أقلام حرة

عبثَ وتولى!!

اللغة العربية فيها كلمات ذات دلالات إقرانية، فعلى سبيل المثال، الإقران بين العلم والعمل، والكلمتان من ذات الأحرف، والدلالات لها معاني فاعلة في الحياة، وهناك العديد من الكلمات مثيلاتها، وقس على ذلك.

وفي واقعنا قوى جاءت وعبثت بمصير البلاد والعباد، ولو نظرنا للعراق لتبين أن أنظمة الحكم عبثت وولت، وما عادت قادرة على الرجوع وتأكيد المقبولية، لأن تجاربها مريرة وخواتمها قاسية ومروعة.

فلا العهد الملكي سيعود ولا غيره من أنظمة الحكم التي فشلت في بناء الدولة الدستورية الوطنية المعاصرة، وتمحورت حول الفردية والإستبدادية المقيتة، التي قضت على ذاتها وموضوعها.

فالدنيا تسير للأمام ولا تسمح بالعودة للوراء مهما كانت الإدعاءات والمزايدات والتأهيلات، والذين ينظرون إلى الخلف سيتساقطون في حفر الهلاك الحتمي.

سيقول مَن يقول أنها أنظمة مبرمجة لتأمين مصالح أسيادها التي حمتها وعززت وجودها في البلاد، وهذا يسري على العديد من الدول في العالم، التي في حقيقتها تحت الوصاية الغير مباشرة والإستعمار بالوكالة، لكن أبناءها أوجدوا طريقهم وإنطلقوا في مشوارهم بآليات معرفية وفكرية ذات أسس وطنية وقانونية وإنسانية، فانتصروا على التحديات والمصدات المعوقة لخطوهم.

ومجتمعاتنا منحشرة في رؤى غابرة، وتريد إصمات الزمن وجزر الحياة، وطبخها في أوعية الماضيات البائسات اليائسات، المعممة بالأوهام والهذيانات والتصورات الخيالية، الملثمة بالقدسية، والنصوص الربانية التي لا يجوز الإقتراب منها، والتفاعل معها بغير السمع والطاعة.

وبموجب النمطية الفاعلة في الأجيال، والتدحرج في متاهات الضياع اللذيذ، وإلقاء المسؤولية على الآخر، وتحرير الذات من واجباتها الوطنية والإنسانية، وفقا لأضاليل تسمى دينية يسخّرها تجار الدين لمنافعهم ورغباتهم المطمورة، تحركت الأجيال نحو الهاويات المتناميات والإحباطات المتراكمات، حتى وجدتنا نتوحل في أسمى ما فينا.

والمشكلة ليست في الآخر الجاهز للإفتراس والصولان، وإنما في المجتمعات القطعانية، الساعية لتأكيد ما عندها من الأضاليل، والتي يستثمرها الطامع فيها، ويحصد ما يريد بجهودها، فهي كأحجار الدومينو، ما أن تدفع أولها حتى تتساقط عن آخرها.

فإلى متى سيدوم العبث فينا، ونحن العابثون بوجودنا، ونحسب العبث نصر وفخر، ووحوش الغاب تتربص بنا، والغثيان ديدننا، لأن العبث صهباء وجودنا اللذيذ؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم