أقلام حرة

فاضل الجاروش: الاصلاح بين التعيين والتقنين

ان مفهوم الإصلاح انما هو تعبير عن حاجة اجتماعية للتقدم خطوة إضافية في مسيرة الكمال، حيث أن مفهوم الإصلاح مرتبط دائما بوجود نقص يحتاج إلى إتمام بمعنى أن النقص يعتبر خراب واتمام النقص يُعد إصلاحا من هنا نفهم أننا أمام مفهوم متحرك حيوي مرتبط بفعل وفاعل وليس مفهوما تعبيريا جامدا، ولان اي فعل يحتاج إلى أدوات يستخدمها الفاعل فإن أصل الإصلاح سيكون متعلقا بشكل الادوات المستخدمة والتي ستمثل المدخلية المناسبة أو غير المناسبة لتحقيق خطوة مضافة إلى الأمام في مسيرة التكامل الإنساني وفي ذلك منهجين هما (التعيين والتقنين) ..

الأول .. التعيين

وهو تشخيص العلل ووصف المعالجات بمعنى أنها مرتبة البحث والتداول في الموضوع ومن ثم وضع وتقرير العلاجات المناسبة وبعد ذلك نشر النتائج .. في الواقع أنها مرتبة تمثل دراسة بحثية للواقع الاجتماعي أخلاقيا سياسيا واقتصاديا، ثم خذ هذه الدراسة القيمة وقم بتنضيدها بشكل جيد وبغلاف جميل وعنوان اجمل وضعها بيد الواعظ، طبعا سيرتقي المنبر ويعرض ما توصلت إليه الدراسات من نتائج على مستوى المقدمات والنتائج والأمراض والعلاجات وسيجعل تنفيذ خطة الإصلاح على مسامع الجمهور ويذكرهم بمراد الله في خلقه وأن الله تعالى يحب الصادقين ويبغض الكذب والكاذبين بقوله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

(يا ايها الذين امنوا لم تقولوا ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون *) صدق الله العلي العظيم .. ثم ينزل من المنبر ويذهب كلٌ المؤمنين إلى بيوتهم يتداولون إمكانية الخطيب في الخطابة وكيف أنه كان يقول الحقيقة وان المجتمع فعلا يحتاج إلى إصلاح ومراجعة ولكن هل أن هذا الخطيب المفوه الحريص على ان يحدث فارقا يمتلك أدوات مناسبة للقيام بذلك ام أن حدود مايمكنه القيام به هو شرح هذه الدراسة الإصلاحية التي هي موجودة في أصل الدين والذي يمثل طريقة حياة وليست فقط طريقة تدين طبعا لايمكن لأحد أن يقول أو يدعي بان الفقيه او الخطيب يمتلك تلك الأدوات المطلوبة لتحويل هذه القواعد الإصلاحية النظرية إلى واقع عملي، لأن تلك الأدوات انما هي أدوات السلطة الحاكمة التي تمتلك سلطة التقنين التي تجعل السلوك الاجتماعي باركانه المختلفة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وغير ذلك مرتبط باالمحاذير القانونية لذلك فأنك عندما تأخذ نسخة من هذه الدراسة وتضعها بيد السلطة الحاكمة فإنها ستذهب إلى آليات التشريع القانوني والى اليات إنفاذ القانون، وبعد ذلك لن يكون لهذا الكتاب الجميل مكان الا في أروقة المكتبات لمن يريد المراجعة.. اما النسخة الأولى فإنها ستبقى تتنقل بين أيدي الوعاظ الى أن تبلىٰ دون أن تصلح شيئ لأن مدخلية الإصلاح مرتبطة بامكانية التكليف كما يقال في الحكمة

(عمل لا يكلف به أحد لن يقوم به أحد). لذلك لن يكون الإرشاد كافيا للإصلاح وانما هو فقط وعلى الأرجح سيكون حجة على الناس بأنهم قد تم تذكيرهم فنسوا ماذكروا به وتم وعظهم ولم يتعظوا وهذا ليس خاصا بالمسلمين وانما هي قضية سايكولوجية تتعلق بأثر ودور الرقابة والقانون في جعل الإنسان ينصاع، ومن ثم بعد أن يصبح الانصياع للقانون سمةً اجتماعية يتحول السلوك القانوني إلى عادة اجتماعية تُوَرَث، عند ذلك فقط يمكن القول إن هذا المجتمع مجتمعا منضبطا وحينها تصبح قضية الإرشاد كذلك مقننة كما يحدث عندما تقوم السلطة الحاكمة بإدخال الناس في دورات التنمية البشرية او التعليمية أو دورات الإصلاح وغير ذلك الفارق هنا في المجتمعات الإسلامية

ان الواعظ لايملك سلطة الارغام القانونية لذلك يبقى الإرشاد عبارة عن اقتراح لمن يريد هو أن يأخذ به بمعنى أنه بدون ضابطة تحدد مايترتب على الالتزام أو عدم الالتزام ..

***

فاضل الجاروش

في المثقف اليوم