أقلام حرة

الإدراكية وكنه الأسرار العلوية!!

الإدراك نشاط عقلي باهر وإرتقاء إنطلاقي نحو آفاق ذات إتساع مطلق.

والإدراكية هي تدريب الدماغ على الإنطلاق من معاقل المكان وظلمات الأوان، وصندوق الجمجمة إلى فضاءات الأنوار الساطعة.

الإرتقاء الإدراكي ينتقل بالقدرات الإدراكية إلى مدارات علوية، يتلقى أفياض أفكار تأهلت لإستقبالها بدوائر عُصيبية ذات طاقات إنجذابية.

الحدس هو الوصول إلى حالة الدوران القصوى التي تستحضر مستلزمات الدراية الواعية لنتائج تفاعل المتغيرات بعناصرها المتنوعة.

لا بد من الإرتقاء إلى حالة التواشج والتداخل مع الطاقات العلوية المطلقة، ويتحقق بالإمساك بالقدرة الكفيلة بوضع الموجود في مسارات المدارات الكبرى.

الحكمة  أن تعرف كنه الإدراك، وتصل إلى ذروته اليقينية فيتحقق الإبصار، وتنكشف الحجب وتزول الأغطية.

فقهاء الدين يترجمون الفوقية المعرفية ويرفضون القول بأن الناس أصحاب عقول.

فقهاء الدين قتلوا العقول وألبوا السلاطين على كل عقل يريد أن يفكر ويتدبر ويبتكر، لأنهم يعتقدون بالجمود وبإخماد الناس وإعتبارهم أنعام.

الإنتحار اللذائذي هو أحد أبواب الرفود والخلود، ومنهج ربما يكون مستنبطا من الحوارية ما بين هابيل وقابيل، أي سلوك هابيل المعبَّر عنه بآليات متوافقة مع موقفها والحالة التي تريد التمثل به .

وقد تكرر في التأريخ وذروة ترجمته كانت ملحمة الحلاج، وما آل إليه السهروردي وجهابذة الفكر والمعرفة ومنهم إبن رشد، إنه خيار الموت الخالد.

الإنتحار اللذائذي أن يَقدِمْ المرء على تأليب القوى، التي يريدها أن تقضي عليه لكي تبوء بإثمه، ويعيش خالدا في موته.

النبوة ظاهرة تفاعلية ما بين القوة الإدراكية والقوة الكونية، وبحاجة إلى مجاهدة تؤهلها للإعراج إلى كنه الذات العلوية.

الكشف والحدس تفاعلات إدراكية ما بين مدارات العقول العلوية، وفضاءات الكونية وتواشجها وتشربها بأنوار الدهشة والإمعان واليقظة العرفانية.

الكون كرة متناهية في الصغر لكننا نعيها مطلقة الكِبر، وفي الكرة المجهرية دروب ومسارات تأخذنا إلى الطوفان في أرجائها، فيمكن للعارف بمنافذ سبلها العلوية أن يعرج من مكان إلى آخر في الكون بلمح البصر، ووفقا لذلك فالمعراج قد حصل والإسراء قد تم، لأن الذي يقوم بهما إنكشفت أمامه أبواب كن وترامت قسمات الذات الأبدية.

العقل المفتوح يتسع لفضاءات الأكوان، ويستوعب مديات الأزمان،  ويتماهى مع الجوهر الكوني الفعال، وتنتفي حدود المدارك وينطلق الوعي المعبِّر عن المحتوى الكوني الأكبر.

فرضية وجود عالمين (دنيا – آخرة) تبنى عليها رؤى وتصورات وفلسفات غيبية المنطلقات، لا يمكن الجزم بها عقليا أو علميا، لنسبية العقل ومطلق الغيب، لكن العقل النسبي القدرات توصل إلى ما هو نسبي وليس مطلق لعجزه عن بلوغ المطلق، فالثنائية نسبية وليست مطلقة أو برهانية.

النبوة إرتقاء إدراكي وتواصل  مع مدارات الأفكار العلوية، فالإنسان يستطيع الإرتقاء إلى علويات إدراكية متفاوتة، تستوعب مطلق العقول في كون يزداد إتساعا ونماءً وقدرة على التوالد الأصيل.

السياحة الإدراكية ممكنة إذا إمتلك الإنسان مهارات الرياضة العلوية، وتسلق بمداركه سلالم الوجود الكوني المطلق، وفاز بمنافذ المسالك الكونية وطرقات التجوال في ميادينها التي تصبح في تناوله.

إبن سينا يحاول مزج العقل بالنفس وهذا مستحيل فالنفس تستعبد العقل، وهو أمر سهل للطرفين، أما أن ينتصر العقل على النفس، فذاك بحاجة لجهدٍ جهيد ونشاط مطلق ويقظة دائبة.

الفيلسوف يُعمِل عقله والنبي لديه خبرات نفسية وروحية وموهبة معرفية بالسلوك البشري، فينقاد له البشر عاطفيا وإنفعاليا وليس عقليا لأنه يجيد مخاطبة النفوس، وبضاعته الغيبية ينجح بتسويقها للناس عامة.

الفلسفة مبعثها السؤال الواعي أو الغير واعي، أي المصحوب  بالإندهاش والحيرة والإضطراب من ولوج عالم مطلق الأبعاد والإحتمالات.

فالمخلوق ينطلق من رحم أو بيضة، من عالم صغير آمن إلى عالم كبير يزدحم بالمخاطر، ويجابهه بحواسه وما عنده من قدرات إدراك، وتمثل وإستيعاب لما يحصل فيه من التفاعلات والتداخلات، التي بحاجة لجدٍ وإجتهاد للوصول إلى كنهها وفهم غاياتها وإستكناه ما فيها.

إنه التحدي الأعظم الذي يواجه أي مخلوق منطلق من كينونته الإبتدائية إلى مسارات البحث عن نهايته ورسم معالم خاتمته.

هذه التساؤلات المتراكمة المتزاحمة تصنع ما نسميه بالفلسفة أو البحث عن المعرفة اليقينية، التي هي ديدن الموجودات وأهم ما يدفعها للبقاء والرقاء، وتكرار محاولات البحث عن الجواب الذي تطارده كأنه السراب.

ولن تصل المخلوقات إلى جواب قاطع، لأن ذلك يعني أنها قد فقدت مبرر وجودها وديمومتها، مما يحتم إنتهاء حياتها.

أي أن خاتمة الحياة في أية بقعة كونية مرهون بقدرة أحيائها على القبض على جوهر اليقين وحالما يتمكنون فأنهم سينتهون، وهذا ما يشير إليه تجلي اليقين على جبل الطور، وما رافقه من تحذير وآيات معجزات ونذير.

الإدراك والتدارك عملية فيضوية متداخلة ذات نفحات برهانية وإستحضارات يقينية خلابة، تنعكس في مرآة الروح الولهانة للعشق النوراني الوهاج.

فهل ندرك حقا أم نتوهم الإدراك؟!!

وما هي آليات إيقاد المدارك وتمزيق الحجب؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم