أقلام حرة

صادق السامرائي: وباء الكتابة!!

في بعض المجتمعات المنكوبة بالقهر والتخنيع والتركيع والإذلال الشديد، تتحول الكتابة إلى وباء خطير، تساهم بقتل البشر وتخميد الإرادات وتعطيل العقول، وتأهيل الناس للإستسلام لنداءات السمع والطاعة، وتبني عقول جلاديها والمصادرين لوجودها الإنساني.

فالكتابة الجيدة تمثل جوهر الكلمة الطيبة، وتكون النجيع المشافي من العلل الفكرية، ولقاح واقي من أمراض الخداع والتضليل والتهبيل.

وما يحصل في واقع بعض المجتمعات أن الكتابة تعكس إرادة الكراسي، فهي مرآتها ولسان حالها، وتستعير مفردات ذوي الشأن والسلطان.

أي أنها أبواق الكراسي، ومن المساهمين بصناعة المآسي.

ذلك أن الكراسي تفرّق وترى الحياة بمنظار نفوسها الأمّارة بما تريد، وهي متربصة مرتابة مذعورة، تخشى حاضرها وغدها، فقوائمها غير ثابتة، وما حولها سينقض عليها ويدوسها ويمحقها ويعتليها.

والكتابة مسؤولية والكلمة أمانة، وبالكلمة يتحقق كل شيئ، وبها يُدَمَّر كلَّ شيئ.

والحروب أولها كلام، والسلام أوله كلمة، والويل والنكد تصنعه الكلمات الممزِّقة، وديدن أقلامنا الكتابة بمداد التفرقة والعدوانية، وتحشيد المفردات السلبية على السطور.

فالكثير مما يُنشر يُظهر التفاعلات التنفيرية بين أبناء كل شيئ واحد.

وبهذا تتحول الكتابة إلى وباء فتاك يقضي على الأجيال، بمنع تفاعلها وإذكاء تصارعها الخسراني المبيد، وبموجب ذلك تجدنا في محنة تآكل الأجيال وتماحقها، ونسير على سكة كل أمة تلعن أختها، ولن نصل إلى محطة معاصرة ذات قيمة حضارية رائدة.

فهل تتوطن عقولنا إرادة الهدم؟!!

و"متى يبلع البنيان يوما تمامه ...إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم"

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم