أقلام حرة

أكرم عثمان: الانتخابات التركية واجهة حضارية

أصابتني الدهشة والحيرة عندما تابعت الانتخابات التركية في ظل مجتمع متحضر يعيش حياة مفعمة بالتعدد والاختلاف الذي يثري حياة أفراده ومجتمعه ودولته، عرس ديمقراطي، منتهى المصداقية والوضوح، حرية في الدعاية والترشح والتصويت والانتخاب، سرعة في فرز الأصوات وتوظيف التكنولوجيا العصرية دون إخفاء أو مواربة أو تزييف للإرادة الشعبية والمجتمعية ولا عداء لأحد أو إسالة للدماء، دعم حكومي للأحزاب السياسية من قبل الدولة بما يقارب نصف مليار دولار أمريكي سنوياً تعود نسبة كل حزب حسب حجمة وقوته ومقدار تصويت الشعب له حتى يستمر العمل والمنافسة وتسود الحريات بالعطاء والتدفق بغض النظر عن رؤى وأهداف المنافسين ما داموا يخدموا دولتهم ومواطنيهم ويوفروا لهم الحياة وديمومة الرعاية والاهتمام والمواطنة.

حاولت أن أعود بذاكرتي لما يحدث عندنا في بلادنا العربية شعرت بالحزن والأسى من جراء سيطرة وتحكم وإلغاء للآخر وتهميشه وشيطنته وملاحقته ونفيه وسجنه وتدميره. عرفت أن العودة إلى الأعراس التي نراها في الغرب عموماً وما يحدث في تركيا على وجه الخصوص بعيدة المنال ويحتاج منا إلى وعي وبناء الذات والمؤسسات والدولة والإرادة السياسية التي ترقى للوصول إلى هذه المحافل التي تعتبر المسؤول والقائد خادم لشعبه وأمته وأن صعوده للحياة السياسية لا يتأتى إلا من خلال صندوق الاقتراع وإجراء انتخابات صادقة وشفافة ، فمجتمعاتنا تحتاج إلى مرحلة إعادة بناء وتأهيل لكي تصبح قادرة على التغيير ومواكبة تحضر الآخر ونشر ثقافة الحياة الإيجابية واحترام حقوق الإنسان وآدميته وقيمته وخياراته والسعي نحو مصلحته وتحقيق ما ينفعه ويضمن له سبل العيش الكريم التي يمتعه بالانتماء والولاء والنجاح والسعادة والرفاهية ويوفر له بنية تحتية ومرافق حياتية تضمن حقوق المواطنة ورعاية أبنائه والتكافل الحكومي والاهتمام بالبشر التي تشعرهم  بأنهم في عالم يستحق المرء فيه أن يحياه ويشعر بكيانه وصحة جسمية ونفسية ويسخر طاقاته ويظهر إبداعاته في العمل ويوظف كل ما يملكه في سبيل العمران والتشييد والتطور والارتقاء.

***

د. أكرم عثمان

مستشار ومدرب دولي في التنمية البشرية

15/5/2023

في المثقف اليوم