أقلام حرة

القهر والكتابة!!

الشعوب المقهورة تكتب أكثر من غيرها، وكأن الكتابة سلوك ترويحي، وخداع للذات على أنها تفعل شيئا ما لمقاومة القهر.

وفي بعض المجتمعات المنكودة المغلوبة على أمرها، صار الجيمع يكتبون، ويقولون ما يقولون ضد الكراسي الجائرة عليهم، وواقعهم يزداد قهرا وظلما، ويستلطفون المعاناة اليومية، ويهرعون للكتابة للتعبير عن همومهم، بدعوى حرية التعبير عن الرأي، التي صارت كالمصيدة في بعض الدول.

هذه الكتابات لا تؤثر ومطلوبة لتنمية التخدير وإطالة عمر التنويم والإلهاء، فتتوفر الظروف الآمنة للنهب والإستلاب، وتكديس أموال الشعب في بنوك الآخرين، الذين سيستحوذون عليها بوسائلهم وألاعيبهم المعروفة.

فالكتابة في هكذا مجتمعات أفيون، ولا تختلف في دورها عن الإدمان على المخدرات، الفاعل في مجتمعات الدنيا المنكوبة بها، ونكبة المجتمعات المقهورة تجسدت في الكتابات الفضفاضية، اللازمة لتفريغ شحنات الغضب والمرارة والإحباط الفاعلة في أعماق الناس.

فاكتب واستلطف الحشر في أوعية القطيع، ولا يحق لك أن ترى غير ما يرون، أو تتمرد على سيدهم الذي يحدوهم بسوط رغباته وتطلعاته المرهونة بأمّارة السوء التي فيه، فتلك جريمة يحاسب عليها المتسلطون على مصيرك، بموجب فتوى ذات قدرة على سحق الدستور والقانون، فما مدوّن على أنه دستور، ينتفي وجوده أمام أية فتوى من معمم متاجر بدين.

ويبدو أن أفيون الكتابة وسيلة للتخميد والتواصي بالتبعية والتقليد الذي يبرر الخطايا والآثام، بعد أن إرتدت اللباس الديني، وتمحنّت فيها القدرات والطاقات، وتحوّلت إلى عمل، فالفعل أن تقول وتكتب، أما غير ذلك فنوع من الإعتداء السافر على العرش المفدى العظيم.

فالأقلام تكتب والقهر يتنامى، والأحوال تتردى، ومَن يتجاوز يُردى في مكانه، فالإغتيال سلوك ديني والإختطاف من طقوس الدين، وعليك أن ترتل المعوذتين، وتستعين برب رحيم، فرب العمائم من أولياء الشيطان الرجيم، وإياك إياك أن تعارض قول مَن إستلم وكالة من رب العالمين، فأنت الذي سيجذب إليه المخولين بخطف الأرواح وجزر المساكين، وكل من عليها فان، وتوكل عليهم وعلى الكرسي المهان!!

فهل أن القهر مداد المسطور؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم