أقلام حرة

أقلام حرة

طبيب أريب وأديب لبيب، كان يتمتع بنشاط وحيوية، وتفاعل مطلق مع الحياة، دعوته للعشاء في مطعم فيه أجواء البلاد التي ولدنا فيها.

وجاءني مقعدا على كرسي متحرك، وتتدبر شؤونه إمرأة تم تعينها لخدمته، وكأنه طفل في عامه الثاني.

هذا الإنسان الذي كنت أجالسه وأعجز عن القيام بما يقوم به من نشاطات رياضية وعمليات جراحية معقدة،

أراه أمامي غير قادر على السير ولو لخطوة واحدة، ويعجز عن الوقوف، ولابد من مساعدته في كل شيئ.

قلت له: إنها الحياة خدّاعة!!

قال: نعم!!

وقد حدّق بعيون خالية من بريق الحياة.

ساعدته المرأة المسؤولة عن رعايته بإحضار طبق الطعام، فوجدته يستطيع تحريك يده اليمنى المرتعشة ويضع الملعقة في فمه.

إحترت هل أنظر إليه أم أتحاشى تأمله، وهو المتهاوي المتهالك الغير قادر على فعل ما يريد.

حدثني عن مكتبته بصوت متحشرح، ودفع إلي بعشرات الكتب التي جلبها معه، وقد أحضرتها مرافقته بأربعة صناديق.

قال: إن مكتبته تضم خمسة آلاف كتاب، تعال وخذ ما تريده منها !!

أعرف أن كتبه عزيزة عليه، ولا أجرؤ على تلبية طلبه .

فالعلاقة بين الإنسان والكتاب ذات تفاعلات عجيبة، وأرى لو زرت مكتبته وأخذت منها ما أختاره سأبكيه لأنه لا يريد لكتبه أن تغادره.

أشعرني بحزن بليغ، وجعلني أتحسس سنابك الأيام تدوس على رأسي.

إنه العمر الرذيل، ومتاهة الحياة وخبايا المجهول فيها!!

وأعرفُ طبيبا يكتب وينشر يوميا وقد طوى مئة عام، ولا يزال ينافس الشباب!!

"فالعيش نوم والمنية يقظةٌ...والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ".

***

د. صادق السامرائي

"رب يوم كنت فيه فلما صرت في غيره بكيت عليه"

"أبدا تسترد ما تهب الدنيا.. فيا ليت جودها كان بخلا"

"فيوم علينا ويوم لنا.. ويوم نُساءُ ويوم نُسَرُّ"

هذه الدنيا كتاب نحن فيه الفكر، كنهر موجه من جموع البشر...

وربَّ يومٍ...

فلماذا نبكي؟

وما نفع البكاء؟

إبداعنا الباكي الدامع لا ينفع!!

علينا أن نتحدى ونواجه ونستثمر طاقاتنا الإيجابية لبناء حاضرنا الأحلى ومستقبلنا الأزهى.

ولا بد من الصولة الكبرى على الدنيا والتأهب لضربتها القاضية.

فلنفترسها لا أن تفترسنا!!

إنها خدّاعة كذابة مخاتلة مراوغة، تبحث عن موضع فينا لتنشب مخالبها فيه، وتغرز أنيابها في أعماقنا!!

"ومن يصحب الدنيا طويلا تقلبت.. على عينيه حتى يرى صدقها كذبا"

و" "أحلام يومٍ أو كظل زائلٍ.. إن اللبيب بمثلها لا يُخدعُ"

وأروع منطوق سلوكي، تعلمناه منذ الصغر، وما تفاعلنا بموجبه بحياتنا، ونردده كغيره من الأقوال الخالدة المبثوثة في مجتمعاتنا، وهو: "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"!!

فأين نحن من هذه الحكمة السلوكية، التي تحثنا على إطلاق ما فينا من جوهر الطاقات والإبداعات، لنصنع دنيانا العزيزة الباهية وآخرتنا المطمئنة؟!!

إن نكبتنا خلاصتها " نقول ما لا نفعل"!!

وتلك أمة تعجب من قولها الأمم!!

***

د. صادق السامرائي

كان احتلال فلسطين والاستيلاء عليها يستوجب على الحركة الصهيونية تطهيرها من سكانها الشرعيين ثم إحلال يهود الشتات الذين لا تربطهم بالأرض أية روابط مكانهم.

فجاء هؤلاء تحت شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وقد مارست العصابات الصهيونية عمليات التطهير العرقي ضمن خطط تم الإعداد لها قبل البدء بتنفيذها بسنوات.

فارتكبت المجازر وهدم البيوت ومحو قرى بالكامل وعمليات الطرد والإخلاء بهدف استئصال الفلسطينيين من الذاكرة الجماعية. وقد أدت عمليات التطهير العرقي إلى فصل الفلسطينيين عن أرضهم بل وتفكيك المجتمع الفلسطيني.

واستندت تلك العمليات بالأساس على الأساطير والخرافات وتغافلت المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية. فلم تعترف دولة الاحتلال بأنها ارتكبت تطهيرا عرقيا بحق شعب. وأنكرت مسؤوليتها عما أفرزه هذا التطهير من مشكلة للاجئين وتداعياتها على الشعب الفلسطيني لأن كل ذلك تم تحت غطاء دولي.

وقد ساهم هذا الغطاء في محو جرائم التطهير العرقي من الذاكرة العالمية، حيث لم يتم إلى اليوم محاكمة المجرم على ما ارتكب، بل على العكس لقد كوفئ هذا المجرم بعد عام واحد ١٩٤٩ من ارتكاب جرائمه بمنحه العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وبهذا تم تجاهل مأساة الشعب الفلسطيني سواء مشكلة اللاجئين أو عمليات التطهير العرقي. حتى أن قضية فلسطين وما يحصل داخل حدودها غُيّبت بالكامل عن الواجهة العالمية وتعامت الأنظمة العربية عنها خاصة بعد اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، بل واعتبرت هذه الدول القضية قد حُلت ولهذا دخلت هي الأخرى باتفاقيات سلام مع دولة الاحتلال.

لكن وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو ازدادت الانتهاكات من طرف دولة الاحتلال حتى أن آثار الاتفاقية وصفت بالكارثية فالجرائم بحق الشعب الفلسطيني ازدادت والمخططات الشيطانية مثل صفقة القرن والتهجير القسري وتهويد فلسطين وغيرها لم تلفت نظر العالم ولم تحرك ضميره.

فجاء 7 أكتوبر لإعادة ما تم محاولة محوه من الذاكرة العالمية، ووضعته في الواجهة الأمامية.

جاءت هذه العملية لتقول للعالم أن الجرائم الكبرى كجريمة التطهير العرقي لا تسقط بالتقادم كما كانت دولة الاحتلال تظن. جاءت لتطلق صرخة في وجه العالم بأنه لا يضيع حق وراءه مطالب.

وأن طوفان الأقصى يتكاثر في كل مكان من العالم. وأنه لا يصح إلا الصحيح، والصحيح هو أن يحاسب المجرم على ما ارتكب ويرتكب إلى اليوم، سيحاسب العدو عما ارتكبه ويرتكبه بعد 7 أكتوبر في غزة وبعد محاسبته سيخرج جارا أذيال الخيبة خلفة نحو الشتات، المكان الطبيعي له ويعود أصحاب الأرض إليها بإذن الله.

***

بديعة النعيمي

لم يسبق لي أن رأيت شيخ المقاومة المغربية مولاي عبد السلام الجبلي، حزينا واجما، قليل الكلام أو مهموما من شدة الغيظ والكمد، مثلما هو الحال وهو يبدي عجبه مما ساد فتنة غزة ومقتلتها العظيمة..

فقد صرح خلال حديث متلاطم كعادتنا ونحن نستعرض أمامه آخر أخبار أهلنا في فلسطين السليبة، أن الكلاب الغلاظ المأفونين من أبناء الجلدة، قد باعوا بالخذلان والذل والعار كل قيمة للنصرة والعزة، وطعنوا في آخرة حر الموت ومآسيه، كل أمل في استعادة العزيمة والإرادة؟

ولم يسبق لمولاي عبد السلام الجبلي، أن أبدى وجهة نظره، بهكذا ألم وحسرة، مجزما بقلق استثنائي فظيع، لدرجة استصراخ العالم المحيط، الغائب المغيب عن أفعال منكوسة مستهامة. فقد بات ينظر لقسوة الأخوة والجورة والمشترك الإنساني، كأنها قيد يسقط كل آرام الوطن الواحد والانتماء الخالص والامتداد الملتحد. وأيقن في لحظة انخطاف حائر أن مقتبل الزمن وأسراره المأزومة، أضحت وبالا وخسفا على أمة لا تسبح سوى في غثاء مهيض ومجحف.

-لا يبعد عنا، سوى ذاك النشيش المتهالك من أورامنا المزحومة بالكسل والقعود الزائف والنكوص السافر .. فكيف لبنائنا أن يتعاقدوا مع هذا الفراغ المخيف؟

وكيف لمستقبل بلاد أن تصير في هكذا احتضار وشنار؟

- يقول مولاي عبد السلام الجبلي، وهو يحاول تفكيك دراما الحرب الإبادية الشنيعة على أهالي غزة الأحرار، بأطفالها ونسائها ومسنوها.

وفي فورة كظيمة مثلومة، تعوق عبرة سخينة مقلة السارد الحصيف، وقد اجترح عن فقدان محبرة الرثاء، أنهارا من رؤى الحياة، وهي تنسرب بين مناقرها المأفونة أحزمة من بؤس الزمن وعادياته.

تستعر الخطوب والأنواء، في مصائد القول ونيرانه، فيوتر المؤرخ مولاي عبد الله العلوي، بحكمته المعتادة ودأبه المتفرد، أن يسترد من خلال الحديث إياه، نبوة التصافي وميزاب التواصل، ويعيد شيئا من شامة الدين ومبلغ العرفان إلى نافلة الابتلاء وقضاء القدر المعلوم المكتوب.. فتعود آثار القراءة لطبائع التاريخ وقصصه العابرة، لتنط بين اجتلاء وامتلاء، إغلال وإضمار، إصرار وإدبار ..

المقاوم العظيم المتفرد، المعتزلي الصامد في قيم الإخلاص والوفاء لثورة الحرية والتحرير، مولاي عبد السلام الجبلي، ما يزال ينبض بإرادة الحق وتحرير الشعوب المستضعفة، مهما جارت الأزمنة وامتنعت عن وشم إسارها، متجردا من قواصم العتمة ومسامير السقوط المحذور.

وهو إذ يفعل ذلك، مؤمنا بعاقبة الموعود بالنصر والمأثور بنوازع الصمود والتحدي.

وكأني به يردد قول جبران خليل جبران:

صمدت لصرفهن صمود صخر

فكم سهم تكسر دون صدري

هو كذلك، حينما يذكر قصص المقاومة وعبرها المبتوتة في الأوراق والأرشيفات المتجاورة، يحس كأنه يتنقل بين أيام عميقة التأثير، واجمة في مسلك الوطنية، يعدل بوصلته في راهن ينسلخ باهتبال شنيع ومدجن، ليعيد صياغة العالم، منتقدا ومنتفضا ورافضا كل أوجه القبح والرداءة وقلة البأس؟

***

د. مصـطَـــفَى غَـــلْمَــان

....................

مقطع من مشروع كتاب يحمل عنوان "نثارات سنية من سيرة الشرفا الصفية"*

البشرية تغرق في الغيبية وترتعب من المجهول الذي يحف بمسيرتها عبر العصور، ولكي تشعر بالإطمئنان تتوهم المعرفة وتستكين لأوهامها العقائدية بأنواعها.

فلا توجد مرحلة في التأريخ دون وهم فاعل ومؤثر في سلوكها ومسيرتها، فالإمبراطوريات والدول العظمى على مر العصور تكون مستعبَّدة بوهم ما.

وبعد أن توالت التجارب  بزغت العقائد الدينية وتعاظم التمسك بها والعمل بموجبها، ولعبَ التكرار المُطعم بالتأجيجات الإنفعالية في ترسيخ العديد من التصورات  اللاعقلانية، الخاضعة لإرادة الوهم الفاعل في دنيا البشر.

فالوهم حالة غير قابلة للنقاش أو المحاججة، فلا يمكنك أن تناقش أي معتقِد وتحاول إخضاعه لأنوار العقل، لأن في ذلك تفاعل سلبي وتدميري للوجود القائم مما يدفع للتقاتل وسفك الدماء.

وكم من الأبرياء ذهبوا ضحايا لسطوة الأوهام، الإعتقادية، فئوية، مذهبية، تحزبية، مناطقية وعنصرية، وغيرها الكثير مما حصل فوق التراب من مآثم وخطايا وتداعيات قاسية.

ويبدو أن لوسائل التواصل الحديثة القدرة على التجييش الجمعي للبشر، فأسهمت بإنتشار الأوهام في مجتمعات الحرمان من أبسط حقوق الإنسان.

وبآليات القهر والترويع والتبويق، يتم ترسيخ مفاهيم غير مسبوقة في أذهان ونفوس الناس المحرومة من أسباب الحياة الحرة الكريمة.

فالوهم سلطان وبه يتحقق القبض على مصير الإنسان.

وكل من عليها فان والفائز في الدنيا والآخرة مَن يدّعي الإيمان وهو فاسد وعدوان!!

و"عقلك كالمظلة لا يعمل إلا إذا إنفتح"

***

د. صادق السامرائي

الطرطور الأخير ظهر في نهاية عصر الإضمحلال، ونهاية عصر الأوبئة والمجاعات ونصبوا  انفسهم شخصية المنقذ للبشرية في مجتمعات يسودها الجهل والخوف وينتشر فيها العبودية التطوعية، من إخترع شعار النضال حتى  الرجل الأخير هو غبي ...؟ اي نضال نعم نضال في العوامات والسيارات الفارهة.. لقد صنعنا أبطال، من ورق، عاجزيين عن فهم صراعات السياسة ولا يقرؤا المستقبل، فيهربوا الى شعارات مفتوحة بلا نهاية للتغطية على الفشل مع ان الشعار الذكوري نفسه يحمل خواص الفشل والفاشية.ليس هناك نضال الى الأبد حتى في أفلام كارتون، هناك سقف زمني لكل عمل سياسي، وبرنامج عمل لأربع سنوات يتضمن رؤية سياسية واقتصادية وثقافية وضمان صحي واجتماعي وتعليم مجاني وسكن مرفه ورعاية الأمومة والطفولة وحقوق فردية والخ، وعندما يفشل هذا البرنامج ولا يتحقق، على الحكومة أو  الحزب أو النظام حل نفسه، أو تغيير المسار بلا ضجيج ولا شعارات زائفه عن النضال لآخر رجل، الأحزاب التي خدعت الناس بهذه الشعارات الغوغائية، ومناهج التلقين الحزبي التي أنتجت ببغاوات مدجنة ومعاقة عقلياً ونفسياً ومصابة بعقم معرفي وصور نمطية جاهزة في كل شيء، ليس عندها صورة عن الواقع ولا عن المستقبل ولا عن نفسها لان هذه ثقافة التلقين، وكلفت الناس كوارث كثيرة بلا مبرر ولا مشروع ثورة أو ولادة قصة مختلفة وتاريخ جديد.أحزاب العالم اليوم تطرح برامجها للناس حول رؤيتها للمستقبل عن الضمان الاجتماعي والطفولة والأمومة وحماية المسنين، والتعليم والسكن الصحي والعدالة والأمن والتوزيع العادل للثروة وسلطة القانون ولا يوجد هذا الجعير والصخب ولا السرديات الكبرى عن تفسير الكون والتاريخ وكل ظواهر الحياة تفسيرا سطحياً مبسطاً وملفقاً، ولا عن النضال لآخر رجل. ثم ماذا يفعل هذا الطرطور الأخير بين ملايين  المشعوذيين والعوز والمرض بين النساء العازبات والأرامل في مقبرة كبرى؟.

***

بقلم: محمد سعد عبد اللطيف – مصر

كاتب وباحث مصري في علم الجغرافيا السياسية

 

ظلت ابتسامته الرقيقة والحنونة، تفصح عن طيبة متناهية، وفي الوقت نفسه تخفي، مشاعر الأسى حيال ما وصل إليه العراق. كوكب حمزة الذي ظل يتمنى لأكثر من خمسة عقود أن تمر " الطيور الطايره " بعراقه، وأن تحمل السلام والأمان لأهل هذه البلاد " سلميلي الشوق يخضر بالسلامة وبالمحبة "، ولم يكن يعرف ولا نحن محبوه أن " العشك ياخذنة لمدى بعيد "، وأن النهاية ستكون على سرير في الغربة وأن الذين نحبهم أصبح دربهم بعيداً، وأن العمر سيتحول إلى محطات " عّديتهن وماكو عرف " .

عاش كوكب حمزة حياته، وهو يحمل قضية واحدة نذر موسيقاه لها، هي قضية الفقراء، والبحث عن الحرية والأمان لهم، شيّد لنفسه بساتين من الألحان التي تغنّت بالأمل والثورة على الظلم، كان حمزة واحداً من صنّاع أحلام هذه البلاد التي وجدت نفسها تدير ظهرها للذين صنعوا لها الفرح والجمال

أنا بحلم لو يمر تاخذني فرحة عيد

أنصب مراجح وادق للي الخلا يزيد

كانت هذه أولى أحلام كوكب حمزة، التي صاغها لحنا لتكون انطلاقة حسين نعمة.

في كل الحانه وموسيقاه يروي لنا كوكب حمزة حكايته مع الأمل والتطلع إلى المستقبل، ويدلنا على الفتى الذي ولد في ناحية القاسم، هناك أبصر قيمة التعايش بين مكونات المجتمع العراقي، غادر مدينته الحلة شاباً ليحط في بغداد ملبياً نداء الموسيقى والألحان،، يقدم تجربته الأولى لعدد من الأصدقاء الذين أجمعوا أن هذا الشاب مهموم بقضية واحدة وهي التأثير المباشر للأغنية على الغالبية من عامة الناس، ليس فقط تنويراً لرؤيتهم ولكن مجابهةً لما يجري وتحريضاً على رفض الظلم والنهوض صوب المستقبل والهيام بالعراق:

أنا مجنون وخذاني الهوى واطوح غرام

آنه شوكَي بالعراق والعراق بعينج الحلوة ينام

كوكب حمزة حكاية عن زمن مختلف، الطوائف فيه عارضة،، والنضال ضد الظلم فرض على كل مثقف، اختار حياته على طريقة الشعر: موزاييك من حكمة الشعوب وروحها المرحة والعميقة .

فنان مغرم بما يلحن ويدندن، يعتقد أن اللحن والقصيدة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمنًا لا تقيد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يسرقونه كل يوم، عاش أسير أحلامه، متنقلاً في الألحان، لينتهي غريباً يئن على بلاد تُنكر أبناءها لأنهم لا يمارسون الخديعة، ولا يحملون صور ساسة الصدفة

لم يكن حمزة يُدرك أنه سيوحد العراقيين في أغنيته "ياطيور الطايره " وأن عيونهم ستدمع كلما يسمعون سعدون جابر يغني:

سلميلي يا طيور الطايره

سلميلي يا شمسنا الدايره

مو بعيدين اليحب يندل دربهم

مو بعيدين القمر حط ابغربهم

***

علي حسين

تم إضفاء الشرعية على العملية الاستيطانية الاستعمارية لأرض فلسطين كما ذكرت في مقالات سابقة من خلال استدعاء الأساطير التي مصدرها "التناخ" الذي تم تحويله إلى كتاب تاريخي موثوق، يستخدم لإثبات الأصل الواحد لليهود من سلالة داوود التي تم نفيها من الديار المقدسة كما يزعمون.

وهنا نتسائل عن هذا الأصل اليهودي الذي ينسبونه لسكان دولة الاحتلال الذين جاء أغلبهم من الشتات وهم الذين يطلق عليهم "الأشكيناز" أو يهود الخزر وقد أثبتت دراسة أجراها الدكتور "آران الحايك" في معهد "جونز هوبكنز" حول يهود الخزر، أن اليهود المنحدرون من أصول أوروبية يشكلون ٩٠% من يهود العالم البالغ عددهم ١٣ مليونا. وهذا ينسف المزاعم التي تتبجح بها دولة الاحتلال ورئيسها "بنيامين نتنياهو" من أن اليهود ينتمون إلى عرق واحد.

ولو بحثنا في أصل قبيلة الخزر لوجدنا أن بعض الدراسات أثبتت أنهم من أصل تركي عاش في منخفض الفولجا جنوب روسيا. حيث تشكلت مملكة الخزر التي كان بعض حكامها وسكانها يعبدون الأوثان ثم تحولوا إلى اليهودية. فكان نشوء هذه المملكة من تجليات اعتناق اليهودية. لكن بعد انهيار هذه المملكة تفرق يهود الخزر في شرق أوروبا. غير أن دولة الاحتلال تتغاضى عنها بل وتحاول شطبها من الوعي والذاكرة الصهيونية لأن وجود هؤلاء اليهود يتناقض مع نظرية الأصل الواحد لليهود.

ومن هنا فهؤلاء ليسوا سبطا يهوديا تاه في آسيا كما يدعي الصهاينة. وتاريخهم لا يرتبط بالمنطقة العربية ولم يرتبط يوما.

والجدير بالذكر أن اللغة التي يتحدث بها يهود الخزر هي "اليديش"، فهم لم يعرفوا يوما العبرية.

ومن هنا فإنه من الكذب الادعاء بأن هؤلاء الخزر "الأشكيناز" هم يهود ينتمون إلى العرق السامي. وهذا يدحض أكذوبة "الحق التاريخي لهم في أرض فلسطين"

ويعتبر يهود الخزر الذين لم يستطيعوا التعايش في مجتمعاتهم التي تشتتوا فيها العصب الأساسي في الحركة الصهيونية ومنذ انهيار مملكتهم وهم يحلمون بإقامة دولة خاصة بهم.

ولو دققنا بجنسيات مؤسسي دولة الاحتلال سنجد أن منهم البولندي أو البلغاري والروسي و الأوكراني.

ف "حاييم وايزمن" أول رئيس لدولة الاحتلال روسي. و "جابوتنسكي" أوكراني. أما "دافيد بن غوريون" فهو بولندي. و "إسحق رابين" أوكراني.

وهؤلاء الأغراب هم الذين يقطعون أوصال فلسطين بمستوطناتهم وطرقهم الالتفافية ويتخذون من القدس عاصمة لدولتهم المزعومة وينكلون بأهل فلسطين.

واليوم خزر الشتات يرتكبون المجازر بحق أهلنا في غزة ،هؤلاء الذين أتوا من نهر الفولجا والقوقاز يتحكمون ب ٢٢ دولة عربية. يقفزون من فوق القوانين ولا يعترفون بها. وهم الذين لا يمتلكون شبرا واحدا في فلسطين.

***

بديعة النعيمي

أضحت الوظيفة التي تمتد نحوها الأعناق، وتطمح إليها العيون، وتقف دونها الآمال، في واقعنا المتردي أنأى من الكواكب، وأبعد من الثريا، الأمر الذي دفع من لفظتهم البلاد، ومجّتهم الأمصار، أن يكون الاغتراب سمير قلوبهم، ونجيَّ أفئدتهم، بعد أن أناخت بفنائهم غواشي اليأس، وحطت بساحتهم حزم القنوط، من دولة تفرش لهم جنابها، وتبوئهم كنفها، فالخريج الذي تاقت أسرته أن يدفع عنهم غوائل الدهر، ونوائب الزمان، بعد تخرجه، وجد نفسه بعد التخرج منحوس الحظ، مغبون الصفقة،ٍ فقد بحث عن وظيفة يعين بها والده الذي اعوجت قناته، وخذلته قوته، في شعاب الوادي، وبطون الفجاج، وأشباح المدن، دون طائل، وحكومة المؤتمر الوطني وما أتى بعدها دأبوا على أن يولوا صيحات المكلومين دبر أذآنهم، لقد انتظرت جموع الخريجين طويلاً أن تنتاشهم هذه الحكومات من العثار، وتنقذهم من المهالك والحتوف، ولكنهم لم يجنِوا من انتظارهم سوى الوعود العجفاء، ولعل الأمر البعيد عن معترك ظنونه أن الوظيفة التي يخوض إليها غمرات الحوادث، ويركب دونها أكتاف الشدائد، كان المتقلبون في السيادة، والمضطلعون برعاية الذمام، يصطفونها لمن لزم غرسهم، واستنّ بنهجهم، كان هذا ديدن الدولة قبلة الراجي، وكهف الآمال في عهد التمكين الذي اختلت بسببه منظومة الإدارة وأدى لأن يكون كل مرفق من مرافق الخدمة العامة معتلاً يفتقر إلى علاج.

إنّ نواطير الشباب الذين تشربتهم حمى الفراغ، وبانت على وجوههم التواقة للخلاص نهكة الملل، غاية آمالهم، وحديث أمانيهم، أن تقدِّم الدولة التي تحسم الحرب، وتفرج الكرب، وتقيم الأود، وتحسم الداء، على إطلاق عقال الوظائف، وحل وثاقها، بعد أن تضع هذه الهيجاء أوزارها، فقد استنفذت تلك الجموع وسعها، واستفرغت جهدها، في البحث عن الرزق الشرود، الذي من أجل نيله صهرتهم الشمس، وفدحهم الزمهرير.

ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن السوءة الشنعاء، والمعرة الدهماء، البطالة التي هي بلا شك معضلة أرّقت مضجع الأمم، نال السودان منها الحظ الأوفر، والشقص الأغر، فالسواد الأعظم من أصحاب العقل الراجح، والفكر القادح، ألقوا عصاهم في ديار احتفت بأحلامهم الجذلة، بعد أن أوصد الوطن أمامهم الأبواب، فخريج الأداب أو الهندسة، تتضع رتبته، وتنحط درجته، وتسقط منزلته، إذا لازم حلس بيته، بل ربما دفعه الفراغ الناجم عن عدم الوظيفة إلى مخاتلة الدنايا، ومقارفة العيوب، وقبيلة "العطالة" التي سهم وجهها، وأسدف سناؤها، تكأدتها نوازل الفراغ، وطرقتها محن البطالة، فغدت تتهتك في شعاب الباطل، وتمسي في بيداء الغواية، فلا أوخم مرعى من الفراغ، ولا أزيد في الشناءة من خلو الشاب الجلد من عمل يفني فيه هدير طاقته، ويقيه شرور البطالة التي هي بلا شك أم الرذيلة، ومصدر العلة، ومنبت الأوهام، وعقل العاطل عن العمل كما يقول المثل الفرنسي مرتع للشيطان، لذا يجب على أرباب الحكم والتشريع أصحاب الحدّ الذي لا يفلُّ، والشأو الذي لا يلحق، أن يحنو على هولاء الشباب الذين حُببت لبعضهم الوحدة، وزُينت لهم العزلة، حتى يتقوا وخزات العيون، وقوارض الألسن، من الأعطية، ويكثر لهم من الهبات، ويجزل لهم من الصلات، فهم لعمري سواعد البناء، وموئل الفداء.

***

د.الطيب النقر

 

كيف واين يكون الرد الايراني على العدوان الاسرائيلي الذي استهدف القنصلية الايرانية في دمشق؟

ان قيام دولة الاحتلال الاسرائيلي في قصف القنصلية الايرانية في العاصمة السورية دمشق؛ هو خرق لكل الاعراف الدولية، اضافة الى انه اعتداء على السيادة الايرانية، في الوقت الذي لم تكن ايران في حرب مع اسرائيل. القصف الاسرائيلي كما تقول ايران؛ قد حطم بناية القنصلية بالكامل، واستشهد 13، سبعة منهم بين قيادات الحرس الثوري ومستشارين عسكرين. القادة الايرانيون وعلى ارفع مستوى؛ اكدوا بان ايران سوف ترد ردا قاسيا على العدوان الاسرائيلي، وان هذا العدوان لن يمر من دون رد. العلاقة بين ايران او قل العداء بين ايران من جانب ومن الجانب الثاني امريكا واسرائيل؛ هو عداء فيه الكثير من اللبس وعدم الوضوح لجهة شكل هذا العداء وارضيته واتجاهات حركته على ارض الواقع، وبالذات العداء الامريكي الايراني. ان هذا العداء هو عداء ملتبس، وما اقصده تحديدا هو العداء بين امريكا وايران، كما العلاقة بين امريكا والعراق؛علاقة ملتبسة جدا. في الوقت الذي تكون هناك تصريحات وتصريحات مضادة من قبل كلا الجانبين الايراني والامريكي؛ تتوارد الاخبار عن ان هناك مفاوضات سرية وعلى اعلى المستويات وهي مفاوضات غير مباشرة، والتي سرعان ما تنفيها ايران، إنما هذا النفي لا يلغي وجودها بل يؤكده؛ أذ سرعان ولو بعد حين تظهر الى العلن، هذه الاجتماعات والمفاوضات. مؤخرا تواردت الانباء عن اجتماعات ايرانية امريكية سرية وغير مباشرة؛ المصادر الصحيفة تقول عنها من انها، اي هذه الاجتماعات محورها؛ هو البحث عن تسوية شاملة في المنطقة، وهذا ما اكده الدكتور حكم امهز في مقال له مؤخرا في الراي اليوم. في رأيي المتواضع ان هناك في ايران او في السياسة الايرانية؛ موقف رافض للسياسة الامريكية في المنطقة سواء في المنطقة العربية او في جوارها. لكن من الجهة الثانية؛ ان هذا الرافض الايراني للسياسة الامريكية في المنطقة يتع اتجاهين في الحركة او في التحرك؛ اولا، عدم خوض مجابهة مفتوحة سواء مع امريكا او مع اسرائيل. وثانيا دعم كل المواقف او مقاومة المشاريع الامريكية والاسرائيلية في المنطقة. وثالثا محاولة الانفتاح على دول المنطقة العربية وبالذات في السنوات الاخيرة. ورابعا ان ايران في كل هذا؛ تبني سياستها بطريقة برغماتية وبصبر طويل النفس. وخامسا؛ بناء شراكات اقتصادية وتجارية وعسكرية مع المحور الصيني الروسي على حد سواء. وسادسا؛ من خلال كل ما تقدم؛ تريد او انها اي ايران تخطط ومنذ زمن ليس بالقليل ان تكون دولة اقليمية كبرى، معترف بها وبدروها في حلحلة او وضع حلول للتسويات المرتقبة في المنطقة العربية وفي جوارها، ليكون لها دورا ووجودا في المنطقة وتحولاتها المفترضة او المقبلة. اذا ما صرفنا النظر عن الحرب السيبرانية والمخبارتية، والمناوشات في البحر بين ايران واسرائيل او بين ايران وامريكا؛ لم يكن هناك اي اشتباك فعلي في الجغرافية، بين الدول الثلاث، بتوجيه ضربات سواء كانت منتخبة او واسعة او مفتوحة. فقد كان الامر في كل الزمن المنصرم من صراع ايران مع امريكا واسرائيل لم يتجاوز التصريحات، وحروب المخابرات ومناوشات البحر. هذا لا يعني باي حال من الاحوال؛ ان اسرائيل وامريكا كلاهما لا تريدان او لا تخططان الى تغيير النظام في ايران، بل ان العكس هو الصحيح تماما؛ ان الدولتين تريدان وتخططان على تغير النظام الايراني لو باي طريقة اوباي وسيلة، إنما قطعا من وجهة النظر الشخصية؛ ليس من بينها العمل العسكري ابدا، كما ان ايران ايضا، على الرغم مما ورد في اعلاه؛ تحارب سياسة الدولتين في المنطقة. نعود الى العدوان الصهيوني على القنصلية الايرانية؛ امريكا قالت من انها لم تعلم بأمر هذا العدوان. ايران هي اخرى حذرت امريكا من عملية توسعة الحرب والمواجهة بين ايران واسرائيل، ونصحتها او حذرتها بعدم الاصطفاف الى جانب اسرائيل في هذه المواجهة.. من وجهة النظر الشخصية المتواضعة وطبقا لسخونة واضطراب الاوضاع في المنطقة وفي فلسطين عموما وفي غزة حصريا؛ من المستبعد جدا، ان لم اقل غير هذا الاستبعاد، بأخر ينفيه؛ ان تقوم ايران بالرد على العدوان الاسرائيلي في الجغرافية الاسرائيلية؛ اي في فلسطين المحتلة صهيونيا. لسببين طبقا لما يفصح عنه المسؤولون الايرانيون، والصحافة الايرانية؛ اولا ان هذا ان حدث وهو لم يحدث؛ سوف يوسع دائرة الحرب، وهذا لا تريده ايران حسب حساباتها ذات الابعاد الاستراتيجية. وثانيا حسب ما يقول المسؤولون الايرانيون؛ من انهم لا يريدوا اعطاء او منح طوق نجاة لنتنياهو. لكن هل ايران لا ترد؟ في حكم المؤكد ان ايران سوف ترد، بطريقة تأخذ في حساباتها كل ما تقدم في هذا السطور المتواضعة. في رايي ان ايران سوف ترد في البحر اولا وثانيا ربما مخابراتي وثالثا على الارض السورية او اللبنانية المحتلة ربما كبيرة جدا.

***

مزهر جبر الساعدي

 

الرثاء: صوت البكاء مع الكلام على الميت، رثاه بقصيدة: عدد محاسنه وبكاه؟

الرثاء أحد أغراض الشعر المتواترة عبر العصور، وخلاصته "قفا نبكي"، فالأشعار المحببة للنفوس رثائية بكائية، وتجد شعراء الأمة في دولها متأهبين للرثاء المستطاب، الذي يترنم به الناس وكأن الإبداع يميل إلى سلوك البكاء.

فهل نحن مجتمعات نوّاحة باكية؟

معظم الشعر رثائي وتملقي، ووحتى الغزل يختزن من هذين الغرضين او يجمع بينهما .

يرسل إلي عدد من الأصدقاء تسجيلات لقصائد رثائية مرعبة، ويحسبونها شعرا رائعا يشاركونني به، وما يرسلونه بكائيات ولطميات بالكلمات الدامعة، وتحتها، ما أروع مَن عبّر عن الحزن والألم.

فإلى متى نبقى نتألم؟

إلى متى لا نتعلم ونتكلم؟

كلامنا كِلام، وبؤسنا غرام، وكلنا عظام، أسياد وذوو أنساب ومقام.

فمن يبكي على مّن؟

تأريخنا يبكينا، أم نبكي على ماضينا؟

نوح الحمام صديقنا، ودموع الثكالى رفيقنا، وإن لم تداهمنا الأحزان نستحضرها، فنحن قتلة ذاتنا وموضوعنا، ولا يوجد مجتمع ينوح ويتباكى على ما فيه مثلما نبكي وننوح.

العالم يتحرك بسرعة الضوء ونحن نتعثر ببعضنا، ونجلد انفسنا، ونجيد البكاء على الأطلال، والوقوف بلا أسفار، كأننا منهوكين، ومسلوبين الإرادة والمصير.

وماذا أقول وقد ناحت بقربي حمامة، وأنا القاتل والمقتول، والعال والمعلول، وأذرف الدموع على الطلول، وقال قائلهم حي على الخمول، والجهل والأفول!!

و"رأيت الدهر مختلفا يدور...فلا حزن يدوم ولا سرور"!!

***

د. صادق السامرائي

ما من شك أننا جميعا مررنا بمرحلة الطفولة، ولكل منا فيها ذكريات لا أظنها تفارق مخيلته حتى في كهولته، يومها كان اللعب شغلنا الشاغل، وابتكار ماهو جديد منه ديدننا، مع أن المتوافر بين أيدينا من أدوات اللعب آنذاك، ليس أكثر من الـ (دعابل) والـ (مصرع) والـ (چعاب) إذ لاوجود للـ (Play Station) والـ (CEEGA) والـ (X. BOX) ولم نكن قد سمعنا بعد بألعاب الحواسيب المتعارف عليها اليوم، فلا “كلاش” ولا “المزرعة السعيدة”… ولا جير ولا بسامير.

ومع شحة الألعاب آنذاك، كان التأكيد على روح التعاون هو النصيحة الأولى التي نسمعها من أهالينا دوما، ولم يكن من خيار لنا إلا الالتزام بها، وإلا فخسارة اللعبة أول ما نجنيه من تمردنا وعدم انصياعنا لمفردات التعاون، ناهيك عن الحساب والعقاب لعدم الامتثال الى النصح والأوامر.

وكبرنا -وياليتنا ما كبرنا- وتطورت بعض ألعابنا واندثرت أخرى، وحل محلها اهتمامات أملتها علينا ظروفنا الحياتية، بين أعمال وارتباطات والتزامات مهنية واجتماعية، وتغيرت حيثيات حياتنا ويومياتنا، بعضها نحو الأسوأ وأخريات نحو الأفضل، لكن الشيء الوحيد الذي بقي محافظا على ثباته ولم ينل منه التغيير هو التعاون، روح التعاون، فما من مفصل من مفاصل حياتنا وما من جانب من جوانبها، إلا وكانت للتعاون اليد الطولى في إتمام مامنوط بنا من مهام، وبالتالي يطيب جنيُنا من ثمرة التعاون، وتتحقق مآربنا جميعها. فبالتعاون إذن، يصل المرء مبتغاه، لاسيما إذا كان ذاك التعاون لغاية تصب في خدمة المصلحة العامة، إذ هي أكثر نفعا وأعم فائدة من نظيرتها الخاصة.

اليوم في عراقنا الجديد، يحتم التعاون وجوده بكل أشكاله بين فئات مجتمعنا وشرائحه جميعها، بقومياتهم وأطيافهم كافة، وفي الحقيقة أننا نلمسه -التعاون- متوافرا في الشارع والمعمل والمؤسسة، بين أبناء البلد البسطاء جميعهم، إلا أن حضوره شحّ، ووجوده ندر بين نفر من سياسيي الحاضر، كما أنه غاب عن بعض صناع القرار في سدة الحكم، فاستبدلوا تعاونهم على البِر والتقوى بالإثم والعدوان، حتى صار سمتهم البارزة، إذ نراهم غرقى في بحر الراديكالية، فهم دوما وسط تجاذبات ومناكفات لا تنقطع، ويدورون في دوامات التضاد على أعلى المستويات، مايجعلهم أسيادا في معاداة الآخر، وأساطين في الإيقاع به وتسقيطه شخصيا، فإن لم يستطيعوا فسياسيا، وإن لم يستطيعوا فمهنيا، وإن لم يستطيعوا فبالمقاطعة والتهميش وذلك أضعف الإيمان. والأمر بالتالي يفضي الى نأيهم عن معنى التعاون وكنهه وفحواه، واقترابهم من الأنانية والتحيز والإثرة والنرجسية، في وقت كان حريا بهم أن ينضووا تحت لواء الإيثار ونكران الذات.

لقد رفع البعض من أولي أمر العراقيين وساسته اليوم، كذلك من اعتلوا مقاعد التسلط في مواقع لها علاقة مباشرة بالمواطن، شعار (كلمن يحود النار لگرصته) وامتثلوا -لسوء حظ العراقيين- الى قول ابي فراس الحمداني:

معللتي بالوصل والموت دونه

إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر

أو لعلهم اقتدوا بعشيقة ملك فرنسا لويس الخامس عشر مدام دي بومبادور، حين قالت: “أنا ومن بعدي الطوفان”. إذ اضحى مؤكدا مدى تعلقهم بمصالحهم الفئوية، وبات جليا تمسكهم الشديد بمآربهم الشخصية، أما المواطن فله رب يحميه، وأما مصلحته فله فُتات مايتركونه، بعد اقتسامهم حصة الأسد منها، وأظنهم استشرعوا هذه القسمة الضيزى من أبي نؤاس، حين قال في جارية اسمها “جنان”:

جنان حصّلت قلبي

فما إن فيه من باقِ

لها الثلثان من قلبي

وثلثا ثلثه الباقي

وثلثا ثلث ما يبقى

وثلث الثلث للساقي

فتبقى أسهم ست

تجزّا بين عشاق

***

علي علي

 

مما لا شك فيه ان جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية لا تخضع لسلطة الدولة الحديثة في ليبيا، لان الدولة تعتمد كليا على المجموعات المسلحة وبالأخص حكومة الدبيبة حيث يقوم بشراء ولائها لأجل البقاء في السلطة،  وعندما يحدث اختلاف على مواقع النفوذ بين الميليشيات يقوم الدبيبة بالدفع لإنهاء المشاكل، لذلك نجد الميليشيات تتدافع نحو الاستحواذ على هذه المنافذ لما لها من منافع  ولا ننسى قول احد زعماء المليشيات عقب اسقاط النظام،  بان السيطرة على مطار طرابلس افضل من الحصول على وزارة.

معبر راس جدير ليس استثناء،  ولأنه نافذة البلاد على تونس التي يذهب اليها غالبية سكان الغرب الليبي للعلاج والسياحة،  فان تهريب الوقود بمختلف انواعه الى تونس يتم عبره نظرا لفرق السعر،  بالتأكيد هناك مرافئ اخرى بالمنطقة الغربية لتهريب النفط ومشتقاته الى ايطاليا ومالطا،  ولان الدولة ضعيفة جدا ولا تستطيع مجابهة الميليشيات المحلية،  فإنها تغض الطرف عن ذلك،  مكتفية عند الحاجة بذكر المبلغ الخيالي (8مليار دولار امريكي في السنة) لدعم المحروقات مهددة برفع الدعم عنه،  ما يحدث غضبا في الشارع الليبي ونعلم جيدا ان المستفيد من الدعم هم تجار التهريب ويجب الحد منه قدر الامكان.

الضجة الاعلامية التي رافقت التهريب عبر المعبر هو انه يقع جغرافيا ضمن مكون الامازيغ  والذين كما غيرهم يمتلكون مختلف انواع الاسلحة وميليشيات عرقية، عندما حاولت الدولة بسط نفوذها سارع المكون من خلال جناحه العسكري الى طرد الاجهزة الامنية المكلفة بتسيير الامور بالمعبر ما اعتبر تعد سافر على الدولة التي اعلنت اقفال المعبر الى حين السماح لأجهزتها الرسمية بالقيام بعملها،  خوفا من حدوث قتنه عرقية تدخلت وزارة الدفاع لإنهاء الموقف بصورة سلمية باشراك الجناح العسكري للأمازيغ في تسيير الامور الى حين وضع تراتيب امنية تبعد شبح الفتنة .

الملفت في هذا الملف ان الامازيغ يرفعون العلم الخاص بهم بالمعبر الى جانب علم الدولة،  الأمازيغ مكون اجتماعي لا خلاف في ذلك،  ولكن ان يكون له علم (راية) خاص به ويرفعه  على كامل تراب المكون،  فهذا يعني ان المكون العرقي  يريد الانفصال عن الدولة عاجلا ام اجلا، النظام السياسي القائم لم يمنح المكون حكما ذاتيا وبالتالي فان رفع العلم بالمعبر يعتبر عملا ضد الدولة وانتقاصا من هيبتها.

ننتمى ان تتواجد الدولة عبر مؤسساتها الرسمية بمختلف المنافذ لإحكام السيطرة والحد من التهريب لمختلف السلع الى الدول المجاورة نظرا لفروق سعر الصرف. حيث سيتم استقرار الاوضاع الاقتصادية وتحقيق الامن الغذائي.

والى ان تقوم الدولة الحديثة الحاضنة لكل ابنائها بمختلف مكوناتهم العرقية،  نتمنى من الجميع عدم جر البلاد في اتون خلافات تفضي الى تشرذم الشعب وتقسيم البلاد، عندما تقوم الدولة بالتأكيد سيتم سحب مختلف انواع الاسلحة واعادة تأهيل منتسبي الميليشيات اما الانخراط بصفة فردية في الاجهزة الامنية والعسكرية للدولة واما اتاحة الفرص لهم بالعمل في المجال المدني، ، فالبلد للجميع وبالجميع يتم بناءه،  ولن يشعر أفراده بالغبن ولهم ممارسة العمل السياسي وفق النظام السياسي الذي يرتضيه غالبية الشعب.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

معضلة: مشكلة صعبة لا يُهتدى لحلها.

لا توجد مشكلة أو قضية أو موضوع تناوله العرب في مؤتمراتهم ولم يعضّلوه، أي يعقدونه ويجعلون حله مستحيلا أو داميا، وما أكثر مؤتمراتهم التعضيلية.

إنها ظاهرة متكررة على مدى القرن العشرين ولا تزال في نشاطها المتنامي.

فهل لديكم مؤتمر إستطاع حل مشكلة مطروحة أمامه؟

مؤتمرات القمم تنتهي بويلات جسام، ولو نظرتموها، لتبين بأنها تُعقد لتأكيد المرارات وتعزيز العثرات، ولقمع التوجهات الصالحة للبلاد والعباد.

المؤتمرات بأنواعها ودرجاتها تنتهي إلى ما هو مرير وخطير، مؤتمرات سياسية، ثقافية، عسكرية، إجتماعية وغيرها.

فالأمة لديها نزعة إيذاء الذات وجلدها، وبعض دولها تعصف في ربوعها النزعات الإنتحارية، المؤدلجة دينيا وعقائديا، والتي تدفع لسلوكيات متوحشة وتفاعلات إفتراسية قاسية، فبإسم الدين يمكن تبرير المآثم وتطوير المفاسد والإستثمار فيها.

وعلى هذا المنوال تتحقق إرادة الطامعين بوجود الأمة، وبجهود أبنائها الأشاوس.

الذين ينفذون الأوامر ويخلصون للوكالات السلطوية، والإلتزام بها ليدوموا في كراسي الجور وحرمان المواطنين من أبسط حقوق الإنسان.

وعلى الباغي تدور الدوائر!!

"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"!!

***

د. صادق السامرائي

لمناسبة استشهاده

من المدهش ان الأمام علي سبق علماء النفس المعاصرين في تحديد مواصفات الصحة النفسية والعقلية بمفهومها الحديث الذي يعني بمصطلحات الطب النفسي بأنها: (القدرة على تحمل المسؤولية، اقامة علاقات حميمة مع الناس، التفكير بوضوح وبشكل عقلاني ومنطقي، تقييم النفس بشكل متوازن، ادراك الواقع كما هو، المحافظة على الاستقرار الانفعالي والتوازن الوجداني).

والمدهش أكثر.. انه اشترط توافرها ضمنا في شخصية الحاكم، وتلك دعوة كنّا اطلقناها في العام 2004 وموثقة في كتابنا (الشخصية العراقية بين المظهر والجوهر).

ولقد اشترط الامام توافر الضمير لدى الحاكم. ومع تعدد معاني الضمير الذي يعني الرقيب على افعال الانسان، أو القاضي الذي يحكم بالعدل، أو صوت الله في الانسان، فانه في قيمة الانسان أمام الناس أشبه بفص عقيق في خاتم، اذا اخرجته منه صار لا يساوي شيئا، لأن صاحبه يصبح بلا قيم ولا أخلاق. ومع بشاعة انواع كثيرة من الضمائر الميتة فان أقبحها هو خيانة الأمانة حين تكون هذه الأمانة تخص الناس. فعضو البرلمان مثلا، او المحافظ، أو المدير العام، مؤتمن على أموال الناس ومصالحهم، وينبغي أن يكون ضميره خالصا لمن أئتمنوه. لكنك ترى صحفنا اليومية فيها كاريكاتورات ساخرة بمرارة عن وزير هرب بأموال الناس المساكين بما يعادل ميزانية موريتانيا، وموظف كبير يستحرم أخذ الرشوة في الدائرة لأنه صائم، ويطلب من الراشي ان يأتيه بالدبس الى بيته بعد الافطار!.. ورئيس وزراء يعلن ان لديه (ملفات فساد لو كشفها لأنقلب عاليها سافلها) ولم يكشفها مع انها مصدر قوت الرعية المسؤول هو عنها. ولك في ما تقوله الناس والصحافة عن أمثال هؤلاء ما يجعلك على يقين أن غالبية المسؤولين في حكومات ما بعد 2003 هم أصحاب ضمائر ميتة.والمؤسف ان المثقفين والصحفيين انشغلوا بالسياسة التي الهتهم عن قضايا اجتماعية واخلاقية خطيرة افدحها ما حصل (للضمير العراقي) في العقود الأربعة الأخيرة، لما تعرض له من قساوة ثلاثة اعداء:الحروب والظلم والكراهية، وجهت له ضربات موجعة أماتته عند الحكام وادخلته في غيبوبة مطلقة عند معظم العراقيين.

وما حصل ان العراق الذي شاع فيه الفساد، قدم قانونا (أو تنظيرا) اجتماعيا لعلماء النفس والاجتماع السياسي نصوغه بالآتي:

(اذا زاد عدد الافراد الذين يمارسون تصرّفا يعدّ خزيا، وتساهل القانون في محاسبة مرتكبيه، وعجز الناس عن ايقافه او وجدوا له تبريرا، تحول الى ظاهرة ولم يعد خزيا كما كان).

والمدهش ثالثة أن عهد الخليفة علي لمالك الأشتر يقدم مآثر في فلسفة الحكم وسيكولوجية الحاكم.ففي قوله (لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم..)، فانه يطرح مقياسا كاملا للعدالة فيه بعد سيكولوجي هو ان يضع الحاكم نفسه موضع المحكوم، فيكره له ما يكرهه لنفسه. والتقط حقيقة سيكولوجية بثلاث مفردات في قوله (اجتنب ماتنكر أمثاله)..اي عدم فعل مالا تحب ان يفعله الآخرون بك، ويذكّر الذين جاءوا الى السلطة من داخل الشعب انهم كانوا قبل ذلك يثيرون النقد ضد سيئات الحاكم السابق، فيدعوهم الى ان لا ينسوا مواقعهم النقدية السابقة فيصغوا الى النقد الآتي من القاعدة الشعبية..وتلك اثمن نصيحة لم يأخذ بها من جاء بهم (الشعب) الى السلطة بعد التغيير.فضلا عن نصيحة اخرى بقوله (ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك)، فيما حكّام الخضراء اختاروا من يكون رهن طاعتهم واستبعدوا افضل الكفاءات وانضج الخبرات، وعملوا بالضد من نصيحة أخرى بقوله(وانصف الله وانصف الناس من نفسك ومن خاصة اهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك). ونصيحة اخرى بقوله (الأصغاء للعامة من الناس) فيما المتظاهرون يطالبون بالاصلاح ويصرخون من عشر سنوات وهم عنهم ساهون، ونصيحة اخطر بقوله (اياك والدماء وسفكها بغير حلها) فيما حكّام الخضراء سفكوا دماء مئات الشباب وما يزالون يسفكون.

لقد اراد الأمام علي في منظوره للحاكم  ان يكون وثيقة تستقى منها المباديء التي ينبغي على الحكّام ان يهتدوا بها في كل زمان ومكان، وكان ينبغي أن يقتدي به قادة كتل واحزاب الأسلام السياسي الشيعي الذين يتباهون بانهم اخلص شيعته ، فيما كان منظورهم هو الضد النوعي ،يكفيك منها دليل واحد أن الأمام علي قال يوم تولى الخلافة:(جئتكم بجلبابي وثوبي هذا فان خرجت بغيرهما فأنا خائن).. وانظر لهم كم صاروا يملكون!

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

اعتاد طير الوقواق أن يهاجر من بلاده إلى بلدان أخرى بعيدة عن موطنه لتضع إناثه بيوضها في أعشاش غيرها من الطيور، ليعتاش فرخها بعد تفقيسه على غذاء طيرين آخرين بعد أن يكون قد قضى على أفراخهم كونه ينمو بسرعة وحجمه أكبر وأكثر قوة، هذا باختصار شديد مواصفات هذا النوع من طفيليات الطيور الذي استخدمته عنواناً لمقالتي في توصيف كثير من حكومات وأنظمة منطقتنا المبتلاة بالحكومات الطفيلية التي تعتاش على استكانة شعوبها وتخلفهم وأميتهم الحضارية وحتى الأبجدية، فهي تنشأ في هكذا بيئات متقهقرة وموبوءة بشتى مخلفات الماضي وصفحات التاريخ الاجتماعي الأسود لمعظم مجتمعاتنا، خاصة ما يتعلق بالفهم المنحرف للعقائد الدينية والمذهبية وتحويلها الى خرافات وأساطير من نسج خيال أشخاص مرضى بشتى أنواع العقد النفسية والاجتماعية.

زمر ومجموعات تسلطت في غفلة من الزمن وفي بيئات فكرية وثقافية قاحلة لتضع بيوضها السامة وأفكارها المنحرفة في بلدان احتضنت أولى حضارات البشرية، لكي تفقس جيلاً بعد جيل مجموعات مشوهة لا هم لها إلا السلطة والسحت الحرام لتستمر مسيرة التقهقر والاستكانة والعبودية، تارة لدكتاتور أحمق مفترض وتارة لأفكار خرافية من تاريخ مشوه ومفصل على قياساتها وفهمها المسطح وتارة لشيخ القبيلة وأخرى لفارس نرجسي إرهابي ممتلئ بالسحت الحرام والمرتزقة استطاع تحويل ما حوله الى قطعان من العبيد، كما تفعل كثير من الميليشيات وزعمائها اليوم.

في شرقنا بجهاته الأربع ووسطه الملتهب أبدا تفقست تلك البيوض على شكل حكومات وبرلمانات طفيلية لا همّ لها ولا غمّ إلا امتصاص أرزاق هذه البلدان وثرواتها مستخدمة كل مؤسسات الدولة التي خرجت من تحت عباءتها على مضاعفة تجهيل مجتمعاتها وتفقيرها وزيادة استكانتها العبودية، حتى ان ظهر من يعارضها أو يغير اتجاهات مجتمع قذفته بشتى الاتهامات وفبركت له قصصاً وروايات، حتى اعتقد القطيع أن لا عدو له ولربه إلا هذا الذي يحاول الخروج من عش تلك الطيور الطفيلية التي دمرت أعشاش الشعب ونهبت أرزاقهم وفرص حياتهم في العيش الحر.

لا غرابة فيما يحصل فقد تكالبت على ارض هذه المنطقة من العالم شتى الأقوام والأجناس وهاجرت إليها قبائل متوحشة من شتى أنحاء الدنيا واستوطنت على أديمها بعد أن اقترفت كبريات المذابح في مدنها وقراها وحولت ما تبقى من سكانها الأصليين الى أقوام مستعمَرة تحكمها بالحديد والنار والارزاق، وبعد ان كانت هذه البلاد منشأ كبريات حضارات البشرية غدت واحدة من أكثر بلدان العالم فشلاً وتخلفاً وفساداً، تحت ظلال تلك الاعشاش التي دُست فيها بيوض طائر الوقواق في مدن الشمس.

ترى هل تتقبل قوانين الطبيعة استبدال الأصيل بطير الوقواق الدخيل؟

***

كفاح محمود

 

عندما نقرأ النص القرآني نقف طويلا عند بعض الآيات المباركات ونقرأها بتمعن وتفكر وندورها في العقل كما أمرنا الله تعالى نجد أن هناك الكثير منها تتعارض وتتقاطع مع التفاسير القديمة الموروثة من السلف الصالح والمخيلة الإسلامية وخصوصا الأحاديث النبوية الشريفة التي كُتبت في العهد الأموي المتأخر والعصر العباسي الأول وحين نفتش في بطون أمهات الكتب الدينية والفكرية الإسلامية المعتبرة نجد الكثير من التأويلات والتفسيرات حين نعرضها على العقل المتدبر لا يمكن الأخذ بها أو تصديقها مع كل الاحترام والتقدير للعقول التي أدلت بدلوها في هذا الصدد في زمانها ومكانها منها على سبيل المثال (وما جعلنا لبشر قبلك الخلد أفأن مت فهم الخالدون) وحين نضعها أمام فكرة بقاء النبي عيسى بن مريم عليه السلام حيا حتى قيام الساعة أو فكرة الأمام المهدي عند جمهور علماء المسلمين وكذلك (هو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم أن الإنسان لكفور) و(كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون) و(قل الله يحيكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) وقوله (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين....) ونضعها أمام فكرة ما جاء على لسان السلف الصالح وفي تراثنا الديني وكثير من الأحاديث النبوية فكرة عذاب القبر الذي يُضاف إليه حياتا وموتا جديدا وكيف يُعذب فيه الميت ويُسأل عن أعماله وفكرة المعراج للنبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه فان هذا الطرح لا يمكن التسليم به ولا يمكن عدم الأخذ به كونه طُرحت منذ مئات السنين وأحيطت هذه النصوص بالقداسة من مرجعيات معتبرة حينها لا يمكن تجاوزها أو نقاشها من قبل الآخرين والمعارض لها يدخل في صراع يصل إلى القتل والتكفير والاتهام بالزندقة والإلحاد من قبل الشيوخ ورجال الدين الذين ورثوا الحصانة الكبيرة من المؤسسات الدينية أمام التيار المجدد التنويري الذي يدعوا إلى أعادة النظر في التراث الإسلامي الديني والتفاسير الدينية والفقهية لنصوص القرآن الكريم وكثيرا من الأحاديث النبوية الشريفة حيث جابهت هذه الدعوات للمفكرين الجدد حملات شرسة من قبلها مدافعة عن قيادة الأمة الإسلامية بطريقة تفكيرها ووقفت بالضد من حملات التصحيح وغربلة هذه المفاهيم ومازال الصراح محتدم بين هذه المؤسسات الدينية والعقل العربي المتدبر المتفكر المتنور الذي أطلقوا عليه بـ(القرآنيون) والذي يحاول بدوره وضع المفاهيم والقيم الإسلامية في موضعها الزماني والمكاني الجديد لمواكبة التطور الفكري للإنسان للخروج من عباءة وجلباب وسطوة المفاهيم الدينية والعقلية لكثير من رجال الدين الذين تربعوا على عرش هذه المؤسسات والهيمنة على التراث السلفي الإسلامي محاطا بقداسة النص للأحاديث النبوية الموضوعة على النبي الكريم والبعيدة عن مفهوم الإسلام الحقيقي والرسالة السماوية بحصانة من رجال الدين ومرجعياتهم الذين لهم الكلمة العليا في الساحة الإسلامية .علما كلنا يعرف أن الله تعالى وعلى لسان آياته المباركات يُخاطب الإنسان العاقل والمتدبر لآياته كون أعطاه ميزة العقل للتدبر والتفكر في آياته كمشروع إلهي في تنظيم حياة هذا الإنسان على الأرض على ضوء كل مرحلة من حياته حتى قيام الساعة لهذا أعطى الله تعالى المساحة الكاملة للعقل البشري في كيفية معرفة مراد الله علي خلقه وترتيب شؤونه اليومية من عبادات ومعاملات وقيادة هذا الإنسان نمط حياته في مجتمعه برسالات ثلاث هي اليهودية والنصرانية والإسلامية المحمدية فأن الخروج من دائرة القداسة للنص تعطينا المساحة الكافية في الخوض للمعرفة المنهجية للتدبر التي لا تخرجنا من المفهوم الذي أنزله الله تعالى في كتابه الكريم وفيه تفصيل لكل شيء والذي يوافق كل عصر وزمان وكل عقل بعيدا عن هيمنة الذي يحتكرون قيادة العقل العربي والإسلامي بالتعاون مع كل ما يطرح على الساحة من محاولات لتغير مسار العقل العربي نحو الفهم الصحيح لآيات القرآن الكريم وإعطاء الفرصة والمساحة المهيأة لإخراج الدين الإسلامي للواجهة العالمية بوضوح بعيدا عن الخوف منذ سنين كثيرة والذي على ضوئه تراجع الفكر الإسلامي المنهجي وتقوقع في الجزيرة العربية وبعض البلدان الذي وصلها مشوشا.

***

ضياء محسن الاسدي

دول الدنيا عندما تواجه تهديدا مصيريا تتحد مجتمعاتها وتتناسى ما بينها من إشكالات، وتركز على أهمية الوعاء الوطني وسلامته، والحفاظ على سيادته وقدرته على إبقاء حياة المواطنين السعيدة.

أما مجتمعات دول الأمة فأنها تتشظى أمام أبسط التحديات التي تواجهها، وتصبح فرقا وجماعات وفئات وتحزبات، تتوسل بأعداء وطنها للنيل من أبناء الوطن الآخرين.

وهذا سلوك واضح إلا ما شذ وندر.

فهل وجدتم دولة لم تتمزق أمام التحديات؟!!

لا يمكن تفسير هذه الظاهرة السلوكية الغريبة، فحتى القطعان في الغاب عندما تداهمها الوحوش، تتجمع وتتكاتف لتكون جبهة واحدة ضدها.

فدول الأمة متأهبة للتفرق والتمزق وكأنها تسعى لذلك!!

ولهذا فالصراعات البينية متواصلة منذ تأسيسها، وفي القرن الحادي والعشرين أصبحت الصراعات داخل الدولة الواحدة، كما هو الحال، في العراق واليمن والسودان وليبيا وحتى لبنان.

وتلك حقيقة واقع مأزوم سيأخذ الأمة بدولها لسوء المصير، خصوصا بعد أن تحقق الإستثمار بالدين، وإمتطائه لصناعة الوجود المتشظي الإستنزافي الخسراني، القاضي بالقتل المباح للآخرين من أبناء الوطن، بفتوى قاضية بمحقهم والتخلص من وجودهم المرفوض بموجب هذه الفئة أو تلك.

والغريب في الأمر، أن لا أحد ينهض بوجه التفاعلات السلبية، ومعظم الرموز تسعى للإستثمار بالتمزيق والتفريق وإذكاء الصراعات البينية.

فلماذا يُلام الطامعون بالأمة؟!!

"وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"!!

فهل نتعاون أم نتكاون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

مما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن الإسلام قد حفز أتباعه على تعلم الطب، ورفع المعاناه عن كاهل المريض الذي يشكو الدنف، وتشتد عليه العلة، ويشق عليه المرض، فالمريض الذي أنهكته الحمى، أو اعتراه مرض ثقيل، تراه يهش لمقدم الطبيب هشاشة السائل المعدم للمال الذي يسد عوزه، ويعالج فقره، لأنه يحسم عنه الداء، ويشفيه بإذن الله من ويلاته وآلامه المبرحة، لذا نجد أن المجتمعات تتسابق إلى وداد الأطباء، وتتنافس على رضاهم، والحقيقة التي لا يغالي فيها أحد، أن تعلم الطب فرض من فروض الكفاية، فهو واجب على كل شخص، ولا يسقطه عنه إلا إذا قام به غيره، كما هو فرض عين على الطبيب الذي زاول هذه المهنة، وسبر أغوارها، وألمّ بشتى تفاصيلها ودقائقها، ولكنه لا ينفك متزايلاً ضجراً منها لكثرة المرضى الذين يلوذون ببابه، فمثل هذا الرجل يكون التطبيب واجباً عليه طالما لا يوجد في المكان الذي يعيش فيه طبيب آخر «وقد أجمع الفقهاء على عدم مسؤولية الطبيب إذا أدى عمله إلى نتائج ضارة بالمريض، وسبب رفع المسؤولية عنه هو إذن الحاكم، وإذن المريض ثانياً، فإذن الحاكم يبيح للطبيب الاشتغال بالتطبيب، وإذن المريض يبيح للطبيب أن يفعل بالمريض ما يرى فيه صلاحه، فإذا اجتمع هذان الإذنان فلا مسؤولية على الطبيب ما لم يخالف أصول الفن أو يقترف خطأً في فعله».

فالطبيب إذا كان همه منصرفاً لصلاح المريض وعلاجه من سقمه، ولم يخالف القواعد والأطر التي يجب اتباعها، والتقيد بها، حتى يتعافى السقيم من وجعه، فإنه لا يسأل عن الخطأ الذي يقع منه في هذه الحالة لأنه خطأ يصعب التحرز عنه، فإذا حدث وأن وصف الطبيب الحاذق دواء لمريضه، ويعتبر هذا الدواء هو الوصفة المتعارف عليها بين الأطباء والصيادلة لعلاج ذلك الداء الذي يشكو منه العليل، فنجم عن تناولها تسمم حاد للمريض أودى بحياته، ففي هذه الحالة لا يتعرض الطبيب لأية عقوبة أو سؤال من الناحية الجنائية والمدنية، لأنه في واقع الأمر قد قام بواجبه على الوجه الأكمل، ويستوي في الحكم إذا تقّمص المريض لباس العافية، أو قضى نحبه، أو حتى كفّ بصره، وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي رحمه الله»: «وإذا أمر الرجل أن يحجمه، أو يختن غلامه، أو يبيطر دابته، فتلفوا من فعله، فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة، فلا ضمان عليه، وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح، وكان عالماً به، فهو ضامن».

فالطبيب لا يسأل عن خطئه إلا إذا كان خطأ فاحشاً، والخطأ الفاحش هو ما لا تقرره أصول فن الطب، ولا يقرره أهل العلم بفن الطب، والفقهاء «أجمعوا على أن الطبيب إذا أخطأ لزمته الدية، مثل أن يقطع الحشفة فى الختان، وذلك عنده إذا كان من أهل الطب، ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن لأنه متعدّ، وقد ورد فى ذلك مع الإجماع حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مَنّ تطبّب ولم يُعْلمْ مِنْهُ قبل ذلك الطّبُّ فهو ضامن»، والدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة، ومن أهل العلم من جعله في مال الطبيب، ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو بن شعيب».

وفي عصرنا الحاضر نجد أن القوانين الوضعية لا تلاحق إلا «الأطباء الذين يلجأون إلى طرق علاجية مهجورة، فالالتجاء إلى طريقة في التوليد يقدر الخبراء بأنها أصبحت مهجورة، وتمثل خطورة بالنسبة إلى الجنين يشكل خطأً فادحاً من جانب الطبيب المولد، ونفس الشيء بالنسبة للطبيب الذي يتجاهل المبادئ الأولية في التشخيص، ومعرفة حال المريض، والطبيب الذي يلجأ لطريقة خاصة في العلاج تعتمد على محض الصدفة، بدلاً من اتباع الطرق التقليدية المعروفة»، فمهنة الطب مهمة جسيمة لما يترتب عليها من أخطار قد تؤدي لضياع حياة البشر، لذا ينبغي ألا ينتحلها إلا من يحسنها، وقمين بالطبيب الذي لا يحسن الجراحة إذا شاهد شخصاً به العديد من القروح والكلوم التي ينبجس منها الدم، أن يتصل بالطبيب المتخصص، وأن يقتصر دوره على وضع الرفائد التي توقف نزيف الدم، ويقوم بتضميد الجرح وتعقيمه، ريثما يحضر الطبيب الضليع في هذا المجال.

***

د.الطيب النقر

 

عندما كتبت أول أمس الخميس 28 مارس ملاحظة متسائلا عن صحة الأخبار التي ترد من القاهرة بتواصل قيادات من السلطة ببعض ملاك الأراضي في المنطقة الوسطى من قطاع غزة وتطلب منهم توفير ٤٠٠ دونم لإقامة مخيم لإيواء مهجري رفح قبل اقتحامها من جيش الاحتلال، استنكر كثيرون هذا التساؤل واعتبروه من باب التشكيك والطعن بقيادات فتح والسلطة. وبعد التواصل مع المعنيين مباشرة لم ينفوا الخبر ولكن طرحوا الأمر على الشكل التالي: إنهم وبعد الإصرار الإسرائيلي على اقتحام رفح المكتظة بالسكان وما يترتب على ذلك من إمكانية دفع الآلاف نحو سيناء وسقوط آلاف آخرين خصوصا من النساء والأطفال، وبعد ادعاء واشنطن عجزها عن دفع إسرائيل للتراجع عن الفرار وعجز المنتظم الدولي عن ذلك، ومن منطلق الإحساس بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية والوطنية تشاوروا مع الأخوة في مصر حول كيفية التقليل من التداعيات الخطيرة في حالة غزة رفح، فكانت فكرة إقامة مخيمات إيواء مؤقتة في المنطقة الوسطى، وسألني المسؤول الفلسطيني هل تعتبر محاولة منع التهجير إلى سيناء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح المدنيين تنسيقا أمنيا؟ وانتهت المكالمة التليفونية حول الموضوع عند هذا الحد. 

كان كلامه مقنع من حيث المبدأ لأن لا أحد يريد تهجير الفلسطينيين الى سيناء أو مزيدا من معاناة قاطنة رفح، كما يجب الاعتراف بأن كل من يشتغل في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية من دول ومنظمات دولية في القطاع لا بد أن يبسق مع جيش الاحتلال بشكل أو آخر وإلا لن يُسمح له بالعمل وسيدمر كل مشاريعه، ولا داع أن يدعي أحد البطولة وتحدي الاحتلال بعد كل ما لحق القطاع من موت ودمار. وحيث إن كل فلسطين خاضعة للاحتلال المباشر فإن ما يجري في غزة سيكون امتدادا مع ما يجري في الضفة ولو التنسيق بين السلطة وإسرائيل ما استمرت السلطة الى اليوم، وحتى ما جرى طوال سبعة عشر عاما من حكم حماس لغزة، فلولا التنسيق المباشر أو غير المباشر مع الاحتلال من خلال عراب الانقسام الوسيط القطري ما استمرت حماس بالسلطة طوال هذه السنوات.

ولكن يجب الحذر من توظيف العدو لمسألة الغوث الإنساني لزرع بذور الفرقة والاقتتال الداخلي، كما أن العدو لا يعترف بحرمة لأي أماكن آمنة، ونُذكر هنا أنه في بداية الحرب طلب جيش الاحتلال من سكان الشمال ومدينة غزة الانتقال الى المناطق الآمنة جنوب وادي غزة وخصوصا الى رفح وخانيونس، بعدها بدأوا باقتحام خانيونس من أقصى الشرق لأقصى الغرب ولم يحترموا أي مكان آمن حتى المدارس والمستشفيات، وبعد أن عاثوا خرابا ودمارا وموتا فيها حولوا أنظارهم لرفح وقال كل قادتهم أنهم سيقتحمون رفح بذريعة أنها الحصن الباقي لحماس، فما الذي يضمن أن العدو لن ينتقل بعد اقتحام رفح، في حالة حدث ذلك، لاستهداف مخيمات الإيواء الجديدة التي بنيت بأيادي فلسطينية وتمويل عربي بحجة أن قيادات المقاومة تسربوا لهذه المخيمات؟ ألن توجه اتهامات في هذه الحالة أن السلطة ساعدت العدو في تنفيذ مخططه؟

هذا المشهد المرتبك ينطبق أيضا على موضوع الميناء الذي تبنيه إسرائيل بتنسيق مع دولة الإمارات ووكيلها في غزة محمد دحلان، حيث تقوم شركات فلسطينية وعمال فلسطينيون ببنائه في ظل صمت حركة حماس وبقية فصائل المقاومة وعدم استهداف مقاتليها للميناء والعاملين فيه مع أنها تعرف أن فكرة الميناء إسرائيلية وسابقة على قرار واشنطن والغرب ببنائه، وله أهداف تتجاوز الاعتبارات الإنسانية؟ ففي هذه الحالة لا يمكن تجاهل وجود تنسيق أمني إسرائيلي حمساوي دحلاني.

نتفهم معاناة أهلنا في قطاع غزة و افتقارها لأدنى متطلبات الحياة من غذاء ودواء ومياه، والحفاظ على حياتهم وحياة أسرهم أو ما تبقى منها، كما نقدر جهود ذوي النوايا الطيبة في مساعدة أهالي غزة، كما نقدر أن أي حديث الآن عن الوحدة الوطنية والصمود والبطولة لن يجد عندهم آذانا صاغية حبت رغيف الخبز والدواء والماء وضمان الأمان الشخصي بات سابق على أي حديث عن الوطن والوطنية، ولكن يجب الحذر من استغلال معاناة الناس في ظل استمرار الانقسام لتصبح الأطراف الفلسطينية عاملا مساعدا للعدو في تنفيذ مخططاته.

***

د. ابراهيم أبراش

 

ما يجري في الأمة ومنذ قرون وقرون، أن الكثيرين من أدعياء الدين الذي يسمّون أنفسهم بالفقهاء والعلماء وغيرها، يحسبون أنفسهم وكلاء رب العالمين، فعاثوا فسادا بإسم الرب الذي ينوبون عنه، ويدّعون أنهم وكلاؤه!!

بل أن الموضوع تطور وصار الجالس على كرسي السلطة حاكم بأمر الرب، وبهذا يكون الحكم صارما ونافذا في الحال، والجميع لا مسؤولية عليهم لأنهم ينفذون أمر ربهم بعباده الذين سلطهم عليهم.

وهذا الإدعاء تواصل فاعلا في مسيرة الأمة، بل يمكن القول لايزال قائما في بعض المجتمعات، التي إنتشر فيها نواب الرب الذين عليهم تنفيذ إرادته القاضية بالأهوال.

هذا الرب الذي ينوبون عنه أو لديهم وكالة منه، أو يحكمون بأمره، شرس متوحش دموي، مدمن على الظلم والفساد وإنتهاك الحرمات، ويتمتع بمنظر قطع الرؤوس وسفك الدماء.

هو الرب الذي بأمره يحكمون!!

وفي الواقع أنهم يمتطونه ويترجمون بواسطته غرائزهم وأهواءهم، وتوهمهم النفس الأمّارة بالسوء الفاعلة فيهم بما يقومون به، وهم بلا ضمير ولا قدرة على النظر فيما يقترفون.

ويدّعون أنهم يمثلون الدين الذي يعتقدون!!

بعضهم ربهم رحمان رحيم، لكنه أعطاهم وكالة سلوك الأشرار المجرمين، فكيف يتوافق الطرفان المتناقضان؟

كلهم من جنس حمّالة الحطب، ويجيدون التنابز بالخطب، وعلى بعضهم جنود غضب، وقد فار التنور ولسوف يأتيهم العطب.

و"كتب ربكم على نفسه الرحمة"!!

فهل نوابه يرحمون، أم لشرائع الغاب يترجمون؟!!

***

د. صادق السامرائي

كان "مناحيم بيغن" منذ مفاوضات كامب ديفيد قد وضع الأسس التي تقبل بها دولة الاحتلال فيما يدعى زيفا وكذبا "حل القضية الفلسطينية". هذا الحل الذي يتناسب مع مزاج دولة الاحتلال.

وقد التزم رؤساء حكومة هذه الدولة وقادتها بتلك الأسس التي وضعها "بيغن" حتى يومنا هذا. كما أخذتها الولايات المتحدة الأمريكية بعين الاعتبار في جميع مفاوضات السلام التي خاضتها دولة الاحتلال مع الطرف الفلسطيني. كما والتزمت بهذه الأسس الأنظمة العربية التابعة والمستسلمة لواشنطن.

أما عن هذه الاسس فتتضمن

- عدم السماح بقيام دولة فلسطينية تتمتع بمقومات الدولة المستقلة.

- رفض إعادة الأراضي التي احتلتها دولة الاحتلال إلى القيادة الفلسطينية ، لكن يُسمح بقيام سلطة ذاتية على الفلسطينيين في بعض المناطق مع إبقاء السيادة لدولة الاحتلال على الأرض. كما يحق لدولة الاحتلال تنفيذ عمليات أمنية داخل هذه الأرض.

- استمرار مشاريع الاستيطان داخل الأراضي الفلسطينية.

وعودا إلى الانظمة العربية التابعة للولايات المتحدة والتي ربطت انظمتها سياسيا واقتصاديا وامنيا، مقابل الدفاع عن المصالح الأمريكية مثل النفط وحرية الأسواق وتواجد القواعد العسكرية على اراضيها. والأنكى من ذلك كله الحفاظ على أمن دولة الاحتلال وضمان استقرارها وتفوقها. مقابل غض الطرف من قبل الولايات المتحدة عما تنتهكه هذه الأنظمة من انتهاكات وقمع لشعوبها وممارسة الفساد. ويجدر الذكر هنا ان الولايات المتحدة تستطيع إزالة هذه الانظمة مجرد إجبارها على تطبيق الديمقراطية مع شعوبها، وهنا النتيجة ستكون معروفة وهي إزالتهم عن كراسيهم لا من قبل الولايات المتحدة بل من قبل الشعوب المقهورة. لذلك فهذه الأنظمة تعمل على كل ما ذكرنا من عار للاحتفاظ بتلك الكراسي.

أما بالنسبة لأولئك الذين انحازوا للسلام الأمريكي وهرولوا نحوه بكل طاقاتهم من بعض القيادات الفلسطينية لظنهم ان الموقف الأمريكي سيكون إلى جانبهم في تقرير المصير وإقامة الدولة، فقد خاب ظنهم لان ما ظنوه يتناقض مع الأهداف الأمريكية بالحفاظ على قاعدة نفوذها "دولة الاحتلال".

ويكفي ان نذكر هنا بأن القيادات الأمريكية المتتالية كانت قد تعهدت ولا زالت بالتشاور مع القيادات اليهودية قبل اتخاذ أي قرار حول سياساتها في الشرق الأوسط وخاصة تلك المتعلقة بفلسطين.

بل ودعم جهود دولة الاحتلال في توسعها داخل الأراضي الفلسطينية. فجاءت اتفاقيات أوسلو واولادها لا لمصلحة الشعب الفلسطيني بل جاءت لتصب في خدمة دولة الاحتلال ولتحسين وضعها وجعله أفضل مما هو قبل أوسلو.

فبعد أوسلو لم يتوقف التوسع وإقامة المستوطنات في مناطق الحكم الذاتي ولم تتوقف الحواجز المهينة ولا الجدران العازلة العنصرية ولا توقفت الاعتداءات على الأراضي ولا عمليات الهدم ولا الاعتقالات والأهم لم تتوقف الاقتحامات التي يقوم بها قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى ، بل ازدادت وأصبحت أكثر وحشية ، وها هي بقراتهم الحمر قد أصبحت جاهزة ، يهددون بذبحها والتطهر من دنسهم وهدم مسجدنا المبارك وإقامة هيكلهم المزعوم.

والكارثة الكبرى هو التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال. وكل ذلك بمباركة أمريكية.

ولهذا كانت ٧/أكتوبر التي كشفت المستور وأسقطت الأقنعة وأيقظت الوعي العربي لدى الشعوب ومن هنا يبدأ التحرير بإذن الله.

***

بديعة النعيمي

يبدو من رد وزير التعليم على حادثة العميد أن هناك تحليلات شخصية وإشاعات أثارها البعض بهدف ما، واتفق مع الوزير أن تصرف العميد فردي ولا صحة لمساومات طالبات، لكن لو فرضنا أن من ظهرت في الفيديو موظفة أو صديقة أو جارة.. أو طالبة كما تحدث البعض فذلك لايغير من سوء الموقف وأساس القضية، وهو الفساد الأخلاقي واستغلال الوظائف، أما المساومات فأعتقد أن الفتيات يتعرضن لها في كل مكان والبعض يلجأن إلى العمل في مكان آخر أو ملازمة البيت بسبب المضايقات والتحرش، لأن مجتمعنا يعاني من خلل نفسي وأخلاقي، وكثيرون من تمردوا بسبب السلطة والنفوذ والظهر القوي الذي يسندهم، وكثيرون من يستغلون ضعف أو حاجة بعض النساء، ويحاولون الوصول اليها بكل الطرق.

وبالعودة إلى صاحب الفيديو الذي انتشر مؤخراً بين المنصات الإلكترونية وهو في وضع مخل للحياء، وظهر للجميع عبر كاميرا مزروعة في مكتبه الوظيفي الموقر الذي يبو أنه يمارس فيه رغباته الشخصية المتعلقة بممارسة الجنس مع الفتيات او الطالبات ليبتزهن أكثر وأكثر، نجد أن الفساد الوظيفي انتشر بكثرة، وإن التحرش فعلياً انتقل من الشارع إلى الدوائر المهمة، وذلك بسبب انفلات الغرائز لدى كثير من المسؤولين وعدم السيطرة عليها وضبطها بالوازع الديني والأخلاقي والإنساني، ولذا فإن هناك حاجة مُلحّة بتشكيل لجنة تحقيق بكل الجامعات لأن هناك بعض الأساتذة وعمداء كليات يستغلون مناصبهم الوظيفية من اجل رغبات وغايات شخصية، ويتورطون بأفعال غير اخلاقية، حتى صارت تنتشر رائحة نتنة بين مؤسساتنا، أما عميد الكلية الذي تحدث البعض عن فعلته القذرة داخل الحرم الجامعي فلا يمثّل شيئاً أمام الواقع وما نسمع عنه.   الأستاذ المفضوح، ما هو إلا انموذج لعشرات الأستاذة الجامعيين والتدريسيين الذين ينهجون نفس النهج المعيب، ويبتزون البنت  مقابل شهادة النجاح  أو الدرجة الوظيفية، والأخيران هما ليسا مبررين للتنازل، والأهم من كل ذلك الجامعات والكليات تحتضن اساتذة نكنُّ لهم كل الإحترام والتقدير.. تعلمنا منهم ومن منهل أدبهم وثقافتهم وأخلاقهم ونصائحهم، أما الفتيات فلسنَ الأكثرية فاسدات بل الأقلية هي التي تعم.

***

ابتهال العربي

 

منذ الساعات الأولى لوفاة النبي الكريم، إنطلقت ذات الأسئلة التي ما عرفت الأجوبة الراسخة، بل خضعت للإجتهادات الفردية والتأويلات المتواصلة الإندفاق، وكلٌ يريد أن يتصرف على نهجه، والحقيقة أن النبي الكريم قد كتب صحيفة المدينة في العام الأول للهجرة، وكان من الممكن أن تكون الحجر الأساس لدستور حكم يتطور مع الزمن، لكن الفردية طغت وصار الفرد هو مرجع كل شيئ.

وجميع الأسئلة متعلقة بمسألة الحكم، وعَجِزَ قادة الأمة رغم إجتهاداتهم عن إيجاد صيغة عمل لترجمة " وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل"، " وأمرهم شورى بينهم"، ولا تزال الأمة عاجزة عن التعبير العملي عن هذين المنطوقين، فدب التأويل في ربوعها، حتى إنتهت إلى نظام الحكم الوراثي الذي تعيبه، وسارت عليه منذ أن صار أسلوبا للحكم، ودولها إتخذته سبيلا، ولا تزال عدد من دولها في الزمن المعاصر تمضي على سكته.

والمفكرون عبر القرون المتوالية لم يأتوا بجديد، بل كرروا ذات الأسئلة وإنتهوا إلى ذات الأجوبة، حتى (طه حسين) في كتابه (الفتنة الكبرى) لم يأتِ بجديد، فأعاد صياغة ذات الأفكار والطروحات التسويغية، التي تشير إلى " ليس في الإمكان خير مما كان"، وما ظهر مفكر تحدى المنظومة الإعتقالية المعطلة للعقل، وقال كيف علينا أن نحكم، بل كلهم توحلوا في مستنقعات لماذا.

ومنذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم، لا توجد في معظم دول الأمة آلية لتداول السلطات، بل هي إنقلابات ووراثات وعائليات وفئويات، وكل يحسب البلاد والعباد ملكه الخاص أو غنيمته.

وكلها تسير على إيقاع " إذا تبدل السلطان تغير الزمان"!!

ولن تخرج الأمة من ورطتها الخسرانية، إن لم تأتِ بدستور يعبّر عن معاني العدل أساس الملك، وأمرهم شورى بينهم، وإلا فناعور الوجيع سيبقى يدور بلا هوادة.

و"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"!!

***

د. صادق السامرائي

 

قرار عزل البنوك الفلسطينية عن الجهاز المصرفي الإسرائيلي.. كارثة أم فرصة

من أخطر أدوات الإذلال التي يمارسها الاحتلال بحق سلطة أوسلو، حركةُ الأموال الفلسطينيية التي تعتبر بالنسبة للتنميةَ الفلسطينية المستدامة شريانُ الحياة، حيث تمرُّ حركةُ أموالِ الفلسطينيين من خلاله، رغم وجود معوّقات سياسية مفتعلة من قبل الجانب الإسرائيلي الذي يتحكم به، ما يعرض هذا الشريان الحيوي للإصابة بالتجلطات التي تنذر بالشلل للاقتصاد الفلسطيني الواهن؛ لارتباطه عضوياً بالاقتصاد الإسرائيلي الطفيلي، من خلال وسيط إسرائيلي "صهيونيّ" يتمثل بمصرفي: "ديسكونت" و"هبوعليم".

هذه العلاقة تفسر ما قالته صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية يوم الخميس الماضي، في "إن البنوك الفلسطينية ستصبح معزولة عن الجهاز المصرفي الإسرائيلي، وعن العالم كله، بدءاً من يوم غدٍ، الإثنين، في حالِ لم يَعْقِدْ رئيسُ الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ، اجتماعاً للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكبينيت) من أجل اتخاذ قرار يَلْتَفُّ على وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي قرر وقف التعامل بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية".

ووفق الشروط المعمول بها في "إسرائيل" فإن المصرفيْن الإسرائيليين ملزمان بإنذار البنوك الفلسطينية قبل شهر من قطع العلاقات معها.

لكن بسبب المخاطر الهائلة لتقديم دعاوى ضدهما، فإن "التقديرات هي أن المصرفين الإسرائيليين من شأنهما أن يفضّلا خرق هذا البند مع البنوك الفلسطينية وقطع العلاقات بصورة فورية، منذ بداية هذا الأسبوع" أي يوم غد الاثنين، حالما تنتهي المهلة المقررة.

وتجدر الإشارة -وفق الصحيفة- إلى أن قرار سموتريتش جاء لمعاقبة الإدارة الأميركية التي فرضت عقوبات على مستوطنين شاركوا في اعتداءات إرهابية على فلسطينيين، ومعاقبة المصرفيْن الإسرائيلييْن، "ديسكونت" و"هبوعليم"، بسبب تنفيذهما العقوبات الأميركية.

أي أنها مجرد مناكفات وعض أصابع بين حكومة اليمين الإسرائيلي والرئيس الأمريكي جو بايدن الذي بدأ يرفع عصا الطاعة على حكومة نتنياهو المتطرفة؛ ولكن بحذر، على خلفية الضغوطات الداخلية التي تمارس عليه بسب حرب غزة وانعكاساتها السلبية على الانتخابات الأمريكية.

وبعد أن وصفت الإدارة الأميركية المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية بأنهم إرهابيين، صار يتعين على جميع البنوك في العالم التي تلتزم بقوانين منع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وقف أنشطة المستوطنين المالية. فاستجاب المصرفان الإسرائيليان أعلاه بإغلاق حسابات المستوطنين، مما أشعل فتيل هذه الأزمة المالية بين الطرف اليميني الإسرائيلي ومصرفي "ديسكونت" و"هبوعليم" الإسرائيليين، وبالتالي تأزيم العلاقة البينية المالية مع سلطة أوسلو التي يناط بها حماية المستوطنات كونها صاحبة النفوذ التنسيقيّ الأمنيّ في الضفة الغربية.

وكأن فك الارتباط المالي على هذا النحو وفق حسابات المغامر اليميني سموتريتش مجرد شوكة وجب اقتلاعها دون احتساب للعواقب المحتملة لقراره المرتقب على العلاقة الاستراتيجية بين سلطة أوسلو الوظيفية من جهة، و"إسرائيل" من جهة أخرى.

ومن المؤكد أيضاً أن ما يطالب به المصرفان لا يأتي من قبيل حسن النية؛ بل في نية مبيتة للتحكم بحركة أموال الفلسطينيين ومراقبتها بشدة لتحقيق مصلحة "إسرائيل" العليا، كون المصرفان معنييّن بتنفيذ العلاقة بين البنوك الفلسطينية والجهاز المصرفي الإسرائيلي، وكذلك المعاملات المالية بين البنوك الفلسطينية ودول العالم، وذلك لأن الشيكل هي العملة المتداولة في النظام الاقتصادي الفلسطيني.

لذلك يطالب المصرفان الإسرائيليان، منذ العام 2009، بوقف العلاقات مع البنوك الفلسطينية، بادعاء أن "البنوك الفلسطينية ترفض الانصياع لأنظمة منع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ما يعرض المصرفين الإسرائيليين لمخاطر كبيرة كونهما يكفلان البنوك الفلسطينية"، بحسب صحيفة "ذي ماركر".

ويفهم من ذلك أن حركة أموال الفلسطينيين خاضعة لشبهات دعم المقاومة، وهذا الأمر يندرج في خانة تبييض الأموال! ما عرّض المصرفيْن لدعاوي قضائية حُرِّكَتْ بحقهما داخلياً وخارجياً؛ بسبب شبهات العلاقة الغامضة للنشاط المالي الفلسطيني والحوالات البنكية من الخارج إلى البنوك الفلسطينية.

أمّا أموال السلطة وما يتعلق بالجباية الضريبية وحوالات العمالة الفلسطينية الوافدة، إلى جانب أموال الفاسدين في السلطة والتي تُحْفَظُ عادة في البنوك الإسرائيلية أو تُهَرَّبُ إلى الخارج وخاصة ما ذكر حولها ضمن وثائق "بنما" 2016 فهي بريئة وفوق الشبهات.

وينظم المصرفان "ديسكونت" و"هبوعليم" العلاقة بين البنوك الفلسطينية والبنك المركزي الإسرائيلي ضمن الأجندة السياسية للحكومة اليمينية الإسرائيلية، لاستنزاف سلطة التنسيق الأمني والتحكم بها كما يحدث على خلفية حرب الإبادة الدائرة على غزة، وذلك وفق مبدأ " الإفراج عن أموال الضريبة مقابل تجيير موقف السلطة لأجندة الكبينت الإسرائيلي.

أي أن العلاقة الطفيلية بين الاقتصادين القائمة على "التابع والمتبوع"، حققت غاياتها، في كونها مؤشراً صحياً لاقتصاد يستفيد ويتناما في ظل الوصاية الإسرائيلية من خلال تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، وتأثره التلقائي بالمناخ الاقتصادي الإسرائيلي، ومن ثم ارتباطه بتقلبات أسعار الشيكل في سوق تل أبيب للأوراق المالية.

وللخروج من المأزق الذي وضعها فيه سموتريتش، طالبت الحكومة الإسرائيلية في خطوة عاجلة مصرفيّ: "ديسكونت" و"هبوعليم" بالاستمرار في هذه المعاملات مع البنوك الفلسطينية، مقابل وعود إصلاحية بغية تأمين الحماية المصرفية لهما، باتخاذ ثلاث خطوات، وهي:

أولاً:- إقامة شركة حكومية إسرائيلية تكون مسؤولة عن العلاقات مع البنوك الفلسطينية.

ثانياً: التعهد للمصرفين بأمرين:

-حصانة من دعاوى جنائية داخلية في "إسرائيل".

- تعويضهما عن دعاوى مدنية قد ترفع ضدهما. وفي أعقاب الحرب على غزة، طالب المصرفان بزيادة مبلغ هذا التعويض.

وعادة ما تمنح دائرة المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية هذا التعويض للمَصْرِفًيْن الإسرائيليين، لكن سريانه ينتهي في 31 مارس الجاري، يوم غد الأحد، أي أن حراكهما جاء فاعلاُ ولصالحهما في ظل ما يشهده الاقتصاد الإسرائيلي من أزمةً خانقة غير مشهودة بسبب حرب الإبادة على غزة.

الحكومة الإسرائيلية من جهتها لم تبدأ حتى الآن بإجراء مفاوضات مع المصرفيْن بشأن مطلبهما بزيادة التعويض، ما يعني بأن المعاملات بينهما وبين البنوك الفلسطينية ستنتهييوم غد الاثنين. فما هي يا ترى تبعات ذلك على الطرفين؟

ما يعني بأن أي شركة إسرائيلية لديها علاقات تجارية مع السلطة الفلسطينية لن تتمكن منذ يوم غد من إيداع شيكات فلسطينية أو تلقي دفعات مالية من البنوك الفلسطينية وهذا ضرره يقع على الطرفين.

ناهيك عن صعوبة حصول العمال الفلسطينيين على رواتبهم خلال التحويلات المالية.

وبالتالي ستجد السلطة الفلسطينية نفسها معزولة عن النظام المالي العالمي وعن الاقتصاد الإسرائيلي، "ما سيؤدي إلى انهيارها".

وهذا أمر لا يمكن أن تقبل به "إسرائيل" لحاجتها الأمنية إلى سلطة التنسيق الأمني في ضبط الأمن بالضفة.

ووفق صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية فإن تبعات ذلك على الجانب الإسرائيلي سيكون "كارثيا"، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى "مقاطعة دولية للبنوك الإسرائيلية، بادعاء أنها تتعاون مه الحكومة بالتسبب بانهيار البنوك الفلسطينية، وقد تجد البنوك الإسرائيلية نفسها تخضع لحصار دولي.

وإذا حدث هذا، سينهار الاقتصاد الإسرائيلي".

ليس هذا فحسب، بل سيمنح للسلطة الفلسطينية شرعية إصدار عملة مستقلة ومطالبة العالم بالاعتراف بها. "وهذه ستكون الخطوة الأولى نحو اعتراف العالم بدولة فلسطينية مستقلة".

في المحصلة فإن هذه الأزمة ما هي إلا جزء صغير من كارثة إقتصادية تشهدها "إسرائيل" بسبب العدوان على غزة، ومن مؤشرات خسارتها في الحرب باعتراف عضو الكنيست من الليكود، عَميت هليفي، الذي قال عبر يديعوت أحرونوت في أن "إسرائيل حققت إنجازاً واحداً في حربها على غزة يتلخص بالتطوع في الجيش، مقابل ما حققته حماس من إنجازات استراتيجية عشرة على نحو تنشيط الجبهات الأخرى ضد "إسرائيل"، وإخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من بلداتهم في "غلاف غزة" والقريبة من الحدود اللبنانية؛ وعزل "إسرائيل" سياسياً في العالم؛ وتنامي "موجة العداء للسامية في أنحاء العالم"؛ كذلك حصار بحريٍّ فعليٍّ على "إسرائيل".

والأهم هو المسُّ بالاقتصاد الإسرائيلي والحركة السياحية.

وهي فرصى للسلطة -لو صدقت النوايا- بأن تتحرر من الطوق الاقتصادي الإسرائيلي من خلال المبادرة إلى دعمها للمقاومةز

فالاقتصاد الإسرائيلي لن يحتمل خطوة كهذه كما يستشف من السياق أعلاه.. ولا ضير من أن تدفع السلطة ثمن هذه الخطوة الممكنة، دفاعاً عن الشعب الفلسطيني ودمه المستباح دون رادع.

***

بقلم: بكر السباتين

30 مارس 2024

 

معلوم وأمر بديهي لذوي التخصص والنخبويين في مجال الصحافة والإعلام فضلا عن السياسة، ما للحديث الموجه إلى جمهرة من الناس باختلاف ثقافاتهم وتعدد ميولهم وانتماءاتهم، من أهمية وتأثير ملموس ومحسوس، ينعكس على قناعاتهم ورضاهم عن المتحدث من عدمه، والأمر سيان فيما لو كان المتحدث سياسيا أو مصلحا أو واعضا أو خطيب منبر. والحكم ذاته ينطبق على كل من يتسلم دفة حديث على منصة، أو يمسك مايكروفونا أمام الكاميرا، فماداموا يتخذون من ألسنتهم أداة وصل وصلة بالمتلقين، عليهم أن يتقيدوا بما يتلفظون وما يصرحون به، من حيث عدم تجاوز المستوى العام لثقافة المتلقين، والتحدث ضمن إطار فهمهم جميعا، وأن يدركوا بالدرجة الأولى أن الوضوح والصراحة والشفافية وعدم المراءات، هي أساس ما هم ماضون فيه من حديث، حينئذٍ يكونون قد أثبتوا مصداقية في الوسيلة، تضمن تحقيقهم الغاية المنشودة وإيصالها إلى المتلقي.

ومما روى لنا التاريخ الحديث في أواسط القرن المنصرم، أنه طُلِب من ونستون تشرشل عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء في حكومة بريطانيا، إبداء الرأي في مشروع لموضوع متنازع عليه بين حزبَي العمال والمحافظين، وعندما انتهى من كتابة الخطاب الذي سيلقيه أمام مجلس النواب، طلب من سكرتيره الخاص أن يبدي رأيه في الخطاب، وبعد أن قرأه الأخير قال لتشرشل:

- الخطاب جميل جدا ياسيدي، ولكني لم أفهم! هل أنت مع أم ضد المشروع؟ فأجاب تشرشل مبتسما:

- هذا هو المطلوب تماما.

وأظن أن تشرشل لم ينفرد في مغزى رده هذا لوحده، فقد سبقه وعاصره وأخلفه وقلده ومشى على خطاه، كثيرون في بلدان العالم، ولاسيما في بلدنا العريق حضارة وشعبا وملوكا وسلاطين وولاة وحكومات، منذ نشأته حتى ساعة إعداد هذا المقال، إذ هم يعتمدون التورية أسلوبا متوارثا في خطاباتهم وتصريحاتهم ومقالاتهم. والتورية هي نوع من الأساليب البلاغية في اللغة العربية، وتقع ضمن (عِلم البديع)، معناها الاصطلاحي هو الإتيان بلفظ له معنيان، معنى قريب ظاهر غير مقصود، ومعنى بعيد خفيّ هو المقصود، والتورية غير مذمومة شرعا -كما جاء- إلا إذا أُريد بها إحقاق باطل أو إبطال حق، إذ تُعد حينها ضربا من التغرير والخداع.

إن في تزاحم الأحداث وتشعباتها التي تشمل مفاصل بلدنا كافة، ومحاولات أكثر من طرف في صنع القرارات المصيرية وبلورتها، والتلاعب في تأثيراتها وآثارها على أبناء البلد -لحساب جهة ما- تتطلب أغلب الأحيان اتباع أسلوب التورية في التصريحات وإبداء الآراء، من قبل المسؤول الأول في البلد أو الناطق عنه، وهذا المطب يستغله جيش مؤدلج ضمن حسابات وهمية مبرمجة وموجهة، بطرق ممنهجة تحت إشراف جهات مغرضة، وهي ما تُسمى (الذباب الإلكتروني) وأراه مصطلحا مستحدثا متوالدا عن مصطلح (الصحافة الصفراء) وهي صحافة غير مهنية، تهدف إلى إثارة الرأي العام ضد الحكومات والزعامات، عبر إشاعة فضائح مفبركة أو مبالغ فيها، أول من أنشأها الناشر والصحفي الأمريكي ويليام راندولف هيرست (1863- 1951) إذ ينتهج في صحفه ومجلاته التسقيط والتشهير بعثرة هنا أو سقطة هناك، بتورية متقنة تدس سموما بين الكلمات والصور المنشورة، وقد سميت بالصحافة الصفراء لأنها كانت تُطبع على أوراق صفراء رخيصة الثمن.

ومع تعدد الشبكات في الفضاء الإلكتروني، وسهولة بث ما مطلوب نشره، وسرعة وصوله إلى المواطن، تتزايد أفانين الجيش الإلكتروني، وتتطور أسلحته في المواجهة والمجابهة، ولا يُنكر تأثيره على شرائح عديدة من أبناء البلد، وتغيير قناعاتهم وآرائهم في سياسة قادة الدولة. لكن هناك مقولة لإبراهام لنكولن (الرئيس السادس عشر للولايات الأمريكية) تصح في الأزمان والأماكن والظروف كلها، إذ يقول: "يمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت، وكل الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت".

***

علي علي

 

كانت المقاومة الفلسطينية بعد ٦٧ قد صعّدت عملياتها بحيث أصبح لها دور لا يقل أثرا وخطرا عن دور جيش نظامي، وقد ولّد الوجود الفدائي تحديدا في الأردن الخوف في أوساط يهود الشتات داخل دولة الاحتلال. لذلك انتفض الاستراتيجيون اليهود للبحث عن طرق تصيب هذا الوجود في مقتل.

وبالفعل فقد عملت دولة الاحتلال بكل طاقاتها على إنهاء هذا الوجود من خلال ضربه من الداخل وعزله عن الجماهير العربية. فقامت بتصعيد الخلافات بين فصائل المقاومة وقادتها من جهة، وبينهم وبين السلطات الحاكمة من جهة أخرى.

وبدأت في عام ٧٠ بتصفية الوجود الفدائي على الأراضي الأردنية، وكان للولايات المتحدة الأمريكية الدور الأبرز في هذه التصفية.

ثم جاء عام ٧٣ وكانت دولة الاحتلال قد وقعت في خطأ تقدير إمكانات القوات العربية المصرية والسورية بسبب أن الحرب جاءت مباغتة ومفاجئة لها بحيث أنها حطمت معنويات جيش العدو.

ولولا الجسر الأميركي لما تمكنت دولة الاحتلال من الصمود في الحرب.

فخلال الساعات الأولى التي أعقبت اندلاع الحرب اتخذت دائرة الدفاع الأمريكية إجراءات غير عادية لشحن الأسلحة المهمة لدولة الاحتلال.

وقد كان هذا الجسر الجوي عبارة عن سلسلة من الجسور، أضخمها هو الجسر الثاني والذي عُدّ أضخم جسر عرفه التاريخ العسكري. وقد خرق مدّ هذا الجسر الاتفاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها من أعضاء حلف الأطلسي.

وأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة قامت بتجريد وحدات الجيش الأمريكي السابع من أسلحتها في أوروبا والولايات المتحدة بهدف شحنها إلى دولة الاحتلال.

وبعد الحرب بدأت تحركات "كيسنجر" وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك بين العواصم العربية من أجل إرساء السلام، لكن على الطريقة الأمريكية وليس لمصلحة العرب. فقد كان السلام المنشود يصب في مصلحة دولة الاحتلال ،منطقة نفوذهم وقاعدتهم، فكانت "كامب ديفيد" عام ١٩٧٨ والتحالف بين دولة الاحتلال والولايات المتحدة ومصر.

وصولا إلى عام ٨٢ والغزو اليهودي للبنان والدعم العسكري الأمريكي لدولة الاحتلال من أجل تحقيق أهداف سياسية لكلا الدولتين. ومن هذه الأهداف تحطيم منظمة التحرير الفلسطينية ،وإضعاف سورية وإقامة دولة موالية لليهود في لبنان. بالإضافة إلى إرهاب فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين بهدف التسليم لكل ما تقترحه دولة الاحتلال عليهم.

ولهذا رفضت الولايات المتحدة خلال فترة الغزو ممارسة أية ضغوطات على حكومة "مناحيم بيغن" في إيقاف الغزو. وذلك لأن هذا الغزو فرصة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة بين الدولتين والتي كنا قد ذكرناها.

ومن الأهداف البارزة التي حققها الغزو إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان بسبب الدور القذر الذي لعبه المبعوث الأمريكي "فيليب حبيب".

ومن المعلوم بأن جيش الاحتلال بغطاء من الكتائب اللبنانية قد ارتكب وانتهك الفظائع مثل مجزرة صبرا وشاتيلا دون رادع. وقد استعملت الولايات المتحدة وقتها حق النقض في مجلس الأمن الدولي لإسقاط مشروع تضمن إدانة دولة الاحتلال أو تطبيق أي عقوبات عليها.

واليوم يبرز الدور الأمريكي بشكل فاضح وعلني في حرب دولة الاحتلال على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤. ولا زالت الأولى هي الداعم الرئيسي والمهم والمدافع الظالم عن دولة الاحتلال.

يتبع.....

بديعة النعيمي

 

الخوف سلطان، العقوبة عنوان، السمع والطاعة قانون ودستور وبرهان، البشر بين السيف والنطع حيران، والموقع الممولٍ فتّان، ولا توجد محطة إعلامية بلا سلطة وسجّان!!

يتحدثون عن الحرية الصحفية والإعلام الحر، وإظهار الحقيقة العارية، وما برزت حقيقة ولا إنطلقت حرية، فالأقلام مقيدة والأفواه مكممة والجرأة جريمة، ومَن يفكر يكفر، فلا بد من العقول المعطلة والأقلام المؤجرة، والخنوع والتبعية والإيمان بأن الرب يتمثل في بشر يجب تقديسه وتقليده والموت في سبيله لأنه الرب في هيأة البشر.

أين الحرية الإعلامية فيما يُنشر ويُسوّق ويُعرَض ويُذاع؟

إختلط حابلها بنابلها، وضاع الخيط والعصفور، وكل يغني على ليلاه، والذهب أبلغ المتكلمين، وكل مَن عليها من الجياع المساكين.

فافعل بما تؤمر، ولا تكونن من المارقين!!

ثروات في بنوك الآخرين، وشعوب محرومة مدثرة بالقهر والأنين، والخراب ديدن، والإعمار عدوان، والتفاؤل شذوذ والقول بالخير منبوذ، ولابد من البؤس والقنوط  والتعثر والسقوط، ليغنم المتسلطون، ويحوفون ويكنزون، وعليهم بترويض البشر، وإحاطتهم بالخطر، والمنابر تنادي إلى أين المفر.

يا أيها الحفاة، إركعوا للعتاة، وأسيادهم الهُداة،  فعندهم خريطة الطريق المستقيم، وفي جعبتهم الخبر العظيم، إنها نعمة مطلقة، وجنات نعيم، لا تعرف الأليم، فاسجدوا مع الساجدين، ومَن ينبس ببنت شفة سيكون من المارقين.

إنها لعبة إغراق الدنيا بدماء الحياة، وتمرير مآرب ومشاريع الغزاة، والنشاط الديمقراطي المعاصر المُر.

فأنت تكتب وتنشر، فلماذا تتشكى وتتذمر وتنكر؟!!

فهذا هو الإعلام الحرّ!!

و"الحر يأبى أن يبيع ضميره

بجميع ما في الأرض من أموال"!!

***

د. صادق السامرائي

قامت الولايات المتحدة الأمريكية قبل حرب الأيام الستة عام ٦٧على تدعيم اقتصاد دولة الاحتلال وربطه باقتصادها.

وذلك بسبب العلاقة المتداخلة بين رأس المال الصهيوني والرأسمالية الأمريكية،  حيث يسيطر الرأس مال الصهيوني على مليارات الدولارات التي تتوزع على مختلف النشاطات الاقتصادية في الولايات المتحدة وبالتالي فالمستثمرين اليهود هم المسيطرون على تلك العمليات الاقتصادية ومراكزها. وهذه واحدة من المصالح المتبادلة التي نشأت بين الدولتين.

وتعتبر دولة الاحتلال من وجهة نظر امريكا السد المنيع الذي اعتمدت عليه لوقف النفوذ السوفياتي في المنطقة العربية وخاصة في مصر وسورية،  بالإضافة إلى العراق بعد نجاح ثورة ١٩٥٨.

وكان الهدف إجهاض حركة التحرر العربي بهدف السيطرة على موارد الشرق الأوسط وخاصة النفط.

لذلك قامت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي "جونسون" الذي عرف بتعاطفه مع اليهود بتزويد دولة الاحتلال بصفقة أسلحة ذات أهمية، تشمل دبابات وطائرات متطورة.

ولا بد هنا أن نتطرق إلى ذكر اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الذي يمتلك معظم الأصوات في مجلس الشيوخ والذي يساهم في دفع حكومة أمريكا لتغدق بأنهار لا تنضب من الأسلحة والإعانات على دولة الاحتلال، بالإضافة إلى الدعم السياسي.

وفي عام ٦٧ عندما تأكدت الولايات المتحدة أن دولة الاحتلال ستربح الحرب، أعطتها الضوء الأخضر للبدء بالهجوم الجوي. وفي الوقت ذاته ابلغت الرئيس عبد الناصر بأن يعتمد عليها في معارضتها لقيام اي عدوان في المنطقة.

كما نسقت مع رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي للتعاون الثنائي لمواجهة مشكلة الصراع بين العرب ودولة الاحتلال، وطلب منها مساعدته في عدم قيام مصر بأي عملية عسكرية استباقية ضد دولة الاحتلال.

غير أن هذه الحرب وقعت لكن بضربة استباقية من قبل دولة الاحتلال وبمباركة أمريكية ومساعدات عسكرية ودبلوماسية قدمتها الأخيرة لدولة الاحتلال في مجلس الأمن،  وبذلك وفّرت الوقت لتحتل الأخيرة أراضي ثلاث دول عربية.

وللمرة الأولى أصبحت الولايات المتحدة تشرف على المواصلات بين أوروبا القديمة وبين جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى،  ما أتاح للعسكريين الأمريكيين الإشراف بسهولة على مصادر النفط العربي.

أما دولة الاحتلال فوسعت من رقعتها وتوسعت. وحققت أهدافها في ضم القدس واحتلال مرتفعات الجولان والضفة الغربية وإقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة وغيرها من الأهداف.

واليوم في حربها على غزة 2023-3044 نجد بأن التاريخ يعيد نفسه. فالولايات المتحدة لم تتخلى عن قاعدتها ومنطقة نفوذها وذيلها اليهودي. فها هي تقف خلفه وتحاول المحافظة على أمنه بكافة الطرق والوسائل سواء كانت شرعية أو غير شرعية...

يتبع......

***

بديعة النعيمي

 

الوقائع لا تعكس بالضرورة الحقائق التي ولّدت تلك الوقائع، أو التي كانت الدوافع لها؛ حتى تبسط هيمنتها الكلية على المقروء من حركة التاريخ، وفي غزة يتم ومنذ أكثر من خمسة شهور ذبح الناس في القطاع، وتدمير شامل وتام لكل الحياة فيه، والغرض هو تهجير الشعب الغزاوي الفلسطيني العربي من أرضه؛ تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية.

هذا المشروع الصهيوني يرتبط بمشاريع أخرى لا علاقة لها بأمن الكيان الصهيوني، بل إن العلاقة التي تكاد تكون الوحيدة؛ هي جعل دولة الاحتلال الإسرائيلي، دولة طبيعية في المنطقة العربية، وجزءا مهما واستراتيجيا في مشاريع طرق التنمية، وكل ما هو ذو صلة بها. ووضع الفلسطينيين مستقبلا، في زاوية ضيقة؛ لإجبارهم على الموافقة، أو التسليم بالمشروع الدولي والعربي، وربما حتى الإقليمي؛ بتصفية القضية الفلسطينية؛ وحصرها في حكم ذاتي تحت مسمى الدولة..

هذه هي الحقائق من وجهة نظري؛ لما يجري الآن من محارق للناس والأرض، ولكل ما ينبض بالحياة على مسمع ومرآى العالم، بما في ذلك الوطن العربي (النظام العربي) ودول الجوار، والسلطة الفلسطينية، أما الوقائع المسوقة إعلاميا؛ فتدفع تلك الحقائق إلى خانة الإهمال، بعدم تسليط الأضواء عليها، كي يفهم العالم الحر، ما يجري على أرض القطاع وأهدافه ومراميه، لتظهر وكأن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي في موقع الدفاع عن النفس، أي أنها لا تريد سوى حماية سكانها وأمنهم لا غير. كل هذا يجري لدفن حقائق المشروع الصهيوني الغربي ـ الأمريكي ـ العربي. هذه المذبحة مستمرة لأكثر من خمسة أشهر مضت ولا تلوح أي إشارة على قرب وضع نهاية لها، ما يعني بصورة لا جدال فيها، منح الزمن الكافي للكيان الصهيوني لإتمام المشروع المشترك بينه وبين أمريكا والغرب والبعض من الأنظمة العربية، متناسيا أن هناك شعبا ناضل ويناضل بقوة وصلابة لا تعرف التراجع، أو الخوف أو اليأس؛ لإفشال هذا المشروع الصهيوني الأمريكي ـ الغربي ـ العربي. مثلا وليس حصرا؛ أمريكا تقول على لسان مسؤوليها وعلى أعلى مستوى؛ على إسرائيل توفير ملاجئ آمنة للمدنيين قبل الشروع باقتحام مدينة رفح، أي ليس لديها أي اعتراض على هذه المذابح من حيث المبدأ، بمعنى آخر أنها ـ أي أمريكا ـ تتشارك مع الكيان الصهيوني في أهمية اقتحام مدينة رفح. هذه كلها وقائع نسمع بها ونقرأ عنها، لكنها ليست الحقائق على أرض واقع الظل، الحقائق هناك؛ تختلف كليا عن هذه الوقائع، من حيث هي وقائع على الأرض، لكنها ليست حقائق التوليد لهذه الوقائع، تلك الحقائق يجري وجرى طمسها بسحب من التضليل المكثف جدا، بالطريقة التي تحجب بها الرؤية عن أن تبصر ما وراء هذه الوقائع من حقائق دافعة أو مكونة لها.. كل التصريحات الأمريكية، أو غيرها إقليميا وعربيا، ما هي إلا لرفع الإحراج وتبييض وجوه مسؤولي هذه الأنظمة والإدارات دوليا وعربيا وإقليميا، وحتى السلطة الفلسطينية.. يتحدث الإعلام عن أن هناك خلافا بين أمريكا وإسرائيل، إن هذا محض خداع وتضليل ودفن للحقائق، فليس بين أمريكا وإسرائيل أي خلاف أكان صغيرا أم كبيرا، دولة الاحتلال الإسرائيلي ستقتحم مدينة رفح في الأيام المقبلة، عند ذلك كيف يكون موقف أمريكا والعالم من هذا الاقتحام على ما في ذلك من مذابح، سوف تجري أكثر مما هو جار منها حتى هذه اللحظة؛ سوى الشجب والاستنكار، من دون اتخاذ أي إجراء فعال لوقف هذه المذبحة، كما حدث في الاشهر الخمسة الماضية على هذه المحارق. فالعراق مثلا تم غزوه واحتلاله وتدميره، وليس إسقاط النظام فقط، بل كان الغزو عملية مرسومة ومبرمجه لتدمير الدولة، بحجج واهية ليس لها أي نصيب من الحقيقة، بل إن جميع ما تم تسويقه لغزو واحتلال العراق؛ عبارة عن أكاذيب وافتراءات لا مثيل لها في كل تاريخ البشرية، إن النظام السابق كان نظاما ديكتاتوريا بامتياز، وحكم الشعب بقبضة من حديد، لكن الولايات المتحدة بإقدامها على غزو واحتلال العراق وتدميره كدولة؛ لم يكن السبب كما تدعي، هو تحرير الشعب العراقي من نظام ديكتاتوري، إضافة إلى الادعاءات الأخرى. هذه كلها تم تثبيتها كوقائع أمريكيا ودوليا وعربيا وإقليميا، حتى هيمنت هذه الوقائع على الخطاب الإعلامي الدولي والعربي والإقليمي، وجميعها كانت بعيدة كليا عن الحقائق التي دفعت أو قادت الولايات المتحدة إلى غزو واحتلال العراق وإنهائه كدولة فاعلة ومهمة إقليميا وعربيا. الحقائق التي قادت، أو كانت الدوافع لاحتلال العراق من قبل أمريكا؛ هي حصريا؛ النفط والغاز والموقع الاستراتيجي، وإعادة رسم خريطة المنطقة العربية؛ وهيكلة الأنظمة العربية، إلى عملية التطبيع المجاني إلى المحاولات الدؤوبة بتصفية القضية الفلسطينية.. لكن أمريكا حتى في هذا الجانب؛ فإنها في الطريق إلى الفشل التام في تحقيق أي من أهدافها سابقة الإشارة لها في هذه السطور. العمل يجري عراقيا وحثيثا على إخراج القوات الأمريكية من العراق، ولاحقا، لن يطول الانتظار؛ لنرى حتى البقية الباقية التي ستظل على أرض الوطن بحجة أو بأخرى؛ سيجري العمل عراقيا ـ وأشدد هنا على عراقيا ـ على إخراجها. إن الولايات المتحدة في الوقت الحاضر؛ تعاني من صعوبات جمة في الاقتصاد وفي السياسة، وفي الحروب التي تخوضها بالإنابة مع القوى الدولية الكبرى، وفي المحاور الدولية، المضادة لسياستها، وستزداد مع الوقت هذه الصعوبات، وعلى مختلف الجبهات داخليا وأوروبيا وفي المنطقة العربية وفي غيرها. هذه كلها ستكون في خدمة الدول والشعوب للتخلص من تغول أمريكا عليها، والعراق واحد من أهم هذه الدول، بل هو في مقدمتها للتخلص من النفوذ الأمريكي.. وبالعودة إلى المذبحة الصهيونية في قطاع غزة؛ أمريكا والغرب وحتى بعض الأنظمة العربية؛ توفر بطريقة أو بأخرى الغطاء لدولة الاحتلال الاسرائيلي لمواصلة حرائقه في القطاع، ومن أبرز هذه الأغطية هي إقامة أمريكا ميناء لتقديم المساعدات للشعب الغزاوي الفلسطيني العربي المحاصر، والواقع تحت وابل من القنابل بمختلف أنواعها وصنوفها، وكذلك بدعة قصف القطاع بحاويات المساعدات الإنسانية التي تجري عربيا وأمريكيا.

إن التحليل النهائي لهذه الإجراءات يقود حكما إلى أن هناك خطة مريبة؛ لتوفير الزمن اللازم لهذه الكيان المجرم في إتمام حصاد أرواح الناس والقضاء على البنية التحتية للقطاع هذا أولا، وثانيا لامتصاص غضب الشعوب الحرة في المعمورة مما يجري في غزة من إبادة جماعية. آما كان الأجدر بأمريكا، لو كانت فعلا؛ تريد إيقاف هذه المذبحة؛ أن تضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي وهي تمتلك كل عوامل الضغط؛ بإيقاف هذه الإبادة الاجرامية؛ يكفي فقط أن توقف الجسر الجوي للذخيرة والسلاح إلى دولة الاحتلال الاسرائيلي.. وهذا أيضا ينطبق على الانظمة العربية، لو أرادت الوقوف بوجه الكيان الصهيوني، وقوفا جديا وحاسما ومنتجا، لكن للأسف لم يحدث أي من هذا. الموقف الجريء والحاسم في الوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية في غزة؛ هو موقف حركة أنصار الله في اليمن، وهو موقف يحسب لهذه الحركة تاريخيا، إضافة إلى الحدود المسيطرة عليها، أي انها تحت السيطرة؛ لاعتبارات ملزمة وضاغطة في حساب المحيط والبيئة؛ هو في موقفيَ المقاومة العراقية وحزب الله في لبنان في دعم وإسناد المقاومة الفلسطينية، بطريقة محدودة، من دون الدخول في مواجهة مفتوحة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.. نعود مرة أخرى إلى أن حقائق التاريخ لا تمثل تمثيلا حيا وصادقا وحرفيا للوقائع التي تصنع التاريخ، إن الوقائع في الكثير منها؛ تكون مسبباتها لا علاقة لها بالوقائع التي أوجدت هذه المسببات التي صنعتها، أو تمت صناعتها بإرادة سببية للقوى الدولية أو الإقليمية التي تريد لها أن تكون بهذه الطريقة حصريا وليس بغيرها؛ حتى يتم لها محو هذه الحقائق، ليس محوا تاما وشاملا، وتسيدا على حقائق الحقيقة، بل محوا جزئيا؛ لأن الحقائق في واقع الظل؛ سوف تظهر جلية وواضحة، حين يتم بإرادة الخيرين من علماء التاريخ وخبرائه؛ تسليط الأضواء على الحقائق في واقع الظل. لكن في النهاية وكما علمنا الجانب المشرق والمضيء من تاريخ البشرية العظيم؛ أن الشعوب الحية سوف تنتصر على مستغليها من طغاة العالم.. مهما طال زمن الانتظار.

***

مزهر جبر الساعدي

 

1 - هم ذاتهم، من أسقطوا ثورة ألرابع عشر من تموز / 1958 الوطية، ومثلوا بقائدها الزعيم الخالد، عبد الكريم قاسم، ذات المذاهب والقوميات، وحثالات من هنا وهناك، ذات ألذين يبيعون قضاياهم كل يوم، في مزادات ألمنطقة ألخضراء، ذات ألذين تتشكل منهم حكومات الولائيين، ألذين يقاتلون بعضهم ويقتلون غيرهم، حتى وان توزعوا على أكثر من عاصمة للأرتزاق، ذات الذين استنزفوا ثروات ألعراق، وسفكوا دماء العراقيين، وزرعوا الأرض من زاخو حد الفاو، بأبشع المليشيات الدموية، هل نسيء الى أحد، او نرتكب خطأ، لو قلنا مباشرة، انهم الأضلاع ألثلاثة للنكبة، البيوتات ألمكوناتية، ألشيعية والسنية والكردية حصراً.

2 - صحيح أن ألبيوتات الثلاثة، قد شاركت بقتل العراق، لكنها بذات الوقت، دمرت قضاياها، ان كانت تحترم  قضايا مكوناتها أصلاً، فالبيت الشيعي اصاب التشيع في مقتل، ورفع القناع عن وهمية مظلوميته، والمبررات الزائفة لكامل عقائده وشرائعه، وصارت ألشتيمة والتكفير وألذخيرة ألحية احيانا، رأس رمح جهاديته، للحفاظ على ماء الوجه لمذهبهم، الملطخ بالقناصين والسيافين والقتلة المجهولين، البيت السني، راكع عند مفترق ألطرق، عارض مذهبه تحت الطلب، بين ان يكون بيتاً خليجي، او بيتاً لشيعة المذهب الأيراني، مقابل رئاسة مجلس ألنواب ووزارة الدفاع، اما البيت الكردي، فبيضة قبانه تسير على قدمين، اصابهما الهرم وألشلل، فلا رئاسة الجمهورية ولا وزارة الخارجية، تساويا مقايضتهما بقضية الشعب الكري، هنا فقدوا الخيط والعصفور معاً، وأصبحت مصداقيتها صفراً.

3 - البيوتات الثلاثة، لا يمكنهما أنكار ادوارها، في قتل العراق وسرقة ثرواته وسفك دماء أبناءه، ولا يمكنها تجنب موجة الغضب الشعبي، والثأر الوطني، الذي اقتربت لحظة أنفجاره، والأحتمالات غير السارة تدق ابواب سكان البيوتات، جميع أسباب المتغيرات العاصفة، تنضج من داخل حراكها، وتتبلور عن تيار وكتلة واعية، تجمع الرؤوس المعممة وغير  المعممة في قبضها، لترميها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، حينها ستتنفس رئة العراق بكامل سعتها، ويتنفس العراقيون برئة وحدتهم الوطنية، وفضائل الأخوة والمشتركات المصيرية، قد لا يصدق الأغبياء، لكن عندما تختنق انفاسهم، داخل حفرة تاريخ فضائحهم، سيصدقون أن كل شي سيحدث، أستحقاق على مقاسهم.

4 - كان على القيادات الكردية، في الحزبين الرئيسيين، ان كانا حقاً يحترمون حق شعبهم في تقرير مصيره، ان لا يقتربا من المنطقة الخضراء، ويفتحون امام شعبهم، جميع الأبواب التي تفضي الى التحرر والديمقراطية، وتحرص على توفير قنوات التواصل الوطني، بين شعبها والمجتمع العراقي، ويجب عليها ان تعلم، بدون موجة التحرر الوطني على عموم العراق، ستجف القضية الكردية وتتيبس في مكانها، وهذا ما حصل ويحصل فعلاً من داخل المنطقة الخضراء، عبر تحالفات مشبعة بالكراهية والأحتقان والوقيعة، مع الجماعات الأسلامية، القيادة الكردية، استغفلت شعبها بالشعارات القومية المثيرة، فخسرت نفسها من داخل تحالفات خادعة، حيث استطاع الطرف الآخر، اغرائها بالمنافع الحزبية ، ثم  اشراكها بملفات الفساد والأرهاب، حتى أصبحت جزء منه،  فخسر الشعب الكردي حلمة في التحرر، وأصبحت قضيته اصعب مما كانت عليه، وابتلعت المصالح الأجنبية، كامل مضامينها.

***

حسن حاتم المذكور

يتبين من المعنى اللغوي لجريمة الاغتصاب «أنها تقوم على فعل السلب بالقوة، أو بغير إرادة المسلوب منه، فالاغتصاب لغة يعنى السلب وهو أخذ الشيء بدون علم صاحبه أو إرادته، واصطلاحاً: يعني مواقعة أنثى بغير رضائها، أي اتصال رجل بامرأة اتصالاً جنسياً كاملاً دون رضاء صحيح منها بذلك»، وهذه الجريمة التي لا يرتكبها إلا من تفاقم شره، واستطار أذاه، يعد انعدام الرضاء هو جوهر الجريمة التي لا تنشأ إلا به فى القوانين الوضعية «وذلك مرده إلى أن محل الحماية الجنائية فى جريمة الاغتصاب هو حرية المرأة الجنسية، ولا يتصور الاعتداء على هذه الحرية، إلا إذا كان فعل الوقاع قد حصل دون رضاء المرأة، فإذا حصل الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة الراشدة برضاء هذه الأخيرة، فإن الفعل لا يشكل جريمة اغتصاب، ولكنه قد يشكل جنحة الزنا، أو جنحة ارتكاب فعل منافٍ للحياء إذا كان الوقاع قد حصل علانية».

ولعل الحقيقة التي لا يرقى إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن هناك بوناً شاسعاً بين نظرة الشريعة لجريمة الاغتصاب والقانون الوضعي، فالشريعة تعتبر كل وطءٍ نجم عن علاقة غير شرعية فهو زنا محض، وتعاقب عليه دون أن تعول على رضاء الطرفين، فإذا أقدم العاجز على مغالبة نفسه، ومجاهدة هواه، لقهر امرأة ومواقعتها دون رضائها أو برضائها، فالعقوبة التى تطوله واحدة فى كلا الفعلين، وهى الجلد للبكر الذى لم يسبق له الزواج، والرجم للمحصن، فالشريعة الإسلامية تتسم نظرتها للجريمة بالشمول «فكل اتصال جنسي يتم بين ذكر وأنثى متزوج وغير متزوج، يعتبر فى نظر الشريعة إثماً كبيراً، ويدخل ضمن جرائم الحدود، بينما تتسم نظرة القانون الوضعى بالتخصيص، فإن ارتكب الاتصال الجنسي برضاء الطرفين، وتوافرت فى إحداهما سواء الرجل أو المرأة صفة الزوج، كان ذلك فى نظر القانون الوضعي زناً يعاقب عليه بعقوبة الجنحة، فإن كان هذا الاتصال الجنسى بدون رضاء المرأة وكرهاً عنها، سواء أكانت متزوجة أو غير متزوجة، وسواء أكان من واقعها متزوجاً أو غير متزوج، فإن الجريمة تسمى الاغتصاب أو مواقعة أنثى بغير رضائها».

فالقوانين الوضعية لا تعتبر كل فعل محرم زنا، وأغلبها كما رأينا يعاقب على الزنا الذى يبدر من الأزواج، ونجد أن القانون المصرى يعاقب على الوقاع فى حالة الاغتصاب، ولكن إذا تم هذا الفعل المشين الذى استهجنته كل الشرائع السماوية، والفطر السليمة التى تستنكف عن فعله ومواتاته بالتراضى، «فلا عقاب ما لم يكن الرضاء معيباً، ويعتبر القانون المصرى الرضاء معيباً، إذا لم يبلغ المفعول به ثمانية عشر كاملة، ولو وقعت بناءً على طلبه هو ــ فإن بلغها اعتبر رضاؤه صحيحاً، والعقوبة فى حالة الرضاء المعيب بسيطة، لأن الفعل يعتبر جنحة ولا يتعدى الغرامة المالية»، وليس الأمر مقصوراً على القانون المصري بل يتعداه إلى معظم البلدان الإسلامية والعربية.

***

د.الطيب النقر

أمضى العرب القرن العشرين في مستنقعات الأوطان، وأحواض الدول والأحزاب السياسية، وصناديق الفردية والإستبداد والطغيان الأليم.

وفي بداية القرن الحادي والعشرين تمكنت بعض الحياة التسرب إلى مستنقعات وجودهم، سواء بالقوة المسلطة عليهم، أو بإرادتهم، وتحول وجودهم إلى حالة أخرى، لكنهم أحالوها إلى بركان.

ولكي يخرج العرب من حالة "التبركن"، عليهم أن يدركوا ضرورة المياه الجارية، والإيمان بأن حياة الأنهار وقوانينها مصيرهم لكي يعيشوا في عصرهم.

فالبركان يحرق ويرمي حمما، ولابد للبراكين أن تهدأ، بعد أن أحالت ما حولها إلى وجود هامد، أما النهر فيجري ويسقي ارجاء الوجود ويبعث الحياة الزاهية بالعطاء.

ومن أهم قوانين الأنهار هو الجريان، وهذا يعني التغيير والتبدل، فلا يمكننا عبور النهر مرتين.

ووفقا لإرادة الجريان فأن الأمواج تتوافد وتتعاقب، وكل موجة تؤدي دورها وتذهب لتأتي غيرها، وتعيد نفسها.

والأنظمة السياسية عليها أن تتعلم من الأنهار، وتكون حكوماتها مثل أمواج المياه الجارية، تنهض لفترة معينة وتذهب لتأتي موجة أخرى غيرها فتؤدي دورها.

ويبدو أن المجتمع بحاجة لتغيرات سياسية متواصلة لكي يجد طريقه، أما أن يقيم على حالة واحدة ، فأنه يدفع بطاقات الأنهار إلى الإنحباس في مستنقعات الحكومات الراكدة فيعم التعفن والفساد.

فالمطلوب أن تؤلَّف حكومات تؤدي دورها الإيجابي لفترة وتذهب، ليحل مكانها حكومة أخرى، ليتم إستيعاب طاقات التغيير، فالكل عليه أن يتبدل لتتواكب أمواج الحياة ويتحقق الإستقرار، وتتسلق الجماهير سلم الرقاء الحضاري.

فهل أدركنا جوهر مأساة أنظمتنا السياسية المعوِّقة لمناهج صناعة الحياة؟!!

و"قف دون رأيك في الحياة مجاهدا...إنّ الحياة عقيدة وجهاد"!!

***

د. صادق السامرائي

 

نعم، يمكننا أن نستخلص الحقائق من خرافات جداتنا بطريقة الروائي الجزائري واسيني لعرج: استمتعت مساء أمس بمشاهدة لقاء مع الروائي الجزائري واسيني لعرج وهو متحدث لبق وممتع وقد توقفت عند قضيتين ذكرهما: الأولى هو أنه تحدث عن جذور عائلته الفقيرة الأندلسية وكيف جاءت واستقرت بإحدى قرى تلمسان في الجزائر، بعد انهيار الدولة العربية الإسلامية في الأندلس. قال لعرج إن إحدى جداته كانت تقول حين تسأل عن أصولهم الأندلسية وكيف جاءوا إلى الجزائر أن جدهم الأبعد - حين تقرر طرد العرب والبربر المسلمين واليهود في القرن السابع عشر من الأندلس - كان يعيش في حي بايزيني في غرناطة وهو حي ما يزال قائما إلى اليوم وكانت له فيه دار ومكتبة ضخمة وكانت لديه خادمة أو "عبدة" كما يسمونها باللهجة المحلية، فأعطته قطعة خشب وقالت له أعبر بهذه الخشبة إلى "العدوة الأخرى" الجهة الأخرى من البحر وعد إلى قومك وهذا ما حدث وعاد ووصل إلى ميناء أرشكون الذي لم يعد قائما اليوم.

بعد سنين وعقود، وفيما كان لعرج يتجول رفقة زوجته في مكتبة كبيرة ذكر اسمها عثر على كتاب بعشرة مجلدات عن المورسيكيين "العرب والبربر المسلمين" وكيف هربوا من الاضطهاد الإسباني في الأندلس. واختار واسيني أحد مجلدات الكتاب بمحض الصدفة وقرأ فيه فصلاً عن تلك الأحداث فوجد أن سفينة من مجموعة سفن إيطالية كانت تساعد الفارين العرب الأندلسيين إلى الشاطئ المغاربي وتوصلهم إلى ميناء اسمه أرشكون ... والعجيب أن إحدى هذه السفن كان اسمها عبدة (ABDA)! ويقول لعرج: "وفجأة تذكرتُ حكاية جدتي عن الوصيفة عبدة التي تعاطفت مع جدنا وألقت له بقطة خشب، هي هنا كناية عن السفينة، ووجدتُ أن الأمر يتجاوز الخرافة التي حكتها الجدة وإننا يمكن أن نقرأ ونحلل ما يعتبر خرافة لنجد فيه جزءاً من الحقيقة وأن التأريخ مفروش بهذه "الخرافات/ الأساطير" وأن علينا أن نبذل جهدا تحليليا لنصل إلى ما وراءها من حقائق"!

القضية الثانية في حديث لعرج التي توقفتُ عندها هي ما قاله عن الجذور العربية الاستلهامية وليس الاستنساخية لرواية سرفانتس (1547 -1616م) الشهيرة "دون كيخوطة/ دون كيشوت"، والتي تعتبر الكتاب الأهم باللغة الإسبانية والذي إليه يعود الفضل في تشكل وتكوين اللغة الإسبانية المعروفة اليوم "القشتالية" بعد أن كانت لهجة من لهجات في المنطقة. ويقول لعرج أن سرفانتس مؤلفها أشار بنفسه إلى تلك الجذور الاستلهامية حين ألفها قال إنه عثر على مخطوطة قصة مكتوبة بالعربية بقلم شخص اسمه حامد بن منجلي" وهو اسم عربي وطلب من صاحبها بعد أن اشتراها منه في سوق شعبي في غرناطة أن يأتي ويترجمها له في بيته مقابل معلوم نقدي فوافق على ذلك. ولكن هذه المعلومة لا تعني بالضرورة أن المؤلف عربي بل هي طريقة روائية لحكاية النص على لسان شخص آخر وهناك من يعتقد أن سرفانتس كتب روايته حين كان سجينا في مدينة الجزائر بتهمة جنائية مالية. ما لفت انتباهي هو أن هذه الفقرة غير موجودة في الترجمات العربية لرواية سرفانتس - وقد راجعت أكثر من ترجماتها العديدة إلى اللغة العربية وأنا من عشاق الدون القدماء - ولا أدري هل حذفها المترجم العربي لسبب ما أو أن الناشر الإسباني المعاصر أو المترجم للرواية إلى لغة وسيطة كالفرنسية هو الذي حذف هذه المعلومة. أكد معلومة واسيني هذه شادي روحانا في مقالته المهمة "سرفانتس والعرب وفيها ولكن بتفاصيل مختلفة جزئيا ولكنها هي نفسها من حيث الجوهر.

* بالمناسبة واسيني هو ابن أحد شهداء الثورة الجزائري وكان أبوه نقابياً عماليا معروفاً ترك فرنسا والتحق بالثورة ثم قتله الجنود المظليون الفرنسيون تحت التعذيب وما يزال جثمانه أو قبره مجهولا حتى اليوم. وكان واسيني قد وجه رسالة الى الرئيس الفرنسي الحالي يطالب فيها بمعرفة مصير والده وكيف اغتيل ومكان جثمانه قبل فترة ولكنه لم يستلم جوابا من ماكرون حتى الآن!.

وفي المناسبة فواسيني لعرج – الذي يعمل أستاذا جامعيا الآن في جامعة السوربون الفرنسية - من القلة المثقفة العربية التي رفعت صوت الاحتجاج ضد حرب الإبادة الصهيونية والتضامن مع الشعب الفلسطيني فاعتبر – في تصريحات صحافية له - ما يجري في غزة اليوم من قتل ودمار بمثابة "جريمة إبادة" لا يمكن تبريرها، مستنكرا الموقف العربي الرسمي مما يحدث في غزة. وأضاف "إنه زمن متوحش جديد...أن الحس البشري لم يعد موجودا" ويختم بالقول لقد "استيقاظ العمق المتوحش الحيواني في إسرائيل وأصبح مطلق الحرية".

***

علاء اللامي

........................

*المقابلة بثت مساء أمس ولكني عثرت على تسجيلها على اليوتيوب ... هنا، رابطها:

https://www.youtube.com/watch?v=o16MWPH1zIk&ab_channel=%D9%81%D8%B1%D8%A7%D9%86%D8%B324%2FFRANCE24Arabic

يقول الإرهابي الصهيوني دافيد بن غوريون في بدايات قيام الدولة "إن اليهود يخوضون اليوم مع العرب معركة المياه، وعلى مصير هذه المعركة يتوقف مصير "إسرائيل "، وإذا لم ننجح في هذه المعركة فإننا لن نكون في فلسطين".

كان من ضمن نجاح الخطة الصهيونية للاستيلاء على فلسطين السيطرة على منابع المياه التي تغذي البلاد، على رأسها جبل الشيخ ونهر الأردن وبحيرة طبريا وغيرها من المنابع المهمة والموارد.

فما كان من الإدارة الأمريكية إلا أن مولت عدد من المشاريع المائية التي تخدم دولة الاحتلال وتحافظ على وجودها كقاعدة لها في الشرق الأوسط.

وحتى العدوان الثلاثي عام ٥٦ الذي كان من أحد أسبابه المعلنة تأميم قناة السويس من قبل رئيس مصر جمال عبد الناصر، كان للولايات المتحدة الأمريكية يد خفية فيه، مع أن الدول التي كانت في الواجهة هي بريطانيا وفرنسا ودولة الاحتلال.

وبصرف النظر عن الأسباب سواء كانت تأميم القناة أو رفض الرئيس عبد الناصر الدخول في حلف بغداد أو غيرها من الأسباب التي جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية هي الرأس المدبر لهذا العدوان الذي في حقيقة الأمر كان رباعيا لا ثلاثيا.

حيث استخدمت الأخيرة دولة الاحتلال لافتعال مثل هذا العدوان.

وما قرأنا عنه من تدخل الولايات المتحدة الأمريكية ودورها الإيجابي في وقف العدوان على مصر هو كذب وتزييف للحقائق.

فدورها في وقف العدوان إنما جاء من قبيل إخضاع بريطانيا وفرنسا لها. ولكي تثبت للعالم الغربي أنها الزعيم، وخاصة بعد أن خرجت بعد الحرب العالمية الثانية كأضخم قوة في العالم. ما أدى إلى تحول أوروبا إلى تابع ومنفذ لقراراتها.

أما دولة الاحتلال فأيقنت أن لا بقاء لها ولا استمرار من دون دعم هذه القوة العالمية.

وقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية بالتغلغل في أفريقيا بعد أن قامت بتنحية بريطانيا وفرنسا بفضل دولة الاحتلال وموقفها وخاصة بعد الاستيلاء على مدينة "ايلات" أم الرشراش سابقا. الأمر الذي سمح للولايات المتحدة بالتسلل إلى أفريقيا وإقامة الشركات الأمريكية تحت قناع يهودي.

والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة بعد ٥٦ كانت قد لعبت دورا بارزا في تقليص قضية فلسطين واختزالها إلى قضية للاجئين، فأنشات منظمات الإغاثة وعلى رأسها "الأونروا" بشكل مؤقت لحين تذويب هؤلاء اللاجئين في الدول التي استقروا بها.

هذا ما ظنته الولايات المتحدة وذيلها اليهودي. لكن هيهات.. ففلسطين شمس لا تغرب ما دام هناك قلب ينبض بقضيتها.

فكلما حاولوا طمسها وتغييبها، انتفض هذا القلب..وكان ٧/أكتوبر/٢٠٢٣، اللهب الذي أحرق غطرسة أميركا ودولة الاحتلال.

يتبع....

***

بديعة النعيمي

بدأت منطقة الشرق الأوسط، المعروفة باحتياطاتها الهائلة من النفط والغاز، في التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة لمكافحة تغير المناخ وضمان الاستدامة للأجيال القادمة. ويعود هذا التحول إلى عوامل مختلفة بما في ذلك انخفاض تكاليف التقنيات المتجددة، وزيادة الضغط العالمي للحد من انبعاثات الكربون، والرغبة في تنويع مصادر الطاقة لضمان أمن الطاقة.

تعتبر الطاقة الشمسية من أهم مصادر الطاقة المتجددة الواعدة في الشرق الأوسط. ومع وفرة ضوء الشمس على مدار العام، تتمتع بلدان هذه المنطقة بإمكانيات هائلة لتسخير الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. في الواقع، قامت دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن بالفعل باستثمارات كبيرة في مشاريع الطاقة الشمسية وهي في طريقها لتصبح رائدة عالميا في إنتاج الطاقة الشمسية.

كما تكتسب طاقة الرياح المزيد من الاهتمام في الشرق الأوسط، حيث تستثمر دول مثل مصر وإيران والمغرب في مزارع الرياح لتوليد الكهرباء النظيفة. توفر الجغرافيا الفريدة للمنطقة، مع الصحاري والسواحل الشاسعة، ظروفًا مثالية لتوليد طاقة الرياح، مما يجعلها خيارًا قابلاً للتطبيق لتطوير الطاقة المتجددة.

علاوة على ذلك، يتمتع الشرق الأوسط بإمكانات كبيرة للطاقة الحرارية الأرضية، خاصة في البلدان ذات النشاط البركاني مثل تركيا وإيران. تتميز الطاقة الحرارية الأرضية بكونها مصدرا ثابتا وموثوقًا للطاقة المتجددة، فضلاً عن كونها أكثر فعالية من حيث التكلفة من الوقود الأحفوري التقليدي على المدى الطويل.

الطاقة الكهرومائية هي مصدر آخر للطاقة المتجددة التي يمكن استخدامها في الشرق الأوسط، وخاصة في البلدان التي لديها إمكانية الوصول إلى الأنهار والمسطحات المائية مثل تركيا وإيران. في حين أن مشاريع الطاقة الكهرومائية يمكن أن يكون لها آثار بيئية كبيرة، فإن التخطيط والإدارة الدقيقين يمكن أن يساعدا في تقليل هذه الآثار وضمان التنمية المستدامة.

وبالإضافة إلى هذه المصادر، يمكن أن تلعب تقنيات الطاقة الحيوية وتحويل النفايات إلى طاقة أيضا دورا مهما في مستقبل الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط. يمكن لبلدان المنطقة استخدام موارد الكتلة الحيوية مثل النفايات الزراعية، والنفايات الصلبة البلدية، والنفايات العضوية لتوليد الكهرباء والحرارة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتخفيف التلوث البيئي.

على الرغم من الإمكانات الهائلة للطاقة المتجددة في الشرق الأوسط، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها لتحقيق هذه الإمكانات. وتشمل هذه التحديات الحواجز التنظيمية، والافتقار إلى البنية التحتية، ومحدودية خيارات التمويل، والحاجة إلى تنمية القوى العاملة الماهرة. ومع ذلك، فمن خلال التخطيط الاستراتيجي والتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات الدولية، يمكن معالجة هذه التحديات وتسريع نشر الطاقة المتجددة في المنطقة.

أحد المحركات الرئيسية لمستقبل الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط هو الاعتراف المتزايد بالفوائد الاقتصادية للطاقة النظيفة. ويمكن للاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة أن تخلق فرص عمل، وتحفز الاقتصادات المحلية، وتقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد المكلف. وهذا التحول نحو اقتصاد الطاقة النظيفة يمكن أن يعزز أيضًا أمن الطاقة ويقلل من التعرض لتقلبات سوق الطاقة العالمية.

علاوة على ذلك، فإن التحول إلى الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط يمكن أن يساعد المنطقة على الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق باريس والمساهمة في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ. ومن خلال الحد من انبعاثات الكربون وتعزيز التنمية المستدامة، يمكن لبلدان الشرق الأوسط أن تلعب دورا حاسما في المعركة العالمية ضد تغير المناخ وتمهيد الطريق لمستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.

في الختام، يبدو مستقبل الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط واعدا، مع إدراك دول المنطقة بشكل متزايد للفوائد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للطاقة النظيفة. ومن خلال تسخير الموارد الطبيعية الوفيرة المتاحة في المنطقة والاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تقود التحول نحو نظام طاقة أكثر استدامة ومرونة يستفيد منه الأجيال الحالية والمستقبلية.

***

محمد عبد الكريم يوسف

يقول أجدادنا المطر الخير، ويؤكد صحة كلامهم الذِكر الحكيم (وخلقنا من الماء كل شيءٍ حي)، والمطر نعمة في كل البلدان بما فيها بلاد الكفّار كما يقولون.. هذا القول المضحك الذي جعلنا أمّة ضحكت من جهلها الأمم رغم عراقة الحضارة وأصالة الخُلق ومنبع الثروات، وصرنا نتحدث كثيراً عن مجد الماضي لأن الحاضر غير محبوب والمستقبل مرهون بالوعود والأكاذيب مثل نحارب الفساد، نظام العراق ديمقراطي، قمع الدكتاتورية، وغيرها.

 المطر خير ونعمة من الخالق الكريم لكنه صار نقمة من المسؤول البخيل الذي ينظر الى المال والإمتيازات والجاه ويظهر في اللقاءات الإعلامية يكذب على الشعب، والغريب أن هذا المسؤول يصبح قديماً في المهنة فيرتقي إلى منصب أعلى، وكل هؤلاء الناس يهابونه ويتذللون له، ولايسألون أنفسهم من هم المسؤولين عن ملفات الفساد، ولماذا لازالت زخة مطر تغرق البيوت ببعض المناطق في زمن الهواتف النقالة والإنترنت الضوئي والتجارة الرقمية التي أبدع بها بلاد الكفار؟.

الأمطار لم تعد نعمة بالنسبة للناس البسطاء الذين تغرق منازلهم بالمياه الملوثة لأن البلدية وهيئة المجاري مقصّرة بواجبها الوظيفي، ولم يعالجوا هذا الحال المائل وكأنه معضلة كبيرة .. للأسف هي نعمة للمسؤول الذي منذ أشهر وهو يصرّح برفع خزين المياه وتحسن الوضع المائي وانتعاش الاهوار، ونجاح الخطة الزراعية ووفرة محصولي الحنطة والرز وإيصال مياه الشرب إلى المنازل، فالمسؤولين عن الملف المائي عجزوا لسنوات عن معالجة شح المياه وضربه للأراضي التي اكتسحها الجفاف ونفقت بسببها الثروة السمكية والحيوانية، فضلاً عن هجرة سكانها، لتأتي الأمطار وتحل المشكلة بفطرة الخالق التي فطر الطبيعة عليها.

***

ابتهال العربي

 

"وإن ربك لبالمرصاد"

في تسعينات القرن الماضي قالت لي أمرأة عراقية طيبة طاعنة في السن، "إن ربك يمهل ولا يهمل"، و"على الباغي تدور الدوائر "،و"الظلم لا يدوم"، وسترى نهاية الظالمين، إنهم إلى بئس المصير، وكنت أتصور كلامها خيالا، لكن الذي حصل أثبت ما لم يكن في الحسبان، و" إذا جاءت الأقدار عميت الأبصار"، فإنتهى حال الظالم المقصود إلى أسوأ من أقبح خيال.

وإستمعت لكلمة قديمة للرئيس الحبيب بورقيبة مع القذافي أثناء زيارته لتونس وهو ينصحه قائلا بما معناه : " يثور عليك شعب مثقف وواعي خير من الشعب الجاهل"، ودارت الأيام وإذا بالقذافي ينتهي نهايته المعروفة، وإنكشفت أوهامه، وسوء حاشيته، وخداعهم له.

واليوم تردني رسالة من أحد الأصدقاء، عن شخص خان مدينته وفعل ما فعل عندما كان ذو سطوة وقرب من السلطة، وإذا به ينتهي نهاية قاسية، وحيدا في بلاد الإغتراب.

معادلة ثابتة لا تقبل التحريف تسري في الكون، خلاصتها أن العناصر الداخلة فيها تحدد نتائجها، فكيفما تكون نؤول، وما فيك يحدد مصيرك، ولن يخفى ما في الصدور من نزعات ومآرب وتطلعات.

"ومهما تكن عند امرئ من خليقةٍ...وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ"

ويتحقق علمها بنتائج المصير، فالأمور بخواتمها، "وإن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى"

وفعل ما فعل و" سعى في خرابها"، وما تورع ولا إتقى، وحسبها ملك يديه، وستدوم له، وتناسى لو دامت لغيرة ما آلت إليه.

 وبعض المدن منكوبة بأبنائها الذين لا ينصفونها ولا تأخذهم الغيرة نحوها، فلا يذكرونها ولا يتعاضدون ويتكاتفون، بل يُظهرون العداوة لمدينتهم وأهلها، وهؤلاء مصيرهم وخيم.

و"تلك الموازين والرحمن أنزلها...رب البرية بين الناس مقياسا"

و"إن الله لايحب الخائنين"

فلا تلومن غيرك إذا كنت من الجاحدين، الموالين للظالمين!!

***

د-صادق السامرائي

 

تعتبر دولة الاحتلال الدولة الوحيدة التي قامت "بوعد" باطل ليس له سند قانوني أو شرعي.

فمن الشتات ودهاليز أوروبا ومعسكرات ألمانيا وصقيع روسيا وزقاق بولندا، سار القطار الصهيوني الشاذ اللاشرعي بدعم أمريكي نحو أرض فلسطين. من خلال انتداب بريطاني إلى تقسيم غير مبارك، فعصابات وليس انتهاء بعضوية في الأمم المتحدة تحت مظلة أمريكية.

من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية احتضنت مشروع تقسيم فلسطين الذي أشارت إليه اللجنة الموفدة إلى فلسطين في مايو/١٩٤٧ من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة. بل وتعاونت مع الحركة الصهيونية على شراء الضمائر والأصوات لتمرير قرار التقسيم.

وقد جاء اعتراف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "ترومان" بعد دقائق من إعلان "دافيد بن غوريون" قيام الدولة.

ولم يقتصر الأمر على هذا بل إن "ترومان" قام بتعيين سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في "تل أبيب".

كما أنها ساهمت بفتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين دون قيد أو شرط.

وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أكبر حاضنة لليهود والأثرياء الداعمين للحركة الصهيونية فقد كانت التبرعات التي تصل إليها بملايين الدولارات في فترة قيامها وما سبق ذلك بسنوات.

وكان أيضا أن تدخلت في إنقاذ دولة الاحتلال ماليا في أوائل الخمسينات عن طريق الضغط على جمهورية ألمانيا الاتحادية بدفع عشرات ملايين الدولارات.

لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تفعل ذلك من أجل "سواد عيونهم" كما يقال، إنما لأنها صاحبة المصلحة الكبرى في إيجاد هذه الدولة في هذه الرقعة من الارض.

وليس أدل على ذلك من قول "ترومان" عند قيام هذه الدولة : (لقد قامت "إسرائيل" في منطقة الشرق الأوسط لكي تتصدى لتيار النعرة الوطنية، فإذا لم تستطع أن تحقق هذا فلا أقل من أن تجتذبه بعيدا عن مصالح البترول الأمريكي في الشرق الأوسط).

ومن هنا يتضح أن الهدف من مؤيدي التقسيم داخل الحكومة الأمريكية هو إنشاء دولة يهودية تكون بمثابة قاعدة أمريكية آمنة ومتطورة في الشرق الأوسط حيث تكون هي الجسر الرئيسي إلى آبار النفط العربي.

كما أنها أرادت من هذه الدولة الوليدة أن تكون سدا وجيشا تستخدمه في استراتيجيتها تجاه الوطن العربي عن طريق المصالح المتبادلة بينهما.

وهذا غيض من فيض من الدور الذي قامت به الولايات المتحدة لمساعدة دولة الاحتلال على القيام وأخذ حيز صغير في الشرق الأوسط لكن مفعوله كبير.

وقد توالت المصالح المتبادلة بينها وحتى يومنا هذا في حربها على غزة 2023 – 2024م.

يتبع.....

***

بديعة النعيمي

 

الحرب خدعة والكذب إحدى أدوات الحرب وتظهر أهميته في الحرب النفسية والتضليل الإعلامي، ولكن لا يكون الكذب فعالا إلا إذا وجد من يصدقه، لذا فالمشكلة في آفة الكذب ليس في الجهة التي تكذب بل فيمن يصدق الكذب ويتصرف على أساسه دون تدقيق وتمحيص بالرواية.

هذا ينطبق على سلوك الأفراد وعلى الدول أيضاً، فالكيان اليهودي العنصري قام على أساس أكاذيب وأساطير حيث خلط الأساطير مع الدين مع السياسة والاقتصاد، واستطاع لأكثر من سبعة عقود تضليل العالم وخصوصا في الغرب، إلى أن جاءت جرب الإبادة على الشعب الفلسطيني لتكشف حقيقة هذا الكيان، وهذه أمثلة من الأساطير والأكاذيب:

1- إنهم شعب الله المختار، ولا نعلم كيف رب العالمين يفضل شعبا عن بقية الشعوب وتستمر الأفضلية والاختيار إلى اليوم مع أن رب العالمين أتى بعدهم بأنبياء وكتب مقدسة!

2- أسطورة وعد الرب لليهود بأرض فلسطين، وكأـنه في ذاك الزمان قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة كانت هناك حدود تفصل الدول والمجتمعات عن بعضها البعض والعالم مقسم جغرافيا!

3- أكذوبة أن يهود اليوم هم نفس السلالة وامتداد للعبرانيين واليهود المذكورين في الكتب المقدسة، بينما يهود اليوم في الواقع لمَّم من جنسيات وشعوب لا علاقة لهم باليهود الأوائل وكثيرون منهم ليسوا يهودا أصلا.

4- أسطورة الهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى، بالرغم أنهم ومنذ قيام كيانهم عام 1948، بل وقبل ذلك، يحفرون وينقبون تحت المسجد وفي كل الأراضي الفلسطينية ولم يجدوا ما يدل على وجود الهيكل ولا أي أثر يدل على وجود حضارة اليهود المزعومة!

5- كما زعموا في بداية مشروعهم الصهيوني أن فلسطين أرض بلا شعب ويجب أن تمنح لشعب بلا أرض وهم اليهود! وأثبت الواقع وكل الوثائق التاريخية كذب مزاعمهم، فهم لم يكونوا يوما شعبا كما أن الشعب الفلسطيني كان وما زال ثابتا على أرضه ويقاتل دفاعا عنها والعالم أعترف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرضه كما اعترف بالدولة الفلسطينية.

6- وزعمت جولدا مائير أول رئيسة وزراء في الدولة اليهودية أن كبار الفلسطينيين سيموتون والصغار سينسون، والواقع يقول إن الصغار هم الذين حملوا راية الثورة والكفاح وما زالوا يقاتلون.

7- ولأن دولتهم وروايتهم قامت على الأكاذيب فإن حبل أكاذيبهم لم يتوقف أو ينقطع. أكاذيب حول ديمقراطية الدولة فيما كيانهم الأكثر عنصرية في التاريخ المعاصر وقد صدر قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 يعبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.

8- أكاذيب حول سعيهم للسلام بينما قتل اليهود بممارساتهم على الأرض كل فرص السلام و تهربوا من الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين كما يرفضون الالتزام بكل قرارات الشرعية الدولية بهذا الشأن.

9- أكاذيب بأن تطبيعهم مع الدول العربية يعجل بعملية السلام وقيام الدولة الفلسطينية بينما كان هدفهم خلق فتنة وقطيعة بين الفلسطينيين والعرب والتفرد بالفلسطينيين وهو ما يجري اليوم.

10- روجوا أكاذيب أن كيانهم يتعرض لتهديد وجودي من دول الجوار، بينما دولتهم تمارس الإرهاب وتحتل أراضي من دول الجوار: سوريا ولبنان والدولة الفلسطينية.

11- ويكذبون عندما يبررون عدوانهم وإجرامهم بأنه ممارسة لحق الدفاع عن النفس، بينما حق الدفاع عن النفس كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة يُمنح لكل الدول والشعوب وخصوصاً الخاضعة للاحتلال، ومقاومة الشعب الفلسطيني دفاعا مشروعا عن النفس.

12- كذب الكيان اليهودي العنصري عندما زعم بأن الفلسطينيين الذين اقتحموا غلاف غزة اغتصبوا يهوديات وقطعوا رؤوس أطفال! وأثبتت التحقيقات حتى من واشنطن ودول الغرب عدم صحة هذه المزاعم.

13- وكذبوا عندما زعموا أن هدفهم من الحرب القضاء على حركة حماس بينما جيشهم يدمر البيوت والمستشفيات والمدارس والبنية التحتية.

14- وكذبوا عندما زعموا أنهم لا يستهدفون المدنيين بينما قتلوا خلال ستة أشهر أكثر من أثنين وثلاثين ألف مدني أغلبهم من الأطفال والنساء و أضعافهم من الجرحى والمعتقلين والمفقودين.

15- وكذبوا عندما اتهموا وكالة الأونروا الدولية بأنها تدعم الإرهاب بينما هدفهم إنهاء قضية اللاجئين وحق العودة.

16- ويكذبون في كل تصريحاتهم حول وقف الحرب والهدن الإنسانية وسعيهم لإنجاز صفقة تبادل أسرى، بينما يماطلون لكسب الوقت لاستكمال مخططاتهم الموضوعة حتى قبل عملية طوفان الأقصى.

بالرغم من انكشاف كل هذه الأكاذيب من طرف الشعوب حتى في الغرب ذاته إلا أن كثيراً من حكومات الغرب مصرة على دعم إسرائيل إما تواطؤ ومشاركة في الجريمة أو عجزاً، وهو الأمر الذي يؤكد أن صراع الفلسطينيين ومن يناصرهم من أحرار العالم ليس فقط مع إسرائيل بل مع المنظومة الاستعمارية الامبريالية المسيحية الرسمية التي أوجدت هذا الكيان ليخدم مصالحها في المنطقة والعالم. وحرب غزة كشفت هذه المنظومة حتى عند شعوبها التي خرجت تناصر الحق الفلسطيني.

***

ا. د. إبراهيم ابراش

في المثقف اليوم