أقلام حرة

صادق السامرائي: الواقع المدان والزمن الحيران!!

الأمة لم تتخلف وما تأخرت،  أو كما يدّعون بأنها توقفت علميا، وأصيبت بالسكتة الحضارية منذ القرن الخامس الهجري.

فهناك عاملان لا ثالث لهما يتحاشاهما المفكرون ويمعنون بالتحليلات الخالية من القدرات اللازمة للتغيير الإيجابي والإنطلاق المتواكب مع الزمان والمكان.

أولهما داء الكرسي فالأمة أبتليت بالذين ينحشرون في الكرسي ولو لبضعة أيام، ولا يعنيهم من الدنيا سواه، فتكون عقولهم ونفوسهم مرهونة بآليات الحفاظ عليه، والتمتع بالسلطة إلى حين، وهذا السلوك تواصل منذ قرون ولايزال فاعلا في الكراسي المتسلطة على مجتمعات الأمة في دولها.

فالكرسي قيمة كبرى وعليا وفائقة الدور والتأثير، وبموجب ذلك لا توجد حركة وإرادة تفاعلية دون أن تضع نصب أعينها على الكرسي، وأكثرها تباد قبل الوصول إليه وغيرها تباد بعد الجلوس عليه، وبين مبيد ومُباد تمضي عجلة المسير فوق سكة الشرور والويلات والتداعيات الوخيمة.

في مسيرة الأمة إنبثق العصر الذهبي العقلاني العلمي المعرفي عندما رفع رايات العلم عدد من الخلفاء كأبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد، والمأمون الذي توّج المسيرة الحضارية بثورات معرفية متنوعة، وإهتم ببيت الحكمة ببغداد حتى أصبحت أول مركز للعلوم والمعارف في العالم، فالأمة توهجت عقولها عندما قادها عالِم متنور.

وبعد ذلك حصل الخواء، فالتداعيات الحقيقية للدور العلمي للأمة بدأ حال مقتل المتوكل (247) هجرية، فالواقع يشير إلى أن الإشراق المعرفي الوهاج إستمر لمدة (112) سنة،  منذ خلافة أبو جعفر المنصور (136) وحتى إبتداء فوضى سامراء (248)هجرية.

ومضى الحال حتى عام (656)هجرية، أي لأكثر من (500) سنة، تمرغت فيها عقول الأمة بما مضى وما إنقضى، ودخلت في دائرة مفرغة متأسنة، تتوحل فيها الأجيال تلو الأجيال، ولا يزال داء الكرسي فاعل في واقعها المعاصر، فأنى يكون الكرسي تكون أحوالها، وما حظيت بكرسي رشيد.

وثانيهما تجار الدين، الذين طوّعوا الدين ليتوافق وأهوائهم وما تريده الكراسي، فهم العمود الفقري للكرسي الفاعل في الأمة، وعبر مسيرتها سوّغوا المظالم، وشجعوا على سلوك السمع والطاعة، وبأن الكراسي أعرف من الناس، ولابد من الخنوع والخضوع، وعدم الإقتراب من العقل لأنه يقوّض أركان الدين، وتحول العلم إلى بدعة سيئة، وإعمال العقل في أي شيئ خروج عن الطاعة.

وخسرت الأمة العديد من عقولها الحضارية وفقا لفتاوى تجار الدين، الذين يمررون إرادات الكراسي ويحولونها إلى طقوس دينية، ويرفعون من شأن الجالس عليها، حتى صار يمثل إرادة الرب، وربما هو الرب وأكثر.

وفي أيامنا المعاصرة إتضح دورهم وتأثيرهم وما يغنمونه من الثروات بإسم الدين، فتراهم يحثون الناس على القبول بالفقر والقهر والحرمان، وهم يتنعمون ولهم جاه وسلطان.

هذان العاملان، لهما الدور الأساسي في تعطيل عقول الأجيال، ومنع الأمة من إستنشاق هواء عصرها الذي تكون فيه، ويخشاهما المفكرون والكتاب، لأن قول الحق والتعبير عن الحرية من الجرائم، التي يحاسب عليها قانون الكراسي ودستور المآسي.

فهل لنا أن نرى بعيون العقل، ونكتب بمداد النور المبين؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم