أقلام حرة

أقلام حرة

من يرقب الشارع العراقي، وتعامل الناس فيما بينهم رسميا وشعبيا، يكتشف دون عناء يذكر افتقاره إلى الحياة المدنية بأبسط صورها، فالتشنج، والبيروقراطية في التعامل، والفوقية في العلاقات، والانتقائية في الميول، والتحزب الذي لا يفقه من مبادئ السياسي شيئا، والمذهبية المغرقة بالتشنج والتي تتغذى على نظرية المؤامرة، والضعف في الروح الوطنية، وانعدام ثقافة التكافل والتعاون، وتقليدية المشاريع بما فيها الثقافية والدينية، كلها تدل على أن شعبنا العراقي لم يستوعب بعد ثقافة الحياة المدنية، رغم مرور أكثر من عشرين عاما على التغيير، وتخلصهم من دكتاتورية الحاكم مثلما يدعون.

وهم إن كانوا بالأمس يتذرعون بوجود السطوة الغاشمة التي تمنعهم من ممارسة حياة المدنية، فلا عذر لهم منذ عام 2003، مع أن هناك بوادر فيها دلالات على استجابة بعضهم بل وسعيهم للتغيير، ومن يعرف نسبة هؤلاء سيصاب بالإحباط حتما نظرا لقلتهم نسبة إلى عدد نفوس الشعب العراقي، ولكنها على العموم بشرى خير تزرع في نفوسنا الأمل أن التغيير قادم لا محال، ولكنه سيستغرق زمنا لا طاقة لنا بتحمله، زمن ستقع فيه الكثير من الخروقات والظلم والاستلاب ومصادرة الحقوق وأشياء كثيرة أخرى، لن تمر دون أثر وإنما ستسهم في تأخير تحقيق الهدف لأنها تذكي روح القبلية والثأر والفصل العشائري والوساطات الدينية، وذلك كله يتعارض مع مدنية الأمة.

الذي أراه ومن خلال التجربة والمراقبة والبحث والتقصي أن المدنية لا تُدرك فعلا إلا عن طريق الممارسة الفعلية والمستمرة والمباشرة؛ التي يوجبها القانون الإكراهي، ولو في مرحلة البداية، ويحاسب من لا يعمل بهديها. معنى هذا أنها لا يمكن أن تدرك عن طريق التعليم الرسمي، وإنْ كان للتعليم أثره في ترسيخ متبنياتها وأبعادها، نظرا لكن هذا التعليم يُعنى بشريحة محددة من الناس، فضلا عن ذلك لا يمكن أن نلمس أثر التعليم إلا إذا ما اشتركت معه المؤسسة الدينية والمؤسسة الرسمية ومؤسسة الأسرة والمجتمع كله والشارع، وحتى الأسواق والمتاجر، عندها فقط ممكن أن تعي الجماهير معنى أن تمارس الحياة المدنية لتحفظ كرامتها وإنسانيتها بدل أن تبقى تجتر ظلامات الأمس ولا تفكر بالساعة ولا بغدها القريب.

***

الدكتور صالح الطائي

 

هناك مقولة لأحد كبار ضباط جيش العدو مضمونها "لا، لن يوجد بديل للحصان، ومن يتحدث عن جيش يعتمد على الدبابات، لا يعرف عما يتحدث، فالدبابة دودة عمياء لا ترى أين هي ذاهبة، ولا يمكن لها أن تكون بديلا للحصان المرن المتحرك والدينامي".

هذه المقولة جزء من فقرة من رسالة على خلفية بحث نظرية الأمن عام ١٩٨٧. مفادها أنه يتوجب على الجيش التجديد في نظريات إدارة المعارك الجديدة وعدم اعتماد الأساليب القديمة.

ومن المفترض أن تكون المقولة السابقة نافعة لكل زمان ومكان. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة "هل ما رأيناه اليوم في حرب دولة الاحتلال على غزة يعكس التجديد الذي ذكره الضابط في الأعلى وأراده من قيادات هذا الجيش؟"

بالتأكيد لا، لأن ما حصل في غزة يعكس سوء إدارة الجيش، كشف عنه الدخول البري الذي أثبت أن الأسلوب القتالي السيئ ظهر من خلال عدم قدرة الجندي على الرد على التحديات التي واجهته في ساحة القتال. وأثبت أن الدبابة لم تحمي هذا الجندي بالرغم من التطور التكنولوجي الذي تبجحت به دولة الاحتلال وتفاخرت به أمام العالم. فالاجتياح البري أثبت العكس وأن دباباتهم ليست متطورة بالمستوى الذي ادّعته دولة الاحتلال.

كما أن المواجهة البرية مع المقاومة الفلسطينية عكست القدرات السيئة والمتدنية لجيش الاحتلال. ويبدو أن قادة الجيش لم يقدّر مستوى قدرات جنوده ولم يدرسها قبل اتخاذ القرار المتهور للدخول البري إلى القطاع.

وقد رأينا كيف لقي مئات الجنود من جيش الاحتلال حتفهم فيه. ولا بدّ بأن هذا الأداء كان صادما لبنيامين نتنياهو الذي قرر مخطئا الدخول حيث قادته قدماه إلى فخ غزة دون أن يعي النتائج المترتبة هناك. وهذا يعكس افتقار نتنياهو لاتخاذ القرارات الناضجة.

وليس أدل على قراراته التي تفتقر الحكمة والنضوج الفشل الذريع الذي مني به جيشه بعد خسارته مئات الجنود والضباط وانسحاب عدة ألوية من القطاع مثل لواء جولاني وغيره دون تحقيق أيّ من أهداف الحرب، سواء في القضاء على حماس أو استعادة الأسرى.

ومن هنا نتساءل، هل وضع بنيامين نتنياهو نصب عينيه عندما قرر أن يخوض حربا في غزة، أن جيشه الجبان سيقف أمام مقاومة ثابتة لا تخشى الموت بل تقبل عليه دون خوف، مقاومة ألحقت الضربات المتلاحقة به على مستوى الضباط والجنود و الآليات العسكرية؟

اليوم جيش الاحتلال مستنزف ومنهك فمتى سيعترف نتنياهو بالهزيمة وخاصة أن جيشه في تناقص مقابل فشل في التعبئة البشرية بعد التمرد عليه ورفض التجنيد من قبل العديد من جنود الاحتياط، بعضها لأسباب ضميرية وأخرى نفسية؟

فأين هو الانتصار يا "بيبي" وهوة الخلافات كل يوم تتعمق بينك وبين جيشك بعد الهزيمة والخسارة في المعارك البرية؟

***

بديعة النعيمي

تدخل الحرب بين روسيا وأمريكا على الأراضي الأوكرانية، عامها الثالث ولا تلوح أية بارقة أمل أو إشارة إلى قرب نهايتها، بالمفاوضات أو بغيرها. روسيا سعت وتسعى بكل ما لديها لحماية اقتصادها أولا، وثانيا؛ الإضرار بمصالح الولايات المتحدة، والبعض من الدول الأوروبية؛ بتقليص مساحات تأثيرهما في أكثر من منطقة ساخنة في العالم، وفي شبه الجزيرة الكورية وفي الشرق الأوسط وغيرهما. الرئيس الروسي وفي خطاب له أمام الجمعية الفدرالية الروسية؛ أكد جملة مواضيع كان أغلبها؛ يتعلق بما يجري على حدود روسيا وفي أوكرانيا، والصراع مع أمريكا والغرب، حاضرا ومستقبلا.

ومن أهم النقاط التي أكدها الرئيس الروسي، تشير وبوضوح إلى أن روسيا عقدت عزمها على الابتعاد عن المصالحة حاليا ومستقبلا مع أمريكا، وجل دول الاتحاد الأوروبي، مع أنها أكدت من خلال، ما جاء في خطاب رئيسها؛ أنها مستعدة لأي حوار، أو مفاوضات في الوقت الحاضر، أو في المستقبل؛ إنما الفحص العميق لما جاء من نقاط مركزة في خطاب الرئيس الروسي؛ يؤكد أن هذا لن يحدث لا الآن ولا مستقبلا. لذا كان الخطاب للاستعداد الاستراتيجي؛ لما سوف يكون عليه حال الصراع بين أمريكا والغرب من جهة، وروسيا من جهة ثانية.

من الجانب الآخر، وحسب قراءتي لفقرات الخطاب؛ روسيا بوتين على قناعة كاملة بأن هذا الصراع، والحرب في أوكرانيا، من أهم وأخطر محطات هذا الصراع، إضافة إلى المحطات الأخرى الكثيرة على رقعة الشطرنج الكونية؛ لن ينتهي في الأمد المنظور، بل سيستمر إلى الامد المنظور والمتوسط والبعيد. وفي مقابلة سابقة قال بوتين؛ إن الحرب في أوكرانيا، هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا، أما الغرب وأمريكا فهم ينظرون لها طبقا للحسابات التكتيكية. لذا فإن روسيا لن تسمح أبدا بأن تلحق بها هزيمة مهما كان صغر حجمها وتأثيراتها. روسيا الآن ومنذ أشهر تحقق المزيد من الانتصارات على أوكرانيا، وبالتالي على أمريكا والغرب. هذه الحرب استنزفت ليس روسيا فقط، بل حتى دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا أيضا. السؤال المهم هنا إلى متى ستستمر هذه الحرب في ظل إصرار الطرفين على مواصلتها، سواء دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا أو روسيا؟ وكيف ستنتهي هذه الحرب؟ لا اعتقد أن هذه الحرب ستنتهي قريبا وفي الامد المنظورـ ولن تنتهي بانتصار أحد طرفيها، بل ستتوقف جزئيا ويظل ميدانها مفتوحا؛ لإشعالها مرة أخرى حين تكون الظروف مناسبة لأمريكا والغرب. من المستحيل أن توافق أمريكا والغرب على إعطاء روسيا ما تريد، الذي يتلخص في اعتراف أوكرانيا بضم روسيا للأقاليم الخمسة وشبه جزيرة القرم؛ وبالتوقيع الأوكراني على اعتبارها جزءا من الأراضي الروسية، وهذا ما تطالب به موسكو في أي مفاوضات مستقبلا. وهذا يعني انتصار روسيا، ما يؤدي حتما إلى ابتعاد دول الاتحاد الأوروبي عن أمريكا بطريقة أو بأخرى. ويعني أنها لن تنتهي بالمفاوضات على عكس ما تقول به الصحافة الروسية؛ أمريكا والغرب في نهاية المطاف؛ يقومون بإجبار الأوكرانيين على الجلوس إلى طاولة التفاوض. كما أن أمريكا في هذه الحالة ستفقد الكثير من هيبتها وتأثيراتها، ليس على دول الاتحاد الأوروبي فقط، بل على الكثير من مناطق هيمنتها وسيطرتها ونفوذها. وروسيا هي الأخرى، مهما كانت خسائرها وتضحياتها، لن تسمح أن تكون هي الخاسرة في هذه الحرب؛ لأن هذا يعني الكثير لها، ويؤدي إلى اهتزاز أوضاعها الداخلية. عليه فان هذه الحرب لن تنتهي قريبا، بل ستستمر لزمن لا تلوح له نهاية في الأفق القريب. في رأيي أن روسيا ربما ستتوقف؛ عندما تسيطر على كامل أراضي الأقاليم التي ضمتها واعتبرتها باستفتاء قامت بإجرائه، أو نظمت إجراءه في هذه الأقاليم قبل أكثر من سنة؛ على أنها جزء من أراضي الاتحاد الروسي. كما أن أوكرانيا ومن خلفها أمريكا والغرب حين يكون الأخيرين قد تم استنزاف قدراتهما الاقتصادية والتسليحية؛ سوف يدفعان الأوكرانيين إلى تجميد الحرب. توقف الحرب المفتوحة أو صمت فوهات المدافع، لن يكون صمتا تاما وكليا، بل ستكون هناك مناوشات محدودة في حينها. أمريكا والغرب ستقومان خلال هذه الاستراحة، بضخ أسلحة نوعية لها قدرة على الفتك وذات قدرات تدميرية كبيرة. روسيا بوتين لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي، ولا تتحرك لناحية زيادة ترسانتها من الأسلحة التقليدية، وزيادة قوتها التدميرية كما ونوعا، هذا يعني أن روسيا ستضطر للدخول ميدان سباق التسلح.. وهذا خطير جدا ليس على الغرب وأمريكا وروسيا فقط، بل على العالم كله، مخاطر الانزلاق إلى الهاوية السحيقة التي لا قرار لها، أي إلى الحرب المباشرة والمفتوحة بينهما، وليس حرب أمريكا والغرب بالوكلاء الأوكرانيين؛ لخطأ في تقدير رد الفعل للطرف المقابل، أو لخطأ عملياتي يتجاوز جغرافية الحرب في أوكرانيا، أو توسعتها إلى خارج ميدانها، إلى بولندا، وروسيا البيضاء، أو دول بحر البلطيق. أما مشاركة البعض من دول الاتحاد الأوروبي أو أمريكا، أي قوات من حلف الناتو، كما أشارت لهذا؛ الصحافة الروسية مؤخرا؛ فهذا أمر مستبعد كليا. الأهم والأخطر؛ هو الخطأ الأمريكي والغربي في تقدير رد الفعل الروسي، ما يفسر؛ قول بوتين من أن الحرب في أوكرانيا هي بالنسبة إلى روسيا مسألة حياة أو موت، وأيضا استعراضه وهو يحلق بالقاصفة الاستراتيجية الروسية (البجعة البيضاء) التي تحمل الأسلحة النووية وبضمنها الصواريخ الفرط صوتية، إنها رسائل للتأثير النفسي أولا، والأهم هي رسائل كبح وردع وتهديد.. إن الحرب في أوكرانيا من الصعوبة التنبؤ بمآلاتها واتجاهات تطورها، إنما من الممكن التنبؤ بما سوف تقود له من نتائج، بالقياس والقراءة والفحص لحركتها الواقعية والموضوعية، الحبلى بصواعق الجحيم الكوني؛ الصحافة الروسية أشارت مؤخرا، في عدة مقالات صحافية أو مقالات رأي؛ إلى أن أمريكا والغرب عازمان على فتح جبهات في بحر البلطيق ودول البلطيق، بالإضافة إلى الصراع الأذربيجاني الأرمني؛ روسيا ستكون مضطرة لمجابهتهم في مناطق الصراع هذه.. كما بينوا وشرحوا في تلك المقالات.. وفي رأيي أن روسيا بوتين لن تدخل مناطق الصراع هذه، أو لن تنجر إليها. لكن وفي الوقت ذاته، لن تقف صامتة أو لا تتحرك في هذا الاتجاه. روسيا بوتين، لمواجهة التحركات الأمريكية والغربية هذه، إن تحولت إلى أفعال على أرض الواقع، بما تنطوي عليه من تشتيت للجهد العسكري الروسي؛ إن تصدت لها روسيا بوتين، بما يؤدي بالنتيجة إلى إضعاف حشدها العسكري في كل جبهات المواجهة العسكرية على الأرض الأوكرانية وفي تلك المناطق. من وجهة النظر الشخصية؛ لن تتصدى روسيا لها في مناطقها، أو خارج جغرافية الحرب في أوكرانيا، بل ربما ستتصدى لها بأن تتوسع في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا كما تسميها. أن تقوم بالسيطرة على مناطق أوكرانية أخرى خارج الدونباس، وربما حتى كييف العاصمة. لويد أوستن قال مؤخرا إن أمريكا والغرب لن يسمحا بهزيمة أوكرانيا. في هذه المحطة من الحرب، بعد زمن ما، الزمن الذي تكون فيه؛ هزيمة أوكرانيا تقترب من التحقق. عندها تقف الحرب في أوكرانيا على الخط الأخير، الذي في حالة تجاوزه، إلى الخط الأول، الذي يؤذن، أو يدق ناقوس الخطر الجدي؛ بالاقتراب من الصدام النووي بين أعظم قوتين نوويتين في العالم. هنا يبدأ تفعيل العقل؛ باستحضار العقلانية في الفعل المنتج للمواقف لطرفي الحرب، الأمريكي والروسي. هذا الموقف سيتجسد؛ بالحيلولة دون السقوط الحر في فوهة البركان. ليتم الصمت والقبول بالواقع الجغرافي الجديد على الأرض الأوكرانية من طرفي الحرب؛ روسيا وأوكرانيا بإرادة وتوجيه أمريكي وغربي إلى حين.. من دون أن يكون هناك اتفاق وتوقيع، بل بالتراسل الاحيائي المفهوم من الطرفين، لأن أمريكا والغرب لن يعترفا؛ بالأقاليم التي ضمتها روسيا، أراضي روسية.. بل التجميد كما كان قد حدث في ضم شبه جزيرة القرم.

***

مزهر جبر الساعدي

 

الاستعمار: تسلط أمة على أمة أخرى فتحكمها بفكرها وقيمها واقتصادها وقوتها العسكرية وسياستها العامة مع إدعاء أنها تريد إعمارها.

الدول المُستعمِرة لدول أخرى تكون ثرية وقوية، والمواطنون فيها يعيشون برفاهية ورخاء.

والهدف الأول من النشاطات الاستعمارية منذ بدئها هو الإستحواذ على ثروات الدول المُستهدَفة.

إنها لا تختلف عن التفاعلات القديمة بين القبائل والفئات، التي كانت تهاجم بعضها والقوي فيها يستولي على الضعيف ويأخذ ما يملكه من الثروات بأنواعها، ويأسر ويسبي ويفعل ما يشاء بالضحية.

وتماثل ما تقوم به الأسود عندما تنقض على فرائسها في الغاب، فالدول المُستعمِرة أسود الغاب، والدول المُستعمَرة ظباؤه، فلا عجب أن تستكين الظباء لمخالب وأنياب الأسود الضارية.

ووسائل الاستعمار تطورت كثيرا ويأتي في مقدمتها المناهج الإلهائية، وعلى رأسها مشاريع وأساليب الأدينة، التي تجعل المجتمعات منشغلة ببعضها ومنقطعة عن الطامعين بثرواتها، فهي في صراعات بينية خسرانية إتلافية، والمُستعمِر ينهب ويسلب وفي غفلتها وتناحراتها غاطسة، ومن القهر والحرمان دارسة.

وهذه آليات لتعطيل العقول وتأجيج العواطف والإنفعالات، وتسويغ التطرف والغلو وإستلطاف الفساد وتبرير الجرائم بأنواعها، فالدين المُبرمَج هو القائد والحَكم، فالفتاوى تنتصر على الدستور والقانون، ولابد من السلاح اللازم لسفك دماء الوطنيين، والخارجين عن مرابع القطيع الخانع في ميادين السمع والطاعة.

إنه الاستعمار الحديث جدا والمتطور ديمقراطيا، والمتفاعل مع المصالح والمشاريع الإستحواذية الإستنزافية الإستلابية، للدول التي تتوهم الثراء بسبب مواردها الطبيعية، وفيها أدوات تسمى أنظمة حكم، تقوم بدور الوكيل لخدمة مصالح الأصيل القابض على مصيرها المحتوم.

فما أروع أعداء الأمة وأذكاهم، وأحرصهم على تولية أغبياء المجتمعات مهمات القيادة والسلطة، وأمامهم كل صباح قائمة بما يجب عليهم القيام به وإلا...!!

تلك مصيبة أمة بما لديها من الثروات والقدرات الطبيعية والبشرية الحضارية المتميزة، والتي عليها أن ترمي بها في أتون مراجل الإتلاف والتقطير التدميري لمميزاتها ومعالم كينونتها الكبرى، التي تتكالب عليها أفواه الطامعين بأنيابها المكشرة ومخالبها المتحفزة.

فدول الأمة على شفا حفرة من الوجيع الإنقراضي، وكأنها تستطيب الكي بالنار!!

و"كم تابعٍ لا يُعاقَب ويُعاقِب الآخرين"!!

***

د. صادق السامرائي

 

اتصل بي صديق عمل سنوات كوزير في السلطة في حكومات أبو عمار ليعلمني مستهجنا أنه سمع أن الأسماء المرشحة لحكومة محمد مصطفى تم عرضها على واشنطن للموافقة عليها.

وكان ردي أن كل الحكومات الفلسطينية في عهد الرئيس أبو مازن كان يتم التشاور بشأنها مباشرة أو غير مباشرة مع واشنطن والقاهرة وعمان، وكان لكل دولة نصيبها من الوزراء الموالين أو الأصدقاء الذين يمكن الاطمئنان لهم. وهذا مفهوم وغير مستغرب مع حكومة سلطة تخضع للاحتلال ولا يمكن أن تتدبر أمورها دون التنسيق مع الاحتلال وواشنطن ودول الجوار في كل شيء. الاستثناء الوحيد كانت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية التي لم تعمر إلا لأشهر (١٧ مارس إلى ١٤ يونيو ٢٠٠٧ وخلالها تم محاصرة الحكومة والسلطة وجرت اشتباكات مسلحة بين فتح وحماس وما يشبه الحرب الأهلية تُوجت بانقلاب حماس على السلطة.

حكومات ياسر عرفات كانت مختلفة بعض الشيء حيث ضمت شخصيات سياسية بارزة ومقاتلين وفدائيين قدامى وكان التنسيق مع دولة الاحتلال وواشنطن والأطراف الخارجية موجود ولكن بدرجة أقل، ولكن في نهاية المطاف تعرضت السلطة والحكومة والرئيس نفسه لحصار شديد ثم اجتياح الضفة 2002  وممارسة ضغوط على الرئيس لتغيير النظام السياسي، حيث فُرض عليه بداية سلام فياض كوزير للمالية ثم مقاسمة السلطة مع  رئيس وزراء أيضا دون رغبته وأخيرا تصفية أبو عمار نفسه وتدمير غالبية الإنجازات المهمة في الضفة وغزة، بالإضافة الى عدم قدرة حكومات أبو عمار على وقف الاستيطان.

 ولكن وحيث هذا الزمان ليس ذاك الزمان والرئيس أبو مازن ليس الرئيس أبو عمار، و(العباسية) نهجا وكاريزما ليست (العرفاتية)، وحيث إنه تم توافق الفصائل في موسكو على تشكيل حكومة تكنوقراط وواشنطن تريدها كذلك، فمن غير المستغرب أن يكون رئيس الوزراء والوزير المفضل اليوم هو من ليس له سوابق في المشاركة بأي شكل من أشكال المقاومة المسلحة أو غير المسلحة حتى إلقاء حجارة على العدو، ولم يسبق أن تم اعتقاله أو وقفه إداريا على خلفية سياسية، وهذا لا ينتقص من قيمة أي وزير أو نشكك بوطنيته ولكن هذا هو الواقع المؤلم، وسيستمر إلى حين التوصل لوحدة وطنية حقيقية وتقوية جبهتنا الداخلية وتحصينها من كل الاختراقات وتصويب مسار علاقتنا بمحيطنا العربي والإسلامي، حتى تخفف من اشتراطات الخارج في تشكيل الحكومة. 

وموضوعيا فالحكومات الفلسطينية لا تحكم بل تدير ملفات كل وزير حسب تخصصه، ونفس الأمر بالنسبة للمجلس التشريعي ،وهذا ينطبق على فلسطين وكل الدول العربية، أما الحكم والسلطة ورسم السياسات العامة فهي بيد ما يمكن تسميتها مجازا وتجاوزا (الدولة العميقة): الرئيس وبعض مستشاريه وقادة الأجهزة الأمنية وربما جهات أخرى.

***

د. ابراهيم أبراش

زهو عرانين الساسة..نادراً ما تجد قطب من أقطاب الساسة، وعلم من أعلام الأدب، ورائد من رواد الفن، وسرى من سراة الأمة، لا تربطه بالكبر والخُيلاء رحم ماسة ونسب دان، فالخُيلاء يستقي من ينبوعها الزاخر جُل أصحاب الرفعة والسُّمُوّ الذين تسلقوا ذرى الصلف، وعلوا شوامخ الغرور، فبعض من فشا ذكرهم في الألسنة، ورنّ صيتهم في الأقطار، يعتقدون أنّ الله عزوجل وهبهم القسط الأجزل من الشرف والسؤدد، والقسم الأتمّ من الغنى والجاه، والحظ الأكفى من العقل والفهم، نعم هذا ما يعتقده من طوى ذكره المراحل وجاب الأمصار، لذا نراه يعتز بنفسه سادراً، ويصول بها راغباً، فكيف لا يزهو على أكفائه، ويتكبر على نظرائه، وقد مُهِدَ له الصواب، وسُخِرَ له الخطاب، كيف لا يُصعِّر خده، ولا يلوى عِذاره، وقد استحوذ على الاعجاب، وبلغت هامته السحاب، بل كيف لصاحب الأياد العظيمة، والهبات الجسيمة، آلا يخطر عجباً، ويميس اختيالاً، وهو من لا يغفل في تفكر، ولا يذهل في تدبر، ولا يفشل في عزم.

ان القول الذي لا دافع لواضح حجته، أو مدحض لنير برهانه، أنّ المُختال صاحب المنن والفواضل الذي أقام بهذا الصقع، ورسخ بهذه الناحية، نحلنا يداً، وأسدى لنا معروفاً لا ينهض به شكر، أو يستوفي حقه ثناء، فقد ذلل عنّا المتعذر، وسهّل لنا المتوعر، وشفانا من الداء العُضال، والعناء المُستشري، فشمس العقول، ومُصباح الأذهان، الذي يعرف بالفراسة ما لا يعرفه غيره بالتجربة، يصفح الزلات، ويقيل العثرات، ويطيل المُباحثات، مع كليل البصر، وأعشى اللحظات، الذي نكص عن الهيجاء، ونكل عن الوقيعة، والوغد الزنيم راسخ القواعد في العمالة، وطيد العوائد في الارتزاق، أرخى قريع دهره، ونسيج وحده، حزبنا الصمد خناقه، وأخلى سبيله، بعد أن أجلاه عن منجم الدولة، ومنبع المال، بعد أن شمخ فيها بأنفه وعاث فيها فسادا. والمباحثات البغيضة التي لا يشرح معناها وصف، ولا يبلغ كنهها لفظ، نكون فيها أشدّ الناس اكراماً لأبعدهم من كرامتنا استحقاقاً، ونعود منها بأوعث سفر، وأشقّ غاية، ويعود من استزلته الضغائن، وفتنته الأحقاد بقلائد الابتهاج، ومآلف الاغتباط.

لقد قصمتنا قواصم التدخلات، وطرقتنا طوارق المباحثات، ونزلت بنا نوازل المفاوضات، فحتى متى نوادد من لا بقاء لوصله، ولا دوام لعهده، ولا وفاء لعقده؟؟.

أسئلة عصية على الاجابة.

***

د. الطيب النقر

 

الزمن المعاصر تتسيد فيه الآلة، ويتشيّئ البشر (يتحول إلى شيء).

فالعقل إبتدع ما يمتلكنا ويقيدنا، فأصبحنا مستعبدين بالآلة وخصوصا (الكومبيوتر)، فمعظم أوقات الناس تمضي في التحديق بشاشة ذات حجم ما.

الآلة تستعبدنا شئنا أم أبينا!!

ويجتاحنا الذكاء الإصطناعي المتفوق على ذكائنا، فهو يفعل كل ما يخطر على بال، يكتب شعرا وينتج أدبا، فأمره بما تريد وسيأتيك فورا.

فهل نعيش في زمن "إفتح ياسمسم"!!؟

العالم يتغير بسرعة مذهلة، والساعة فيه تعادل سنة أو أكثر من القرون السابقة.

الآلة تقودنا وتقرر مصيرنا!!

وفي العصر الآلي ربما لن يجد الإنسان له مكانا، فهو بلا قيمة ولا حقوق، إنه رقم، الآلة تجمعه وتطرحه ، وما أبقت له مجالا للجد والإجتهاد والعمل الجاد.

فهل ستنتصر الالة علينا؟

كيف إستطاع العقل أن يخترع ما يتفوق عليه؟

يبدو أن التفاعلات الإختراعية وتزاوج الأفكار الألمعية، تمكنت من إنتاج آلة تتفوق على قدرات العقل الفردي، لأنها في حقيقتها، مشروع إبتكاري جمعي.

إنها تمثل جمهرة عقول، وطوابير أفكار متواشجة، وبهذا إنتصرت على الفرد البشري، لأن وراءها أرتال عقول مبدعة.

وفي عالمنا التواصلي الفتان، سيتمكن البشر المتفاعل عقليا وفكريا من إنتاج آلات متفوقة على ما بين يدينا اليوم، لأن الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، يمثل قاعدة إنطلاق نحو آفاق إبداعية مطلقة!!

فالحقيقة القادمة ستكون أغرب من أي خيال!!

و"الحاجة أم الإختراع"!!

***

د. صادق السامرائي

من المعروف بأن هناك اتفاقية دفاعية مشتركة بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال منذ عام ١٩٥٢. ومما تضمنته الاتفاقية تزويد الأخيرة بالعتاد والأسلحة من قبل الولايات المتحدة لتلبية حاجات الأمن الداخلي وفي سبيل حق الدفاع المشروع عن النفس.

لكن دولة الاحتلال في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ استخدمت الأسلحة الأمريكية بشكل يتنافى مع نصوص الاتفاقيات الثنائية بل وينتهك القوانين الأمريكية لتصدير الأسلحة. وفي المقابل شاهدنا غض الطرف من قبل رئيس الولايات المتحدة بل ودعم علني وصريح لدولة الاحتلال في الوقت الذي كان يجب عليها فرض حظر على شحنات الأسلحة إليها.

وبذلك انهارت التشريعات المتعلقة بضبط صادرات الأسلحة الأمريكية إلى دولة الاحتلال بشكل كامل بسبب التحيز الواضح في تطبيق القوانين على يد رئيس الولايات المتحدة بذاته. والأنكى من ذلك أنها أعلنت وقوفها الكامل إلى جانب دولة الاحتلال في حربها على غزة. وكان التبرير المطروح أن هذه الحرب جاءت ردا على عملية الاعتداء التي حصلت يوم ٧/اكتوبر/٢٠٢٣ على مستوطنات الغلاف وأنها بهذا الرد تدافع عن نفسها ،وأصبح هدفها المعلن تدمير حركة حماس التي تنعتها بالإرهاب.

وكانت دولة الاحتلال قد زعمت أن حركة حماس تستخدم قطاع غزة كحقل تدريب لجناحها العسكري وقاعدة لانطلاق عملياتها "الإرهابية" كما تزعم، عن طريق إطلاق صواريخها من وقت لآخر باتجاه مستوطنات الغلاف وغيرها من المدن داخل الخط الأخضر. وأن الحركة تكدس الأسلحة داخل أنفاقها.

كما تذرعت بأن هدف الحرب هو تحرير الأسرى اليهود من قبضة المقاومة الفلسطينية.

ولو ركزنا على نقطة البداية لأي تحليل موضوعي وشرّحنا الأوضاع في فلسطين سواء منطقة ٤٨ أو الضفة الغربية وقطاع غزة ،لوجدنا أن المقياس المفيد الذي سنرتكز عليه هو الانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال منذ قيامها وحتى يومنا هذا من تنكيل وقتل واعتقال وعنصرية وحصار وقصف مستمر للقطاع وغيرها من الانتهاكات الجبانة، فسنصل إلى نتيجة واحدة هي أن كل ذلك حتّم صنع عملية مثل ٧/أكتوبر بهدف إنهاء الاحتلال وانتهاكاته. لكن ما تبع ٧/أكتوبر عدوان همجي على قطاع غزة.

وإذا ما دققنا في سلسلة المجازر منذ بداية العدوان وإلى اليوم وقد قارب هذا العدوان على الشهر السابع، فإنه من الصعب التمسك بحجة الدفاع عن النفس. وأن هذه الحجة لا تسوّغ لها ارتكاب ما ارتكبت وانتهكت ،وأن هذا العدوان لا يشكل إلا عملا انتقاميا. والانتقام عمل غير قانوني من وجهة نظر الولايات المتحدة. إلا أن القوانين تنهار أمام ما تريده دولة الاحتلال.

ومنذ بداية الحرب حين استخدمت دولة الاحتلال كميات مهولة من الأسلحة الأمريكية تحديدا كانت قد نقضت الاتفاقيات مع الولايات المتحدة.

وهنا نقول أية اتفاقيات والأخيرة هي من تدعم وبالمجان وهي من لا تريد لهذه الحرب أن تنتهي؟ فأي نفاق هذا من قبل الولايات المتحدة؟ وما الداعي لتلك الاتفاقيات المزيفة التي لن تحاسب دولة الاحتلال التي اخترقت وداست على كل الاتفاقيات والمواثيق؟

ومن هنا هل يحق لهذه الدولة المعتدية استخدام عبارة "الدفاع عن النفس" أمام كل هذا الانتقام؟

وما يكشف كذب هذه الدولة ما أكده بنيامين نتنياهو بأن مهمة جيشه في القطاع هي القضاء على حماس. وانطلاقا من هذا فإن تبرير دولة الاحتلال بالدفاع عن نفسها قد انهار أمام هدفها المعلن وهو القضاء على الحركة. والدليل أن مقدار القوة التي استخدمتها والاراضي التي تدعي السيطرة عليها لا تتناسب مع دوافع وتبريرات الدفاع عن النفس أو ضمن الأهداف الواردة في اتفاقية الأمن المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة أو ضمن قانون ضبط صادرات الأسلحة.

وهذا يفسره شيء واحد لا غير أن هذه الحرب حرب صليبية دينية. فأمريكا لو أرادت لأوقفت الحرب، فالرئيس والكونغرس لهما السلطة الكاملة بإيقاف المبيعات العسكرية لدولة الاحتلال. غير أنها بدل أن تتخذ ذلك الإجراء بموجب الاتفاقية المزعومة فإنها تغدق بنهر من الأسلحة لا يتوقف جريانه على دولة الاحتلال لذلك فالولايات المتحدة الأمريكية متواطئة بلا منازع مع دولة الاحتلال.

***

بديعة النعيمي

نحن، والامة الاسلامية، نحيا الان شهر رمضان الكريم، شهر الطاعة والغفران، وتعودنا كعراقيين ان نتهيأ لهذا الشهر الفضيل بافضل الاطعمة ومالذ وطاب من الشراب والعصائر، ومعظمنا لم يراجع نفسه ليغسل قلبه من الاحقاد والحسد لعنهما الله، لم نفكر في التسامح وتطييب خواطر الاخرين ومساعدة الفقراء والارامل والمحتاجين،وان نطلب ونتوسل الرحمة من رب العباد ان ينصر ديننا الحنيف، وان يكون هذا الشهر الفضيل بمثابة (مهرجان) للعتق من النار، فهو شهر ياتي مره في العام،، فهو الشهر الذي يصوم فيه العبد لله وحده لا شريك له ولا يوجد هناك اي شاهد على صيامك الا الله تعالي، لأن الصيام هو صيام النفس عن الاكل والمشرب، الصيام عن قول السوء وعمل المنكر، الصيام هو الاحتشام وستر العورات وعدم التحدث بمساؤ الناس،

بلدنا قد ىكون من أكثر الدول على مستوى العالم من حيث الهدر الغذائي، ويزداد الهدر في هذا الشهر الفضيل، مع أن ديننا يحث على الاقتصاد في المأكل والمشرب، وعدم الإسراف والتبذير، بل وصف سبحانه في كتابه المبذرين بإخوان الشياطين. وحثّ على تقدير النعمة قبل زوالها. ومع هذا نجد أننا كمسلمين وفي أفضل شهور السنة نستهلك ونتلف كميات كبيرة من الأغذية والمشروبات، يذهب معظمها إلى الحاويات في أكياس سوداء لتعبث بها القطط السائبة قبل أن تنقل إلى مكب النفايات ودفنها أو حرقها. هل يعقل أن يكون رمضان، شهر الصيام والصدقات والزكاة هو أكثر الأشهر استهلاكاً وتكلفة مادية على الأسرة والمجتمع؟

بدخول شهر رمضان المبارك في كل عام تنتعش الحركة الشرائية بالأسواق، تزدهر وتزداد الحركة التجارية خلال الشهر الفضيل على المواد الغذائية والمشروبات التي لها علاقة وارتباط بتحضير الموائد الرمضانية، مثل المعجنات والمخبوزات وأنواع من الشوربات والمشروبات.

وبطبيعة الحال ووفقاً لقانون وقوى العرض والطلب، قد تشهد أسعار بعض المواد الغذائية شيئا من الارتفاع في الأسعار، وبالذات الموسمية منها. وما يضاعف من أثر ارتفاع الأسعار، الإقبال الشره للمتسوقين غير المبرر على الأسواق بمجرد دخول الشهر الكريم، والانجراف وراء الإعلانات التجارية والتخفيضات التسويقية التي يتم تكثيفها خلال الشهر الفضيل، ترتفعكمية اشراء بنسبة 40 % خلال شهر رمضان، وأن 50 % من الإنفاق في العشر الأواخر من رمضان ذهب الى المواد الغذائية والمأكولات. وأشار أيضاً إلى أنه من المناسب أن تراجع الأسرة طريقة إنفاقها خلال العطل والأعياد، لتلافي الهدر المالي والوفاء بالالتزامات الأسرية ذات الأهمية القصوى

البعض يعزوا ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتموينية إلى جشع واستغلال التجار للشهر الفضيل لتصريف بضائعهم مطالبين بضرورة تحديد الأسعار وتشديد الرقابة على الأسواق، ولعلي اتفق مع تشديد الرقابة على الأسواق ولكنني اختلف تماماً مع المطالبة بتحديد الأسعار، باعتبار أن ذلك مخالفاً لقواعد السوق الحر وأهم من ذلك وذاك، قد يتسبب في القضاء على المنافسة، نحن بحاجة للرفع من الوعي الاستهلاكي والتسويقي لدى كافة افراد المجتمع وتحفيزهم بل وإرشادهم إلى أساليب وفنيات الشراء والتسوق الذكي المجدي اقتصاديا، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ تَجنب التسوق الارتجالي والعشوائي وبالذات باللحظات الأخيرة من دخول الشهر الفضيل، بحيث يتم التحضير للتسوق وفق قائمة محددة من الاحتياجات الضرورية والأساسية ووفق أيضاً ميزانية ومبلغ مالي محدد مسبقاً،،كما وينصح عدم التسوق في الحالات التي قد يكون فيها الإنسان جائعاً كاللحظات التي تسبق موعد الإفطار، لأن ذلك بطبيعة الحال سيؤثر سلباً على سلوكيات الشراء، والأهم من ذلك وذاك الابتعاد عن المبالغة في تحضير الموائد الرمضانية للضيوف بغرض المباهاة وإظهار نموذج من نماذج الهياط الاجتماعي، وأختم بالدعاء الجميل للجميع، "اللَّهُمَّ بَلِّغْنا رَمَضَانَ وَأَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ عَلَى الوَجْهِ الّذِي يرْضِيكَ عَنَّا"، وكل عام وأنتم بخير ورمضان كريم

***

نهاد الحديثي

قامت الثورة في ليبيا من اجل حرية الراي والتعبير والتداول السلمي على السلطة او هكذا اوهمونا، واننا لسنا حيوانات نعيش لناكل، الامور بعد اقل من 3 سنوات تغيرت والناس لم يعودوا يبحثون عن الخوض في الامور السياسية والانتخابات بقدر ما صاروا يبحثون عن الخبز والأرز والزيت والسكر، وهذه المواد حصر جلبها في اشخاص معروفين من قبل السلطة الحاكمة اما عن الرقابة على اسعار السلع وكذا جودتها  فهي منعدمة.

الوجوه التي أفرزتها ثورة 17 فبرابر اختفى بعضها بعد ان ادوا المهمة الموكلة اليها بعد ان قبضوا الثمن ، بينما تحول بعضها الاخر بفعل التدخلات الخارجية الى رموز تقود أحزابا صغيرة تشكلت دون دراسة، وهدفت تلك الرموز لتأمين حضورها في المشهد فكانت هناك ورش العمل  الخاصة ظاهريا  بالانتقال الديمقراطي وتجتمع مع المبعوثين الامميين الى ليبيا .

محافظ البنك المركزي في ديباجة طلبه فرض ضريبة على بيع العملة الصعبة تقدر بحوالي 27% بان ما يمر به المركزي من صعوبة في توفير احتياجات السوق من النقد الأجنبي منذ شهر سبتمبر الماضي2023، في ظل تزايد حجم الإنفاق العام وبلوغه مستوى 165 مليار دينار (34.4 مليار دولار) خلال العام 2023. وعلل المحافظ طلب فرض الضريبة بوجود إنفاق موازٍ مجهول المصدر وعدم وضوح حجم الإنفاق العام لسنة 2024، خصوصا في ظل بلوغ عرض النقود مستوى 140 مليار دينار (29.2 مليار دولار). لكن المحافظ لم يوضح الانفاق الموازي اكان ذلك المخصص للحكومة المكلفة من قبل البرلمان ام لتجاوز الدبيبة في المصروفات؟ ام لتزوير العملة الذي تحدث عنه سابقا واستخدام ذلك في شراء العملة الصعبة ما ساهم في هبوط قيمة الدينار الليبي.

في يناير الماضي 2024 قال الدبيبة: يجب رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والماء لإنفاذ  اقتصاد البلاد، وبعد حوالي شهرين قال: وضع البلاد جيد جدا ولا يحتاج الى اجراءات استثنائية. ترى هل وجد الدبيبة نفسه في دائرة الاستهداف؟ فاراد بذلك الالقاء باللائمة على الاخرين وجرهم الى قائمة المغضوب عليهم...عليّ وعلى اعدائي .

البنك الدولي من جانبه كشف في تقرير له أن الدخل المحلي لليبيا بلغ ترليون و426 مليار دينار ليبي خلال الفترة من 2012 إلى 2022، وهو ما يعادل 669 مليار دولار، مشيرًا إلى أن تريليونا قد اختفى من مصرف ليبيا المركزي وتم نهبه بالكامل، موضحًا أن الدخل السنوي لليبيا يبلغ حوالي 50 مليار دولار، وأنه من المفترض أن يكون سعر صرف الدينار الليبي نصف دينار فقط وليس ستة دينارات اوسبعة، مؤكدًا أن الدخل القومي لليبيا خلال هذه السنوات كافٍ لتغطية سعر الصرف، جاء تقرير البنك الدولي بعد فرض المركزي لرسوم ضريبة على النقد الأجنبي. يرى بعض المحللين ان قرار رئيس البرلمان بشان الضريبة ما كان ليصدر لولا اخذ الموافقة من قائد الجيش بالمنطقة الشرقية، إن اتخذه منفردا فلا شك انه يضحي بنفسه.

دعوات للعصيان المدني في مختلف مناطق البلاد، الشعب الليبي وفي ظل الازمة الاقتصادية المستمرة، هل يتحرك الشعب للإطاحة بكافة الرموز التي تتسبب بها؟ خاصة اذا شمل العصيان والتظاهرات السلمية المدن الكبرى، التي وللأسف كانت تغض الطرف عن الفساد ان لم نقل تباركه. قد نرى بارقة امل بعيد انتهاء الشهر الكريم من خلال تشكيل حكومة موحدة تبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي وتعمل على تهيئة الظروف لإقامة انتخابات برلمانية ورئاسية.

*** 

ميلاد عمر المزوغي

 

تعتبر حركة غوش إيمونيوم إحدى إفرازات حرب ٦٧. وقد شجعت هذه الحركة على الاستيطان اليهودي في فلسطين على أساس منطلقين"ديني وعملي" فالديني بحسب الرواية التوراتية على حد زعم واضعه يقول" أن الله يريد أن يعيش الشعب اليهودي في أرض فلسطين". أما العملي فيتمثل بالسعي نحو الاستيطان خوفا من انحسار رقعة الاستيطان.

وإيمونيوم من حيث الأيديولوجيا تعتبر حرب ٦٧ امتدادا لحرب ٤٨ وأن حدود الدولة المزعومة يجب أن تزداد وتتوسع.

وقد حصلت هذه الحركة على تأييد شبه رسمي من حكومة الليكود بعد صعودها الحكم عام ٧٧.

وتعد هذه الحركة من الحركات الأساسية السياسية التي أثرت في صنع القرار السياسي في دولة الاحتلال. واستطاعت فرض مواقفها على الخارطة السياسية وترسيخ النهج الاستيطاني ومعتقدها حول الحق في استيطان كل جزء مما تطلق عليه "أرض إسرائيل" وإنقاذها من الغرباء، وأن وجود هؤلاء الغرباء أي الفلسطينيين هو وجود غير قانوني ويشكل تهديدا لما يسمى "بالخلاص".

كما أن أرض "إسرائيل" لها قداسة، وأن اليهودية القومية هي واقع جغرافي سياسي، ما يعني أن أرض "إسرائيل" لشعب إسرائيل طبقا لتوراتهم بحسب مزاعمهم الكاذبة.

وقد أدارت الحركة صراعا مع حكومات الدولة ضد الانسحاب من أي جزء من الأراضى الفلسطينية، كما أدارت صراعا من أجل إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة.

كما اعتمدت أيديولوجيا غير قانونية بل مقتبسة من التوراة المحرفة واستغلت بذلك الباعث الديني لحمل اليهود على الإيمان بما يطلقون عليه "الوعد الإلهي لشعب إسرائيل". ومن هنا فهي تؤمن بأن المستوطنات في يهودا والسامرة سوف تحقق وعود توراتهم وتساعد في تحقيق السيادة اليهودية على أرض فلسطين. ويرى زعماءها وداعموها أن معاملتهم للفلسطينيين مستمدة من "الهالاخاة" التي تتوقف على قوة اليهود لطرد الفلسطينيين من فلسطين.

كما ترى هذه الحركة أن تكثيف الاستيطان يمهد إلى "الاعتراف" الفلسطيني بدولة الاحتلال.

وقد بدأت هذه الحركة بالضمور وانتهت في أواخر الثمانينات من القرن العشرين، لكنها أنشأت أيديولوجية استيطانية شكلت قاعدة فيما بعد.

وقد ورث حزب الليكود بقيادة مناحيم بيغن وإسحاق شامير وأرئيل شارون وصولا إلى بنيامين نتنياهو أجندة متشددة وحث جميعهم على الاستيطان بل إن شارون يعتبر مهندس الاستيطان.

واليوم نجد بنيامين نتنياهو وخلال الفترة الثانية لتوليه منصب رئاسة الوزراء قد شنّ ستة حروب على غزة آخرها حرب ٢٠٢٣_٢٠٢٤، وهو بذلك فهو يطبق رؤية غوش إيمونيوم المسيحانية الغيبية في سيطرة اليهود على ما تسميهم "الأغيار" وأن تحكم الشريعة اليهودية اليهود وتسود حرب أبدية يخوضها اليهود مع الأغيار.

وفي عام ٢٠١٩ في لقاء تلفزيوني لنتنياهو على إحدى المحطات العبرية قال" لن تنشأ دولة فلسطينية على عكس ما يتحدث الناس، لن يحدث ذلك أبدا" وهو بهذا يطبق رؤيا زعماء الحركة التي تدعو إلى طرد الفلسطينيين من فلسطين.

وفي ٢٣/نوفمبر/٢٠١٤ صوتت حكومة نتنياهو على قانون يعتبر دولة الاحتلال دولة قومية لليهود بدلا من دولة يهودية ديمقراطية، ما يفتح الباب على الطابع المؤسساتي على التمييز ضد العرب الفلسطينيين.

كما تبنى سياسية الاستيطان في الضفة الغربية بشكل واسع، وصادق على عدد من قرارات الاستيطان. وقد تزايدت في عهده الاقتحامات للمسجد الأقصى وتهجير الفلسطينيين من القدس ومناطق أخرى.

وفي 2009 شن نتنياهو حملات سياسية وإعلامية تحريضية ضد الفلسطينيين مطالبا إياهم "بالاعتراف" بدولة الاحتلال دولة يهودية، وقد صرح بان دولته لا تريد أن يكون العرب مواطنين أو رعايا فيها.

وهو بذلك يكون قد ورث أيديولوجية غوش إيمونيوم إلا أن المقاومة مرغت هذه الأيديولوجية في غزة.

***

بديعة النعيمي

اليوم في حربه على غزة يعاني جيش الاحتلال من نقص في أفراده جراء ما فقده في كمائن المقاومة الفلسطينية.

حيث أصبحت الحاجة ملحة لتعويض هذا النقص من خلال المطالبة بإلزام "الحريديم" للتجنيد في صفوف الجيش.

فما كان من المحكمة العليا إلا أن قررت إصدار قرار يقضي بتجنيدهم، فخرج الحريديم وسط غضب لرفض هذا القرار. وقد هدد الحاخام الشرقي الأكبر لدولة الاحتلال "يتسحاق يوسف" بمغادرة البلاد مع طائفته في حال أجبروا على تطبيق ذلك القرار ،وقال إن تفرغ الحريديم في معاهدهم الدينية لدراسة التوراة "يمنح الحماية للجيش".

وها هي وسائل الإعلام العبرية تنقل خبر بتاريخ ١٨/٣/٢٠٢٤ يتضمن أن "متظاهرون من اليهود الحريديم يغلقون مسار السكك الحديدية في القدس احتجاجا على خطط لتجنيدهم".

والحريديم تيار ديني متشدد لدرجة التطرف، ينتمي في معتقداته إلى ما تسمى التوراة والأصول الفكرية اليهودية القديمة. ومن الجدير بالذكر أن هذا التيار رفض عام ١٩٤٨ الاعتراف بالصهيونية العلمانية وعارض قيام الدولة ،والسبب هو من منطلق ديني حيث أنه بمعتقدهم دولة "إسرائيل" لم يحن قيامها بعد.

ويعود رفض الحريديم تجنيد شبابهم في الجيش إلى انغماسهم في دراساتهم الدينية التي تعتبر أكثر أهمية من التجنيد بالإضافة إلى خوفهم من فقدان شبابهم هويتهم الأرثوذكسية المتطرفة أثناء الخدمة وخاصة أنهم ملتزمون بما يسمى نصوص توراتية تخص الفصل بين الجنسين وملتزمون بيوم السبت اليهودي.

وهم بدراستهم لتوراتهم يضمنون بقاء ودوام الدولة.

ومنذ قيام الدولة كان رئيس وزراءها "دافيد بن غوريون" قد قدم لهم امتياز إعفاءهم من الخدمة العسكرية مع العلم أن التجنيد مفروض على اليهود عند بلوغهم سن ١٨. إلا أنه أي بن غوريون تذرع أن الحريديم يضمنون الاستمرار في دراسة تعاليم ما يسمى بالديانة اليهودية.

وقد أعفتهم بالفعل الحكومات المتتالية من التجنيد بالجيش وإلى يومنا هذا ،بالرغم من القانون الذي تم إقراره عام ٢٠١٤ وهو قانون المساواة في الخدمات ،غير أن طائفة الحريديم رفضته بشدة برغم كل المطالبات بتطبيقه عليهم.

والحمد لله أن المقاومة الفلسطينية تتدارس القرآن الذي يدفع بها إلى ساحة القتال بثبات وإيمان، مقابل هؤلاء الذين يدعون التشدد دينيا ويتدارسون توراتهم المحرفة التي نسجت أساطيرها حاخاماتهم ، ويتخذونها ذريعة لرفض المشاركة في الحرب. فشتان ما بين أصحاب الأرض والعقيدة الحقيقية وما بين أناس لا يربطهم بالأرض سوى استعمار بغيض.

***

بديعة النعيمي

منذ الأيام الأولى لهذه الزاوية حاولت مثل أيّ مواطن أن أفهم كيف يفكر السياسي العراقي،لكنني عجزت..أحياناً أسمع كلاماً منمقاً عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد. ثم راحت هذه الوعود تتناثر، ولم أعد أفهم لماذا يصرّ المسؤول العراقي على الاحتفاظ بجواز سفر دولة أخرى، ولا لماذا لا تعيش عوائل المسؤولين في العراق.

ثم رأينا قادة البلاد يتوزعون على بلدان العالم، إبراهيم الجعفري عاد إلى موطنه لندن ومعه رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ونائب رئيس الحمهورية خضير الخزاعي في كندا يتقاضى تقاعد لمسؤول سيادي، وأيهم السامرائي في أمريكا بعد أن " لفلف " المليار دولار.

لا أعرف ــ ربما لجهلي المستمر ــ معنى أن يكون وزير أو رئيس وزراء أو عضو برلمان، أو رئيس جمهورية مواطناً لدولة أخرى يحمل جواز سفرها، يتباهى به في مطارات العالم، كما لا أستوعب أن يحصل هؤلاء السادة على تقاعدٍ مجزٍ ومخصصات وهو لا يحترم الجنسية العراقية، وفي أي من البلدان سمعنا أو قرأنا أن رئيس الجمهورية يسكن في بلد آخر، ويتمنى أن يقضي بقية حياته فيه، ولعلكم تتذكرون حكاية المستر "بيكر مو الربيعي" وقد كتبتُ هنا قبل أعوام عن واحدة من مفاجآته المثيرة، حين اكتشفنا أن مستشار أمننا الوطني يحمل جواز سفر بريطانياً باسم "بيكر مو".

ولأننا نعيش عصر الفرهود فقد أخبرتنا الأنباء أن الشرطة السويدية، ألقت القبض على وزير الدفاع العراقي الأسبق نجاح الشمري في مطار أرلاندا في ستوكهولم بشبهة قيامه بـ"الاحتيال على المساعدات".

ماذا فعل السيد الشمري ؟، حسب الادعاء السويدي فقد كان السيد الوزير العراقي الذي يحمل جنسية مزدوجة، يدعى في السويد "نجاح العادلي" وقد أصبح مواطناً سويدياً في العام 2015. وأانه أثناء توليه الوزارة في العراق كان يحصل على مساعدات من السويد مثل دعم الدخل ومساعدة الأطفال والسكن في الوقت الذي كان يعيش فيه في العراق ويحصل على راتب كامل من الدولة العراقية، بينما أبلغ في السويد بأنه في إجازة مرضية لعدة سنوات.

هذه حكاية واحدة من عشرات الحكايات التي لا يريد الإعلام تسليط الضوء عليها للأسف، وهي عملية فساد منظمة، أبطالها يستغلون مناصبهم في الاستيلاء على رواتب تقاعدية ومخصصات وامتيازات من العراق ليتمتعون بها هم وعوائلهم في بلدان أخرى، وفي نفس الوقت يشكون الفقر في البلدان التي حصلوا منها على الجنسية ليحصلوا على مساعدات.

أيها السادة عندما يستسهل المسؤول الكبير، الضحك على مواطنيه، يصبح كل شيء آخر بسيطاً أو مبسطاً. كالسطو على المال العام وبثّ الفساد في الخراب الدولة.

***

علي حسين

لنبدأ الحديث عن مستجدات المشهد الفلسطيني من عند البيت الأبيض الذي رحب يوم الخميس الماضي بتعيين رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمد مصطفى وكأن ذلك من الشؤون الأمريكية الخاصة، حيث ذهب الأمريكيون إلى أكثر من ذلك، مطالبين من باب الوصاية بتشكيل حكومة تعمل على إجراء "إصلاحات في العمق وذات مصداقية"، وذلك بعد أن كلفه الرئيس الفلسطيني بتشكيل حكومة جديدة.

واعتبرت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن إصلاح السلطة الفلسطينية ضروري لتهيئة الظروف اللازمة للاستقرار في الضفة وقطاع غزة، على حد قولها.

ولكن هل تنجح السلطة في تلبية الشروط الإسرائيلية -ما ظهر منها وما بطن- تلك المتوارية خلف التصريح الأمريكي أعلاه حول المسار الإصلاحي لرئيس وزراء تم تعيينه في الوقت الضائع ومن قِبَلِ رئيس سلطةٍ فاقدٍ لصلاحياته.

فكيف ينبثقُ الإصلاحُ إذن منْ منطلقٍ بُنِيَ على الخطأ والفساد ما دام صاحب القرار لا يمثل الشرعية!

ثم ماذا يعني تعيين رئيس وزراء تحوم الشبهات من حوله وفق ما تسرب عنه من تقارير سنأتي على ذكرها؟

فوفقاً للمادة (34) من النظام الأساسي.فإن مدة رئاسة محمود عباس امتدت بسبب الظروف الطارئة التي اجتاحت الساحة الفلسطينية، لأربع سنوات اخرى بحيث تنتهي في 15 يناير 2013، ولا يمكن تجديد ولايته لأكثر من دورتين، أي أن فترة رئاسته من عام 2013 وحتى تاريخه، غير شرعية.

وَتَصادَفَ أنه بعد يوم من الترحيب الأمريكي بالقرار، أصدرت الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس انتقاداً مساء الجمعة الماضية لقرار رئيس السلطة الفسطينية محمود عباس بشأن تعيين محمد مصطفى رئيساً للوزراء.

وقالت في بيان مشترك إن "تعيين حكومة بدون توافق وطني هو خطوة فارغة بالتأكيد من المضمون وتعمق الانقسام" بين الفلسطينيين.

لكن فتح لم تنتظر طويلاً بدورها للرد، إذ سارعت الحركة إلى إصدار بيان اتهمت فيه حماس بالتسبب بـ"نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة العام 1948"، متهمة إياها بأنها "تفاوض الآن إسرائيل وتقدم لها التنازلات تلو التنازلات ولا هدف لها سوى أن تتلقى قياداتها ضمانات لأمنها الشخصي".

دون أن يذكر البيان بأن حماس التي لا تعترف ب"إسرائيل" تجري مفاوضات غير مباشرة مذلة للإسرائيليين بهدف فك الطوق عن غزة ومحاولة تبييض سجون الاحتلال بغض النظر عن انتماءات السجناء الحزبية، دون أن تقدم تنازلات في الثوابت الوطنية كما فعلت سلطة أوسلو منذ عام 1993 في مفاوضات مباشرة وعبر لجان تنسيقية يتم فيها تبادل القبلات الأخوية وربما الأنخاب على سبيل المجاز.

في المحصلة فإن رد فتح أثار زوبعة من التعليقات وضعت الخبر ضمن الأكثر تداولاً عبر الفضاء الرقمي، وبدا في خلاصة ما كُتِبَ من مقالات وحواشي وتغريدات أن ما يثير الامتعاض في رَدِّ حركة فتح المستهجن، أنه يُلَخِّصُ رؤية سلطة أوسلو لمستقبل غزة وفق الرؤية الإسرائيلية، مع أنه من المفروض أن يكون خطاً أحمراً وشأناً فلسطينياً خالصا.

حيث أن مساعي السلطة في الدعوة إلى أية وحدة فلسطينية منشودة كما يبدو من الرد المختزل، مرهونة بإسقاط حماس من حسابات المستقبل الفلسطيني تماهياً مع السياسة الإسرائيلية، وخلافاً للواقع الذي وضعت محدداته المقاومة، واعترف به شكلاً ومضموناً بعض الجنرالات الإسرائيليين الذين أقروا خانعين بهزيمة جيشهم عسكرياً أمام حنكة واقتدار كتائب الشهيد عز الدين القسام.

في سياق ذلك قال اللواء المتقاعد بالجيش الإسرائيلي إسحاق بريك لصحيفة معاريف الإسرائيلية: "إن بلاده خسرت الحرب مع حركة المقاومة الإسلامية، حماس، بقطاع غزة"، مؤكداً "أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير مستعدة لحرب إقليمية واسعة".

أما على صعيد سياسي فما زالت حماس تتحكم بمفاوضات صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، الأمر الذي يدل على أن وزنها أثقل من قدرة خصومها على التحكم بمصير غزة، فيما ظلت راياتُها ترفرفُ في الميدان دون أن تمزقَها الزوابعُ التي باتت لا تثير إلا الغبار.

ويمكن استخلاص الآتي مما يفيض به الفضاء الرقمي من غث وسمين حول ما يقال عن قرار الرئيس عباس ما بين الانتقاد الحمساوي والرد الفتحاوي:

أولاً :- مجيء رئيس وزراء خلافي وفي وقت غير مناسب أخضع السلطة لاختبار جماهيري أمام المقاومة وعلى رأسها حماس، فكانت النتيجة أن كلَّ أوراق السلطة باتت محروقة تماماً، والتقرب منها يثير شبهات "العمالة" للاحتلال.

ثانياً:-إن رد حركة فتح لم يكن فتحاوياً أصيلاً، فهناك فتح المقاومة ممثلة بتيار الأسير مروان البرغوثي.

والمفارقة اللافتة أن حماس تعمل بجدية على فك أسره ضمن أية صفقة أسرى محتملة مع الإسرائيليين، ووفق كثير من المغردين، تحاول السلطة تعطيل الجهود الحمساوية في هذا الاتجاه؛ حتى لا يُرْبِكَ البرغوثي خياراتِ السلطة المتماهية مع مصالح "إسرائيل"؛ لا بل أن صياغة رد فتح التي تزود السلطة بالقادة والكوادر "المدجنة"، تمت في كواليس مكاتب لجنة التنسيق الأمني بما ينسجم وشروط "إسرائيل" المعلنة؛ لنيل رضاها والاستعداد للدخول إلى غزة على ظهر الدبابة رغم أن هذا التوجه يتنافى ومبادئ فتح المعلنة التي يتشبث بها المعارضون للنهج الاستسلامي، وتحويل القضية إلى أزمة معيشية تتعلق بالرواتب والخدمات اللوجستية فقط!.

ولارتباط بيان الرد بالأجندة الإسرائيلية المتخبطة فقد جاء بمثابة إعلان "تافه" بهزيمة المقاومة؛ لمحاصرتها سياسياً، ومحاولة يائسة ومكشوفة من قبل السلطة للحكم على حماس بالفشل الذريع، وتحميلها مسؤولية الحرب على غزة.

وكأن بيان الرد "يبرئ" ضمنياً الطرف الإسرائيلي الذي يمارس حرباً تطهيرية على الشعب الفلسطيني في غزة التي تخضع لحكم حماس، والضفة الغربية التي تقع ضمن إدارة السلطة.

وهذا يتناقض تماماً مع الحقيقة التي يؤمن بها غالبية الفلسطينيين سواء كانوا في الداخل أو المنافي، والملتفة حول خيار المقاومة (الكفاح المسلح) الذي تنازلت عنه فتح منذ 31 عاماً، مع أن انتقادات حماس لتعيين رئيس وزراء جديد قبل توحيد الصف الفلسطيني جاء بذريعة أنه سيقود إلى التخبط ويعيد القضية الفلسطينية إلى خزائن الإهمال، ويضع الفصائل في مواجهة بعضها سياسياً وربما عسكرياً وفق رؤية نتنياهو وطموحات قادة الاحتلال.

ثالثاً:- قيل الكثير عن فساد رئيس الوزراء الجديد على ذمة موقع (شاهد) 13 مارس الجاري، واعتماداً على ما سربه موقع (الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية) ضمن نحو 11 مليون ملف تهرّب ضريبي من شخصيات عالمية. حيث "ظهر اسم محمد مصطفى كأبرز المتهربين ضريبياً من رجالات السلطة، وذلك عبر ايداع أمواله في مصارف (جزر فيرجن) الواقعة في البحر الكاريبي".

وكشف الموقع وثيقة تقول بأنه "يعيّنُ مصطفى فيها نفسه مديراً عاماً للشركة العربية الفلسطينية للاستثمار (أبيك) وذلك عام 2006، في رسالة معنونة من ذات المنطقة في جزر فيرجن".

كما كشفت وثيقة مسربة أخرى جاء فيها "أنّ رئيس صندوق الاستثمار لدى السلطة “محمد مصطفى” قد باع 45 دونمًا من أراضي قرية “رمون” لشركة سياحية بتوكيلٍ عن الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية"

كذلك، و"خلال فترة ترؤس مصطفى للصندوق، تعرُّضت أموال الصندوق للنهب والسرقة من شخصيات متنفذة منذ سنوات عديدة دون أن يتم معاقبتهم". فما رأي البيت الأبيض في ذلك؟

ورغم أن الصندوق هو ملك عام للشعب الفلسطيني، "لكن من يتحكم به ثلة من المتنفذين في السلطة الفلسطينية، حيث يخفون البيانات المالية المتعلقة بالصندوق، ويخفون الأرباح، وأوجه الاستثمار دون رقابة أو محاسبة، وهو ما يشير الى وجود فساد مالي واسع وهدر للحقوق العامة" على ذمة الموقع أعلاه.

وللإنصاف فإن المعنيين بهذا الملف ينكرون ما نسب إليهم، وما على القراء إلا تقييم الوضع على ضوء الشواهد التي قد تنفي أو تؤكد ذلك.

لقد تشكلت هذه الحكومة بعد إفراج سلطات الاحتلال عن أموال السلطة التي تمثل غاية ما تطالب به السلطة لتسسير أمور الحياة في الضفة الغربية وبالتالي غَضّ الطرف-كما يبدو- عن انتهاكات الاحتلال فيها، وذلك من خلال تحويل القضية الفلسطينية من حقوق سياسية وقانونية منتهكة، إلى مجرد حقوق معيشية طارئة.

وهذا التقزيم للحقوق المشروعة بحد ذاته يُعَدُّ جريمة نكراء تتحمل السلطة تبعاتها.

رابعاً:- ما يتعلق بالكفاءة، فهناك بونٌ واسعٌ بين الطرفين، فبالنسبة لكفاءة السلطة في إدارة الرساميل فإنها تتلخص في الاستثمار ضمن تشابك المصالح العامة والخاصة في الدولة العميقة، والنتيجة كانت اقتصاداً تبعياً يعتمد على الاقتصاد الإسرائيلي الطفيلي الذي يتحكم بمخرجاته، أما على صعيد المنافع الشخصية التي من خلالها يتم تجيير المواقف السياسية لصالح الطرف الأقوى، فقد أُتْخِمَتْ جيوبُ بعضِ قادةِ السلطة حتى أصبحوا من أصحاب الملايين -رغم نكرانهم لذلك- .

بالمقابل تمكنت حماسُ من إدارة ما احتصلت عليه من دعمٍ ماليٍّ من خلال أستثماره في التنمية الصعبة في كافة الصعد، وعلى رأسها البنى التحتية فوق الأرض وتحتها، في الأنفاق التي جُمِعَ فيها ما بين استراتيجية الدفاع واقتصاد الأنفاق ضمن السوق السوداء، ما ساعد المقاومة على مواجهة الاحتلال باقتدار مشهود.

إنها تجربة استثنائية ذات مقومات خاصة ويمكن وصفها بالاقتصاد الغامض الذي يُقَدَّرُ حجمُهُ من خلال نتائجه على الأرض وهذا ما عزز من قدرته على العودة كلما تعرض للأزمات وتحديداً الحروب.

وما معجزة غزة التي حطمت كبرياء الاحتلال بجبروته، وغيّرت العالم إزاء قضية فلسطينُ وفرضت احترام العالم للشعب الفلسطيني على مبدأ "إحترام القوي"؛ إلا من نتائج جهود مقاومة جديرة بقيادة هذه المرحلة ضمن وحدة الخيار الفلسطيني المتمثل بالمقاومة بعد التئام الصف الفلسطيني بعيداً عن سياسة التنازلات.

وهو ما عجزت السلطة عن تحقيقة في الضفة الغربية التي يستبيحها الاحتلال دون تدخل من أجهزة الأمن الفلسطينية التي ينتظر أفرادها آخر كل شهر رواتبهم، وقد حيدت تلك الأجهزة المُعَدَّةُ جيداً في أمريكا، نفسَها وكأنها تنتمي إلى جزر (الواق واق) حيث تكثر طيور الوهم بأنواعها، لذلك تهاجم قياداتُها حماسَ وبنادق الصيدِ في أياديها معبأة بالأضاليل، ونتائج صيدها الخيبة.

***

بقلم بكر السباتين

18 مارس 2024

 

"...فلا أنساب بينهم...."

الأنساب لعبة تخديرية، ومنهج لنشر الأوهام، وتعطيل الأفهام، وتجد مجتمعاتنا منهمكة في البحث عن النسب، وكل يريد الإنتساب إلى أعلى الأفنان، وبلغت اللعبة ذروتها في بعض مجتمعات الأمة، أن صار وراء كل فرد شجرة إنتساب تربطه بالنبي الكريم، فهو سيد وفقا لهذا المنظار، ومن حوله عبيد.

ومعنى السيد أن تجلس على كرسي كأنك الطاووس تحاوطك أقوام تبَّع خنَّع، تتبارك بجاهك الكريم.

وتتعجب من مجتمع صار الناس فيه سادة، عاطلون عقليا ونفسيا، ويستجدون من الغير، والأنكى من ذلك، أن الحكومات وفرت لهم المخصصات والنثريات وسلطتهم على بني جلدتهم، لكي يتم إحكام القبض على عقول الناس.

ولعبة السيد لا أساس لها ولا تتوافق مع أبسط البديهيات، فلو حاولتَ أن تثبتها رياضيا فأنها لا تخضع لأدلة موضوعية وبراهين واقعية.

فأين أعقاب الخلفاء والأمراء والسلاطين؟

هل يعقل أن يكون من ظهر شخص واحد الملايين في ظرف أربعة عشر قرنا، حتى  لو أنه تزوج مئة إمرأة؟

ولا ننسى الحروب والأوبئة والأمراض وغيرها من المبيدات البشرية.

هذه اللعبة تم الإحتيال بها على الناس وإدّعاء القيادة والحكم بموجبها، فالدول التي نشأت في مسيرة الأمة معظمها تستند على لعبة النسب، وكل مَن إمتلك القوة حرر نسبا له وربط نفسه بالنبي الكريم، عن طريق أسباطه، وما أكثر هذه الإفتراءات.

وتجدنا اليوم في مأزق الكل أسياد، وعليهم تعلم الكسل والإعتماد على الغير، وعدم تحفيز الهمم والتفاخر بتعطيل العقول، والتباهي بالغنم.

ومن الأقوال التي تحث على الجد والإجتهاد وعدم الركون إلى النسب:

"كن إبن من شئت واكتسب أدبا ...يغنيك محموده عن النسب

إن الفتى من يقول ها أنا ذا...ليس الفتى من يقول كان أبي"

"وسامة الشكل لا تغني عن الأدب...ويحمد المرء بالأخلاق لا النسب"

:الفضيلة بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب"

"لا يقولن امرؤ أصلي فما أصله مسك وأصل الناس طين"

"لا تقل أصلي وفصلي أبدا...إنما أصل الفتى ما قد حصل"

"إني لا أعرف شرفا غير شرف النفس، ولا نسبا غير نسب الفضيلة"

"وما الفخر بالعظم الرميم وإنما... فخار الذي يبغي الفخار بنفسه"

"...وبنفسي افتخرت لا بجدودي"

"لسنا وإن أحسابنا كرمت...يوما على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا...تبني ونفعل مثل ما فعلوا"

و"نعم النسب حسن الأدب"!!

فدع نسبا وأصنع أربا!!

***

د. صادق السامرائي

 

يُعدّ تاريخ ٧/أكتوبر الكاشف الذي سمح للحقيقة أن ترى النور. وللأقنعة الكثيرة أن تسقط. التاريخ الذي بدّد الأوهام وأتاح الفرصة لما هو مطموس عميقا في الأسفل أن يظهر.

بعد أن نسي العالم قضية فلسطين وترك ضباع الأرض وخنازيرها تعيث فسادا في حرثها، تقتل وتعتقل وتمارس عنصريتها المقززة. أعادتها عملية طوفان الأقصى إلى الواجهة العالمية وانكشف الوجه القبيح لدولة الاحتلال ولداعميها وأذنابها.

فشعوب الغرب التي لطالما نظرت إلى دولة الاحتلال بعطف، اليوم تقف منددة بها وبجرائمها، تغلق الشوارع، تطالب بوقف الحرب الإجرامية وترفع شعارات تنادي بحرية فلسطين بل وطالبوا بإزالة دولة الاحتلال. هذه الشعوب التي ألصق حكامها بأذهانها فكرة أن الإسلام دين الإرهاب، نراهم اليوم يدخلون الإسلام زرافات.

لكن كيف؟ وما السبب؟

إنهم أهل غزة وصبرهم وسط الظلم والحصار والقتل والتنكيل. هذا الصبر الذي لا يعكس سوى شيء واحد أنه لم يأت من فراغ. إذن لا بد أنه الإيمان، فلا شيء يمنح الصبر للإنسان في وضع كالذي يمر به أهل غزة إلا الإيمان.

٧/أكتوبر أسقط الأقنعة عن وجه الأنظمة العربية، التي تقف متفرجة وربما مصفقة لما يجري من عمليات إبادة وانتهاكات تقشعر لها الأبدان. مصفقة وهي تشاهد أهل غزة أهل العزّة يجبرهم جوع أطفالهم على ملاحقة المساعدات المهينة التي تسقطها دول العار من الجو. يزداد تصفيقهم وهم يراقبون أرصدتهم البنكية تتضاعف والكرسي من تحتهم يشدهم إليه بعد كل مجزرة. يتسابقون قبحهم الله لفتح حدودهم لمساعدة المحتل الذي سيركلهم يوما عن كرسي الذل والوهم.

٧/أكتوبر عرّتنا أمام أنفسنا، وكشفت أننا شعوب مدجنة، انتفضنا في بداية الحرب ثم خمدت نيراننا بعد ان اعتدنا مشاهد القتل والجثث المكدسة أسفل الركام، اعتدنا مشاهد الجوعى يحملون طناجرهم وأوانيهم البلاستيكية بعد العزّ والشبع يعودون فارغي اليدين إلا من الخيبة والخذلان. ٧/أكتوبر كشفت تقصيرنا المقزز وأننا شئنا أم أبينا صورة حكامنا المنعكسة في مرايا العار والصمت. أعلم بأن البعض سوف يعترض وربما يشتم وياتي ليبرر التقصير بأننا شعوب مكممة مقموعة ما أن نتجمع في مظاهرة حتى يتم تفريقها بعصا الحاكم. فأرد بأننا كما نكون يولى علينا. فلو خرجنا كشعوب بمسيرات مليونية نحو الحدود سيستعصي عليهم قمعنا وستنكسر تلك العصا. بوعينا فقط ستنكسر العصا وإلا فإنها ستظل مسلطة نحونا وغير ذلك فإننا متهمون ومقصرون، إنها الحقيقة التي نحاول أن نتعامى عنها.

٧/أكتوبر قلبت موازين كل شيء حتى المصطلحات وأعادتها إلى حقيقتها. فالذي كان العالم يسميه إرهابي أصبح اليوم مقاوما في طريق التحرر. فانقلب مصطلح شيطنة الفلسطيني إلى شيطنة اليهودي المحتل.

والذي بالأمس كان يسمى دفاعا عن النفس أصبح اليوم إبادة.

والأهم أن ما كان يسمى بالأمس "إسرائيل" أصبح اليوم فلسطين.

٧/أكتوبر هو الحقيقة المرّة في فم الطغاة وأعوانهم. الشوكة التي غرزت في حلوقهم. فالنصر كل النصر لغزة الصابرة ومقاومتها الثابتة المغروسة في الأرض المباركة، والعار كل العار للغزاة ومن ورائهم المطبعين.

***

بديعة النعيمي

العلاقة طردية بين البشر والنوابغ منهم، أي كلما زاد عدد البشر زاد عدد النوابغ، وإذا إفترضنا ولادة نابغة واحد من بين عشرة آلاف شخص، فأن هناك مئة منهم في كل مليون، فالبلد الذي تعداد سكانه مئة مليون من الممكن أن يكون فيه عشرة آلاف نابغة، وهؤلاء هم الذين يتوجب عليهم قيادة المجتمع ورسم خارطة مسيرته في الحاضر والمستقبل.

النابغة: مبرز في علمه، مبدع، موهوب

والفرق بين المجتمعات يتمثل في توفير آليات رعاية نوابغها وتوفير الفرص اللازمة لتفتحهم، ولهذا تجد أعدادهم تتزايد في المجتمعات الحرة وعطاءاتهم الأصيلة تتحقق، وبسببهم وصلت البشرية إلى ما هي عليه اليوم.

ومجتمعاتنا فيها نسبة عالية من النوابغ المولودين في بيئات تقهرهم وتعوقهم وتمنعهم من التفتح الإزدهار، مما تسبب بخسائر حضارية هائلة أصابت اجيال الأمة بمقتل.

فمسيرة الأمة لا تخلو من النوابغ، ومن الملاحظ أن بيئاتنا تساهم في تفتح نوابغ في الدين والأدب، وتأبى أن ترعى نوابغ العلم وأصحاب الأفكار الجادة القادرة على التغيير والإقتدار، بل وتدفعهم للهجرة أو تودعهم المعتقلات والسجون بأعذار شتى.

فعقول أبناء الأمة كأي العقول في الدنيا، بحاجة لتربة صالحة للعطاء والإبداع، وعندما تصبح التربة في دول الأمة سبخاء لا تنبت زرعا، فماذا يُرتجى من الأجيال التي تسير على الملح.

وعلة الأمة أنها لا تولي أمرها للأذكياء، بل لديها عدوانية صارخة ضدهم، فتأتي بمن يعادونهم، ويشردونهم، لتهنأ بمن ينوِّمون الناس ويجهلونهم، ويستعبدونهم بدين جعلوه طلاسم يمتلكون مفاتيحها، لتدوم تجاراتهم وتزداد ربحا على حساب ويلات القطيع المرهون بإرادة السمع والطاعة.

فالأمة لن تضع خطواتها على السكة الحضارية الصاعدة وتشارك الدنيا من مواطنها بإمداداتها الإبداعية الإبتكارية، إن لم تعيد النظر في حساباتها السلوكية، وتعبِّد السبل أمام الأذكياء والنوابغ من أبنائها، وتجعل مسيرة الإبداع الحضاري ميسَّرة وآمنة وذات محفزات لا حدود لها.

فدعوا زهور الأمة تتفتح، وعندها ستعرفون حجم طاقاتها الكامنة فيها، والتائقة للإنبثاق الدفاق.

فهل سيكون نوابغ الأمة في مقدمة ركبها؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لا شك أن مقاتلي فصائل المقاومة في غزة أبدعوا في مواجهة جيش الاحتلال وأن الشعب الفلسطيني في القطاع صبر وصمد وتحمل الكثير، ولكن لا يبدو في ظل موازين القوى الراهنة أن المقاومة والشعب قادرون على الصمود إلى ما لا نهاية أو هزيمة العدو في هذه الجولة من الحرب، كما لا يبدو  أن الاحتجاجات الشعبية على مستوى العالم المنددة بالاحتلال والمؤيدة للحق الفلسطيني والمشاعر الوطنية الجياشة لأهلنا في الضفة والقدس والشتات الداعمة للمقاومة والتي تطالب أهل غزة بالصمود والصبر الخ بالرغم من أهميتها وإمكانية البناء عليها لاحقا ستوقف حرب الإبادة أو تغير راهناً من سياسات الحكومات تجاه ما يجري في فلسطين.

والسؤال الذي يفرض نفسه، ماذا بعد أن أصبح مطلب المقاومة الرئيس وقف الحرب وخروج جيش الاحتلال ومحاولة الاستفادة من صفقة تبادل أسرى تسعى لها واشنطن وكل العالم ويتهرب منها نتنياهو، وهي صفقة ستؤدي في أفضل الحالات العودة إلى ما كان عليه الحال قبل الحرب، مع كل ما لحق بالقطاع من خراب ودمار وعشرات آلاف الشهداء والمفقودين والجرحى والأسرى؟!!!

مطلب المقاومة هذا يُرجعنا إلى خريف عام ٢٠٠٥ عندما خرج جيش الاحتلال من داخل القطاع ضمن مخطط الانسحاب من طرف واحد، وكان يفترض آنذاك أن يتم التفرغ لبناء القطاع ونزع الذرائع من العدو للعودة للقطاع وأن تتكثف حالة المقاومة في الضفة والقدس ولكن الذي جرى أن حركة حماس واصلت تعزيز  تواجدها العسكري في قطاع غزة فقط بينما كثفت جهودها في الضفة لإفشال وإسقاط السلطة الوطنية، وبعد أشهر وتحديداً في 25 يناير 2006 شاركت في انتخابات لـ(سلطة أوسلو) التي كانت تعتبرها خيانة وفي يونيو 2007 انقلبت على سلطة أوسلو في غزة فقط وأصبحت سلطة حاكمة هناك وطالبت دول العالم أن يعترفوا بسلطتها.

كما أن مطالب حماس اليوم وشروطها لوقف الحرب تُرجعنا إلى اليوم السابق للحرب حيث كانت غزة تعيش في هدوء واستقرار نسبي والناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي وكل شيء متوفر لهم تقريبا مما يجنونه من رواتب السلطتين والأموال القطرية ورواتب المنظمات الدولية والأونروا والعمل في إسرائيل ومن رواج اقتصادي وإنتاج زراعي وكانت كل المعابر مفتوحة ولا يوجد جيش الاحتلال داخل القطاع...

فلماذا عاد جيش الاحتلال لغزة؟ وهل من خطط لعملية طوفان الأقصى كان يعتقد ويراهن أن غزة يمكنها أن تكون هانوي فلسطين وأن تحرير فلسطين سينطلق من غزة؟

كان خطأ الفصائل وخصوصاً حركة حماس انهم اختزلوا المقاومة وحصروها بالعمل العسكري وتحديداً في الأنفاق والصواريخ وراهنوا على أن مقاومتهم ستحرك الجيوش العربية والإسلامية للمشاركة في معركة التحرير، وراهنت حماس أن عملها العسكري سيعزز من حضورها داخلياً ودولياً لتحل محل منظمة التحرير في تمثيل الشعب ومحل السلطة في تلقي الدعم والتمويل الخارجي، جاهلين أو متجاهلين ما يجري على أرض الواقع من تحولات دولية جيواستراتيجية وما يجرى من عمليات تطبيع متسارعة مع العدو، وأنهم يواجهون أقوى جيش في الشرق الأوسط ودولة مدعومة أمريكياً وغربياً.

بعد كل ما جرى يجب التفكير بغزة بعد الحرب منزوعة السلاح بدون الاحتلال وجيشه، وبدون كل المظاهر المسلحة للفصائل الفلسطينية وخصوصاً الصواريخ والأنفاق، حتى وإن كان هذا مطلب العدو.

قد يكون هذا المطلب صادما ومستفزة للبعض، فكيف نطلب أن تكون غزة العزة والبطولة والكرامة والمقاومة الخ منزوعة السلاح؟ وأين دور قطاع غزة في معركة التحرير؟

من مصلحة غزة وأهلها والقضية الوطنية في هذا الوقت وبعد الحروب المدمرة التي تعرضت لها وتوظيف العدو لغزة وحروبها وحصارها للتغطية على ما يجري في الضفة والقدس وتعزيز الانقسام، وقف كل أشكال الحشد المسلح من أنفاق وصواريخ وأسلحة ثقيلة والتفرغ لإعادة بنائها وعودة أهلها الذين شردهم الحرب، ، وحتى في هذه الحالة غزة لن تتخلى عن دورها وواجبها الوطني وستستمر محافظة على هويتها وثقافتها الوطنية وسيستمر أهلها متمسكين بحق العودة وبالثوابت الوطنية، ولكنها تحتاج لفترة معافاة، وسيكون دورها وواجبها في إطار استراتيجية وطنية شاملة متعددة المسارات لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، استراتيجية توظف التحولات الإيجابية للرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية وتراجع الدعم والتأييد للكيان الصهيوني وحتى لليهود.

(أما آن لهذا الراكب أن يترجل) مقولة تنسب لأسماء بنت أبي بكر الصديق قالتها مخاطبة الحجاج بن يوسف الذي قتل ابنها عبد الله بن الزبير وأبقاه مصلوباً لأيام، ونحن نقول لقد آن لأهل غزة أن يترجلوا عن صهوة جيادهم ولو في استراحة مقاتل، وليس مطلوب من غزة أن تتحمل وحدها مسؤولية تحرير فلسطين والدفاع عن الأقصى أو الدفاع عن كرامة الأمة العربية والإسلامية، أو أن يحولها البعض لحقل تجارب لمشاريعهم الفاشلة ويحولوا أهلها لمرتزقة لخدمة أجندة خارجية. ويضاف لذلك لن تنجح أية حكومة فلسطينية أو جهة دولية في وقف العدوان وإعادة إعمار القطاع ووقف المجاعة وهو مطلب له الأولوية الآن في ظل وجود فصائل مدججة بأسلحة ثقيلة ووحوذ الأنفاق وتسود حالة عدم رضا بينها وبين الشعب المكلوم.

***

د. ابراهيم أبراش

 

وفق ما تسرب من معلومة شبه مؤكدة كخطوة صحيحة ومباركة التي تضع بصمتها وزارة التربية والحكومة العراقية في مسار العملية التربوية وهو أعداد منهاج الأخلاقية في المدارس وهي خطوة مهمة وجريئة في إصلاح الواقع التربوي والمجتمع الذي كاد أن يفلت من زمام التربية الصحيحة التي أفتقدها أكثر أجيالنا في الوقت الحاضر مما سبب الكثير من المشاكل والصعاب والثقل الكبير على المجتمع والأسرة العراقية وألقى بظلاله على العملية التربوية والتعليمية برمتها .

أن هذه الخطوة هي أعادة برمجة الطالب وسلوكه في المراحل الدراسية المبكرة من عمره وتربيته على الأسس الصحيحة وفق برنامج معاصر فكري خالي من الشوائب والأفكار المنحرفة التي عصفت في المجتمعات والتي سببت أضرارا نفسية وعقد اجتماعية وعقلية وتغيير سلبي في تفكير الفرد العراقي من خلال ابتعاده عن القيم والمبادئ والعقيدة والابتعاد عن العلاقة بينه وبين خالقه الله سبحانه وتعالى وبالوطن والمجتمع فنحن في صراع مستمر مع الأفكار الهدامة والسلوكيات المنحرفة التي فُرفضت على مجتمعاتنا العربية والإسلامية في سبيل ترويضها وتسييرها مع مناهج الغرب المنحرفة البعيدة عن الواقع العربي والإسلامي ومع الأسف أن بعض الحكومات ومؤسساتها الحكومية والغير الحكومية ساهمت بقدر كبير في إنضاج وبلورة واعتماد هذه الأفكار وخصوصا في العراق والتي لم يتعود عليها سابقا فأن أعادة مادة التربية الأخلاقية أو التربية الوطنية كعهدها السابق هو قرار صائب في الزمان الصحيح لإعادة برمجة الأفكار الصحيحة إلى عقلية أجيالنا الحالية التي انجرفت مع تيار التغير العالمي المزيف بغطاء العولمة والديمقراطية الغير منضبطة والغير محصنة أن التأكيد على إدخال مواد التربية الأخلاقية والوطنية حاجة ملحة في الوقت الحاضر في العملية التربوية بعد ما خاض الجيل الحاضر مخاضا عسيرا مع التيارات والصراعات الفكرية والانحرافات الأخلاقية قادتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي ومؤسسات مغرضة بأسلوب ممنهج دخيل على مجتمعنا العراقي حيث يتوجب على المعنيين في الشأن التربوي أن يعتمدوا هذه المناهج كمنهاج دراسي أساسي وليس هامشي وإعطائه الأهمية والأولوية كمادة أساسية في الامتحان وليس صوريا حيث يفقد بريقه ومحتواه شيئا فشيئا وخصوصا في المراحل الدراسية الأولى من عمر الطالب وهي الفئة المهمة التي تستطيع تقبل والتقاط هذه المفاهيم بسرعة باستخدام عقولها الصافية التي لم تلوث بعد بإفرازات العقد المجتمعية فعلى وزارة التربية أن تأخذ هذا الموضوع على محمل الجد لما يحمله من أهمية قصوى في ترسيخ الفكر الوطني والأخلاقي لدى الطالب لرفع مستوى عقلية جيلنا الحالي والجديد وتسليحه وتحصينه بالقيم والمبادئ والعقيدة الخالصة لله تعالى وزرع المفاهيم البناءة التي فقدها على أيدي المخربين والفاسدين ومحاولة تلويث عقولهم بل التأكيد عل صقل شخصيتهم لقيادة المجتمع في المستقبل وفق رؤى منهجية مدروسة بعقلية أكاديمية وعلمية وأساتذة أكفاء من علماء النفس والدين وبهذا المشروع نستطيع أن نشد على الأيدي التي تساهم بإنضاج هكذا مشاريع حقيقية الغرض منها النهوض بواقع التربية والتعليم والمجتمع المتهاوي وإنقاذ الجيل الجديد من مسايرة المشروع الغربي في تدمير المجتمعات الأخرى.

***

ضياء محسن الاسدي

بتقدم التكنولوجيا ولاسيما تكنولوجيا الاتصالات، وتحقيقها طفرات هائلة في سرعة نقل المعلومة ودقتها، تمكن الإنسان من تقصي الحقائق بيسر وسهولة، وإيجاد كل شاردة وواردة عن سيرة شخص ما، أو كشف كل كبيرة وصغيرة عن كيان ما، وتذلل مع هذا التقدم البحث عن كبار أمور، كان العثور على صغائرها يتطلب جهدا ووقتا كبيرين. ومع كل هذا تخفى علينا حقائق كثيرة، تندرج أمام أنظارنا وتنطوي تحت مداركنا، من دون شعور منا بمرورها، فهل يتم هذا لعجز في وعينا؟ أم هو تحصيل غفلة وسهو! أم هي القدرة الفائقة التي يتمتع بها الشخص المقابل في إخفائها ومواراتها من أمام أعيننا ومسامعنا، إلى حيث لانعلم ولا نرى ولا نسمع ولا نلمس؟ وهذا يقودني الى سؤال له علاقة وطيدة بالحاكم والمحكوم، فماذا أخفى علينا الماضون من الذين كانوا يتحكمون بمراكز متقدمة في سدة الحكم، وكانت مصائرنا تحت رحمتهم، في زمن انعدمت فيه وسائل الاتصالات كما هي اليوم؟

  لقد صارت لمتتبع مجريات الأحداث على مدار أربع وعشرين ساعة، ملَكَة في التخمين والحدس وسرعة البديهة، في حل ما يسميه البعض ألغازا سياسية وطلاسم سياسيين، لاسيما السنون التي أعقبت عقود الدكتاتورية، حيث بات بإمكان كثير من العراقيين استقراء المستقبل القريب وما تؤول اليه الأحداث. وقطعا لم تأتِ هذه المَلَكة من اللاشيء، فقد أسهم في تبلورها تكرار تقلبات السياسيين بمواقفهم وتصريحاتهم، وتضارب آرائهم بين ليلة وضحاها، طيلة العشرين عاما الماضية. وما التقلب البهلواني السريع في هذا الجانب ناتج عن عدم إدراك أو ضعف بصيرة أو قلة حيلة -حاشاهم طبعا- من كل هذه الخصال الإنسانية الفطرية الساذجة، فهم يعرفون جيدا من أين تؤكل الكتف، ويدركون تماما كيف تورد الإبل، ويبصرون بقوة بصر (6/6) تمكِّنهم من الانقضاض على صيدهم، وانتقاء ما يصب في مصالحهم ومصالح شركائهم في (الطبخة).

 ومع غياب الرقيب الأول -وهو الضمير- او موته، وغض النظر والتسويف بالوعود السرابية عن الرقيب الثاني -وهو الشعب- والمواراة والمخاتلة عن الرقيب الثالث -وهو السلطات الأعلى- والنأي وعدم المبالاة عن الرقيب الرابع -وهو السلطة الرابعة- والتي تتمثل بالإعلام، تكون العملية السياسية قد أخذت الجادة المرسومة والمخطط الموضوع لها، لتحقيق المآرب والغايات الفردية والفئوية والحزبية والإقليمية. فبعض سياسيينا يرى أن منصبه تشريف وليس تكليفا، منفعة وليس واجبا، تجارة وليس ذمة، (كشخة) وليس التزاما، مع هذا فهو يفوز في مسيرة حياته بالمغنم الواسع والربح الكبير والريع الوافر. وباقي العراقيين ممن لاسلطة لديهم ولا نفوذا ولا (گرايب) ولا حبايب ولاحول ولاقوة، فانهم ينقسمون إلى مجاميع، فمنهم من يعود من مسيرة حياته بخفي حنين، ومنهم من (يخرج من المولد بلا حمص) وآخرون مالهم بالطيب نصيب، فـ (يمسحون إيدهم بالحايط) ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

  هنا قد يصل بعضنا -بل أغلبنا- إلى يقين راسخ، أن أيام العراقيين جميعها تمر كسابقاتها، وإن كان ثمة تغيير فهو للأسوأ لامحالة، إذ لاجديد فيها غير الاستماع الرتيب، الى القوانات المشخوطة المثبتة على لسان حاكميهم وسلاطينهم وجلاديهم منذ الأزل، وهي التي يبدأ بترديدها "زيد" بعد أن يولّي "عبيد"، وحين يولّي "زيد" تخلو الساحة إلى "شعيط" فيملأ آذاننا هو الآخر بما ملأه سابقوه من اللامفهوم واللامجدي، وبعد انقشاعه يأتي الدور الى "معيط" فيأخذ ديدن السابقين بسيئاتهم، أما "جرار الخيط" فهو جاثم على صدور العراقيين، مادامت نيات حكامه وساسته المبيتة، هي ذاتها على اختلاف أطيافهم وأشكالهم وألسنتهم وأصولهم، إذ لاجديد تحت الشمس ما زال الرقباء جميعهم -وأولهم الضمير- غارق بسابع نومة.

***

علي علي

الأمم بأفرادها، والفرد يصنع أمة ويتمثل في الأجيال، فلا توجد خطوة للأمام لم ينجزها فرد لوحده وتبعته الناس، والأمثلة كثيرة، ومنها السيارة صنعها فرد، وكذلك الطائرة، وشبكة الإنترنيت، ووسائل التواصل الإجتماعي، وأي حالة فاعلة في الدنيا ستجد أن فردا لوحده قد إنطلق بها، وأسس لوجودها، فتنامت وشملت الناس أجمعين.

وفي مجتمعاتنا نتأوف ونتشكى من عدم القدرة على العمل الجماعي في هذا الميدان أو ذاك، وبأن العرب إتفقوا على أن لا يتفقوا، وكأنهم لوحدهم كذلك، بينما المطلوب جهد فردي صادق ومؤثر يرسم سكة تسير عليها الجماهير.

زميلي أسس مشروعا متميزا في ميادين العلوم النفسية، ويرى أن بعضهم ينظر إليه بعين أخرى، وهذا ما يواجهه أي مشروع ناجح في مجتمعاتنا، فالناجحون يعانون أكثر من الفاشلين في ديارنا، غير أن الإيمان بالفكرة والإصرار على المواصلة، من أهم الركائز التي تصنع المجد الإنجازي الساطع، رغم العقبات والمصدات التي يتفنن بإبداعها الفاشلون.

الشبكة العربية للعلوم النفسية، أيقونة معرفية ومنصة تفاعلية لصهر أفكار العقول العلمية النابهة في بودقة الأمة المتطلعة لحضور إبداعي معاصر أصيل.

الشبكة العربية للعلوم النفسية، منجز علمي  يتوافق وحاجات الأمة الضرورية لحاضر زاهر ومستقبل سعيد تشرق فيه النواهي المبدعة.

الشبكة العربية للعلوم النفسية تأسست منذ أكثر من عقدين في بلاد تونس الخضراء وفي مدينة صفاقس، بجهد فرد عصامي غيور متوثب هو الدكتور (جمال التركي)، الذي وضع أسسها ومنطلقاتها، وعمل بجد ومثابرة للإرتقاء بها، لتكون موسوعة معرفية متوهجة الأثر . فتفاعلت معها الإختصاصات النفسية العربية في كل مكان، وأسهمت بإثراء أرشيفها الغني بالنشاطات العلمية والفكرية والأدبية العلياء.

وأصبحت المنبر الحر للعلوم النفسية وباللغة العربية، وبجهود فرد واحد مؤمن برسالته، تحوّلت إلى مؤسسة تضاهي قدرات منابر إعلامية تديرها دول.

ومن الغريب أن البعض يتجاهلها، ويبخس دورها وقيمتها وأهميتها التنويرية، ورسالتها الإشراقية، التي تهدف لمحو الأمية النفسية في مجتمعاتنا، المرهونة بالويلات والتداعيات السلوكية، والإحباطات النفسية القاسية. ويبدو أن من واجب النخب أن تتفاعل معها وتستقي منها، لضرورة الوعي النفسي وأهميته في إثراء الإبداعات بأنواعها.

و"اعملوا، فكلٌ مُيسر لما خُلق له"!!

و"كم واثقٍ بالنفسِ نهّاضٍ بها...ساد البريّة فيه وهو عصام"!!

***

د. صادق السامرائي

 

خضعت الأمم المتحدة لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وجدار برلين فأصبحت أداة في يدها.

وعندما قامت دولة الإحتلال بفضل اعتراف أميركا وغيرها من الدول العظمى، ما كان من الأمم المتحدة إلا أن قامت بتوفير الغطاء الكامل لجرائمها.

فعند صدور قرار تقسيم فلسطين عام ٤٧، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية لجنة التقسيم ودعمت المشروع لطرف واحد"اليهود" وضد إرادة الطرف الأصيل"الفلسطينيين" وبهذا فهي لم تمكن الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.

واستنادا إلى قرار التقسيم في ذلك الوقت بدأت عمليات التطهير العرقي التي كانت القيادات الصهيونية قد بدأت بالاعداد لها مبكرا وتحديدا عام ١٩٤٤. والجدير بالذكر أن دول متنفذة في الأمم المتحدة اطلعت على خطط عمليات التطهير.

غير أن ما حصل أن الأمم المتحدة تعامت وقتها، حيث أنها لم تحضر إلى فلسطين للإشراف على تنفيذ خطة السلام التي أعدتها"التقسيم" وذلك بهدف إتاحة الفرصة للقيادة الصهيونية من أجل القفز من فوق سياج ما تعهدت به الأمم المتحدة من "منع أي محاولة من الطرفين الفلسطيني/اليهودي لمصادرة أراض تعود ملكيتها إلى مواطني الدولة الأخرى" أي الفلسطينية واليهودية وفق قرار التقسيم.

ولم يكن ذلكما حصل فحسب، بل لقد تعامت أيضا وصمّت أذانها عما حصل من تطهير عرقي وترحيل قسري وعشرات المجازر. فتركت الشعب الفلسطيني عاري الصدر من غير سلاح ليكون فريسة سهلة للعصابات اليهودية اللأخلاقية.

والحقيقة التي لا بد من ذكرها ان المقاومة الفلسطينية دافعت بشراسة عن مدنها وقراها إلا أن قوة السلاح والخيانات انتصرت وقتها.

وبذلك نستطيع القول أن الأمم المتحدة مثلت الغطاء الأنجح لجميع الاختراقات اللا قانونية التي ارتكبتها عصابات دولة الاحتلال بحق أصحاب الأرض الشرعيين.

وبدلا من إنزال العقاب بهذه الدولة جراء ما ارتكبت من جرائم، كوفئت كطفل مدلل بجائزة باهضة الثمن وهي اعتراف الجمعية العامة بها كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة عام ١٩٤٩.

وظلت الأمم المتحدة تتغاضى عن جرائم هذه الدولة حتى يومنا هذا. وكيف لا والولايات المتحدة الأمريكية التي تقف خلفها هي الممول الرئيسي للأمم المتحدة.

فمن العبث اليوم في حربها على غزة وارتكاب ما ارتكبت واختراق القوانين الدولية والإنسانية أن ننتظر منها الوقوف إلى جانب قطاع غزة أو حتى تفعيل أي من صور العقاب بحق الدولة المجرمة.

بل إن حرب الإبادة على القطاع دخلت في شهرها السادس ودولة الاحتلال تزداد تماديا دون أي رادع أو إدانة من تلك الأمم الزائفة.

فهي الدولة التي تتمتع بحماية أميركية تقيها الخضوع لأي من قواعد القانون الدولي بل وأكثر من ذلك، فهي أي الولايات المتحدة تحررها من أي التزام بمبادئ الشرعية الدولية.

واليوم في غزة كما هي دائما تقف الولايات المتحدة إلى جانب دولة الاحتلال وتوفر لها الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي بالإضافة إلى الفيتو الأمريكي الذي يقف بالمرصاد لحمايتها من الاتهامات الدولية التي توجه إليها. وليس أدل على ذلك ما حصل عندما تقدمت الجزائر بمشروع يتضمن وقف إطلاق النار في غزة . فأحبط المشروع بفيتو أمريكي.

وهي بذلك الفعل تدفع بدولة الاحتلال للتمادي والاستمرار بارتكاب المزيد من الجرائم وتشجعها على رفض تطبيق قرارات الأمم المتحدة.

وبعد كل هذا يتضح أن هذه المدعوة بالأمم المتحدة ما أنشئت لولا حاجة دولة الاحتلال لها لتكون الغطاء الدافئ الذي يحجب جرائمها. لذلك يتحتم عليها أن تحزم حقائبها وتغلق أبوابها التي لم تُفتح يوما إلا لصالح كل ما هو يهودي.

***

بديعة النعيمي

عقد في القاهرة مؤخرا، وعلى مدى ثلاثة أيام منتدى من أجل السلام العالمي، توافد العلماء والمختصون من مختلف القارات الخمس، وقدم بعضهم أوراقاً عن السلام وعلاقته بالتنمية، والسلام وعلاقته بالتعليم والتراث، وارتباطه بالرخاء والاقتصاد، أكد الحضورأن أوجه الخير كثيرة، وقد كانت محصورة في الماضي ببناء المساجد والعناية بها كتأمين الماء وأهم متطلباتها، أما اليوم وقد تكفل المحسنون بهذا الجانب، فالمطلوب من الأغنياء أن يقتدوا بمن خلدهم التاريخ بوجود مؤسسات ثقافية وعلمية، فمن الأغنياء من بنى المستشفيات والجامعات غير الربحية خصوصاً في الغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة. ولو تذكر كل غني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، لما تردد في توظيف ماله وعلمه وأولاده من بعده لمواصلة المسيرة، ورددوا عبارة شهيرة«إن وضعت المال تحت قدمي زادني علواً وارتفاعاً، وإن وضعته فوق رأسي زادني قصراً وانحناء»كما اكدواا ان السلام هو أنبل ما يسعى له، وأعظم ما يمكن أن ينشر الرخاء والأمن على مستوى العالم، والسلم هو ما تأمر به الكتب السماوية، وما ينادي به كل المصلحين على مرّ التاريخ. لكن الحاصل في العالم اليوم ومنذ وجد الإنسان على هذه البسيطة هو عكس ذلك. وقد قدم أحد المتحدثين في ورقته عن الحروب وتكاليفها الباهظة، فذكر أنها تكلف العالم سنوياً في حدود أربعة تريليونات دولار سنوياً، ولو صرف 6 % من هذا المبلغ سنوياً على مكافحة الفقر لاختفى على مستوى العالم، إضافة إلى ما تخلفه الحروب من قتلى وإعاقات، وتدمير للبيئة والحياة

انّ إرساء ثقافة السلام في المجتمع يحتاج من الجميع توحيد الصفوف في مواجهة انواع التطرّف الفکري المتعدّدة؛ مثل: إقصاء الآخر، منع النزاعات، مؤامرات حزبية وسياسية، وبناء السلام، يتمّ أولاً بتربية النشء الجديد على القيم الفاضلة، مثل التسامح واحترام حقوق الإنسان، فبناء ثقافة السلام مهمة تعددية تطلب تضافر جهود کل افراد المجتمع في کافة القطاعات وهي امتداد للعملية الديمقراطية في المجتمع، وهنا بالإمکان النظر للسلام کمنهجية على اعتباره کنمط حياة او کعملية سياسية او کضرورة بقاء

نحن اليوم أكثر ما نكون حاجة للسلام، وبالأخص في عراقنا الحبيب وعموم المنطقة العربية، والتي لم تتمتع بالسلام منذ عشرات السنين، والحاجة ملحة لجعل السلام عقيدة راسخة على مستوى الأفراد والدول، ومن ذلك تضمين المناهج الدراسية ثقافة السلام بكل مقوماتها.

***

نهاد الحديثي

 

تسعى حكومة السيد السوداني ومن اول أيامها، ان تجعل خط الازمة التراكمي يقترب من درجة المعقول. اذ يريد الرجل ان تنجح حكومته وتحيز على ثقة الشعب، بعد التراجعات الكثيرة الذي شهده الواقع العراقي، وانعدام عقد الثقة بين فئات الشعب والحكومات.

مهام رئيس الوزراء جسيمة واهمها ان يصنع صورة لحكومته في اذهان الشعب انها حكومة جديرة بالثقة والأحترام، وبعيدة في سياستها عن الركون الى محور اقليمي دون اخر كبديل عن الصورة النمطية المأخوذة سابقًا.

هذا الصورة من الصعب تشكيلها في ذهنية المواطن العراقي، الا بعد فترة طويلة من المصداقية والعمل الجاد والتطبيقات على ارض الواقع، كي يلمس المواطن جدارة حكومته وقدرتها علّى انصافه.

في خضم مجمل صراعات (اقليمية وداخلية) استطاعت حكومة السوداني ان تنأى بنفسها عن تلك الصراعات وان تكون ضمن مرتكزات ذات اهمية عالية لدى الشعب وهي الخدمات وتوفير بُنى اقتصادية فعالة.

بعد اكثر من سنة على حكومة السيد "شياع السوداني" ولأول مرة ترى نظرة تفاؤل لدى طبقات الشعب وقدرة على تحمل بعض اشكاليات الحياة مثل الازدحامات وبعض الروتين والبيروقراطية الحكومية، لأن هناك بصيصُ امل بانتظار المواطن هو تحسن الواقع وانهاء بعض من المعاناة التي شكلت وتُشكل صعوباتٍ يومية يصحى وينام عليها الشعب.

القدرة على استمرار تصحيح الوضع السياسي والخدمي والأمني والبيروقراطي… الخ ليس بالامر السهل ان يتم بين ليلة وضحاها وخاصةً الفساد ومحاربته، بل يحتاج الى معالجات آنية واخرى طويلة الأمد كي يلمس المواطن نتائج تلك التصحيحات، ونرى أن " السيد السوداني " يسير بالاتجاه الصحيح نحو الامل والتقدم، هذا جميعه يحتاج الى تكاتف سياسي ونكران ذات عالِ المستوى من قبل الشركاء السياسين وتصفير المشاكل العالقة الإقليمية والمحليّة فبدونها لا يمكن ان يستمر الرجل بوتيرته المحمودة!.

السوداني ضمن خط ازمة طويل الأمد ومتجذر في اعماق الذاكرة والواقع السياسي، وخط الازمة هذا قابل للتعقيد في اي لحظة كما هو قابل للحل ضمن الوقت الراهن، وهذا الخط يُمثل الجانب الاقتصادي غير المستقر والعامل السياسي شُبه المستقر ، والفاعل الإقليمي المتوازن.

تلك الثلاثيّة يعيها السيد رئيس الوزراء وهو يُسابق الزمن لفعلِ شيءٍ ملموس على ارض الواقع لترك بصمته كرئيس وزراء ناجح ويكسب ثقة الجماهير والمواطن. بالنهاية الرجل يمتلك حزبًا فتيًا ومن حقه السياسي ان يضع منجزًا يتصدر من خلاله المشهد السياسي ويدخل المنافسة الانتخابية بالمستقبل.

تفتقر حكومة السوداني الى غاية الان جانب مهم من جوانب الديموقراطية الصحية والفاعلة، وهي صفة المعارضة الحقيقية بشكلها وعنوانها، اذ من السليم جداً ان تكون هناك معارضة تشكل واقعًا صحيًا للعملية السياسية وتقوم بتقويم بعض الإشكالات والقرارات السياسية وتكون على اطلاع بكل مايجري ضمن الفواعل السياسية (التنفيذية والبرلمانية).

لا اقصد بالمعارضة التخوين والتسقيط والهدم والاستهزاء، اعني بها : معارضة فاعلة ناقدة لبعض الأداءات المتعارضة مع المصالح العامة او الحريات او ما يمثل خطًا مهنيًا يحتج على بعض الآليات الحكومية والمشاريع وتحديد جدوى وأولويات فرصة على اخرى ضمن المشاريع والأداءات وغيرها…. كما هي معارضة ممكن ان تكون ساندة لما يكونُ مخفيًا عن انظار الحكومة التنفيذية وافضل ما يُمثل اتجاه تلك المعارضة هو نمط من انماط الصحافة وهي " الصحافة الاستقصائية " اذ بوجودها تحصل الاحزاب والكتل السياسية والحكومة برمتها على عينٍ ثالثة لم تكن تمتلكها، نعم ربما تكون مزعجة لها ومشاكسة عليها، لكنها في النهاية تُمثل حالة صحية فاعلة في النُظم الديمقراطية المُتقدمة وهي نتاج اجتماعي مهني يُقّوم آداء الشخصيات والحكومة التنفيذيّة.

الطريقُ نحو تحقيق الثقة لا زالَ مبكرًا الحديث عنه بالمطلق، اذ لازالَ هناك خوفٌ وتوجس وتردد لدى الكثيرين من نُخب المجتمع والمواطن، على الرغم من البدايات الصحيحة التي قطعتها حكومة السيد محمد شياع، لكن لازالت الامور في بدايتها، ويعقد المواطن الامل على المزيد منّ الأجراءات التي تُعزز تلك الثقة.

المسار الحقيقي نحو الافضل ضمن كابينة السيد شياع السوداني هو الاستمرار بالجهد الخدمي والتصحيح الاقتصادي ، ومزيدًا من الهدوءِ والامان، فضلاً عن تعميد تلك المحاور بتقنيةٍ غايةً بالاهمية هي: ان يكسب ثقة النُخب والمواطن وجعلهم قريبين ولا يشعرون بالتهميش! ويستمع الى الإنتقادات البناءة ويبني جسور العلاقات الودية بين الشعب والحكومة ويكسب الف صديق ولا يترك عدوًا واحدً!.

المسار الدبلوماسي ضمن هذه الكيفية التي تخوضها حكومة السيد السوداني يجب ان تستمر بالتطور والتحديث في فن التعامل مع الخصوم السياسيين وبين فئات الشعب وبين الخارج الإقليمي، بعيدًا عن اي نوعٍ من الصدام مع اي طرف، يستطيع ان يكتسب السيد السوداني المزيد من المحبين والاتباع من خلال الانجازات وتقليص البيروقراطية الحكومية والمسار الدبلوماسي الذي يمكن ان يعتمده في كسب الاخرين.

***

انور الموسوي

 

كان الاتحاد السوفياتي من أول من سارع بقيادة "ستالين" المؤيد لقرار التقسيم بالاعتراف بدولة الاحتلال عند الإعلان عن قيامها. وقد أعلنت هذه الدولة وقتها انتهاج سياسة "عدم الانحياز" إلى أي من الكتلتين المتخاصمتين اللتين نشأتا في نهاية الحرب العالمية الثانية.

إلا أنها نكثت بوعدها وانحازت إلى الكتلة الغربية. وهذا طبيعي، فلو بحثنا عن رأس المال اليهودي فسنجده حتما في نيويورك وفي العالم الغربي، لا في موسكو أو عواصم الكتلة الشيوعية.

وقد شكل هذا الانحياز من طرف دولة الاحتلال صفعة في ذلك الوقت للاتحاد السوفياتي الذي لم يساهم بقوة في قيام هذه الدولة وحسب إنما عارض مشروع الوصاية الدولية الذي كان لمصلحة الشعب الفلسطيني وهو مشروع أميركي بتاريخ ٢٠/ابريل/١٩٤٨ يدعو إلى وضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة بهدف ملء الفراغ الذي تركه الانتداب.

ولأن الدولة الوليدة كانت وقتها بحاجة إلى المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي لن تأتي بطبيعة الحال إلا من العالم الغربي، فجدفت بكل قوتها لتكون الحصن الغربي في الشرق.

وكون هذا الحصن محاط بدول الشرق العربي والإسلامي ،كانت بحاجة إلى الحفاظ على البقاء عسكريا وأمنيا وهذا لن يتحقق إلا عن طريق الانضمام إلى أحلاف عسكرية. ومن غير الولايات المتحدة الأمريكية ستضمن لها التفوق العسكري القوة التي تحفظ لها المسالة الأمنية.

ومن هنا اكتسبت دولة الاحتلال عداء الاتحاد السوفياتي الذي كان قد دخل حربا باردة مع الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية.

وظل هذا العداء قائما حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بين روسيا الجديدة وأمريكا. فكانت دولة الاحتلال هي المستفيد الأول. ذلك لأنها الدولة التي تربط بقاءها ودوامها على استمرار النزاع بين الشرق والغرب.

المهم أن هذه الدولة وقت قيامها كان دورها الاستراتيجي قد التقى الاستراتيجية الأمريكية من حيث إنشاء تكتلات دفاعية في منطقة الشرق الأوسط ضد محاولات التوسع السوفياتي.

والمحافظة على أمن دولة الاحتلال عن طريق السيطرة على رقعة الشطرنج التي كانت هذه الدولة هي قلبها. فاغرقت أحجار الرقعة البرجوازيين بالترف وأغرتهم بالكراسي ودفعتهم للاعتراف بدولة الاحتلال. بل وسلطتهم على شريحة المستضعفين بل وكممت أفواههم عبر الأنظمة الديكتاتورية. وهددت تلك الحجارة المرفهة بأنها ستفرض عليها الأنظمة الديمقراطية لتسمح لأولئك المسضعفين بإزاحتها. فسكتت وأدركت بان بقاءها من بقاء دولة الاحتلال وبهذا حافظت على أمنها من الخارج.

كما قامت الولايات المتحدة بتوفير الدعم العسكري والاقتصادي والمادي بهدف التفوق على العرب.

وفي المقابل استخدمت الولايات المتحدة دولة الاحتلال لتكون قاعدة لأسلحتها لضمان التدخل السريع من قبلها بمنطقة الشرق الأوسط ،والأمثلة على ذلك كثيرة لا يسعنا ذكرها الآن. والأهم من ذلك سيطرة الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط.

واليوم في حربها على غزة عندما اعتمدت دولة الاحتلال الرواية التوراتية والملكية اليهودية المترتبة عليها بديلا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ،وقف الكونغرس الأمريكي مصفقا لادعاءات بنيامين نتنياهو الأسطورية التي تدعي ملكية أرض فلسطين وحق اليهود التاريخي بها. كيف لا، وهي الحليف الأقوى والمسيطر؟

لكن ما الذي من الممكن أن يحصل لو انفرجت الأمور بين روسيا والولايات المتحدة وحل بينهما السلام؟ ولو انهارت الأحلاف بين دولة الاحتلال والولايات المتحدة وخاصة أن هناك من الأمريكان من يعتبر هذه الدولة عبئا أكثر من كونها حصنا، ومصاص دماء يعتاش على أموال شعبها، ما الذي سيحصل لهذه الدولة التي أصبحت بعد حربها على غزة منبوذة من الجميع؟.

***

بديعة النعيمي

وفقا لآلية وأطيعوا ألوا الأمر منكم، صار من المحرمات الإقتراب من الكراسي ومساءلتها منذ فجر تأريخ أمة الإسلام، وإبتداءً بالدولة الأموية وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

ولا تزال العديد من دول الأمة تسير على ذات السكة المحفوفة بإرادة "السمع والطاعة"، وأنّ الجالس على الكرسي يمثل رب العالمين، ومَن يعصي أمره يخالف إرادة الرب فالحاكم يمثله وينوب عنه.

وينطلق بسلوكه وفقا لهذا المفهوم الجائر، فلا يرى ضيرا في إتخاذ أي قرار، لأنه المخوّل من رب العالمين فلا مسؤولية تقع عليه، فهو ينفذ إرادة إلهية وما يصيب الضحية قدرها، فهو القدر المسلط على الآخرين.

إنه ذات المفهوم الذي عمل به هولاكو فذبح عشرات الآلاف وأكثر في بغداد، وحسبهم من الفاسقين الخارجين عن الدين، وسلطه عليهم الرب الذي أنكروه، فهو القدر النازل على الفاسدين.

ولا تزال كراسي دول الأمة التي يتفرد بها أشخاص، يوهمون أنفسهم بأنهم أصبحوا بمناصبهم السلطوية بإرادة إلهية، وعليهم تنفيذ الأوامر الربانية، ويعود سبب الوهم والتصور إلى أنهم جاؤوا للحكم بموجب لعبة الإنقلابات، التي نقلتهم من قاع الحضيض إلى ذروة المقامات السلطوية، فيفقدون التوازن ويرتعبون، ويريدون فهم واقعهم الجديد فيحشرون الرب في الموضوع، ويتيقنون بأنهم من المصطفين الذين عليهم الوفاء لإختيارهم بتنفيذ المآثم والخطايا بحق أبناء ملتهم، فيصبح القتل عندهم من طقوس الإيمان بما ينتمون إليه من العقائد والرؤى والتصورات.

ولكل كرسي رب يحميه من ذوي الإقتدار التكنولوجي والمخالب الناشبة والأنياب المكشرة!!

و"إنّ الله لا يظلم مثقال ذرة"!!

و"لا تظلمن إذا كنت مقتدرا...فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم"!!

***

د. صادق السامرائي

بحكم عملنا في التغطية للوقوف على رأي الشارع الروسي، حول من سينتخب هذه المرة، في الانتخابات الرئاسية الثامنة في تاريخه من تفكك الاتحاد السوفيتي، وأقول وبدون مبالغة، ان جميع من التقينا بهم (9 لقاءات) وفي أماكن مختلفة من العاصمة الروسية موسكو، اجمعوا، بأنهم سيصوتون بالتأكيد للرئيس الحالي فلاديمير، الذي اعتبروه رجل المرحلة القادمة، والوحيد القادر على قيادة دفة البلاد نحو الأمان، كما قادها خلال الفترة الماضية .

وما ان سمعنا الكلمات من هؤلاء الذي التقيناهم، وجدنا فيها نوع من التحدي للغرب، الذي يحاول بكل السبل، ان يتدخل في نتائج هذه الانتخابات، ومحاولة زرع التظليل الإعلامي في عقول شباب الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، و رأينا في أوساط الشباب أيضا، رفض كبير منهم محولات التدخل الغربي في نتائج الانتخابات، واكدوا ضرورة ان يترك للشعب الروسي حق الاختيار، في اختيار وجهته المستقبلية، مع الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، ويشددوا على ضرورة ان يكون لصناديق الاقتراع كلمة الفصل للشعب الروسي وحده، دون تدخل او ضغوطات خارجية .

وجلب انتباهنا خلال جولتنا الصحفية شخصية روسية، يشع من وجهه الشعور الوطني الكبير، فعندما سألناه الى من سيعطي صوته في الانتخابات، انفجر في وجهنا وقال " ان هذه الانتخابات لن تكون انتخابات 2024، بل هي انتخابات ما بين الحياة والموت "، الحياة برأيه هي دعوته لجميع الروس للوقوف صفا واحدا تجاه العدوان الانغلوسكسوني والغربي الخارجي، والتصويت الى جانب الرئيس بوتين، ومثل هذه الوقفة ستكون الرد الحاسم، وصفعة قوية بوجه الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها، وبعكسه فإن الموت سينتظر الجميع، لأن الغرب يحاول زعزعة الاستقرار والأمان الروسي، وتفتيت البلاد، التي ترتبط شعوبها بعلاقات حميمية اجتماعية واخلاقية، وتاريخ ودم واحد، وبالتالي يتم تدمير روسيا (لا سامح الله) كما هو الحال في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، والقائمة تطول .

وطيلة فترة اللقاء مع هذه الشخصية، جلب انتباهنا نظرات سيدة في نهاية الاربعينيات من العمر، كانت واقفة ليس ببعيد عنا، وتسترق النظرات والسمع، وما ان انتهينا من اللقاء، دنونا منها، وحاولنا استفزازها قليلا للتعرف على شعورها، وقلنا لها " بالتأكيد لم يعجبكم كلام الشخص الذي التقيناه، وانتي ستصوتين لغير الرئيس بوتين "، ندمت كثير الندم في ذلك، لأنها سارعت بالقول، بانه لا يمكن تخيل روسيا بدون بوتين، فهو الرئيس الحقيقي والمخلص لبلده (والكلام لازال للسيدة)، وأكدت بان الرئيس بوتين، سيحصل على جميع الأصوات، " لأننا نحبه ولا نريد رئيسا غيره".

وبحكم كوننا نعيش وعائلتي واحفادي في روسيا منذ 27 عاما، ونعمل في المجال الصحفي منذ ثمانينيات القرن الماضي، اكثر من نصفها قضيناها ولازلنا نعمل مراسلا للعديد من وسائل الاعلام، فإننا لم نستغرب من كلام ممن التقيناهم، وحبهم الكبير للرئيس بوتين، فقد عشنا الفترة في زمن الرئيس الأسبق (يلتسن)، وكنا شهود عيان عما كان يعاني منه الشعب الروسي، من الجوع والفقر، والتخلف والامراض المنتشرة، الصحية منها والاجتماعية (كالفساد)، فالرئيس السابق كان مريضا، ولا يدري ما يجري في البلاد، وأوقع البلاد أسيرة القروض الغربية وخصخصة كل المعامل والمؤسسات، بداعي الإصلاح، وصار بلدا مثقل بالديون للغرب، والتدخلات في الشؤون الداخلية في روسيا .

وهنا لابد لنا من الوقوف للحظة، ونحاول بهذه الكلمات القليلة تلخيص مكونات نجاح الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، وبادئ ذي بدء، فإن فلاديمير بوتين هو الزعيم الوحيد في بلد ذو نطاق روسي بالكامل وحتى عالمي، والذي يعترف الجميع بسلطته، وفي الآونة الأخيرة، أصبح يُطلق عليه بشكل متزايد لقب الزعيم الوطني، وهذا ليس من قبيل المبالغة، لأنه لا توجد شخصية بديلة له تقريبًا، ويمكن اعتبار القائد الوطني ليس فقط الشخص الذي يحصل على دعم الأغلبية المطلقة لسكان البلاد، بل هو الذي يوحد الشعب ويقوده بثقة إلى الأمام خلال جميع الأزمات، ويعزز قوة الدولة، ويطور الاقتصاد ويحسن رفاهية الناس.

وبالتأكيد ان فاز فلاديمير بوتين على منافسيه بفارق كبير، وهذا نتيجة تحشيد  مسار المواطنين الروس حوله، والتي ترتبط بالعديد من الإنجازات والانتصارات وآفاق التنمية الناجحة لبلدهم باسم بوتين، ولا شك أنه يتمتع بأكبر مخزون من المعرفة في السياسة والعلاقات الدولية، والمجالات الاجتماعية والاقتصادية، ويتمتع بخبرة واسعة في الحكومة، وعلى عكس بعض الحكام والسياسيين الآخرين، لم يبيع أو يدمر البلاد، أو يخون مصالح الشعب، وعلى العكس من ذلك، فقد وصل إلى الرئاسة في وقت صعب للغاية، حيث كانت البلاد، بعد أزمة أخرى، وعلى وشك الإفلاس، وكانت هناك حرب أهلية، وكانت الدولة في حالة خراب وكانت تنهار أمام أعيننا.

فقد حكم المستشارون الأمريكيون والأوليغارشيون الحكومة، ولكن بوتين وفي وقت قصير أصلح كل شيء، وأوقف الحرب في شمال القوقاز، دون أن يستسلم، وأوقف انهيار روسيا، وعزز قوة الدولة والقدرة الدفاعية، ونفذ عدداً من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ولم تكتمل هذه الإصلاحات بعد، لكن نتائجها واضحة للجميع، وبطبيعة الحال، وهذا لا يعني ان البلاد خالية من المشاكل التي لم يتم حلها بعد، ولكن الرئيس بوتين في رسالته الأخيرة للجمعية الفيدرالية العامة، كانت بمثابة برنامج عمل مستقبلي تسمح بتنفيذ العديد من المقترحات في جميع المجالات، وببساطة، لقد جلب بوتين إلى البلاد، الثقة الأكبر والأفضل في المستقبل .

ومن خلال التصويت لصالح بوتين، يعني سيصوت الشعب لصالح الاستقرار، الذي اعتدنا عليه مؤخرًا، وبعد تحقيق الاستقرار، أصبح من الممكن وضع الأساس للتنمية، وهذا مستمر منذ عدة سنوات، و دون خسائر كبيرة، والتي يُنسب الفضل فيها إلى الحكومة الفيدرالية برئاسة بوتين، وتمكنت الدولة من الحفاظ على جميع التزاماتها الاجتماعية والوفاء بها، ووجدت الفرص لدعم الاقتصاد، رغم كل المعوقات التي يفرضها الغرب بعقوباته (الظالمة) على روسيا بعد بدأ العملية العسكرية الخاصة، ولكن كل هذه المحاولات قد فشلت في تعطيل روسيا، بل على العكس عمل بوتين على جعل هذه الفترة هي فترة الانتقال النوعي في جميع المجالات الرئيسية – وقيادة عملية تحديث الرعاية الصحية والتعليم والصناعة والزراعة، وإدخال أحدث التقنيات وتطوير صناعات التكنولوجيا الفائقة، بالإضافة الى تحديث الجيش وقوته، وزيادة القدرات الدفاعية .

إن فلاديمير بوتين هو حقًا السياسي الأكثر شعبية والأكثر خبرة والأكثر نجاحًا في روسيا الحديثة، فقد أظهر هذه الصفات خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، تبين أن برنامجه الانتخابي هو الأكثر شمولاً وتفصيلاً ويغطي جميع مجالات حياة المجتمع والدولة، وكل ذلك لأنه كان يعتمد على الخبرة والمعرفة الشخصية، وواصل خلال القيام بواجباته وتحمل مسؤولية الوطن في إجراء انتخابات أكثر انفتاحا ونزاهة قدر الإمكان، وفقا لنص القانون، وشرعية إلى أقصى حد ممكن.

ان ما شاهدناه خلال جولتنا الصحفية، أكد لنا ان الغرب حتى الان فشل في تحشيد كل موارده ضد بوتين وحده، وإنهم لم يحققوا النتيجة المرجوة، ولم يقع غالبية الناخبين في حب "الشيرنوخا" وفضلوا استقرار بوتين وإمكانية التنبؤ بالتطور السياسي في البلاد، وإجراء مزيد من الإصلاحات في الاقتصاد والمجال الاجتماعي من أجل زيادة رفاهية الشعب على الثورات والانقلابات ذات العواقب غير المتوقعة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

أهم تحدي سيواجه حكومة محمد مصطفى قدرتها على مد نفوذها إلى القطاع مع استمرار حالة الحرب، وحتى بعدها في ظل التواجد العسكري لحماس وفصائل المقاومة و إصرار حماس على استمرار سلطتها، إلا في حالة قبول حماس لتفاهمات اتفاق باريس ٢ الذي يقضي تخلي حماس عن السلطة في غزة، وخصوصاً أن تكليف محمد مصطفي جاء متزامناً مع أخبار عن ضغوط قطرية على قيادة حماس في الدوحة لقبول اتفاق باريس وأن حماس قبلت الاتفاق.

بالرغم من تحفظات وانتقادات البعض لتكليف محمد مصطفى إلا أنه في الوقت الراهن وفي سياق إنقاذ ما يمكن إنقاذ وبعد فشل حوارات المصالحة في موسكو فإن حكومة تكنوقراط منبثقة عن السلطة الفلسطينية ومرجعيتها منظمة التحرير أفضل بكثير لأهالي قطاع غزة من حكومة عشائر ومخاتير معينة من طرف اسرائيل، وأفضل من حكومة تديرها حماس بعد ما تعرض له القطاع من حرب إبادة، غزة تحتاج الآن الى حكومة مقبولة دوليا واسرائيليا تساعد على وقف الحرب وإعادة إعمار غزة وإنهاء المجاعة.

***

ا. د. ابراهيم أبراش

 

ما كتبناه ونكتبه يأخذنا بعيدا عن جوهر المأساة ولب المعاناة والمقاساة اليومية للإنسان، ويحوّل كتاباتنا إلى أبواق دعائية للكراسي، ويعتّم على ما يجري من التفاعلات السلبية المناهضة للوجود الصحيح للإنسان والوطن والحياة.

وما نكتبه لا يكتبه الكاتب في الدول المتقدمة، ولا يقترب منه مثلما نقترب، فما نكتبه يُظهر آليات تفكيرنا المنحرف، ونفوسنا المضطربة ورؤيتنا المشوشة، وبما نكتبه نساهم بتعزيز السلوك القائم وتوفير دواعي إستمراره والحفاظ على إنجازاته الضارة والمدمرة.

فهل غيّرت كتاباتنا واقع الحال والمآل؟!

إننا بما نكتبه ربما نساهم في برامج التضليل وغسل الأدمغة، وإشاعة ثقافة البهتان وزعزعة الحقيقة وتمرير الأكاذيب، ومؤازرة الذين يسرقون وينهبون ويعبثون بالبلاد والعباد.

وأصبحت نسبة كبيرة من الكتابات تخطها أقلام وعاظ السلاطين، بأساليب جديدة وتوجهات تخدم تكريس الحالة القائمة، ومنهاضة التغيير والتفاعل المعاصر مع الحياة.

ومعظم الكتابات، إحتفاليات أحزان وآلام وإندفاع نحو إستلطاف الأوجاع والقهر والذل والهوان والحرمان، وربط ذلك بالديمقراطية والقيم والمعايير الإنسانية النبيلة السامية، وفي ذلك إجهاز على الحقيقة وإطفاء للنور المعرفي ومنع للوعي الصادق الأصيل.

وقد كتبَ الكتاب  عشرات الآلاف من الصفحات عن الذي مضى وما إنقضى، وتراهم مصفدين في لحظة زمنية، وحالة يرفضون أمامها أبسط بديهيات الوجود وقوانين الزمن ومعاني ومعايير الحياة، حتى تحولت الكتابات إلى موضوعات غثيثة مملة ومقرفة، لا تأتي بجديد ونافع ومتواكب مع الحاضر والمستقبل.

نصوص ومقالات وغيرها وغيرها، لكنها تدور في ذات النقطة وتغرف من ذات البئر، وكأن الأجيال تدور في ناعور المراوحة وإعادة تصنيع المآسي والأحزان والويلات، التي تحولت إلى طقوس عقائدية وسماوية لا يمكن النظر إلى الحياة إلا بمنظارها الأسود.

ما نكتبه لا يرقى إلى مستوى الكتابات لكتاب الدول المتقدمة، ولن يبني حالة ذات قيمة حضارية وثقافية مؤثرة في صناعة الأجيال والمستقبل، إلا فيما قل وندر.

حتى فقدت الكلمة قيمتها ودورها وتأثيرها في الواقع الإجتماعي والسياسي، وما عادت تهم أو تعني أحدا، وأصبحت المواقع والصحف، منافذ للترويح النفسي، وإنسكاب الإنفعالات والعواطف والتصورات.

والسائد هو الكتابة عن الأشخاص لتنمية شهرتهم وتحقيق وجودهم في وعي الناس، ولن تؤثر الكتابات فيهم، فلكل كرسي طابور أقلام منتفعة، تسعى لتسفيه ومواجهة ما يُكتب عنه، وبهذا يتحقق الدعم الإعلامي في الوعي العام.

إن الأقلام  مطالبة بثورة حقيقة على مستوى العقل والنفس، ولابد لها من مراجعة رؤاها وتصوراتها وآليات أقلامها، وأن تفكر بالمصلحة الوطنية أولا وأخيرا، بعيدا عن النرجسية، وتضخيم الذات، والإمعان في وهم المعرفة وإمتلاك الحقيقة المطلقة.

فالكاتب  لم يقدم مثلا ديمقراطيا يُحتذى به، وإنما عبّر عن المأساة السلوكية  وعززها فيما يكتب، ولهذا فسلوك الكراسي بأجمعها قد تأسن، وما تبدل أو إمتلك رؤية ذات قيمة وطنية وحضارية.

ولذلك فالثورة الحقيقية المطلوبة ثقافية، إنها ثورة القلم والعقل والنفس والروح.

 وبدون هذه الثورة التي على الكتّاب أن يقوموا بها، لن تتحقق مصالح الإنسان، وسيضيع الوطن، وسيكون الكاتب  أو المثقف، هو الذي أسهم بفاعلية واضحة في هذا التفتت والإنحدار والضياع الحضاري والأخلاقي والتأريخي المروّع!!

و"...اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم..."!!

***

د. صادق السامرائي

الكبير الذي يتربع على عرش بيت مال الليبيين (البنك المركزي) منذ قيام الثورة أي 13 سنة بدعم بريطاني امريكي،  يطالب مجلس النواب في فرض ضريبة على بيع النقد الاجنبي لأجل توفير العملة الصعبة الآخذة في الاضمحلال وكان قد عدد مصروفات الحكومة وانها انفقت اموالا طائلة دونما الاستفادة منها في مشاريع التنمية،  ما جعل طاقم الدبيبة يرد عليه بانه لم ينفق الارقام التي ذكرها الكبير واعتبر ان جزء منها انفق في مجالات التنمية ضمن مشروع عودة الحياة،  الدبية والكبير كان على وفاق تام لكن يبدو ان هناك امور جعلت الكبير ينآى  بنفسه عن الفساد المستشري في الحكومات الليبية المتعاقبة لكنه ظهر الى العلن،  ولم تعد التغطية عليه ممكنه،  فأثر ان يوجه التهم الى رفيق الامس،  محاولة يائسة يبدو انها لن تقيده كثيرا الا اذا اراد ان يمشي في خط وقف الهدر العام والدعوة الى انتخابات رئاسية وبرلمانية طال امدها.

مجلس النواب والذي كان قد اقال الكبير لكنه لم يفلح،  فادرك قوة الداعمين للكبير فما كان منه الى الاستجابة لطلبة فتم اصدار قرار بذلك (فرض الضريبة بنسبة 27% ) يحمل الرقم 15 لهذا العام2024 على ان يكون ساريا حتى نهاية العام ما لم يجدد له!.

اجتماع القاهرة الثلاثي المنعقد مؤخرا دعا الى تشكيل حكومة جامعة تسعى الى الانتخابات،  اثنان من الحاضرين (المنفي وتكاله) كانا محسوبان على الدبيبة، المؤكد ان هناك ضغوط دولية بالخصوص،  كانت هناك فكرة تعويم حكومة الدبيبة بان يبقى في السلطة مع بعض التعديلات على وزرائه،  يبدو انه لم يعد هناك بد من ازاحته وهو المتشبث بالسلطة الى ابعد الحدود من خلال تثبيت اركان حكمه بالهبات المالية السخية على الميليشيات المتمكنة في غرب البلاد.

انها المصالح التي جمعت بين افرقاء الامس وفي نفس الوقت فرقت بين اصحاب الامس، السياسة هي فن اجادة الممكن فلا صديق دائم ولاعدو ازلي.

المؤكد ان الضريبة المضافة على بيع النقد الاجنبي سيتحملها المواطن الذي يكابد من اجل لقمة العيش التي اصبحت جد صعبة. ما لم يتحرك فان القادم اسوأ

أي معنى لدولة يقوم السفير الامريكي بالاجتماع باي مسؤول فيها واملاء شروطه، أي معنى لأي مسؤول يتلقى اوامره من الخارج ويقوم بتقديم الولاء والطاعة له واخباره بكافة الوسائل الممكنة بأوضاع البلاد السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية ليقوم الخارج باتخاذ ما يلزم؟.

أي معنى لمجالس مناطقية محلية الاجتماع الى سفراء ومسؤولين اجانب ومناقشة الاوضاع المحلية معهم؟ واستجدائهم بطلب العون والمساعدة؟.

أي معنى لقبول هبات خارجية (رغم ضآلتها) لبعض المؤسسات الحكومية؟، هل ميزانية الدولة لا تكفي؟ ربما بسبب الفساد الذي اثقل كاهل الخزينة العامة،  أم انها اصبحت عادة ولا تنفق وفق المعلن عنه؟ بل هي نوع من الرشاوي لرؤساء تلك المؤسسات والبلديات؟ 

مسيرة جد مؤلمة، فهل يتم التعافي منها بإجراء الانتخابات ومحاكمة المقصرين؟ ام انها زوبعة في فنجان؟، الايام القادمة كفيلة بتبيان الحقيقة وتعرية اصحاب الفخامة والسيادة الذين تاجروا بسيادة الوطن في سبيل تحقيق مصالحهم،  المختارون والمنصبون لا فرق بينهم،  فهم سواء في  الازمة .

***

ميلاد عمر المزوغي

 

لا يزال المواطن العراقي يسخر من الأخبار كلما سمع أن الدولار هبط في بورصة الكفاح، فهو يعرف جيداً أن الكثير من شطار الديمقراطية العراقية تحولوا بين ليلة وضحاها إلى أصحاب مليارات، ودخلوا قائمة كبار الأغنياء.. هل سمعت ما قاله محمد الحلبوسي عن قصره المنيف وكيف أن ثمنه لا يتجاوز ثمن بيت في الحارثية.

أتمنى عليك أن تصدقه، مثلما أتمنى عليكم أن تصدقوا السيد رئيس الجمهورية وهو يقسم لنا بالدستور أن البيت الذي ثارت حوله الشائعات، كان قد اشتراه بالمزاد وبالتقسيط المريح . ولا تسأل عن القاعات التي تقام بها المهرجانات الخطابية ولا يهمك أن تعرف كيف تحولت بيوت الجادرية والمنطقة الخضراء إلى أملاك لكبار السياسيين. من أصول الديمقراطية العراقية أن لا تطرح سؤال: من أين لكم هذا؟

بالتأكيد أيها القارئ العزيز سترتكب خطأ كبيراً وأنت تحصي على السياسيين والمسؤولين أموالهم التي حصلوا عليها بالكفاح، فالحقيقة أنهم جميعاً بلا استثناء قدموا صورة ناصعة للعالم، فبينما يلقي بعض المسؤولين الخطب الرنانة أعطانا ساسة العراق، ازدهاراً لم نعرفه من قبل، لم يكذبوا، ولم يركبوا على أكتاف الناس

كنت قبل أن أطالع أشغل نفسي بحكاية بيت السيد رئيس الجمهورية، أقرأ في مذكرات الرئيس الهندي الراحل زين العابدين عبد الكلام، التي ترجمتها القديرة لطفية الدليمي بعنوان " رحلتي "، وفيها نتعرف على الصبي الهندي المسلم الذي يبيع الصحف وكيف تحول إلى عالم نووي كبير، ثم رئيس للهند، ونقرأ له هذه العبارة المؤثرة: " لن ادعي القول إن حياتي يمكن أن تصبح نموذجاً لأي شخص، ولكن طفلاً فقيراً يعيش في مكان مجهول في ظروف اجتماعية بائسة، ربما يجد العزاء في الطريقة التي تشكل بها قدري. وربما تساعد مثل هؤلاء الأطفال على تخليص أنفسهم من قيود التخلف الوهمي" .

من الطرائف التي تروى عن عبد الكلام أنه رفض السكن في القصر الجمهوري عندما كان رئيساً للهند وقال لمرافقيه: "لن أقيم هنا، سأقيم فى بيتي، وأحضر يومياً لأداء عملي فى غرفة مكتب واحدة".! والأغرب طلبه أن يبنوا له كوخاً من القش تحت شجرة تين كبيرة فى ركن من حدائق القصر، ولم يكن أمامهم إلا أن ينصاعوا لأمره، فكان الكوخ يبعده عن عالم المظاهر والتصنع والخِداع وغرور السلطة، وسمى المكان ” كوخ التفكير” ! وفيه استقبل ذات يوم صديقه مانديلا وهو يقول له: "الصراحة هي أقصر وأفضل طرق النجاة، والنجاح" . وأتمنى على عباس البياتي أن يواصل صراحته المعهودة، فستكون حتماً أقصر الطرق إلى الخراب.

***

علي حسين

هناك مقولة تداولتها الأجيال في القرن العشرين تقول: "الإسلام على الرف والمسلمون في القبور"، وتنسب لمحمد عبده (1849 - 1905) أو أحيانا، لمحمد إقبال (1877 - 1938).

فهل أثبت المسلمون صحتها؟

المطلّع على أحوال المسلمين في أصقاع الدنيا، وخصوصا في بلاد العُرب أوطاني، يرى بوضوح غياب الإسلام في الحياة العملية والتفاعلية اليومية، فهو مجرد تأدية طقوس وحسب، أم الدين المعاملة، فلا دليل واقعي عليه، وأكثر السلوكيات مبنية على تصورات متطرفة تسمى شرعية، وهي تتقاطع مع مكانها وزمانها.

وعندما تسأل المسلم عن الإسلام، يتسمر بوجهك متحيرا، وأكثرهم يجيب بأنه يتبع هذا وذاك، ويرمي بالمسؤولية عليه، فهو الذي يعلمه الدين، ويجب إتباعه وتقليده، وهم الذين يشيرون إليهم بإتباع أقوالهم، وعدم تقليد أفعالهم، فهم الخواص المصطفون من رب العباد المتحيز لهم، ويمثلون إرادته في الأرض.

أين الإسلام؟

مسلم يقتل مسلم ويخطفه ويعذبه وينتهك حرماته، ويتلذذ بالفتك به، ويحسبه قربانا يتقرب به إلى ربه الذي يعبده وبه يستعين.

والدول التي تدّعي أنظمة حكمها بأنها مسلمة، تعيش شعوبها بأرزأ الأحوال، فالقهر والظلم دستور والفساد قانون، وكل كرسي فيها جبار عتيد، وطاغية مستبد، وإياك أن لا تكون بوقا لخطاياه ومآثمه النكراء.

لقد صدقت العبارة، وقائلوها كانوا أكثر وعيا من المسلمين المخدرين بالدجل والبهتان والأضاليل بإسم الدبن.

فما عاد الإسلام كما عهده المسلمون بجوهره الرحمان الرحيم، وإنسانيته السامية، وخلقة القويم، بل أنه دين الفقهاء وذوي العاهات النفسية، الذين إندلقت في دنياهم نوازع النفس الأمّارة بالسوء وسوّغت لهم الفواحش والمظالم، فتحول الواحد منهم إلى إبليس معمم، يسبّح بإسم ألف شيطان رجيم!!

و"إني قد تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وسنتي"!!

و"الدين النصيحة"!!

أم أن نأتي بالقبيحة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

قد تكون البعض من الحكومات الغربية وقوى سياسية اجتمعت في الشارع كي تتحرك غاضبةً في عديد من العواصم الغربية والأوروبية رافضة للجرائم الكبيرة التي تقع في غزة ، مثلما فعلت حكومات إسبانيا والنرويج والبرازيل وبلجيكا، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس، وعديد من المنظمّات الدولية المحايدة، لكن ذلك لم يكن ليؤثّر أو يحول دون استمرار بينامين نتنياهو وفريقه النازي بقتل الأطفال وتجويعهم حتى الموت، وقصف المستشفيات والمساجد وتدمير كل معاني الحياة في غزّة، وتهجير الناس جميعاً، وإعدام المدنيين بدمٍ بارد! لم يقف "العالم الحرّ" وقفةً حاسمة مع قيمة الحرية التي جعلها عنواناً للحضارة الغربية، بل سارعت الدول الكبرى، أميركا وبريطانيا وفرنسا (التي شهدت ارتباكاً في مواقفها) لدعم إسرائيل، منذ البداية، بكل أنواع الأسلحة والمعدّات لقتل أطفالٍ صغار، فظهر وراء قناع الديمقراطية والحضارة وجه آخر مختلف وفوقي في تعامله مع الحضارات والشعوب الأخرى.

وهناك من  قال إنّ الحداثة والرأسمالية الغربية بُنيتا بصورة بريئة وموضوعية على قيم وأخلاق الحرية والتحرّر والحضارة والمدنية تجاه العالم، هي فقط تجاه الشعوب الغربية، لكنها (تلك الروح) لم تتخلّ في أيّ وقتٍ عن النظرة العدائية للآخرين، ولم يكن صموئيل هانتنغتون، أحد أبرز الأكاديميين الغربيين اللامعين في الغرب، ليخترع مصطلحاً جديداً عندما تنبّأ بـ"صدام الحضارات" في مرحلة مبكّرة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ولم يكن المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد بعيداً عن التوصيف والتفيكك الحقيقي لهذه الأفكار في كتابه المرجعي "الاستشراق". وليس سرّاً أن كثيرين من زعماء الغرب وسياسية أخذوا أفكارهم وتصوّراتهم عن المنطقة العربية والإسلامية من المستشرق المعروف، برنارد لويس، بنظرته السلبية تجاه التاريخ والتراث والواقع العربي والإسلامي بالحقيقة

***

عبد الخالق الفلاح- باحث واعلامي

لطالما كانت دولة الاحتلال النموذج الأمثل في قائمة الشذوذ كدولة غير مكتملة الأركان. فبالرغم من مرور ٧٦ عاما على قيامها إلا أنها ما زالت طور التكوين. فهي الدولة الوحيدة التي لم توضع لها حدود نهائية إلى اليوم. فكم من الحروب خاضت كانت تعبيرا صادقا لأطماعها في توسيع حدودها. ولا زالت تخوض لنفس الهدف.

وليس أدل على ذلك من نظرية موشيه ديان القائلة "شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام بدون شرم الشيخ".

ومقولة ديفيد بن غوريون "وصمة عار" عدم احتلال جبل الخليل في حرب ٤٨. حيث أرسلا وقتها من خلال هاتين المقولتين برسالة إلى الأجيال القادمة من أجل الاستمرارية في الحرب بهدف التوسع وكسب المزيد من الأرض.

وقد توسعت بالفعل. غير أن الأرض التي استولت عليها يسكنها شعب أصيل. فما الذي فعلته للتخلص من هذه المعضلة؟

لقد طردت الآلاف ثم حبست من ظل منهم داخل سجن تحت حكمها العسكري البغيض. فضمت وقمعت ونسفت البيوت واعتقلت وقتلت، فأية دولة هذه؟

إنها الدولة المشوهة الشاذة التي لم تكتمل ولن تكتمل أبدا.

وكيف لها أن تكتمل وقادتها منذ قيامها لم يكتملوا ولم يكونوا يوما ناضجين ، فجنون العظمة والقوة أعمتهم وحجبت تفكيرهم.

فمن بن غوريون الذي تم تهميشه لولا ورثته الذين حولوه إلى رمز، إلى مناحيم بيغن الذي خرج من حرب لبنان ٨٢ منزويا بنفسه بعد فشله هناك، إلى ليفي أشكول وحربه في ٦٧ بجيشه الهجومي والاستيطاني وما افرزه من حركات استيطان أشهرها ما تسمى "أرض إسرائيل الكاملة" من حزب العمل العلماني وحركة "غوش إيمونيوم" المتطرفة دينيا.

ثم غولدا مائير التي اتُهمت بالتقصير في حرب ٧٣ وصولا إلى بنيامين نتنياهو من اليمين المتطرف ونظريته "الأرض كلها" والسعي خلف تطهير الأرض. وأي عملية تطهير لا تتم إلا بالترحيل الإجباري والإبادة وهذا يعني الحرب ولا غيرها.

غير أن جميع الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال لم تنتهي بترحيل شامل ولا تطهير عرقي ، لذلك فهي بعد كل حرب لا تنتصر ، والسبب صمود الفلسطيني. لكن هل اعترفت هذه الدولة بأنها هُزمت؟ طبعا لا، والجواب بسيط لأنها دولة تفتقر إلى النضج والتفكير السليم والتقييم الصحيح.

فالفلسطينيون يتكاثرون ويحتفظون بذاكرتهم التي تحفظ أماكن قراهم ومدنهم برغم تدميرها ومحوها وعبرنتها.

واليوم جاءت الحرب على غزة بعد عملية طوفان الأقصى حرب غير مخطط لها. فبنيامين نتنياهو ظن أنها لن تستمر أكثر من أسابيع ، يكون خلالها قد أنهى المقاومة الفلسطينية ونجح في قتل وطرد أكثر من مليوني شخص من سكان قطاع غزة، لكن ظنونه خابت وجيشه منهار ودولته تلفظ أنفاسها الأخيرة. بالرغم من مئات المجازر التي ارتُكبت ويعتبرها نتنياهو انتصارا إلا أن الحقيقة أن ما أنجزته دولة الاحتلال في غزة لا يعتبر انتصار ، والسبب أنهم لم يستطيعوا النيل من عزيمة أهل غزة ومقاومتها. فها هي الحرب تدخل شهرها السادس ويدخل خلالها شهر رمضان المبارك على القطاع وسط القتل والدمار وسياسية التجويع ، غير أنه ما زال صامدا أمام هذا العدوان. فاحتفل بالشهر الفضيل واستقبله بتزيين الخيم وصامت الأجساد الصائمة بالأصل إلا من الماء والإيمان سحورا وفطورا. فهل يُهزم شعب كهذا؟ وهل كانت دولة الاحتلال ستبقى لولا دعم الولايات المتحدة الأمريكية لها والوقوف خلفها؟ وهل سيطول هذا الوقوف قبل أن تتعب الأقدام وترتمي مخلفة نتنياهو ودولته التي لم تكتمل ولن تكتمل يوما ، تصارع البقاء الذي بات واهنا وبعيدا. فأنى لدولة قادتها لم ينضجوا أن تنضج يوما أو يكتمل تكوينها.

***

بديعة النعيمي

إن من الآلام اللاذعة التي نجد مضها في القلوب، وشكاتها في الحنايا، قضايا تتحدث عنها حكومتنا المشبل فتوجز وتطيل، دون أن تقص من أجنحتها، أو تقلم من أظافرها شيئاً، فالمهج التي علقتها أوهاق المنية، وخلجتها المنون، تجعلنا نطلب إليها ما ينبغي أن يطلب، ونقول لها ما يجب أن يقال، فتلك الأرصفة اللعينة، والطرق المهشمة السقيمة، التي لا تنفق عليها الحكومات، ولا تأبه لها الوزارات، شرعت قانوناً لا يمكن السيطرة عليه، قانون لم يحفل به سادتنا، لأن القاعدة السياسية التي يرتكزون عليها هي إخضاع الشعب بأسره لنفسها، لذا فهي لا تكترث لعبث تلك الطرق التي تحصد في كل يوم ضحايا يزيد عددهم أو ينقص، فأطيب الناس قلباً، وأكثرهم صبراً، وأوسعهم حلماً، عجز كل العجز، عن تحمل تجاهل حكومته التي يوليها النصرة والعطف، لتلك الدماء التي خصبت طرق الموت في كل صقع وواد في بلادي.

لا نستطيع أن نبدي صفحاً، لهذه الحكومات المتعاقبة في فلك المؤتمر الوطني، لأنها أذعنت ورضيت بأن يلفظ ثلة من هذا الشعب روحه، ويجود بنفسه نتاجاً لإهمالها الشنيع، نعم نحن نعلم أن لا أحد يستطيع أن يقدم في رقعة الموت أو يؤخر، ولكن سادتنا الذين نراهم الآن يتخلون عن مناصبهم في غير تردد أو امتناع، لم يسعوا أن يضفوا على هذه الطرق المتهالكة التي يغدون عليها كل صباح إلى دواوينهم، ويعودون عبرها إلى دورهم كل مساء، سياج يقلل من زحف الموت الزؤام، لم تعمل هذه الحكومات التي امتلأت أيدي مشايعيها بالخير، وأصفرت أيدي مناهضيها من كل شيء، على المصلحة العامة التي تكفل لقاطني الولايات الخصب، وترفد أهل الخرطوم الثراء، فهذه الحكومات التي أظهرت الإشفاق على خزانة الدولة لم تلتفت لجموع هذا الشعب الذي شكك في حنوهم كل الشك، وارتاب في عطفهم كل الارتياب، لأن هؤلاء البهاليل السادة، والكماة القادة، الذين نهضوا بأعباء الحكم منذ أمد بعيد لا يحبون إلا إرغامنا على الاعتراف بكمية الطرق التي أنشئت في عهدهم، والكباري التي شيدت في حقبتهم التي لم يكتب لها الزوال بعد، أما الحديث عن متانة هذه الطرق، وصلابة هذه الكباري، فسوف يجعل سادة الساعة، وحكام اليوم، يرموننا بالإجحاف والحسد السياسي، وحسب هذا الشعب الصابر على عرك الشدائد أن يرى هذه الطرق المهترئة التي يكابد في السير عليها صروف الجهد، وضروب العناء.

لم تنذر أرتال الموتى في طرق الفناء جموع النافذين بالاستقالة، ولم يتخلَّ بعض سادتنا عن سطوة الحكم لأن الشعب قد احتمل عنهم أهوالاً ثقالا، ولكن ضرورة التغيير هي التي دفعتهم لذلك، فالحزب الصمد الذي استبدل قوماً مكان قوم، ونحارير مكان خناذيذ، كان حرياً به أن يبلغ جهده أقصاه، وينتهي به إعياؤه إلى غايته، فيؤمن لهذه الجموع التي يظنها راضية وهي ساخطة، ويحسبها مذعنة وهي شديدة النفور، المسالك التي لا تجعلهم يضطربون بين اليأس والأمل، والخوف والرجاء، في عبورها، عليه آلا يبطئ في اتخاذ قرار حاسم مريح يقضي في ظل هذه الهيجاء بتوسعة رقعة الأسفلت في بلادي، وأن تأتي هذه الرقاع في أبهى صورة، وأجمل شكل، حتى تمحق كفراً  بخطرها، وإلحاداً باتساعها.

***

د. الطيب النقر

 

الموتى ما أخذوا أفكارهم معهم، فهي لا تموت بموتهم، بل ستورق في الأجيال المتناسلة من صلبهم. فأية فكرة ما أن تحل برأس ستجد طريقها إلى الحياة في يوم من الأيام، ومقابرنا تعج بالأفكار والرؤى والطاقات المعرفية، وتتفاعل فوق التراب، وستجد مَن يرعاها ويتواصل معها، ويؤسس بها ما يعبِّر عنها ويطلق ما فيها.

فالذين يحسبون الأفكار لا تقاوم ولا تتحدى ولا تدوم، يعيشون في غفلة ووهم وخيم، والعلاقة بين التراب  وما يحتويه من الخلق الرميم، لها معالمها المتوافقة مع ما فيهم.

فأفكارهم تحيا، وأبدانهم تبلى، وطاقاتهم تتجدد، وإن أصابهم الخمود، وتسربت كينونتهم المادية وتلاشت.

وعليه فأن أرضنا ثرية بالأفكار الحضارية، وثروتها الفكرية والمعرفية، أغنى من ثرواتها النفطية وغيرها، وهذا ما يدركه الطامعون بالأمة، ويجهله أبناؤها، فيندفعون بخطوات إنكسارية إنتكاسية للسقوط في حبائل المفترسين.

إن تراب أرضنا يتميز بالثراء الحضاري، وأعداء الأمة يؤهلون من أبنائها مَن يقومون بأعمال عدوانية على هويتها، لتعطيل دورها وتبديد ما فيها من الكنوز المعرفية النادرة.

وقد آن الأوان لتنتفض الأجيال، وتتصدى للغاشمين الساعين لتحويلها إلى عالة على الآخرين، ولتقييدها بأصفاد الذل والهوان.

فالأمة حية، وتحارب بثقافاتها الكامنة في ترابها، والمتوقدة فوقه، إنها تندفع نحو علياء ذاتها، بإندفاقية ذات بناء حضاري هدّار، يكتسح السدود والمصدات ويزيح المعوقات، ويجرف كل خوان ذليل كسول.

إنها أمة أقرأ، وصوت الحق ونبراس التجدد والإبداع  المتميز والإنبثاقات الأصيلة الساطعة.

إنها أمة الإبتداء وصوت الإرتقاء، ووجود لا يعرف الإنتهاء.

فلكل فكرة جولة!!

"...ويتفكرون في خلق السماوات والأرض...."!!

***

د. صادق السامرائي

شكلت عملية طوفان الأقصى بتاريخ ٧/أكتوبر/٢٠٢٣ مفاجأة صاعقة لدولة الاحتلال، حيث فتحت ثغرة في جدار الشعور الأمني لها الذي كانت تظنه محكما وصعب الاختراق. فالخسائر التي منيت بها على جميع المستويات كانت فادحة، وفوق التوقعات. لكن الأهم فقدان الروح المعنوية لجيشها وبالتالي فقدان ثقة اليهودي بدولته وجيشه. ولهذا تلجأ هذه الدولة إلى الحصول على فترة هدوء لإعادة بناء الروح المعنوية والقومية لهذا الجيش عن طريق عقد الهدن.

غير أنه ومن المعروف أن دولة الاحتلال لها تاريخ غير مشرف وطويل في الدخول في هدن عسكرية ثم خرقها. وأشهر هذه الهدن هدنة عام ١٩٤٨ التي وقعتها هذه الدولة مع الجيوش العربية. وكانت في صالحها حيث تسلحت وأعادت هيكلة عصاباتها كما قامت بخرق الهدنة حينما أقدمت على مهاجمة قرى فلسطينية ودمرتها تماما.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ رأينا ما حصل بعد الهدنة بين دولة الاحتلال وحركة حماس والتي بدأت بتاريخ ٢٤/نوفمبر/٢٠٢٣ وكانت تتضمن وقف لإطلاق النار لمدة أربعة أيام قابلة للتمديد. وقد تم تمديدها بالفعل لسبعة أيام تخللها إطلاق سراح الرهائن من الجانبين. إلا أنها وكعادتها خرقت هذه الهدنة بإطلاقها النار على الفلسطينيين ما أدى إلى استشهاد عدد منهم. كما رفضت إدخال المساعدات إلى شمال القطاع المنكوب. بالإضافة إلى خرقها الاتفاق الذي يخص ملف الأسرى حيث تضمن الإفراج عن الأسرى على أساس الأقدمية.

وفجر اليوم الذي انتهت به الهدنة قام الجيش بنشر خريطة لما أسماها بمناطق الإخلاء في قطاع غزة، وبدأ بشن موجات متتالية عنيفة على شمال القطاع وجنوبه ووسطه. فارتكب مئات المجازر بحق المدنيين وهذا إن دلّ على شيء فيدل على ان اليهود لا عهود لهم.

أما بالنسبة لما تبع هذه الهدنة من مفاوضات على هدنة جديدة، تمت عبر قطر ومصر حيث لعبتا دور الوسيط بين دولة الاحتلال وحركة حماس فإنها لم تنجح. وقد اتهمت دولة الاحتلال الحركة بأنها السبب في عرقلة الهدنة المزعومة.

والحقيقة التي لا لغط بها أن الحركة اشترطت وقفا شاملا للعدوان على غزة والبدء بعمليات الإغاثة والإيواء وإعادة الإعمار بضمانات دولية.

فما كان من دولة الاحتلال إلا المراوغة، فلم تعط أية ضمانات والتزامات واضحة فيما يتعلق بموضوع وقف إطلاق النار ووقف العدوان. ومن هذا المنطلق يتولد السؤال التالي, لماذا ترفض هذه الدولة مثل هذا الشرط وتتقمص دور الطيب الذي يسعى بيديه ورجليه نحو الهدنة، وتلصق عملية العرقلة لحماس؟

ولماذا يجب على حماس من وجهة نظر المحتل أن تقبل بهدنة دون ضمانات، مع أنها تقول بأنها ما زالت منفتحة على مواصلة المفاوضات؟

فهل الهدف هو شيطنة حماس أمام العالم الذي بات مدركا تماما لحقيقة هذه الدولة بعد سقوط القناع عن وجهها البشع؟

***

بديعة النعيمي

على هامش المقابلة مع القيادي البعثي خضير المرشدي ...هل طلب حزبا الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى لآل الحكيم والمرجع السيستاني اللقاء بقيادة البعث بعد الاحتلال ولماذا رفضها صدام ووافق عليها الدوري؟

وردت معلومة قد تكون مهمة في ميدان تأرخة الأحداث العراقية قبل وبعد الاحتلال الأميركي في المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع القيادي البعثي خضير المرشدي قبل أيام مفادها كما قال المرشدي إن حزبي الدعوة والمجلس الأعلى والسيستاني أرسلوا مَن يتصل بقيادة البعث بعد الاحتلال، وقبل اعتقال صدام بفترة، يريدون عقد اجتماع معها. وأن عزة الدوري كان متجاوباً وموافقاً على الدعوة بعكس صدام حسين الذي رفضها. وقد قال له الدوري، كما يروي المرشدي "أنا لم اختلف معك طوال 40 سنة ولكني الان أختلف معك وأوافق على اللقاء معهم - مع حزبي الدعوة والمجلس الأعلى لآل الحكيم وممثل عن السيستاني..." وبعد فترة من التفكير رفض صدام اللقاء بحجة إنهم حاقدون وغدارون ... إلخ. طبعاً لا يمكن الجزم بمدى صحة هذه المعلومة، ولكن معلومة أخرى تتقاطع "بمعنى تتوافق" معها وهي أن الإسلاميين الشيعة كانوا قد عرضوا قبل حرب الاحتلال بسنة تقريباً على وزير الخارجية الإيرانية آنذاك "خرازي"، أن يتوسط لهم لكي يلتقوا بالنظام السابق بهدف الوصول الى حل تصالحي ولكن النظام رفض اللقاء رفضا قاطعا ...أنا متأكد تماماً من المعلومة الأخيرة ومصدرها ثقة ومن أعلى مستوى في قيادة المقاومة اللبنانية وهي ربما ترجح المعلومة الأولى التي قالها المرشدي فهما في السياق ذاته. ويمكن أن ترجح هذه المعلومة عن موافقة الدوري على لقاء مع الساسة الشيعة أيضاً ما قيل عن علاقة حماية وفرتها إيران لعزة الدوري في إقليم كردستان بعد الاحتلال وسقوط النظام وكنت شخصيا ممن يشكون ويكذبون هذه المعلومة ولكني أرى الآن إنها بحاجة إلى تمحيص وإعادة نظر لأغراض تأريخية.

شخصياً، أصبحت أرجح المعلومتين، وأرى في عدم اعتراف الحزبين الشيعيين بهما شيئاً من النفاق الإعلامي وعدم المبدئية، رغم أن المعلومتين يمكن أن يُحسبا من الناحية الإنسانية والسياسية التكتيكية لمصلحتهما ويدينان نظام صدام لأنه رفض أي حل سلمي توافقي يجنب العراق التدمير والاحتلال. لقد رفض حزبا الدعوة والمجلس الأعلى الاعتراف بهاتين المحاولتين للاتصال بالنظام لكي لا يكونا في موضع النقد والتناقض بعد أن اتهما كل طرف حاول تجريب حلول سلمية مع النظام لتجنب العراق وشعبه الحرب والاحتلال بالعمالة لهذا النظام ففضل حزبا الدعوة والمجلس الأعلى أن يتحصنا بالكذب والنفاق على الجرأة وتحمل المسؤولية وحيازة شرف محاولة تجنيب العراق التدمير والاحتلال الأجنبي في وقت تباهي بعضهم بالعمالة للغزاة وطالب أحد شيوخهم بنصب تمثال من ذهب للجندي الأميركي الذي قتل واغتصب وسرق ودمر. أما من الناحية التأريخية والمعيارية فسيبقى نظام صدام حسين يتحمل المسؤولية الكبرى في كل ما حدث لاحقا بدكتاتوريته الدموية وهذا ما اعترف به القيادي البعثي المرشدي نفسه حين قال في هذه المقابلة على الدقيقة 14 و30 ثانية: "أهم خطأ ارتكبناه كحكم بعثي هو عدم السماح ببناء معارضة وطنية عراقية ولو وجدت معارضة وطنية عراقية وحدث الاحتلال الأميركي ما كان العراق تهدم بهذه الطريقة"!

***

علاء اللامي

.......................

* رابط يحيل إلى المقابلة التلفزيونية مع خضير المرشدي:

https://www.youtube.com/watch?v=4K24evU_52A&t=76s&ab_channel=AlArabiya%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9

أغلق الشيخ الذي أرزم على السبعين، باب سيارته الفارهة في وجه فقير مُعدم دون أن تختلج في وجهه جارحة، ثم عاد إلى مقعده متهافتاً متخاذلاً، لا يكاد يطيق نفسه التي وجدها سائرة في طريقٍ شائك تحفُ به مواضع الزلل، ومهاوي النكبات، طريقاً لو كان يدرك وعورته لهالته عقباته، وردته مزالقه، فكيف لرجل تشرئب لمقدمه الأعناق، وتشخص لطلعته الأبصار، أن يمتطي مطايا الهالكين، ويرتدي حلل المارقين، كيف لعالم يعد من أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، أن يشايع زمرة هامت في أودية الضلال، وتسكعت في بيداء الغواية، وهو الشيخ الأجلّ الذي تفجرت الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، كيف للشيخ الذي لم يدع آبدة من أوابد الفقه إلا حواها، ولا شاردة من شوارد اللغة إلا حذقها، أن يتجافى عن الحق البين الذي قُدم له بصادع البرهان، فسفور ذلك الأمر ووضوحه لا يجعله يجشم نفسه عناء التعليل، نعم لا يحتاج أن يمحّص الروايات، أو يحقق الأسانيد في مسألة رسخت حرمتها في كل ذهن، وتبدت عدم مشروعيتها في كل خاطر، فالمسلمون على اختلاف مذاهبهم، وتباين أجناسهم، وتنائي ديارهم، لم يقفوا قط على حواف الخلاف في تلك القضية التي تشابكت أوشاج حرمتها منذ القرون الغابرة، والعهود المندثرة، ولكن أنى لعالم يشايع نظاماً يجمع بين اعتبارات شتى، ويؤلف بين نظريات مختلفة، أن يناهض ما يرومه القروم الخناذيذ، ويبتغيه السُراة الغطاريف، الأحرى أن يتحلى بأذيال الصمت بعد أن خلعوا على حياته رونق السعادة، وعلى أسرته سرر النعيم، يجب أن يكبح وثبات فؤاده، ويخمد وخز ضميره الذي استشعر اليأس من زواله، ضميره الذي يستحثه دوماً على الجدال والصيال حتى يطهر نفسه من أوضار الانحراف، ضميره الذي يحفزه أن يجدد ما رثّ من حبل الدين، في زمن استشرت فيه الجهالة، وخنست فيه الهداية، وران على المحجة الريب، وتكالبت على خيوطها الناصعة الظنون.

كان العالِم الثبت يقود سيارته المطهمة وهو منطوٍ على نفسه، متحاملاً على ذهنه، يرقب بطرفٍ فاتر الجموع التي ذوى عودها وطأة الجوع والغرث، وعرّى مناكبها غلو السادة، وفداحة التكاليف، تلك الجموع التي نشأت في مهد الحزب الخشن، ودرجت في فنائه الضيق، وعاشت في مرعاه الجديب، قد تبدل طبعها المرح، وثغرها الضحوك، ولسانها المداعب، سارت سيارة الشيخ تطوي عباب الطريق، حتى وقفت أمام وزارة سيادية محاطة بالرجال، مغمورة بالجمال، وزارة ينشد إسمها كل لسان، ويستظل بفيئها كل عالم تكدست حوله العدسات، وتقاطرت لطلته القنوات، وما أن ترجل الشيخ من سيارته، ودلف إلى الداخل حتى أوصدت الأبواب أمام الطلاب، وأسدلت الستور في وجوه السائلين، وبدأ الشيخ المستحوذ على أعنة الكلام، والمتصرف في فنون القول، يخاطب البهاليل السادة، والكماة القادة، مستفرغاً الوسع في تنزيل الفقه، مفصلاً بيانه الذي أنزله عن علم، وفصّله عن إدراك، بيانه الذي استله من قلب الإبداع، وانتزعه من جوف الروعة، والذي أفضى في نهايته إلى أن الوزير الهمام الذي يحرص على غوارس الكلام حرص العابد الأواب على صلاته، هو من يحدد معايير الضرورة، بعدأن اختلت موازين القوى وأضحت الغلبة لمناهضي النظام الذين وجب إخماد صوتهم، واستئصال شأفتهم، حتى يسود صوت الحزب الصمد.

كان الله في عوننا في السودان، وعون اخوتنا الأماجد في السعودية وفي سوريا الفتية، واليمن السعيد.

***

د. الطيب النقر

 

في دنيا الغاب الدولي المستعر بالصراعات يمكن تدجين الأسود الشرسة وترويضها وتحويلها إلى حمير، تنقل الأحمال وتؤدي الأعمال المطلوبة منها بإتقان.

فما أكثر الأسود التي تم الإستحواذ على إرادتها، وتقرير مصيرها فتجدها تصول نحو أهداف مروضيها بلا قدرة على التبصر وإدراك مآلات ما تقوم به، المهم أنها تفعل ما تؤمَر به، وليكن ما يكن.

ترى كيف تتحول الأسود إلى أدوات لتمرير الإرادات الأخرى؟

أول ما تقوم به القوة الساعية للقبض على الأسود ، أنها تتسلل إلى عرينها وتتفاعل معها بما يرضيها ويوفر لها الفرائس السمان.

والأخذ من أساليب الثعالب والقرود  ما تستطيع تمثيله، والتعبير عنه، حتى تطمئن الأسود وتحسبها يدها اليمنى.

وحينها تصبح سفينة العرين يقودها ربان من الثعالب والقرود، والأسود عليها أن تنفذ، لأن مصيرها محكوم بقمرة القيادة.

وبموجب هذا الإستحواذ تكون الأسود منقادة  للذي يقود سفينة الحياة، المعدة بإتقان لخدمة مصالح الذين قبضوا على مصيرها.

هكذا تفقد الأسود هيبتها، وتهزأ منها الحمير، وتنظرها بعين الإزدراء كلاب الغاب المتحيرة بأمر الأسود المغلوبة على أمرها.

فالأسود تحولت إلى أدوات تأتمر بالثعالب والقرود، وما تقوم به هو العدل والإحسان، وكل من عليها جان.

تلك مأساة الغاب الأرضي الذي تتحول فيه الموجودات الآدمية إلى أشياء لا قيمة لها ولا معنى، وكأرقام يتحقق محوها أنى تشاء القوى الفاعلة المهيمنة على الوجود.

فهل توجد قوة حرة، أم أن القوى الكبرى مصفدة بالأخرين الساعين للويل المبين؟!!

و"مَن يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميتٍ إيلام"

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم