أن العقل البشري سبب الخراب الديني، وبتفعيله أبيدت الملايين من أبناء الأديان، وحصلت الصراعات المقدسة، التي أستبيحت بها دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والسيوخ، ومجازر الأديان يزدحم بها التأريخ، في شرق الأرض ومغاربها، وما خلت بقعة أرضية منها.

وأشار إليها إبن الجوزي (510 - 592) هجرية في كتابه (تلبيس إبليس)، وما تعلمنا، ولا يزال ناعور إعمال العقل في النص الديني يذبحنا من الوريد إلى الوريد.

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم