أقلام حرة

محمد توفيق علاوي: عصر النفط قريب من الانتهاء.. حقائق وأرقام

اعترض بعض الاخوة على مقولتي (عصر النفط قريب من الانتهاء على غرار الفحم الحجري) ومن اعتراضاتهم: (ان هذا الكلام اعلامي اكثر مما هو واقعي)، (الوقود الاحفوري كما قال بعضهم سيبقى إلى قيام الساعة) وآخرين قالوا (الى خمسين سنة على الأقل سيبقى هو المصدر الاساسي للطاقة)، وقالوا ايضاً: (ان النفط استخدامه الأقل هو كوقود للسيارات واستخدامه الأكبر هو كوقود للطائرات)؛ وقالوا (هناك دراسات تقول ان أسعار النفط ستشتعل وتصبح 200 دولار خلال العشرين سنة القادمة)، ثم اعترضوا علي قائلين (لماذا تثير هذه الأمور المزعجة الآن خلينا نايمين، اليوم اكو اكل وباجر الله كريم)، ومن مقولاتهم ايضاً (سوف لن يهتموا لما تقول لأن الخزينة بيها مليارات ولهذا السبب عينوا نصف مليون موظف خلال ثلاثة اشهر)، وقالوا ايضاً: (الحكومات تفكر لأربع سنوات فقط ومن يجي يوم ما عده الحكومة تدفع معاشات راح ينتبهون لطروحاتك)، ثم قالوا: (منو يقرأ ومنو يسمع الكل طرشان) .

فكانت اجابتي لهم: اني اتمنى ان يكون بعض كلامهم صحيحاً، وان تستمر الحاجة الى النفط الى قيام الساعة، وأتمنى ان يصبح سعر برميل النفط 200 دولار، اما بالنسبة لانهيار سوق النفط فتكثر الآراء في هذا المجال فهناك من يقول ان انهيار سوق وأسعار النفط ستكون في العقد القادم، وآخرون يقولون بعد عقدين او ثلاثة بل حتى خمسة عقود، طبعاً شركات النفط تعطي أطول الفترات لسبب واضح، فإن اقروا ان السوق والأسعار ستنهار خلال عقد او عقدين فمعناه ستنهار قيمة اسهم شركاتهم قبل ذلك، واني لا اريد ان اتبنى وجهة نظر أي من الفرقاء وأقول نعم لا توجد لدينا توقيتات يقينية ولكن يوجد واقع على الارض، لذلك من المهم ان نعرف هذا الواقع ونبني عليه السياسات المستقبلية للبلد. فالنروج على سبيل المثال في يومنا الحالي 80٪ من سياراتها تعمل على الكهرباء ووضعوا حداً عام 2025 لا يجوز بيع اي سيارة جديدة لا تعمل على الكهرباء، اما الدول الكبرى كاليابان والصين والبرازيل وبعض الدول الاوربية وضعوا حداً نهائياً عام 2030، بريطانيا وضعت قانون مشابه ولكن بين عامي 2030 و 2035، الاتحاد الاوربي وضع حداً عام 2035 وكذلك الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وجنوب افريقيا، اما الهند فاتخذت سياسة خاصة حيث أصدرت قانون عام 2023 وضع حداً اعلى لاستخدام السيارات التي تعمل على الوقود لفترة لا تتجاوز ال 15 سنة في المدن الكبيرة وانشأت الهند الكثير من المصانع الكبيرة لتحويل مكائن السيارات القديمة التي تعمل على الوقود الى مكائن تعمل على الكهرباء؛ نأمل ان يستمر استخدام الوقود لأطول فترة ولكن في نفس الوقت يجب ان نتهيأ للسيناريو الآخر، لقد انهت السعودية اقتصادها الريعي وطورت قطاعها الصناعي والزراعي والخدمي بحيث أصبحت الموارد غير النفطية تشكل 54٪ من الناتج الإجمالي المحلي (GDP) لعام 2023 حتى الآن، اما بالنسبة للنفط فضمنت هي واكثر الدول النفطية أسواق النفط المستقبلية، فقد اشترت وانشأت السعودية والامارات وقطر والكويت والجزائر عشرات المصافي في العالم، احداها اكبر مصفاة امريكية اشترتها السعودية وهي مصفاة بورت آرثر وستحولها الى اكبر مصفاة في العالم (1.5 مليون برميل يومياً) اعتماداً على تقنيات جديدة تتلاءم مع السوق المستقبلي للنفط فلا تنتج وقود السيارات إلا بنسبة ضئيلة، وللعلم فهذه المصفاة ستشتري النفط السعودي فقط ولا يمكن ان نبيع لها النفط العراقي في المستقبل، وكذلك كل المصافي التي اشترتها وستشتريها الدول النفطية ستكون سوقاً لهذه الدول وليس للعراق، الكويت أصبحت اكبر مجهز لوقود الطائرات في العالم حيث سيطروا على اكثر من 40 مطار دولي في العالم سيستوردوا وقود الطائرات من الكويت وبالتأكيد ليس من العراق؛ الدول النفطية عملت وتستعد لهذا اليوم وجلبوا الشركات الاستشارية التي وضعت لهم هذه السياسات الاقتصادية لمواجهة الأيام والسنين القادمة حين تقل الحاجة الى الوقود، ونحن للإسف غافلون، وفي التقرير الاخير للبنك الدولي الذي صدر في كانون الاول الماضي بشأن التنمية والمناخ في العراق ذكر الفقرة التالية [بينما يتخلى العالم عن الوقود الاحفوري سيضعف الطلب على صادرات النفط العراقية… هذا يؤدي الى تقليص القطاع العام ويؤدي الى خلق تحديات كبيرة في أي بلد، وهذه التحديات ستكون شديدة في العراق، وهذا لن يؤدي الى تسريح عمال القطاع العام وقطع المصدر الرئيسي لدخل الاسرة فحسب بل الى الغاء وصول الاسر الى أنظمة الحماية الاجتماعية ايضاً]، للأسف هذا واقعنا بسبب الكثير من افراد الطبقة السياسية التي حكمت البلد خلال العشرين سنة الماضية.

ترى متى سنتخلص من الاقتصاد الريعي للنفط، متى سنوفر الخدمات لتنهض الصناعة في بلدنا، متى سنوفر الماء من الوفرة النفطية لتنهض الزراعة في العراق، متى سيعمل القطاع الخاص بكل حرية بعيداً عن الفساد والرشاوي وانعدام الامن فنوفر مجالات العمل لملايين العراقيين في القطاع الخاص بعيداً عن التعيين في الدولة، متى سيلتحق بلدنا بالركب العالمي لإنقاذ البلد من انهيار حتمي خلال فترة لا تتجاوز العقدين من الزمن!

***

محمد توفيق علاوي

في المثقف اليوم