أقلام حرة

أقلام حرة

في دنيا الغاب الدولي المستعر بالصراعات يمكن تدجين الأسود الشرسة وترويضها وتحويلها إلى حمير، تنقل الأحمال وتؤدي الأعمال المطلوبة منها بإتقان.

فما أكثر الأسود التي تم الإستحواذ على إرادتها، وتقرير مصيرها فتجدها تصول نحو أهداف مروضيها بلا قدرة على التبصر وإدراك مآلات ما تقوم به، المهم أنها تفعل ما تؤمَر به، وليكن ما يكن.

ترى كيف تتحول الأسود إلى أدوات لتمرير الإرادات الأخرى؟

أول ما تقوم به القوة الساعية للقبض على الأسود ، أنها تتسلل إلى عرينها وتتفاعل معها بما يرضيها ويوفر لها الفرائس السمان.

والأخذ من أساليب الثعالب والقرود  ما تستطيع تمثيله، والتعبير عنه، حتى تطمئن الأسود وتحسبها يدها اليمنى.

وحينها تصبح سفينة العرين يقودها ربان من الثعالب والقرود، والأسود عليها أن تنفذ، لأن مصيرها محكوم بقمرة القيادة.

وبموجب هذا الإستحواذ تكون الأسود منقادة  للذي يقود سفينة الحياة، المعدة بإتقان لخدمة مصالح الذين قبضوا على مصيرها.

هكذا تفقد الأسود هيبتها، وتهزأ منها الحمير، وتنظرها بعين الإزدراء كلاب الغاب المتحيرة بأمر الأسود المغلوبة على أمرها.

فالأسود تحولت إلى أدوات تأتمر بالثعالب والقرود، وما تقوم به هو العدل والإحسان، وكل من عليها جان.

تلك مأساة الغاب الأرضي الذي تتحول فيه الموجودات الآدمية إلى أشياء لا قيمة لها ولا معنى، وكأرقام يتحقق محوها أنى تشاء القوى الفاعلة المهيمنة على الوجود.

فهل توجد قوة حرة، أم أن القوى الكبرى مصفدة بالأخرين الساعين للويل المبين؟!!

و"مَن يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميتٍ إيلام"

***

د. صادق السامرائي

 

خمسة اشهر وبضعة ايام وسكان القطاع يتعرضون لأبشع انواع القتل والتهجير والتنكيل،  لقد اسقطت غزة القناع عمن يدعون التحضر وحقوق الانسان وتقرير المصير، شعب محاصر على مدى عقدين من الزمن،  ما يقرب من الثمانية عقود ولم تسعى الدول العظمى الى تطبيق قرار التقسيم، بل نراها تساعد المحتل في اقتطاع اجزاء من الارض ستؤدي يوما ما الى ابتلاع الارض بأكملها لصالح المحتل الصهيوني.

أي معنى لإلقاء السلات الغذائية جوا من قبل امريكا وبعض الدول الغربية والتي لا تسمن ولا تغني من جوع وهذه الدول تمد الكيان الصهيوني بمختلف انواع الاسلحة والذخائر؟ أي معنى لإنشاء مرفأ لتلقي المساعدات الدولية والصهاينة مستمرون وعلى مدار الساعة في قصف القطاع بمختلف انواع الاسلحة؟.

المطبعون العرب،  ترى على أي اساس قمتم بالتطبيع مع الكيان؟ أ ليس لأجل قيام الدولتين؟ والعدو اعلنها صراحة مدوية ابان هذه الحرب بانه لا يؤمن بوجود دولة فلسطينية الى جواره،  والسؤال الاهم هو هل وصلت بكم الوقاحة التي لم نشهد لها مثيل على مر التاريخ الى امداد العدو بالمؤن عبر خط بري من دبي الى مدن العدو مارا بالأراضي المقدسة؟.

ما يسمى بدول الطوق لفلسطين،  تتباهون بانكم تقومون بإنزال المساعدات الغذائية جوا على سكان القطاع ومعظمها يسقط  في البحر بموافقة مسبقة من العدو،  ولم تقوموا بإدخالها عبر حدوكم المشتركة مع الضفة والقطاع بينما تنظرون بالعين المجرة الى طائرات العدو وهي تلقي قنابلها على الغزاويين ودبابته تدك مساكنهم،  تم تدمير جميع المباني وتسويتها بالأرض بما فيها المشافي وانتم تتفرجون ان لم نقل تتشفون، أي نوع من البشر انتم؟ أي معنى للعروبة؟ أي معنى لإسلامكم ان لم تنصروا اخوانكم وهم على مرمى حجر منكم؟ في غزة كل يوم يسقط ضحايا نتيجة عدم توفر ابسط انواع الاغذية التي تسد الرمق.

 أي معنى لوجود ما يسمى بجامعة الدول العربية؟ اما آن لمجلس رئاستها ان يقدم استقالته الجماعية؟ كنتم تضعون الشركات المتعاونة مع العدو على قائمة الحظر،  اما اليوم فان غالبية الدول العربية تقيم علاقات طبيعية بل ممتازة مع كيان العدو حيث التعاون في مختلف المجالات بما فيها شراء الاسلحة والمنتجات الصهيونية.

ندرك جيدا ان هناك العديد من المتشفين لما يحدث لسكان القطاع،  ويلقون باللائمة على حركات المقاومة،  لأنها بدأت الحرب قبل ان تصل الى احداث تعادل في ميزان القوى مع كيان العدو،  نقول: منذ متى كان صاحب الارض ينتظر توازن القوة مع العدو كي يبدأ عملياته لاسترداد ارضه؟ لو كان الامر كذلك لما استطاعت حركات تحرر بسيطة وهي لا تملك الا اسلحة بدائية ولكنها تملك الارادة من اجبار العدو على الرحيل،  بل اجبر بعض المستعمرين على الاعتراف بجرائمهم بحق الشعوب التي احتلوها واعتبار ذلك اعمالا غير انسانية تتنافى وحق الشعوب في تقرير مصيرها والعيش بأمن وسلام.

 كيف للعرب حكاما ومحكومين يصوموا رمضان ويجهزون له ما لذ وطاب من الاطعمة، بينما سكان القطاع يصومون منذ خمسة اشهر؟ .ستنتصر غزة يوما.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

الشعب اليهودي في دولة الاحتلال منقسم على نفسه في مجتمع غير مستقر، خائف على الدوام. يعاني من الداخل أزمات كثيرة،  أزمة في التعليم،  أزمة في الصحة،  أزمة عنصرية،  الاستعمار، تسيّد الأحزاب الدينية المتطرفة وسيطرتها على مفاصله.

شعب لا يجتمع إلا على حرب أو عدوان أو توسع،  أو عليها مجتمعة.

دولة تعتمد على القوة،  توظف كل ما لديها من موارد وطاقات لاحتياجاتها الأمنية بما في ذلك استقطابها يهود الشتات وشراء الأسلحة إلى بناء الجدران العازلة والقبة الحديدية وغيرها. لكن هذه الموارد تنفد والطاقات تستنزف،  ودولة من غير موارد وطاقات لا بد بأنها ستزول.

وهذه الدولة تمثل الحصن الغربي والإسفين الذي دُقّ في قلب الشرق العربي.

عملية طوفان الأقصى يوم ٧/أكتوبر نجحت في خلخلة هذا الإسفين، فأطل برأسه البشع ودخل حالة حرب دموية ضد المدنيين ليعلمهم درس عدم رفع الرؤوس في حضرته،  إلا أن أهل غزة رؤوسهم لا تنحني إلا لله،  وإيديولوجية عمليات الانتقام التي أسسها آرئيل شارون لن تغدو سوى الأفعى التي ستنفجر يوما من سمّها.

وحالة الحرب التي تدور رحاها في غزة ليست في صالح العدو رغم تبجحه بالانتصارات الكاذبة،  غير أن هذه الحرب ليست إلا العجلة التي تسير بدولة الاحتلال نحو الهاوية،  نحو النهاية والزوال. ودولة العصا تكسرت وتهشمت أمام إرادة المقاومة،  وصورة ضعف جيشها انعكست في مرآة خسرانهم. فها هم يتكبدون الخسائر بالمليارات والأخطر الخسائر النفسية، فبعد كل هذا هل نستطيع القول بأن جيش الاحتلال انتصر في هذه الحرب؟

هل حققت الأمن الذي تسعى إليه؟ هل حققت أهدافها في غزة؟ هل أعادت مستوطني الغلاف الذين أصبحوا لاجئين في "تل أبيب"؟ هل نجحت في تهجير سكان غزة إلى خارجها؟

حقيقةً،  ما الذي أحرزته دولة الاحتلال سوى المجازر والإبادة الجماعية التي ستلعنهم حتى في قبورهم؟ ما الذي أحرزته سوى كشف بشاعتها ودمامتها أمام العالم؟ وهل اكتفى أولئك الذين يمتلكون غريزة سفك الدماء من سفكها؟

هل فرّغ الحاقدون الجبناء شحنات حقدهم في شعب أعزل؟

إلام يسعى بنيامين نتنياهو؟ إلى الحصول على لقب أكبر جزار في تاريخ دولة الاحتلال في كتب التاريخ؟

إننا نقول له اليوم كفى،  لقد حققت ما تسعى إليه،  وتفوقت على بيغن وشارون وغيرهم من جزاري الدولة الفاشية. بل لقد سبقتهم بأميال كثيرة في الأعمال الإجرامية وحصلت على لقب مجرم حرب بامتياز بل ومصاص دماء. غير أنك فاشل، فلقب جزار ومجرم لم تمنحك قتل المقاومة ولا حدودا إضافية من الكعكة.

بل إن جُلّ إنجازاتك والحمد لله أنك تقود دولتك المزعومة إلى الزوال والخراب.

***

بديعة النعيمي

سويعات قليلة تفصل بيننا وبين أجمل أيام، أنها أيام شهر رمضان، الذي يقبل علينا ويحمل معه كل ما هو جميل على كافة الأصعدة المختلفة

ومع قدوم هذا الشهر نجد العديد من المفارقات، ولا اكون مبالغا عندما أقول  أنها متناقضات. لذا أردت في هذه السطور القليلة والكلمات البسيطة أن أسلط الضوء على رمضان كما ينبغي أن يكون.

فعندما فرض الحق سبحانه وتعالى علينا هذه الفريضة لم يكن الهدف من وراء ذلك الجوع  والعطش وانما تهذيب النفس وإصلاحها، بتعليمها وتعويدها على ترك مغريات الدنيا المادية طواعية، لأته لا رقيب عليك في  صيامك الا ربك وذاتك. فما أسهل أن تأكل وتشرب وتدعي أمام الآخرين أنك صائم، وما أسهل أن تفعل ما تشاء في الخفاء  وتبدي عكس ذلك.

لذلك فالغاية الأولى من الصوم هي إصلاح النفس، التي تعد مصدر كل الشرور والآثام. لذا كان من البديهي أن تكون النفس محور اهتمام العديد من  الفلاسفة منذ البدايات الأولى للسؤال الفلسفي وحتى اللحظات الراهنة. ولنا أن نتساءل ماذا لو اصلح كل منا نفسه؟.

اعتقد أن معظم الآثام والشرور التي نراها ستختفي لا محالة. فلن نجد الحاقد، الحاسد، النمام، التاجر الجشع، الحاكم الفاسد، الأخ الظالم، الأخت القاطعة للرحم، والإبن العاق...الخ. أن النتيجة المنطقية لذلك تتمثل في زوال كل الأمراض النفسية والاجتماعية التي نعاني منها في مجتمعاتنا، تلك التي يمكن ردها الي تلك المغالطات الفكرية التي نعيشها ونعاني منها.

الغاية الثانية من وراء الصوم هي تنمية الاحساس بالآخر، وخاصة ذلك الآخر الذي يعاني من ضغوط الحياة على كافة المستويات المختلفة. فلو تحقق الصوم كما ينبغي أن يكون لتجسدت أمام أعيننا العديد والعديد من الشعارات التي ملأت الارض، وعجت بها كتابات المفكرين، وتغنى بها الشعراء مثل العدالة الاجتماعية، المساواة، التكافل الاجتماعي، وحقوق الإنسان...الخ. فبالامس البعيد كان هذا الشهر الفضيل بمثابة مائدة كبرى يلتقي عليها سكان المجتمع الواحد، حيث تذوب الفوارق الطبقية والعرقية، بل ولا أكون مبالغا عندما أقول والفوارق الدينية أيضاً. لذا فرمضان هنا هو شهر اعادة بناء القيم على كافة المستويات المختلفة.

أما الغاية الثالثة للصوم فتتمثل في بلوغ السمو الروحي. حيث يتجرد الإنسان من ذاته المادية ويبحث عن ذات روحية تحلق في السماء وهي مازالت تسكن الأرض. ذات تبحث عن تنمية وتقوية أواصر علاقتها ببارئها من ناحية، وتتعامل الذوات مع بعضها البعض كما تتعامل الملائكة لا كما تتآمر الشياطين من الناحية الأخرى.

وفي الواقع إذا ما أردت أن أعدد الغايات من وراء الصوم فلن استطيع بلوغ الا النذر القليل منها. ولكن ما أنشده هنا هو الوقوف على ماهية الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع هذه الفريضة. ومن ثم يمكنني القول بأننا بحاجة إلي أن نتعامل مع فريضة الصوم بعقلية فلسفية، بحيث نبدأ هذه الرحلة الروحية بلحظة صمت تترتب عليه أيديولوجية دينية وروحية سامية تجعلنا نمتلك القدرة على أن نحلق في آفاق اليوتوبيا. لذا فالصوم يبدأ من الصمت وينتهي في اليوتوبيا.فهل لدينا القدرة على أن نصوم لا بالمفهوم الكائن بالفعل  عن الصوم وانما بما ينبغي أن يكون عليه الصوم؟.

***

ا. د. شعبان عبد الله محمد

أستاذ الفلسفة بآداب سوهاج

 

بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ): 82 يس

كُن.. فعلُ أمرٍ فاعلهُ - هو -: في انما أمره - هو الله - إذا أراد شيئا وهو تعبير عن إنشاء شكل جديد له شيئية جديدة..

فــ.. الفاءُ حرفُ عطفٍ ترتيبي في محل الاستئناف والاستئناف هنا يفيد التعاقب لأنه يتحدث عن كائن لم يكن موجود، لذلك فأنه لابد من أن يكون هناك فارق زمني بين ماكان وماسيكون يكون.. فعلٌ مضارعٌ يفيد المستقبل بمعنى سوف يحدث، عطفا على دلالة إلفاء الترتيبية الاستئنافية، وعلى هذا الفهم اللغوي للآية المباركة يكون قول الله تعالى

:[وجعلنا من الماء كل شئ حي ]: الأنبياء الآية 30 - هو أول تحول من اللاحياة إلى الحياة وهي عملية تحول من والى وليست عملية ايجاد من العدم حيث يقول الله تعالى « وجعلنا من الماء » فهو سبحانه يشير إلى الماء باعتباره اصلا للحياة والجعل هنا يعني إعادة تشكيل الابعاد الهندسية والأقيام الذرية لإنتاج الخلية الحية وكل ذلك مسبوق بالإرادة (فإذا أراد شيئا فإنه يقول له) بمعنى يوعز للشيء القائم « الماء » كُن شيئا اخر فيكون شيئا اخر مختلف في كينونته والكينونة هي الهيأة، بمعنى أن كن فيكون تعني اختلاف الشيئية بين شيئية الماء وشيئية ماتشكل عن الماء وذلك يشير بوضوح إلى أن ماتشكل قد تَشَّكل بإضافة خصائص الماء، بمعنى أنه لايمكن أن يكون الماء لوحده كافيا لاتمام خلق الهيأة !؟ إذا علمنا أن هيأة الماء ناتجة عن اتحاد ذرة اوكسجين والتي تمثل المركز في جزيئة الماء مع ذرتين من الهيدروجين، وهو تركيب ذري لا يتغير في حال تغيرت هيأة الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة أو في حالة التحول إلى بخار.. من هنا نفهم أن جزيئة الماء أو عدد من جزيئات الماء لوحدها لايمكن أن تتحول الا إلى حالتين هما البخار أو الثلج مع بقاء التركيب الذري ثابتاً « H20 » بمعنى أن الماء في أيٍ من حالاته لن يكون خلقا آخر غير الماء فأنه أما أن يكون بخارا أو ماءً سائلا أو بلورات من الثلج اذن فأن قول الله تعالى وخلقنا من الماء كل شيئ حي.. لايعني أن الله قد خلق الأشياء المادية من الماء وانما لابد لكل ماخلقه سبحانه سيكون الماء بتركيبته الذرية داخلٌ فيه أو مؤثرٌ فيه، وفي الوقت الذي يشير الله تعالى إلى دخول الماء في خلق كل شيئ حي فأنه عندما يتحدث عن التراب كمادة للخلق فأنه سبحانه يستخدم التخصيص حيث أنه أشار فقط إلى خلق الانسان من تراب

وبذلك فإن الإنسان مخلوقٌ من التراب وهو يشترك مع باقي المخلوقات في جعل الماء مشتركا لازما للحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ الروم الآية 20

﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.. ال عمران آية 59

﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُل ﴾ الكهف الآية 37

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ ثم يقول الله تعالى في نهاية السياق ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ الحج الآية 5

لاحظ هذه الآية التي بعد أن ثَبَّت الله فيها حقيقة جعل الماء مصدرا لازما للحياة وحقيقة أن التراب هو المادة الأولية لخلق الانسان؛ فأنه سبحانه يشير إلى الأرض بأنها « هامدة » بمعنى لاحياة فيها من دون أن ترتبط بالماء في قوله (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) والهامد في اللغة يعني أنه لايتحرك كما نقول عن الميت بأنه جثةً هامدةً بمعنى أن علامة موتها أو دليل موتها أنها لاتتحرك، لذلك جعل الله تعالى كلمة اهتزت بمعنى تحركت دليلا على الحياة بعد أن كانت ميتةً هامدة لاحراك فيها. ومن ثم وبعد أن ينزل الماء على التراب بأمر الله ويرتبط به ويصبح طيناً فإنه يقول.. بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ 12 المعارج

لاحظ كيف أن الله تعالى قد جعل كيفية الخلق عبارة عن عملية متعاقبة منطقية فهو سبحانه في الوقت الذي يخبرنا بالخلاصة المتمثلة بخلق الإنسان من طين فأنه ايضا يشرح لنا الكيفية وهي أن الأصل في ذلك هو حتمية ارتباط الماء بالتراب ومن ثم طين لازب كما يصفه الله في قولهانا خلقناهم من طين لازب.. بمعنى متماسك ومن ثم يشير إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة تحويل الطين المتماسك إلى جسد بقوله خلق الانسان من صلصال كالفخار، حيث أنه سبحانه هنا يشبه صلابة هذا الصلصال الذي لم تمسسه النار بالفخار بمعنى أنه اكتسب صلابته من غير نار وهذا يعني أن ذلك استغرق وقتا طويلا ليصل إلى الصلابة الكافية لكي يتخذ شكلا ثابتا كالاجسام المعالجة بالنار، فضلا عن ذلك فإن من لوازم وصول هذا الجسد إلى تمام الاستعداد لتلقي الروح فإنه لابد أن يكون مكتملا في جوهرية المراد من خلقه إنسانا ؛ لذلك كان وصف هذا الصلصال بالحمأ المسنون حيث أن هذا الوصف يعني أن ذلك الصلصال والذي هو نتاج تفسخ الصخور الطينية المحتوية على مادة السليكا اللاحمة والذي غالبا ما يتواجد في المناطق المنخفضة الرطبة هو اصل ألمادة العضوية التي تشكل أساس الخلية الحية الاولى بعد بقاء هذا الصلصال مدة طويلة في هذه البيئة الرطبة حتى يتحول الى حمأ وهو الطين المنتن والنتن هو الرائحة الكريهة التي لابد أن تكون ناتجة عن تفاعل كيميائي احيائي، وهذا يؤشر بوضوح أن جسد ادم الذي نفخ الله فيه من روحه كان جسدا حيا من هذه الناحية وفي مرتبة الحياة المجهرية حيث كان مهيئا لاستقبال الروح ، وقد وصف الله تعالى هذا الحمأ بالمسنون لأن المسنون في اللغة من سَنَّ. والسَنْ هو تحديد النهايات وجعلها حادة. ولأن خلق الانسان لابد أن يكون محدد المعالم في أدق التفاصيل المتعلقة بهيأته وجوهر وجوده فلابد من أن يتحول ذلك الحمأ الحي غير المُعَرَّف إلى حمأ مسنون محدد في شكله مُعَرَّف في في عنوانه وفق تلك المحددات التي من محدداتها معرفة أن للإنسان اذنين وعينين وأنفٌ بفُتحتين وفمٌ بشفتين ولسانٌ مشطورٌ إلى قسمين ويدين ورجلين وعشرةٌ من الاصابع في اليدين ومثلها في القدمين، وبذلك فإن كل تفصيلة في هذا الجسد المخلوق محددة وليست سائبة أو محتملة ومن ذلك نصل إلى معنى آخر للمسنون وهو أن كل تفاصيل هذا الجسد مسنونةً مُقَّننةً فالسنن الكونية هي قوانين الخلق وهي لاتتبدل وذلك قول الله تعالى ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا: [43 فاطر]: - من هنا سنجد بوضوح أن خلق الانسان كان خلقا تطوريا متعاقبا وليس خلقا لحظياً مباشرا الا في مايخص [نفخ الروح] في ذلك الجسد بعد اكتمال هيأته وبعد أن أصبح قابلا مناسبا لاستقبال تلك الروح التي لانعرف عنها أكثر مما قاله الله تعالى لنبيه عليه افضل الصلاة والسلام في جواب من سأله عنها بقوله [ويسألونك عن الروح * قل الروح من أمر ربي * وما أوتيتم من العلم الا قليلا*] 85 الاسراء.. من هنا يضع الله تعالى حدا فاصلا بين مايمكن مقاربته بالمعرفة مما كنا نتحدث فيه تدبراً وبين مالا يمكن مقاربته بالمعرفة لتعذر ذلك موضوعيا في جواب النبي لمن كان يسأل عن الروح بأنها من أمر ربي، بمعنى أنها متعذرة على المعرفة.. وهذا يعني بالضرورة أن مادون ذلك هو في حدود قدرة الإنسان بل إنه من مسؤولياته أن

يبحث ويتدبر آياته وذلك قول الله تعالى: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة ص 29: - السؤال هنا هو كم كانت فترة التحول من تراب هامد لا حراك فيه إلى حمأ مسنون صلصال متماسك حي وبين استضافة هذا الجسد لتلك النفخة الإلهية المباركة..؟

بتقديري أن من أكثر التصورات سذاجةً هو تصور مشهدية أن الله تعالى وكأنه نحات قد صنع تمثالا من طين ميت ومن ثم نفخ فيه الحياة وهو في الواقع تصور غريب يُنزل الخالق منزلة المخلوق في تعاطيه مع أدوات النحت بل أن هذا المخلوق المتفوق في خياله غالبا ما يتمكن من صناعة تماثيل واشكال تفوق في جماليتها الوجوه البشرية التي خلقها الله تعالى وفق مقدمات وعوامل ومعطيات مختلفة، ذلك أن الأمر في حقيقة الخلق لايتعلق بالنحت أو الرسم وانما بالانشاء وهو في حقيقته تدبير الله لما يريد وهو خلق صورة نهائية مكتملة من حيث مقدماتها ونتائجها ومدياتها الزمنية التي لاتتعلق بحساباتنا المحدودة للزمن، حيث أن الخالق هو الله وهو لم يتحدث ابدا عن المديات الزمنية في الواقع الذي نعرفه وانما عن الزمن الذي لانعرف عنه شيئ لذلك أشار إلى الفارق في أكثر من مكان في كتابه العزيز حيث قال سبحانه في ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ - 4 السجدة -

لاحظ كيف أن الله تعالى يشير إلى المدة التي استغرقتها عملية خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ! ومن ثم في الآية التي تلتها يبين لنا كم هو مقدار تلك الأيام الستة وهي ماتعادل ستة الالف سنة، حيث أن يوما عند الله يعادل ألف سنة مما تعدون. ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ - 5 السجدة -

وفي وصف اخر للأيام عند الله بأنه يعادل خمسين ألف سنة مما تعدون عندما يتعلق الأمر بأيام القيامة ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾  - 4 المعارج - اذن فأنه على الاحتمالين بين أن يكون اليوم هو الف أو خمسين ألف مما تعدون فأن الخلق برمته قد استغرق مابين 6 الف إلى 300 ألف سنة مما نعرفه من السنين وهذه مقادير أكثر منطقية من الناحية الواقعية لحصول التحولات وفق قواعد تتناسب مع ماخلق الله من قوانين فيزيائية وكيميائية لإنتاج أشكال ومراتب حياتية متدرجة وصولا إلى أشكال بايولوجية متناسبة مرحليا مع تلك القوانين.. لماذا لايكون خلقا مباشرا !؟

قد يكون هذا السؤال من أكثر الاسئلة

الحاحا عندما يتعلق الأمر بالصراع بين من يقول بالتطور وبين من يقول بالخلق المباشر وهو صراع فكري عقائدي ركيزته الأساسية هي محاولة تحقيق الغلبة على الطرف الآخر أو بشكل أدق محاولة هدم عقيدة الآخر، ففي الوقت الذي يركز فيه المؤمنون بسيناريوا الخلق المباشر على تسخيف فكرة التطور وجعلها فكرة خيالية وربط أصحابها بالسلف الاعلى وهو القرد وذلك لإهانة أصحاب فكرة التطور التي أسس لها دارون، والتي ترتكز على مفهوم النشوء والارتقاء للخلية الحية وصولا إلى شكل أولي للحياة فيه نوع من الكينونة الظاهرية، بمعنى أنها ظهرت خارجيا بعد أن كانت لم ترتقي إلى مستوى الظهور الخارجي عندما كانت وحيدة الخلية أو لنقل أنها بالمستوى المجهري، على أن جهة المؤمنين بالخلق المباشر انما يرتكزون في عقيدتهم ارتكازا ذهنيا غير قابل للنقاش، فهو عقيدة ودين ولكنهم لايملكون مفاتيح هذه العقيدة بشكل واضح ومحدد الا في مايتعلق بتعظيم الإله من خلال تجلي قدرته بقوله تعالى (كن فيكون) والتعامل معها على أنها أمر لحظي يدل على القدرة الخارقة المذهلة، وهم هنا غير مستعدين لمناقشة هذا الامتياز الذي جعلوه لله وكأن قدرة الله وعظمته مرتبطة بفعل محدد أو شكل محدد نحن نرى عظمة الله من خلاله.. !!

والواقع أن مجمل ما قاله الله تعالى عن النشوء والخلق في الإطار الأولي من ماء وتراب وروح انما كان يبين فيه مراحل هذه العمليات وكيفيتها ؛ وحتى بعد ذلك عندما كان يتحدث عن أطوار التخليق بعد تسويته ونفخ الروح فيه ومن ثم زوجين واطوار الجنين وصولا إلى نسخة جديدة عن هذا الكائن الذي خلقة من طين، والاطوار هي وصف لتعدد المراحل الزمنية للنشوء، لذلك فأن فرضية الخلق المباشر كما يريد أن يفهمها المؤمنون بها لا أساس لها في كتاب الله وهي ايضا لايؤيدها الواقع الاحيائي المرتكز على منطقية وجود مقدمات متناسبة مع نتائج متناسبة على أن ذلك التسلسل هو الذي يدل على عظمة الخالق الذي جعل لكل شيئ سببا في الجهة الأخرى من الصراع ستجد من يعتقدون بالتطور يحاولون من خلال نظرية داروين نفي قصة الخلق من أساسها ومن ثم نفي وجود خالق ! وذلك اعتمادا على معطيات علمية بحثية تثبت بمستوى من المستويات أن هذا الإنسان قد تطور عن أشكال حياتية بدائية بفعل عملية طويلة من الانتخاب الطبيعي وصولا إلى سلف مشترك مع القرود والذي بدوره كان قد تطور عن كائنات أقل تعقيدا في سلسلة من التحولات وصولا إلى أول أشكال الحياة وهي الكائنات المجهرية الأولى التي كانت من نتاج تفاعلات كيميائية حصلت في قاع البحار.. ! طبعا هؤلاء يهمهم جدا أن لايكون هناك خالق وان كل ذلك حدث من تلقاء نفسه لا لان ذلك عليه دليل وانما استجابة لاهواء نفسية تتعلق بإثبات الذات ففي الوقت الذي يبين الله تعالى كيفية حدوث ذلك بقوله ﴿فاذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت﴾ فإنك تجد الملحد يستخدم عبارة عائمة لامعنى لها بقوله إن هذه الحياة قد نشأت من تفاعلات بين الماء والتراب دون أن يبين الكيفية أو المقدمات التي جعلت ذلك ممكنا..

***

فاضل الجاروش

 

الشائع في سلوك المجتمع أن الواحد وحيد زمانه ومكانه، ولا يجوز له التفاعل مع غيره بروحية تكافلية ذات قيمة إضافية للحياة.

فالكاتب أوحد زمانه، والشاعر وكل مبدع، بل أن النخب بأسرها رغم أن معظمها كأعجاز نخيل خاوية، لكنها تتباهى بما ليس فيها، فتتوهم أنها تحمل أعذاقا متميزة ولذيذة.

وبسبب هذه المحنة التفاعلية الجائرة لم يحصل تواصل وتوالد أصيل بين الأجيال، بل كل جيل ينقض على الجيل الذي جاء بعده ويحاول تعويقه.

وتشذ بعض مجتمعات الأمة الأخرى، ومنها مصر التي تكافلت عقولها في النصف الأول من القرن العشرين، فأوجدت رموزا ذات قيمة حضارية ومعرفية مشرقة.

وفي بلادنا لا نعرف مبدعا مولودا من رحم آخر، فلا يوجد تشجيع وإسناد وتوجيه لصالح بناء شخصية متفوقة بقدراتها عن الجيل الذي سبقها.

وهذه الظاهرة ليست غريبة عن واقع الأمة المعرفي، فمهما يُقال عن أسباب عدم تواصل عقول الأمة وتبريراتها، فأن العامل الأساسي يكمن بالأنانية والشعور بالكينونة الذاتية المتضخمة التي لا يدانيها أحد.

ولهذا ما وجدنا لإبن رشد أتباع، ولا لمن سبقه وتلاه من المفكرين والعلماء، لأنهم يحتكرون المعرفة ويتقربون بها إلى ذوي السلطة والنفوذ، ولا يفكرون بإنشاء جيل يحمل لواء أفكارهم ونظرياتهم، فالعلاقة بين الشخص العارف والسلطة تحتم هذا السلوك الأناني الإنقراضي الخسراني المبيد!!

فلا عجب أن تقطعت أوصال الأجيال وإنطمرت رموزها في خنادق الإندثار الحضاري.

و"أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه

حريصا عليها مستهاما بها صبا"

***

د. صادق السامرائي

عندما استولت دولة الاحتلال عام ٦٧ على قطاع غزة، بدأت بقضمه عن طريق إغراقه بالمستوطنات وهو القطاع الضيق الذي يختنق بسكانه. وتوسعت كما حلم آباءه المؤسسون. كما استغلت هذه الدولة حاجة القطاع المنهار اقتصاديا وفقره فاستفادوا من العمال الفلسطينيين الأُجراء داخل مدنهم ومستوطناتهم، وكلفوهم بالأعمال التي يشمئز من القيام بها يهود الشتات بأجر مهين. ناهيك عما ارتكبه الجيش فيما سمي بعمليات "تطهير" أي القبض على الفدائيين الذين بدأوا بتنفيذ عمليات مسلحة ردا على طغيانهم واستبداهم لسكان القطاع. فكان جيش الاحتلال يقتحم المنازل بحثا عنهم، يهين النساء ويعتقل الرجال ويروع الأطفال.

فكيف لا يتحول هؤلاء الأطفال إلى أعداء ومقاتلي المستقبل؟

أطفال واقع صنعته غطرسة الدولة المحتلة. أطفال الواقع المأزوم والحكم العسكري الظالم والحصار المقيت ، أطفال الترويع والإهانة الذين شاهدوا عدوهم يستخدم ضدهم وضد أهلهم جميع أنواع القوة الجبانة. أبناء واقع الجوع وقلة الموارد.

هؤلاء من أراد هذا العدو تدجينهم، وظنوا أنهم سيركعوا أمام بطش رشاشاتهم وصواريخ طائراتهم ونابالهم. إلا أن ظنونهم كذبتهم.

وهم اليوم مصدومين من قوة الذي ظنوه ضعيفا!

هذه الدولة ما علمت أن قوة الضعيف قد تحولت إلى قوة خرجت عن سيطرتهم بسبب بطشهم. قوة أحبطت مخططات عظمى خبيثة.

عدو لم يتوقع أن يبتكر الذي ظنه ضعيفا ذات يوم ،أساليب قتال وإرادة دمرت غطرستهم وشوفينيتهم.

صدمة العدو كانت كبيرة وقوية أمام مقاومة بأسلحتها المتواضعة حين انهارت منظومات أسلحتهم المتطورة وانهارت معها غطرسة أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبقية دول الشيطان.

انهارت قوة العدو التي كان يظنها العالم رادعة، فغدا الرشاش بيده أداة انتقام. انتقام من ماذا؟ لخساراتهم؟ لجبنهم؟

المقاومة التي خبرت نقاط ضعفهم لعقود هاجمتهم من خلالها فأصابتهم في مقتل.

وها هو الحاخام السفاردي الأكبر "يتسحاق يوسف اليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣- ٢٠٢٤" يقول إذا أجبرونا على الانضمام إلى الجيش فسنغادر جميعا خارج "إسرائيل".

فهذا الحاخام لا يهدد باسم طائفته إلا بسبب جبنهم وخوفهم من المواجهة في غزة ،لأنه يعلم ما اقترفت أيديهم التي لا زالت تتلطخ بدم الابرياء وهو يعلم أيضا أن هذا المقاوم الذي سيقف أمامه، هو طفل الأمس الذي غدا اليوم مقاتلا جبلا تهابه دول. يرونه قنبلة ولا يراهم أكثر من حصاة غارقة في وحل خساراتهم.

***

بديعة النعيمي

 

الكلمة لها دورها في تأمين الحياة النفسية الطيبة، ولها قيمتها في العافية النفسية والسلوك البشري المستقيم، ولهذا فالكلمة الطيبة صدقة، ولهذا أيضا، "ن..والقلم وما يسطرون"، مما يعني أن الذي يكتب عليه أن يتوخى الحذر في إختيار الكلمات، لما لها من تأثيرات نفسية وفكرية على القارئ.

والمجتمعات الرشيدة الحية، تميل لتسويق الكلمات الإيجابية، وتبتعد عن السلبية مهما كانت ظروفها صعبة وقاسية، وهذا يتطلب جرأة وشجاعة وإقدام وإيمان بأن المستقبل أفضل.

وبالكلمات الإيجابية الواعدة بالخير تميز القادة في أحلك الظروف، التي تمر بها شعوبهم وبذلك إكتسبوا صفة القادة الأفذاذ.

ومن الأمثلة في تأريخنا أن النبي الكريم في ذروة معركة الخندق، كان يبشر الصحابة بأنهم سيملكون عرش كسرى، مما أشاع فيهم عزيمة الإصرار والإنتصار والأمل بوعدٍ عظيم وقدرة على بناء الحياة وفقا لإرادتهم، فكانت تطلعاتهم لا تعرف المستحيل.

وما يسود اليوم في واقع الأمة الكتابات السلبية المشحونة بالكلمات المدمرة للإرادة والقدرة والحياة، وبموجبها تسير الأمور وتنطلق التفاعلات الخسرانية والتداعيات المريرة ويتمكن الضلال والبهتان.

أي أن الأقلام السلبية تساهم في ديمومة الوضع القائم، وتدمر الكيان الوطني الإنساني، وتحيل الواقع إلى ميادين غاب وتوحش وإضطرام.

وعليه فأن الذي يكتب يتوجب عليه،  أن يكون حذرا ومنتبها في إختيار المفردات التي يستعملها للتعبير عن أفكاره، وخير الكلام ما كان مختصرا ووافيا.

إن شيوع الكتابات السلبية من أخطر ما يواجه المجتمعات، ويمنعها من التحرر من قيد السكون وعدم المشاركة في صناعة الحياة المعاصرة.

فالأمة فيها طاقات إيجابية أكثر من السلبية، ولا بد من تفعيل الإيجابي وإهمال السلبي، لا تجسيمه وإيهام الأجيال بأن الأمة خالية من الأنوار وتعيش في الجحيم.

ومع كل ما يجري ويُقال فأن الأمة بخير وأجيالها سترتقي وتكون، وستزيح العثرات والمعوقات وتردم مستنقعات الكراسي الغابية الشرسة الأنانية الطباع والتطلعات.

نعم إن الأمة بخير وستكون أرقى وأقوى، وستشعشع أنوار جوهرها الحضاري الأصيل!!

و"لابد أن يشرق الضوء في آخر النفق"!!

***

د. صادق السامرائي

 

1 - الوجع المزمن لهذا السؤال، رافقنا منذ (1400) عام، من دون ان نجد له اجابة، هل تورطت العروبة بأسلامها، ام أن الأسلام تورط بعروبته، ام أن كلاهما غلاف لمضمون واحد؟؟، أو  أن ألله وشعوب المنطقة قد تورطت بالأثنين؟؟، وأن "القرآن حمالاً"، كما اشار اليه الأمام علي (ع)، لتلك الفوضى وسوء الفهم، آيات للفتن والتحريض والتكفير والقتل العشوائي المشرعن، يتسائل العقل البشري، هل ان ما يحدث دين أم مجزرة، يرتكبها مذهبي الشيعة والسنة، حيث أفرزا من صلبهما، اسلاميي ألقاعدة والنصرة وداعش، وحزب الله اللبناني وانصار الله في اليمن، والمليشيات الدموية للحشد الشعبي في العراق، هذا هو الأسلام السياسي، الذي إنفجر في الجزيرة العربية، بكامل ارهاصات مضامينه، في شهوات التوسع في جغرافية الآخر، ونتيجة للأنتصارات العلمية والمعرفية، وعولمة التواصل وأختفاء الرقيب، ضاقت الحيل بأجوبة رجل الدين، واتسعت مساحة وثقل السؤال، هنا لا يوجد حلاً جاهزاً، سوى تعبيد المسافة بين ألله والأنسان، من عوائق الوسطاء، وتلك وظيفة الأجيال وليس النخب.

2 - المجتمعات غير العربية، التي اُجبرت على دخول الأسلام، ولجهلها بلغة ألقرآن، لم تتسع فيها جوائح ألتخلف، مقارنة بالمجتمعات العربية، ولو اخذنا مثال تركيا المسلمة، وما هي عليه، من تطور صناعي واقتصادي وأجتماعي، وحالة التخلف والأنهيار، داخل مجتمعات هجين العروبة والأسلام، لاعلنت الحقيقة عن موعد اندثار تلك المجتمعات، هنا على طرفي هجين العروبة والأسلام، ان يسرعا في  الأنفكاك عن بعضهما، او تقوم الشعوب المعنية، بثورة تغيير وأصلاح تاريخية جذرية، وإلا فان التردي الراهن، سيفضي الى الأنهيار الكامل، في اسوأ الحالات، فالأمر موقوتا بنفاذ النفط والغاز، وحضور البديل، العالم اصبح مسرع الخطوات على هذا الطريق، أن التفكك بين هجين العروبة والأسلام، أصبح واضحاً، وخطوات اجيال المستقبل، تسبق الواقع الراكد، نحو حتمية التغيير والأصلاح الجذريي.

3 - تصالحت الأديان (السماوية!!! الأخرى) مع نفسها ومجتمعاتها، وخاصة المسيحية، وتراجعت عن اللامعقول، وأجرت اصلاحات هامة في خطابها الديني، وتركت السياسة للمجتمع والدولة، اما هجين النظام العربي الأسلامي المتخلف، المختنق بتعقيدات الماضي، وهزيمة السلف امام الأنجازات العلمية والمعرفية، وضيق افقه بالمتغيرات والتحولات الحياتية، اصبح يتخلف اكثر ويموت أكثر، كونه غير قادر على فهم ذاته والتصالح معها، اما اصلاح خطابه الديني، فأمر غير قابل للتحقيق، ومصالحها لا تسمح لها بالتخلي عن وظيفة الدين، المشبعة بالفساد الديني، وعبر العنف وهمجية التكفير والألغاء التام للأخر، أصطدم الهجين مع ذاته والمجتمع، ضاقت به الحياة وضاق به الله، فأصبح اسلام في زمن غير أسلامي، ولم يتبق من عافيته ونفوذه هنا وهناك، سوى السلاح المدمر والمليشيات الدموية.

4 - لم تتورط العروبة بأسلامها، ولا الأسلام بعروبته، أن المتورط الحقيقي في كلاهما، هو ألله والأنسان والأوطان، كان يمكن للأسلام، ان يكون ثورة اصلاح، في منطقة متخلفة كالجزيرة العربية انذاك، فهناك كتابان (سماويان!!) كما يقال عنهما، بعد اضافة كتاب ثالث، وضع البشرية في مأزق، ثلاثة كتب لألة واحد، هنا اصبح العقل الجمعي متردداً ازاء تلك الأشكالية، لكن الدين الأخير، الذي ختم الأديان والأنبياء، ومسح امكانية الأصلاح والتغيير والتطور، انطلقت وحشيتة للتوسع، فتوحات وغزوات وسبي وقتل وعقوبات، سياسية واقتصادية واجتماعية، وكان السلاح والبارود (وليس الأقناع)، علفاً لأسلمة الأخر بالأكراه، وقد اختفت حضارات تاريخية عريقة، في مهب العنف القادم من الجزيزة والبداوة، وكان الكتاب (السماوي الجديد (القرأن!!)، مشبعاً بكل مبررات العنف والأبادة، فأصبح (دولار)النفط والغاز، الألة الحقيقي لأنظمة وشعوب المنطقة، في هذه المرحلة، سقط القناع عن القناع، والدين عن الدين، وتسارعت مراحل عودة الله الى ذات الأنسان، وعودة الأنسان الى ربه، مقتدراً على إصلاح شأنه واوطانه، ليجعل من الوسيط مهما كان حجمه ومبررات طغيانه، ليس الا رقعة لا تليق بالحياة على الأرض.

***

حسن حاتم المذكور

08 / 03 / 2024

ومن جهلت نفسه قدره

رأى غيره منه ما لا يرى

الأمة قوية وفيها طاقات حضارية لا تنضب، والعلة في أجيالها المصروعة بالخذلان، والمقتولة بالضلال والبهتان.

فالخذل النفسي من أخطر العاهات التي تعيق وجود الأمم والشعوب وتمنعها من التقدم إلى أمام، وتدفع بها إلى ميادين الضياع والخسران.

أمة العرب علمية الطباع ومعرفية إبتكارية تنويرية إشراقية، أبحرت في فضاءات الإدراك العلوية، ووضعت الأسس الراسخة للإنطلاقات الحضارية في ربوع الإنسانية.

ليس هذا إدعاء وتقولا، إنها الطاقة الحضارية الكامنة فيها، والتي أخرجت إلى النور البشرية القابعة في ظلماتها الدامسة بين القرن الثامن والثالث عشر، عندما إستلهمت الإرادة العربية وتشربت بأنوارها، تحررت  من قيود الإستلاب العقائدي والتعطيل العقلي، فتفاعلت عقول أجيالها مع  التحديات فأوجدت مرتكزات إبتكارية، وتطلعات إبداعية مطلقة، فكان الحاضر المعاصر كما نراه، وسيكون المستقبل أبعد مما نرى ونتخيل، لأن العقول صارت تتفاعل في الذرى.

الخذل النفسي الفاعل في مسيرة الأمة منذ القرن التاسع عشر بتراكماته السلبية الإنكسارية النكبوية، أسهم في تدحرجهاإلى وديان الضياع والهلاك الشديد.

فتجدنا أمام أمة فيها معظم طاقة الأرض وقدراتها الإقتصادية وممراتها المائية، وقد تدثرت بالتبعية والخنوع والإعتماد على الغير في مأكلها ومشربها، وما تحتاجه مما يساهم في الحياة الطيبة.

بل أنها من شدة خذلانها النفسي تحولت إلى عدوة شرسة لذاتها وموضوعها فراحت تقاتل بعضها، وتستنزف ما عندها من عوامل القوة، للنيل من الآخر الفاعل في وجودها والمهيمن على مسيرتها، والمستحوذ على ثرواتها والمتحكم بقراراتها ومصيرها.

ولكي تتحرر الأمة من الخذل النفسي، على نخبها أن تتمسك بما هو إيجابي، والذين يكتبون إنشاءً نفسيا أن يتقوا ربهم  ويسلطوا الأضواء على الكتابات الإيجابية، ويجاهروا بعلم النفس الإيجابي ويبتعدوا عما هو سلبي، ومشارك بتعزيز الخذل النفسي.

والنفس كالطفل إن تهمله شب على.. حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم"!!

"والنفس راغبة إذا رغبتها...وإذا ترد إلى قليل تقنع"!!

***

د. صادق السامرائي

 

تشهد القضية الفلسطينية حالة من التعقيدات الداخلية والخارجية أخطرها كثرة اللاعبين السياسيين الخارجيين وتأثيرهم على مجريات الأحداث على حساب تراجع فاعلية وتأثير المكونات الوطنية والقرار الوطني الرسمي المستقل، حتى حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها العدو على الشعب والقضية لم تُحدث حراكاً رسمياً وحزبياً وحدوياً يرتقي لخطورة المرحلة التي تتطلب وحدة وطنية وتجاوز كل الخلافات السابقة، وكل ما جرى استقالة الحكومة واحتمال تشكيل حكومة جديدة.

 استقالة الحكومة لم يثر اهتماماً لا فلسطينياً ولا خارجياً لأن الحكومة ليست مربط الفرس كما أن المشكلة لا تكمن في الحكومة بل في مرجعيتها وصلاحيتها وهي أمور تتحكم فيها الاعتبارات والاشتراطات الخارجية أكثر مما هي تعبير عن الإرادة الشعبية المُغيبة منذ انتخابات 2006، ومع ذلك تبقى الحكومة عنواناً للسلطة بعد تهميش كل المؤسسات الأخرى.

معضلة الحكومة وصلاحياتها والتدخلات الخارجية في تشكيلها وتحديد صلاحياتها ليس بالأمر الجديد فهي موجودة منذ عهد الرئيس أبو عمار حيث تعرض لضغوط هائلة خارجية وداخلية لإدخال تعديلات في النظام السياسي وفي صلاحيات الحكومة وتم استحداث منصب رئيس الوزراء، وتواصلت مع الرئيس أبو مازن الذي تزامن توليه السلطة عام 2005 مع فصل غزة عن الضفة وما تعرض له من ضغوط أمريكية لإجراء انتخابات تشريعية في يناير 2006 فازت فيها حركة حماس وبمقتضاها تم تكليف إسماعيل هنية رئيس الحركة بتشكيل حكومة طرحت برنامجاً سياسياً يتعارض مع المرجعية المفترضة للحكومة والسلطة وهي الرئاسة ومنظمة التحرير، الأمر الذي أدى لحصار السلطة وتعطيل عمل الحكومة وانقسامات سياسية كبيرة ثم انقلاب حماس على السلطة في غزة و قيام حكومتين وسلطتين متعاديتين.

 فشلت كل جهود المصالحة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تنهي الانقسام وكان كل طرف يلقي بالمسؤولية على الطرف الآخر متجاهلين عن عمد التطرق للضغوط والاشتراطات الخارجية المفروضة على كل منهم.

في خضم الحرب الحالية وبعد 145 يوماً من حرب الإبادة قدم محمد اشتيه في العشرين من فبراير استقالته للرئيس وقبلها الرئيس في السادس والعشرين من نفس الشهر مع تكليفه بالاستمرار كحكومة تسيير أعمال الى حين تشكيل حكومة جديدة، وخلال هذه الفترة الزمنية التي قد تطول لأشهر سيكون الرئيس الذي بيده كل مقاليد الأمور واقعاً ما بين الانحياز للضرورات والمصلحة الوطنية التي تتطلب حكومة تعبر عن الإرادة الشعبية تواجه التحديات في غزة من وقف الحرب وارجاع المهجرين إلى بيوتهم والإعمار الخ أيضاً التحديات في الضفة وخصوصاً مواجهة الاستيطان ومحاولات إلغاء الدور الوطني للسلطة والحكومة والأزمة الاقتصادية والمالية هذا من جانب، ومن جانب آخر الاشتراطات الأمريكية التي تريد تغيير وظيفة السلطة لتكون مجرد إدارة مدنية بدون هوية وطنية وتغيير العقيدة الأمنية وحتى مناهج التعليم، هذا بالإضافة الى الرفض الإسرائيلي حتى الآن لعودة السلطة للقطاع لأن عودتها يعني نهاية الانقسام وصيرورة السلطة في موقف القوة مما يعزز فرص قيام  الدولة الفلسطينية في غزة والضفة وعاصمتها القدس.

قدرة الحكومة القادمة على مواجهة التحديات والاشتراطات الخارجية مرهون بأن تكون محل توافق وطني وهذا مفقود حتى الآن، حيث تطالب حركة حماس في لقاءات موسكو أن تكون ليس فقط جزءاً من أية حكومة قادمة ولو من خلال مشاركة غير مباشرة بتعيين وزراء تكنوقراط موالين لها أو ترضى عنهمـ بل أيضاً تريد أن يكون تغيير الحكومة جزءاً من عملية تغيير شاملة لكل النظام السياسي وخصوصاً في منظمة التحرير، بمعنى أن يكون التوافق على الحكومة جزءاً من مصالحة شاملة تُعيد بناء النظام السياسي برمته لتصبح مرجعية الحكومة منظمة التحرير بعد إصلاحها و انضواء جميع الأحزاب فيها.

من حيث المبدأ فإن مطلب حماس هذا يشاركها فيه غالبية الفصائل والشعب وخصوصاً التوافق على إستراتيجية عمل وطني وبرنامج سياسي تشتغل عليه الحكومة، إلا أن المصالحة الشاملة تحتاج لوقت ولا نتوفر حالياً على ترف الوقت للتوصل لتفاهمات شاملة فشلت مئات جولات حوارات المصالحة في تذليلها، وحتى مع كل ما يجري من حرب إبادة وخراب ودمار فما زالت حماس تصر أنها تحقق انتصارات في المواجهات في غزة وتنسب لنفسها الفضل في تحريك الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، كما تتهم السلطة والقيادة بالتخاذل والإحجام عن المشاركة في الحرب.

منذ بدء الحوارات في موسكو نهاية فبراير للتوافق على إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وخصوصاً تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية قادرة على القيام بمهامها في الضفة والقدس وغزة لا توجد حتى الآن مؤشرات إلى التوصل لنتائج مرضية وكل ما صدر بيان في العموميات.

ما يثير القلق ويدعو للتشاؤم في التوصل لتفاهمات داخلية ترتقي لمستوى خطورة المرحلة، وجود مسارين للمفاوضات. واحد في موسكو تشارك فيه منظمة التحرير وكل الأحزاب ومسار آخر في القاهرة تغيب عنه منظمة التحرير والقيادة وتحضر القيادة السياسية لحركة حماس في الخارج فقط مع وسطاء عرب-قطر ومصر- يقفون موقف الحياد بين المجرم والضحية! مع أنه لا يمكن الفصل بين القضايا التي يتم بحثها في المسارين ما دامت القضية المركزية في المسارين والهدف ذو الأولوية وقف الحرب والعدوان وانسحاب جيش الاحتلال ومستقبل غزة وضمان ألا تخرج عن الإطار الجغرافي والسياسي الوطني الجامع، وليس صحيح أن مفاوضات القاهرة تدور حول وقف إطلاق النار وصفقة تبادل أسرى فقط بل تبحث في مستقبل غزة بعد الحرب.

 فلماذا يتم استبعاد منظمة التحرير عن مفاوضات القاهرة وتُترَك قيادة حماس في الخارج المنقطعة الصلة تقريباً بالقيادة العسكرية في غزة وحدها تواجه المفاوض الإسرائيلي الذي يمثل الدولةـ سلطة ومعارضة والمستوى السياسي والمستوى العسكري والمدعوم بموقف أمريكي وغربي، بقيادة المفاوضات ما دامت المفاوضات تبحث قضايا تتعلق بوقف الحرب ومستقبل القطاع ما بعد الحرب؟ كما يلاحظ أن حماس في حوارات موسكو تتحدث عن حكومة تكنوقراط تمثل غزة والضفة ومرجعيتها منظمة التحرير بينما يتركز جهدها في مفاوضات القاهرة على تثبيت سلطتها في قطاع غزة وهذا ما لا تخفيه تصريحات العديد من قادتها.

إن لم تستغل الأحزاب الراهنة حالة التأييد الشعبي العالمي لفلسطين وتزايد معاداة إسرائيل والصهيونية حتى في المجتمعات الغربية، فسترتكب جريمة بحق الشعب والقضية ولن يغفر لها الشعب، واحتمال كبير أن تشكل واشنطن وإسرائيل وبعض الدول العربية قيادة جديدة تتجاوز كل الأحزاب القائمة، أو تستمر حكومة تسيير الأعمال برئاسة اشتية كسلطة في الضفة فقط وتشكيل سلطة وحكومة في غزة منفصلة عن بقية الوطن.

ما نخشاه أن انتظار الرئيس لإنجاز مصالحة شاملة في موسكو لن يطول في ظل تزايد الضغوط الداخلية والخارجية عليه، وقد يُقدم الرئيس على تعيين مرشحه المفضل محمد مصطفى لرئاسة الحكومة دون توافق الكل الوطني وهذا سيؤدي لإعادة إنتاج نفس الحكومة واستمرار الأزمة ما دام مرجعيتها الرئيس والسلطة، وما دامت حركة حماس مصرة على مواصلة الحرب لأشهر قادمة كما يقول إسماعيل هنية وبقية قادتها وما دامت تصر على استمرار وجودها المسلح في غزة.

قطاع غزة يحتاج في هذه المرحلة وبشكل مؤقت أن يكون منزوع السلاح تديره حكومة توافق وطني غير حزبية مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية، إدارة قادرة على التعامل مع كل الأطراف المحلية والعربية والدولية وحتى الإسرائيلية لإنقاذ ما تبقى من الشعب والأرض، وفي هذا السياق نُعيد ما سبق طرحه قبل سنوات وهو التفكير بفلسطين دولة اتحادية (فيدرالية)، بمعنى حكومة محلية في غزة وحكومة محلية في الضفة مرجعيتهم حكومة مركزية عنوانها منظمة التحرير الفلسطينية التي تضم الكل الفلسطيني من أحزاب وفصائل وممثلين عن المجتمع المدني وشخصيات مستقلة.

***

د. ابراهيم أبراش

 

قبل أيام قليلة من شهر رمضان المبارك، ترتفع أسعار البضائع الجافة في الأسواق بسبب زيادة الطلب عليها، وخلال الشهر المبارك، يتم استيراد معظم الفواكه والخضروات من الخارج، فترتفع أسعارها أيضًا.

 نشتري كميات لا حصر لها من البقالة، أذ  تقضي الأمهات والزوجات ساعات طويلة في إعداد أنواع مختلفة من الطعام.. هذا الشهر فيه تبذير وترف في الأكل والشرب، فنكثر من تناول اللحوم والنشويات والسكر باسم الصيام.

 إن امتلاء سلة المهملات ببقايا الطعام هو مضيعة للمال والوقت، وبعد تناول الكثير من الطعام قد تشعر بالكسل وإهمال عباداتك، وهذا مخالف لحكمة الصوم الذي يقمع شهوة النفس ورغبتها في العبادة.

خلال شهر رمضان، هناك عادات وسلوكيات غير مقبولة اعتاد عليها معظم الناس، مثل السهر في الكازينو، أو الجلوس في الطريق العام، أو الخروج لتناول القهوة، وهذا ما يجعل من الصعب كسرها. يذهب بعض الشباب إلى المتجر أو يلعبون في الحديقة ليلاً، وينامون كثيراً أثناء النهار لتعويض قلة النوم، ويأكلون كثيراً ليلاً لتعويض الطاقة المفقودة.

 وأثناء السحور، في أحد المطاعم قبل الفجر، أستمع إلى أغاني وصراخ المراهقين، دون الانتباه إلى المسجد أو أذان الصبح أو القرآن.. في الأشهر السابقة لشهر رمضان، يستيقظ بعض الناس مبكرًا خاصة للعمل ولا يسهرون لوقت متأخر، وخلال الشهر الفضيل انخفضت فيه إنتاجية العمل باسم الصيام، وتقلصت ساعات العمل ساعة واحدة، خاصة لموظفي الدولة.

سواء كان شهر رمضان أو أي شهر آخر، فإن رمضان شهر مبارك  تتضاعف فيه الأجر ونعلم أن وقت المسلم ثمين ونحن مسؤولون عنه، وتحديداً خلال شهر رمضان، يميل الناس إلى البقاء مستيقظين لساعات طويلة بسبب تأثير البرامج التلفزيونية المغرية الموجهة للشباب، كما يشعر البعض بالتعب عند النهوض للذهاب إلى العمل.

وبسبب قلة النوم، قد تنخفض إنتاجية العمل نتيجة وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الكثير من الأشخاص في العمل، وقد يتصرف الآخرون بعصبية في المنزل أو في العمل، وقد يرغبون في النوم عندما يعودون إلى المنزل، وقد يكونون مشغولين، وما إلى ذلك. بسبب الإنترنت ومنشوراته المشبوهة.

 قد تجد نفسك تضيع وقت الإفطار، أو تفشل في أداء واجباتك الإلزامية، أو تتأخر عن المدة المحددة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى أن نفعل ذلك، سنفعل ذلك.. فلا تفوت عليك متعة الصيام وفوائده الصحية والاجتماعية.. ويجب ألا نتردد في توضيح المشكلة أو حتى محاربتها.

خلاصة القول: علينا عدم التردد عن توضيح أو حتى محاربة العادات السيئة والتقاليد البالية التي كثرة في مجتمعنا.. فالواجب الديني والعقلي والأخلاقي يتطلب منا التصدي لمثل هذه الممارسات لأنّ بعض الناس أصبحت حياتهم تقليداً أعمى ليس غير.. وسيبقى مجتمعنا ينحدر إلى حضيض القيم البالية بسبب ضعف بعض الحكومات من جهة، وانحطاط الثقافة المجتمعية من جهة أخرى، وكما قال الكاتب البريطاني الشهير وليم شكسبير 1616 – 1564: (أصعب معركة في حياتك حينما يدفعك الناس إلى أنْ تكون شخصاً أخر).

***

شاكر عبد موسى/ العراق

كاتب وأعلامي

أنا ضائقاً بهذه الحياة، وساخطاً عليها، حياتي التي اكتنفتها المصاعب، وأحاطت بها الآلام، هي في الحق حافلة بمواطن الضنك والضيق، وليس فيها ما يدفعك أن تمضي سائر أيامك وادعاً مطمئناً، قرير العين راضي البال، كلا، ليس في أيامي شيئاً من هذا، فأنا أحس بثقل هذه الأيام، وأخذ بحظي منها، وأقنع بما تمنحني إياه من بهجة ضئيلة، أو متعة قليلة، والمتع التي انقطعت ما بيني وبينها من أسباب، أقصاها عندي أن تجد صديقاً من أصدقاء الصبا والكهولة، تحادثه في غير تكلف ولا استخفاء، أو تخلو بكتاب تلتمس فيها العزاء والشفاء من عللك وأوصابك، تلك العلل التي لا تستطيع أن تجهر منها بشيء، أو تنكر منها شيئا. والحق الواقع الذي لا شك فيه، أن السودان- حفظه الله- الذي كل شيء فيه يدعو إلى ضيق أو انكار، يتحفني، ويتحف كل قاطنيه، بمحن لا تجد النفوس عنها منصرفا، وبرزايا لا تجد الأفئدة إلى التخلص منها سبيلا، فكل شيء فيه ساكن لا يتحرك، وكل شيء فيه واقف لا يسعى ولا يضطرب، لا يتيح لك هذا الوطن الجامح، إلا مثل هذه الأحاديث التي تزيد من ضجرك وهمك، والضجر الذي لا حد له في طول، أو عرض، أو عمق، كما يقول الدكتور طه حسين،  يقبل علينا في هدأة كل صباح، متكلفاً شيئاً من العنف، حتى يلتصق بوتيرة الدقائق والساعات، والأيام والليالي في هذه الديار، ليفيض على وجوهنا هذا العبوس، وعلى مهجنا هذا البؤس، وعلى عقولنا هذه الفدامة التي تجعلنا لا نقف عند شيء، ولا نلتفت إلى شيء.

وفي الحق نحن اطمئننا إلى هذا الضجر، ووثقنا به، وتعلقت نفوسنا بوجه الشاحب الكئيب، بعد أن رسخ في قناعاتنا، أن الضجر وحش كاسر، لا يمكن استرضاؤه، أو التغلب عليه، لقد اتخذنا الضجر خدنا لنا إذن، واعتدنا على عذابه الهادئ المتصل البطئ، ولعل من الخطأ الفادح أن نعتقد أن أعاصير الضجر وزوابعة التي تزداد شدة والحاحا، هي ظاهرة طارئة لم يعرفها إنسان هذا البلاد، أو أنه كان يلتمس الفرص، وينتهز السوانح، حتى يلتف علينا، ويمتص رحيق سعادتنا امتصاصا، فالحقيقة الواضحة الساطعة أن الضجر قديم الصلة بهذه الديار، وأنه يألفها، ويحبها، ويكلف بها، لأجل ذلك هو ينداح في كل مكان، وينساب في كل ناد.

الضجر حقيقة من ضمن الحقائق التي نعرفها، ونتعايش معها، فنحن نرى صورة الضجر البشعة، ونسمع صوته الأجش البغيض، ونحن بعد كل هذا مرغمين أن  نوادده، ونهادنه، ونصانعه ونتيح له المناخ الذي يكلف به، ويرتاح إليه، نهيئ له هذه الحلبة التي يلتقي فيها بوجهه القبيح، الدميم، المشوه، بوجه المعاناة السافر، ليصطدما في وطن واحد، ويسحقا مستقبلنا القاتم، ويصبغا مذاهبنا السياسية التي لا تخضع للحرية، ولا للديمقراطية، ولكنها ترتهن للتسلط، والعسف والخصام، بهذا اللون الأحمر القاني، لون الدماء التي لا تدل على معنى محقق في أذهان ساسة هذه البلاد.

***

د. الطيب النقر

 

اقول لهؤلاء السادة، هنيئاً لكم ما حصلتم عليه من ثروات بطرق مختلفة انتم تعرفونها افضل من غيركم.. لكني اناشدكم ان تتوجهوا لاستثمار تلك الثروات الخرافية في مشاريع تنموية في العراق في القطاع الصناعي والزراعي والتطوير العقاري وغيره.. انها افضل من ايداعها في بنوك اجنبية وجعلها عرضة للاحتيال او المصادرة كما حصل في لبنان !!

انها توفر الحماية والتصالح مع هذا المجتمع الطيب ضعيف الذاكرة..

قد يكون سلوككم التنموي (والذي سوف يدر عليكم أرباحاً كبيرة ايضاً) نوع من التكفير عن الذنب وقد يصبح نوعاً من المصالحة مع الشعب الذي سرقتم امواله وقد يحصل نوع من المسامحة الاجتماعية ويمكن التعامل معكم كاصحاب رؤوس اموال وطنية ومستثمرين كبار..

وانتم تعرفون اننا لانمتلك ذاكرة اجتماعية نشطة !!

افتتحوا مصنعاً او مزرعة او مشروعاً للتطوير العقاري، وسوف تشاهدون الكم الهائل من المديح والثناء.

اعرف ان معظمكم متدينين، لذلك فأن عقوبة الله عليكم قد تصبح أخف!!.. سوف يقبل الله توبتكم لاسيما وان الحسنات يُذهِبن السيئات!!.. قد تشعرون بشيء من راحة الضمير (بافتراض ان لديكم ضمائر)...

قد نبرر لكم ذلك باعتباركم نواة رأسمالية وطنية!!

أنا يائس تماماً من امكانية استرداد الاموال المسروقة وانتم كذلك تعرفون.. لذلك دعونا نبدأ صفحة جديدة ونقبل بهذا التعويض للمجتمع والذي سوف يوفر فرص عمل ويقلل الاستيراد الخ....

لايمكن ان يستمر هذا النهب الى ما لانهاية، في العراق مصالح دولية وليست محلية فقط وقد تؤدي الى خسارتكم كل شيء.

كنتم اذكياء عندما بحثتم عن فرص السرقة والاحتيال، فكونوا اذكياء في النجاة والعيش بأطمئنان..

الحلب الجائر للابقار قد يقتلها، لذلك حافظوا على بقرتكم الحلوب ولكن بطرق مشروعة هذه المرة...

حتى في عالم الاستثمار والاعمال ستكونون سادة الساحة ولن يستطيع أحد منافستكم، وسوف تجنون الكثير بشكل يبدو كما لو كان شرعياً !!

اسأل الله ان يهديكم

***

د.صلاح حزام

 

الديمقراطية بمعنى حكم الشعب بواسطة نوابه الذين يفوّضهم لذلك بالإنتخاب، ما عادت كما كانت في القرن العشرين، ذلك أن المعارف والعلوم بأنواعها قد تطوّرت وبلغت ذروتها، ومنها العلوم النفسية التي تعني معرفة النفس وآليات السلوك البشري، وبموجبها يتم ترويضه وبرمجته وفقا للمصالح والغايات.

أي أن البشر ما عاد يمتلك ما نسميه بحرية الرأي والإختيار، وإنما يمكن إعداده لتنفيذ ما يُراد منه دون شعوره وتوهمه بأنه يتخذ قراره بنفسه، ويقرر مصيره كما يرى ويعتقد، والحقيقة أنه مسيّر لا مخير، ومقبوض على وعيه الفردي والجمعي.

وبموجب مفاهيم وقوانين ونظريات وآليات، صارت المجتمعات كالعجينة التي تستطيع أن تصنع منها ما تشاء وتشتهي، فما عادت إرادة الشعوب حرّة، وفقدت دورها وقيمتها، لأنها من الممكن إختصارها ببضعة أفراد تمتثل لهم وتتبع وتقبع في أحضانهم، وفي مجتمعاتنا لعبت العمائم دورها والعشائر والنخب وغيرها الكثير من رموز مختصرات الشعوب ومصادرة حقوقها وتحويلها إلى أرقام.

فالديمقراطيات في أكثر الشعوب تقدما صارت تديرها وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي وفقا لمنطلقات تخدم المرشح المطلوب، وفي المجتمعات المنكوبة، يسيرالبشر وراء هذا وذاك من مُستعبديه ومبرمجيه وفقا لمنطوق السمع الطاعة المبهرج بالدين.

وهذه الحالة تفسر تصدير الديمقراطيات المنتهية الصلاحيات لمجتمعاتنا،  لكي تتحول إلى أدوات لإفنائها وتمزيق وحدتها وقدرتها على الحياة الحرة الكريمة.

فهل توجد إنتخابات نزيهة ذات مصداقية عالية؟

هل توجد دوافع وطنية حقيقية؟

مجتمعات الديمقراطيات المدنسة بالأدينة، تحققَ فيها إلغاء الوطن والمواطنة، وصار الإنتماء للطائفة والعشيرة من الأولويات والمسلمات اللازمة للبقاء، وتشرعن الفساد وطفح كيل الأنانية وإنغمس في مستنقعات الويل والوعيد، ويا روحي ما بعدك روح.

و"إذا لم تستطع شيئا فدعه....وجاوزه إلى ما تستطيع"!!

***

د. صادق السامرائي

إعتدنا على الكِتاب، وعندما يظهر في الصورة متحدث في مواضيع ثقافية تكون خلفه أدراج مكتبته الخاصة، فهي صورة تقليدية لا تزال تتكرر في وسائل التواصل والمواقع ومحطات التلفزة، فهل ستبقى في القرن الحادي والعشرين؟

إن معظم أصحابها من المخضرمين، الذين ولدوا في القرن العشرين ويعيشون في القرن الحادي والعشرين، الذي طغت فيه الحواسيب المنضدية والشخصية أو الحضنية، وتمادت في ضآلة حجومها، حتى وصلنا إلى مصنوعات متطورة لا تحتاج إلى كيبورد، فالرائج مكاتب عليها الحواسيب بأنواعها.

في العقد الأخير من القرن العشرين ذكر رائد الكومبيوترات بأنه يسعى أن يكون في كل بيت حاسوب، وأعتُبر ما ذكره ضرب من الخيال البعيد، وإذا بالحاسوب يهيمن على كافة النشاطات المعاصرة، وصارت الدوائر مُستعبَدة بالحاسوبات، وأصبح العقل مرهونا بها، بل أن أجهزة الذكاء الإصطناعي أخذت تتمددت في ربوع الحياة، حتى ليتساءل البعض عن حاجتنا للعقل!!

قبل عقدين قال لي أحد الزملاء الصينين، في هذا القرن سوف لن نحتاج لعقولنا، لأننا سنصنع ما هو أقدر منها!!

لم أوافقه، وتجدني أهزأ مما رأيت في حينها، فالعالم التكنولوجي أو النانوتكنولوجي يتحرك بقدرات خارقة، ويسبر أغوار مستقبل لا يمكن لخيال أن يتصوره، فالواقع الذي نعيشه أغرب من أي خيال، وما خطر على بال جميع الأجيال التي مرّت فوق التراب وذابت فيه.

الكتاب الورقي مهم، فكل علم لم يحوه القرطاس ضاع، ويبدو أن من الصواب القول، أن كل علم لم يدوَّن إليكترونيا سيضيع، فأجيال القرن الحادي والعشرين، وهنت علاقتهم بالورق، وتعززت تفاعلاتهم مع الشاشات بأحجامها المتنوعة.

بل حتى الكلام ما عاد له أثر وقيمة في حياتهم، وإنما ما ترسمه أصابعهم على الشاشة أمامهم، وما يتوافد إليهم من صور صامتة وناطقة، فالكتاب المسموع أكثر رواجا من الكتاب المطبوع ورقيا.

فإلى أين تمضي قافلة الحياة؟!!

وهل صدق الجاحظ حين قال: "أوفى صديقٍ إن خلوت كتابي...ألهو به إن خانني أصحابي"؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

إن "المحرقة" التي رسختها الحركة الصهيونية في العقل اليهودي بعد تضخيمها وتعليقها كتميمة في عنق مواطني دولة الاحتلال، باتت صكوك غفران لكل ما ارتكبوه في الماضي وما يرتكبونه اليوم.

فالدولة الصهيونية العلمانية التي قامت بتنحية الدين اليهودي جانبا بعد أن تمردت عليه واستخدمته عند الحاجة فقط منذ بدايات قيامها، في الحقيقة ما كانت لتولد لولا تلك التميمة الثمينة"المحرقة" التي تدخل الرعب في قلب اليهودي كلما تلمسها أو وقع نظره عليها. فمن صنع المحرقة عرف كيف يصنع شعبا روبوتيا يحتضن سلاحه على الدوام، متأهبا للضغط على زناده في لحظة الخطر. ولأن اليهودي يعلم أن دولته لاشرعية قامت على أنقاض شعب آخر هو صاحب الأرض الشرعي، تحتم على معلق التميمة أن لا يغفل لحظة عن هذا الصاحب الذي يهدد بقائه، لأن الثاني لم ينسى أرضه برغم ما فعله الأول بحقه من قتل وتدمير واستلاب.

لكن هذه اليد التي تحمل السلاح وتتأهب على الدوام للضغط على زناده ستصاب بالخدر والشلل وبالتالي نهايته الحتمية لو أفلت الزناد. والسؤال هنا، هل هذه الدولة الخائفة المتوجسة على الدوام ستزدهر يوما ويطول عمرها؟ دولة ترى نفسها الضحية، ما جعلها تتمادى إلى أقصى حدود التمادي، تقضم كل يوم من الكعكة دون رادع، تقيم المستوطنات، تمزق الأرض، تذل الفلسطيني عند كل حاجز، تقتحم البيوت ليلا، تتعدى على الحقوق، تتعامل بدونية وسادية، تمارس فعل التطهير العرقي عن طريق القتل الجماعي والترحيل.

وما تفعله اليوم في حربها على غزة هو نتاج الخوف والرعب الذي دبّ في قلبها جراء مقاومة قلبت موازينها ومرّغت شوفينيتها بوحل الهزيمة. تدّعي الانتصار وهي مهزومة، تنتصر لنفسها بحصار وتجويع وتدمير وترحيل وقتل.

طفل غزة في مهده يرعب دولة الاحتلال، تراه جيشا كاملا، مدججا بأعتى الأسلحة، لذلك تقدم على قتله قبل أن يترك هذا المهد. تقتل الرحم الذي يلد الأبطال، ترى فيه تهديدا لوجودها لأن من ينبت ويكبر بداخله هو الذي سيخرج غدا من تحت الركام يحمل وصايا الجدود، يقاتل من يتحصن داخل دبابة، يدمرها من مسافة صفرهم.

تميمتهم تتحكم بهم مع خليط متناقض من الأساطير المزيفة، تطبخها القيادات المتعجرفة. لكن هيهات فخليطهم محترق وخوفهم سيقتلهم. ودولة قامت على الظلم لن تبقى، ويوم اقتلاعها قد اقترب بإذن الله. والمسألة مسألة زمن ووقت، فأين الفرنجة؟ وأين الصليبيين؟

وسيأتي الزمن لنقول أين هي دولة الاحتلال ؟

***

بديعة النعيمي

من الملفت للنظر في الشخصية العراقية الحالية وخصوصا في السنوات الأخيرة من القرن الماضي والحاضر تتجه إلى منحنيات مخيفة وتراجع في السلوكيات الأخلاقية والنفسية التي كانت تمتاز بها سابقا وكانت مضربا للأمثال وأسلوب حياتي يُقتدى بها منذ قرون من الزمن لكن تحت وطأة مطرقة التغيرات الحياتية الطارئة التي تواجهها الأسرة والمجتمع بأكمله والضغوطات التي تمارسها بعض الجهات والوسائل التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي والكثير من المفاهيم المنحرفة التي زُرعت في العقل البشري لتحول المجتمع والفرد إلى كائن مبرمج كالدمية والماكنة المسيرة وراء سراب أسمه التحرر والديمقراطية المنحرفة أصبحت وبالا بتأثيرات خارجية رُسمت له بدقة على هذا الشكل والنمط من المعيشة والتفكير حيث أبتعد الفرد عن القيم والمبادئ والأخلاقيات والعقل النير الذي كان يسود المجتمع وهذا ما نلاحظه الآن في مجتمعنا العراقي في الفكر والمنطق وأسلوب العيش مع أقرانه ومحيطه حيث تحول المجتمع العراقي ومع الأسف إلى غابة تسودها الوحوش والعقول المنحرفة الوصولية وانقلبت الموازين الأخلاقية والمبادئ التي تربينا عليها وعرفناها جيل بعد جيل منها  المحبة والتسامح والتكامل والألفة والتعاون والرقي في أسلوب العيش والفكر والتفكير والتعايش السلمي الطاغي على المجتمع العراقي إلا أن الشعب العراقي فقد هذه الخصائص العريقة في السنوات الأخيرة حيث أخذت التغييرات الجديدة تؤثر على واقعه وتجره إلى الهاوية وإلى التمزق الأسري والمجتمعي تنهش به الأحقاد والجريمة وحب المال والفساد والمخدرات والممارسات الخاطئة التي يمارسها الفرد في حياته اليومية في ظل غياب القانون الرادع والحلول الحكومية لبناء دولة ومؤسسات مؤثرة في انتشال هذا المجتمع فالشخصية العراقية أصبحت تفتقد الكثير من الأخلاق الجيدة والحميدة والترابط والتلاحم المجتمعي والأسري في الحياة متكأين على الظواهر السلبية البالية التي لا تعكس حضارة العراق الأصيلة وهذا لا يشمل الكل بل الأكثرية فالشخصية العراقية كادت أن تكون أكثر عدوانية وشراسة وعدم مبالاة بالمسئولية اتجاه الآخرين وقسوة في القلب ومحبة للنفس الذاتية ومؤذية في كثير من الأحيان فله الاستعداد والقدرة في الإساءة للغير بدون إي اعتبار للموازين الأخلاقية وليس له خطوط حمراء يقف عندها في أسلوب العيش مع الآخرين .

أما البقية الباقية ممن تشبثوا وتمسكوا بما لديهم من التراث الأخلاقي القديم والقيم والمبادئ والكلمة الصادقة هم في عزلة مجبرين لا حول لهم ولا قوة في مواكبة هذا العصر وهذا الجيل المتمرد الفاقد لكثير من القيم والغافل عما يجري من حوله والسائر في رحاب الفوضى والفشل اليومي للمجتمع وأن هذه الثلة لا تستطيع أن تقف أمام هذا الطوفان الجارف لانحراف المجتمع لإيقاف مده ولا الحد منه ولا تقبله بما يحمله من ظواهر دخيلة فأكثرها أصبحت متفرجة ولسان حالها يقول (لا أمر لمن لا يُطاع) وأن هذه الأصوات نشاز في آذان الآخرين .

ومن هنا تكمن المسئولية الكبرى والثقيلة في الإسراع والتكاتف من قبل كل المعنيين في الدولة والمجتمع والمؤسسات التي لها تأثيرا على أرض الواقع أن تأخذ دورها في انتشال المجتمع العراقي من هذه الدوامة الخطيرة لوضع المجتمع على سكته الصحيحة من جديد لإنقاذه.

***

ضياء محسن الاسدي

الحروب الفاشلة في العراق وأفغانستان وما عملته القوى الغربية بدعوى(الربيع العربي) والذي لم يحقق شيئاً سوى زيادة العداء لواشنطن، وإزدياد الاصوات الداعية لضرورة إخراج كل القوات الاجنبية وتحديداً الامريكية منها من الشرق الاوسط، لذلك تبلور توافق داخل الدوائر الرسمية في واشنطن وبشقيها(الديمقراطي والجمهوري) باتجاه إخراج القوات الامريكية والحد التدريجي من الوجود العسكري فيها واستبداله بالاستثمار السياسي والاقتصادي ليكون بديلاً لنفوذها فيها.

المحور الآخر كالصين وروسيا وكوريا الشمالية تدفع باتجاه تطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية وفق مبدأ استراتيجي يعتمد على الطلب المتزايد على استيراد الطاقة مع بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا،والذي أتاح لهذه البلدان النفوذ الواسع فيه، كما أن تراجع النفوذ الامريكي في المنطقة أتاح لهذه الدول العودة للشرق الاوسط بعد غياب،خصوصاً روسيا التي غابت عن المشهد في أعقاب إنهيارالاتحاد السوفيتي بداية التسعينات من القرن الماضي،ما اتاح لواشنطن الدخول بعد أحداث عام 1991 وحب الكويت،وما تلاها من أحداث 11 سبتمبر وغزو العراق وأفغانستان والذي سبب استنزاف هائل لقدرات الولايات المتحدة العسكرية والسياسية،والتأثير السلبي على صورتها في عموم العالم العربي والاسلامي.

توقف التراجع العسكري الامريكي بعد الحرب (الروسية-الاوكرانية) 2022،وأعادت واشنطن فكرة تواجدها بقوة، واحتياجها الى الحلفاء في المنطقة للسيطرة على الطاقة وأسعارها،أو لحشد الاصوات والتأييد الدولي لمواقفها ومواقف القوى الغربية لمواجهة روسيا والصين او لمنع تمدد نفوذها وقطع العلاقة فيما بينهم وبين إيران والخليج.

أن الكيفية التي سيتطور فيها الصراع في غزة سيكون لها آثار سلبية على الاقتصاد العالمي،والذي يعاني فعلاً من الصدمات إذ ان سلسلة من الأحداث الكارثية قد تمتد إلى الخليج نفسه والتي يمكنها أن تؤدي إلى الصراع بين القوى العظمى بالإضافة ان الانظمة في المنطقة ممكن لها أن  تتزعزع على أثر الغضب الشعبي بسبب فشلها في إدارة هذا الصراع ومحاولة تخفيف حدته او مساعدة مدينة غزة المحاصرة.

الحرب المفروضة على غزة 2023 وكلفتها الانسانية والاقتصادية الباهظة،بالاضافة الى تداعياتها السياسية والامنية على المنطقة،ويبدو من خلال تسارع الاحداث انه بات بعيد المنال،وبالقراءة الواضحة لمجريات الاحداث في فلسطين وعموم المنطقة بالإضافة الى احداث البحر الاحمر،والتي جاءت لتعيد واشنطن الى خانة التدخل المباشر في المنطقة مرة اخرى،وإعادة هيمنتها وتوظيف كل قدراتها ومواردها من أجل دعم الكيان الاسرائيلي،ومحاولة تقويض أي تحرك لمنافسيها في المنطقة، وإيجاد أرضية مناسبة لاستكمال الدمج الاقليمي لتل أبيب بالتطبيع فيها وبين دول المنطقة.

***

محمد حسن الساعدي

من أهم الطرق لإيجاد العلاج  عبر وسائل صحيحة عند الإصابة بعلّة من العلل، ومن أفضل الطرق هو نحدّد مصدر هذه العلّة ومكانتها. ولعلّ من البديهي أن نعترف أن عالمنا اليوم يعاني أزمة حادة في ثقافته وخاصة الأمة الاسلامية التي تنتمي لها الامة العربية، تسبّبت في تعطيل نهضتها، وفقدان مناعتها وتعرّضها الدائم لتيارات داخلية وخارجية، حوّلتها إلى بؤرة صالحة لكل أوبئة النكوص والتخلّف. حيث لم تتهيّأ لها أسوار إرادية حامية وراعية لمنجزاتها، أي لم تستكمل تكوين البنية الأساسية لترفع عليها بناءها النهضوي الصحيح.

إن الصدمات المتلاحقة التي تعرّض لها عالمنا منذ الغزوات الاستعمارية، وما أعقبها من نكبات وهزائم وثورات مجهضة وحروب أهلية ضروس، لم تفلح في إطلاق أبسط شرارات الانبعاث لتوليد واقع متغيّر، ولم تتمكن من إحداث الهزّة المطلوبة في حدودها الدنيا لإنتاج نهوض طبيعي، إنما قادت إلى أزمة زلزال كارثي وليس إلى انتكاسة مرحلية، كما يحلو لبعض المنظّرين القوميين تجميله.

إن  الشعوب التي تغيب عنها أبواب الوعي تغيب عنها الحياة والصحة، ومن هنا أصبحت الشعوب عارية من أي سقف يحميها ويوفّر لها سبل التنمية والتقدّم وكان  انهيار العواصم الثقافية عبر مرحلتين وسميت السقوط الأول والسقوط الثاني، في العوامل التي أدت إلى السقوط الأول لم تكن قوية كما أنها لم تكن مدعومة خارجيا بينما السقوط الثاني كان قويا تحت قيادة عسكرية وانخراط السياسيين القدامى بالدعم المالي والسياسي خارجي. وهذا يوضح طبيعة السقوط وقوته ويسهل رصد النتائج وتحليل الظاهرة.

أن البذور الأولى الفتيّة لليقضة التي نشطتت في بداية القرن الماضي  سرعان ما بدأت تتساقط براعمها تباعًا، ولم تتبلورأيًّا من مسمياتها لتشكّل تيارًا ثقافيًا نورانيًا بنيويًا يشعّ على زوايا المجتمع وطبقاته جميعها، لأن هذه المبادرات بقيت في حيّز تنظيري ضيّق، دون أن تنعكس داخل كينونة المجتمع والإنسان وظلت متلبسة لأنها لم تأتي عن وعي وبقي في إطار نهوض النائم، أو نهوض المذهول المستيقظ هلعًا على وقع الصدمات، وبقي تحت تأثير هول الرعب المغيِّب للوعي، ولم يُحدث يقظة وصحوة حقيقيتين، يمكنهما أن تكملا مراحل النهوض الواعي المؤسّس للتغيير ولعبت السلطات دورا مهما وكبيرة في انهيار الثقافة في الكثير من البلدان، بسبب كون ان السلطة اقرب إلى ان تكون تجسيداً عملياً لرؤية مصلحية محدّدة، تسعى إلى تثبيت الواقع واعادة انتاجه وتسييد مشروعيتها فيه، بالممارسة الجزئية والآنية. وكانت ولاتزال لكل سلطة ثقافتها المعبرة عن رؤيتها ومصالحها تسهم في إعادة إنتاجها وتصديرها وفق مفاهيمها ومقايسها، "يكرس الطاغية والنظام من حوله جهدهم لإقناع الناس بأن ما يمارسونه هو استبداد ضروري للمجتمع من أجل الاستقرار. البلد يتعرّض للكثير من المؤامرات الخارجية التي تُخترع بالمئات وتُستعرض أخبارها الكاذبة، ما ظهر منها وما سوف يظهر، من أجل خلق حالة من البارانويا والهستيريا لدى الناس. يعلّق الدستور. تُفرض أحكام عرفية. ربما تستمر الحالة عشرات السنين." عن طريق اجهزتها الايديولوجية على حد التعبير المشهور للفيلسوف الفرنسي ألتوسير. وفي هذا الصدد يعتقد العالم ان لكل ثقافة سلطتها وفاعليتها

،لكون ان الحاكم لا يثق بشعبه. هو يعرف أن الكذب متبادل. هو يكذب لأنه يضمر غير ما يعلن. والشعب يكذب لأنه يظهر غير ما يضمر. القمع يجبر الناس على التخلي عن الأخلاق، وإغلاق الضمير، وفرملة العقل. ينتهي المجتمع الى الإغلاق. يغلق نفسه، يدور حول ذاته، تتعطّل آليات المشاركة، فتحدث الكثير من التشنجات بين النظام وزبائنه وبين المجتمع. فتموت فكرة الدولة، وتنهار بوصلتها وتسميتها.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

 

"نحتاج إلى خيال كبير لنتصوّر تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء"، ذلك ما كتبه الناقد الفرنسي جيرارد جينيه، وهو ما كنت أردّده مع نفسي، وأستعيده طيلة الأيام التي قضيتها في الموصل، خصوصًا حين شاهدت مظاهر الخراب والدمار، التي خلّفها "داعش" بعد احتلاله للمدينة (2014 - 2017)، حيث اسْتمعت إلى قصص وحكايات أقرب إلى الخيال.

وأكثر ما استوقفني هو موضوع التعليم، الذي خصّصتْ له جامعة الموصل العريقة، التي تأسست في العام 1967، مؤتمرًا دوليًا ضخمًا بمناسبة اليوم العالمي لمنع التطرّف العنيف (12 شباط / فبراير) بالتعاون مع كرسي اليونيسكو والوكالة الجامعية الفرنكوفونية وجامعة النور الفتيّة الواعدة، التي زرتها هي الأخرى، واطّلعت على منجزها بعد إعادة إعمارها.

في تلك الأصبوحة الموصلية المشرقة الجميلة، طرحت السؤال المحوري، لماذا استهدف داعش التربية والتعليم بشكل خاص؟ وهو سؤال فاصل بين المدنية والتوحّش، وبين الظلامية والتنوير. فكيف لمن يريد "بناء دولة" أن يدمّر صروحًا أكاديميةً وثقافيةً وتاريخيةً؟ ألم يقل الرسول العظيم "أطلبوا العلم ولو في الصين"، أوَليس ما جاء في القرآن الكريم "وقل ربي زدني علمًا" ؟ فكيف إذًا يُجهز على 83% من مباني جامعة الموصل، ويفكّك أجهزتها المخبرية، ويستولي على 300 عجلة وواسطة نقل وسيارة، ويعدم 5 ملايين كتاب ومطبوع ومخطوطة، في محاولة لتغيير فكر الناس، فهل تمكّن هولاكو، الذي أحرق ربع مليون كتاب ومخطوطة، من تغيير فكر الناس وقناعاتهم؟ وهل استطاع "هولوكوست الكتب"، الذي قام به هتلر في ألمانيا والنمسا، تجريف العقول وتحريف الأفكار، أم أن ذلك ولّد العكس؟

لم يتمكّن "داعش" بالترغيب أو الترهيب، من الاستحواذ على العقول أو استمالة القلوب، بل إنه، بأفعاله الإرهابية، حوّل السخط إزاء التمييز ومحاولات الاستتباع، التي كان الموصليون يعانون منها، إلى ردّ فعل ضدّه، وهكذا تدريجيًا، لم يجد بيئةً حاضنة أو مستعدّة أو مولّدة لأفكاره. والموصليون، الذين جار الزمان عليهم، لم يرضخوا ولم يستسلموا، بل نظموا مقاومة ثقافية ضدّ داعش وأساليبه الإرهابية بالصبر والمطاولة والدفاع والامتناع، وبجميع الوسائل تصدوا لمحاولات احتوائهم أو إرغامهم، ودفعوا بسبب ذلك أثمانًا باهظة.

وما أن انتهت العاصفة الهوجاء، حتى شمّر الموصليون عن سواعدهم لإعادة بناء مدينتهم بمحبة وألفة وتعاون، وحاولوا تدويل قضيتهم للحفاظ على التراث والإرث الحضاري لمدينتهم، كما حدثني البروفيسور طارق القصار، رئيس قسم العلوم السياسية، وكان لليونيسكو دور في ذلك، وهو ما أشارت إليه البروفيسورة قبس حسن، مديرة كرسي اليونيسكو بجامعة الموصل، وشارك المجتمع المدني بحيوية في ذلك، لاسيّما مبادرات بعض الشباب، وهو ما لمسته من إعادة بناء قاعة "مؤسسة بيتنا للثقافة".

وحسب رئيس الجامعة، البروفيسور قصي كمال الدين، فقد استعادت الجامعة عافيتها، وهي تضمّ 24 كليّة و 142 قسمًا و7 مراكز أبحاث مختصّة، من بينها "مركز السلام والتعايش السلمي"، وثمة مساعدات وصلتها من عدد من البلدان، مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت، إضافة إلى المتحف البريطاني، وغيرها.

سأل الجنرال شارل ديغول، وهو يتقدّم بجيشه لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي: وماذا عن الجامعات؟ فقيل له أن جامعة السوربون تناقش أطروحات الدكتوراه والماجستير في الأقبية، ويتلقى الطلبة محاضراتهم ودروسهم في أجواء من السريّة والكتمان، وهنا علّق ديغول يومها: إذًا فرنسا بخير طالما الجامعات بخير، وهذا ما فعلته الموصل في مقاومتها "لداعش"، فلم تتوقّف الدراسة في الجامعة، بل كانت امتحانات الطلبة قد استُكملت في مناطق بديلة، خارج سيطرة داعش، ومع مطلع العام 2018، أُعيدت إليها الحياة، حيث كانت المدينة بأكملها في ورشة عمل جماعية متصلة، فأُعيد بناء وترميم المباني المهدّمة والمكتبات وتجهيز المختبرات، ومع بداية العام الدراسي (2023 - 2024)، بلغ عدد الطلبة في جامعة الموصل لوحدها نحو 60 ألف طالب.

وبقدر ما في الموصل الحدباء "أم الربيعين" من حزن وذاكرة وسؤال، لماذا حدث كلّ ذلك؟ وكيف حدث؟ ومن المسؤول؟ لكن المهم عندها أنه ثمة أمل وإرادة وإصرار على إعادة البناء والنجاح والتفوّق، وهو ما لمسته في النخبة الأكاديمية والفكرية والثقافية، التي تفيض إبداعًا وجمالًا وعلمًا.

كل ما في الموصل يدلّ على أنك أمام مدينة عظيمة، فهناك ينتصب تمثال أبو تمّام، وهنا تستذكر أبو فراس الحمداني وقوله الأثير:

أَقولُ وَقَد ناحَت بِقُربي حَمامَةٌ / أَيا جارَتا هَل تَشعُرينَ بِحالي؟

وعلى الضفة الأخرى تستعيد اسحاق الموصلي وتلميذه زرياب، الذي أضاف وتراً خامساً لآلة العود، وهو صاحب فن الإتيكيت وأول من أدخل لعبة الشطرنج إلى أوروبا. كما يحضر التاريخ الإنساني بكلّ ثقله من حضارات الأكديين إلى الأشوريين، وصولًا إلى أعلام الموصل ورواد الثقافة العراقية المعاصرة، وقسم منهم من الأصدقاء، مع استحضار الدور الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والتربوي لمدينة الموصل، التي تعرف التنوّع والتعايش القومي والديني والاجتماعي والثقافي.

وإذا كان الانتصار على "داعش" عسكريًا قد حصل، فثمة جبهات بحاجة إلى تعزيز وتعضيد، مثل الجبهة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والقضائية والإعلامية والمدنية والأمنية والاستخباراتية والدينية، وذلك لاستكمال الجهة التعليمية والتربوية، لتوفير الأمن التعليمي بشكل خاص والأمن الإنساني بشكل عام، وتلك هي إحدى مخرجات مؤتمر الموصل وكرسي اليونيسكو.

***

د. عبد الحسين شعبان

منذ قيام دولة الاحتلال والطابع القائم للجيش هو المعروف "بجيش الشعب". حيث أن القانون يفرض التجنيد الإلزامي بهدف صهر الشعب اليهودي في بوتقة ما تسمى "إسرائيل " ضمن رؤيا تقول بأن "كل الشعب جيش". لكن هل ما زالت هذه المقولة قائمة اليوم؟

والجواب هو أن تلك المقولة لم يعد لها وجود سوى في وعي قادة دولة الاحتلال لأن غالبية مواطني هذه الدولة لا تخدم في الجيش. فاليوم هنالك تآكل فيه بسبب تراجع وانخفاض معدلات أبناء وبنات الشبيبة في صفوف هذا الجيش ورفضهم الخدمة فيه لعوامل مختلفة منها تعميق التمايز داخل الجيش وتقسيمه إلى ما يمكن تسميته"أربعة جيوش" ما أحدث صدوعا في صورة جيش الشعب وهالته. وهناك قيمة المساواة التي تتعرض للتآكل ليس فقط بين المتجندين وغير المتجندين إنما أيضا داخل تشكيلات المتجندين نفسها وتآكل قيمة مثل المساواة في الخدمة العسكرية للسبب الذي ذكرناه ويتسم بها هذا الجيش المقسم إلى أربعة جيوش.

كما أن الدور السيء الذي يؤديه الجيش كشرطي في الأراضي الفلسطينية أدى إلى اهتزاز مكانته في سلّم القيم.

وقد كانت الصدمة حينما قام هذا الجيش والذي يعتمد على جنود الاحتياط باستدعاء عشرات الآلاف فكان أن رفض عدد منهم التجنيد في غزة.

وكان قد أعلن عشرات الطلاب الذين من المفترض أن يكونوا في طريقهم للتجنيد ليس فقط بسبب الإصلاح القضائي الذي يقترحه بنيامين نتنياهو إنما لأسباب إضافية منها رفض العدوان على غزة لأسباب ضميرية.

وقد قال "تامير هايمن" القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية على إثر الإصلاح القضائي الذي أوصى به نتنياهو "نحن في أيام مصيرية بالنسبة للمجتمع"الإسرائيلي" وايضا لمستقبل الجيش كجيش الشعب" وحذر قائلا "أن الجيش معرض لخطر جسيم وملموس من التفكيك".

وها هو "تال فيتنيك" البالغ من العمر ١٨ عاما من "تل أبيب" يرفض الخدمة لأنه لا يريد أن يشارك في استمرار دائرة سفك الدماء في غزة.

أما "صوفيا أور" والبالغة من العمر أيضا ١٨ عاما ترفض المشاركة في الحرب على غزة لأسباب أخلاقية، حيث قالت " فأنا أرفض المشاركة في سياسة القمع والفصل العنصري العنيفة التي تمارسها"إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني وعلى الأخص الآن في غزة".

وهناك من رفض التجنيد في الحرب على غزة بسبب الخوف والرعب من المواجهة والوقوف أمام المقاومة الفلسطينية الشرسة.

فهل هذه بداية انهيار الجيش الذي لا يهزم؟ وهل سيعلن بنيامين نتنياهو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها عن جائزة لمن يعثر على جيش شعبه؟

***

بديعة النعيمي

علمتنا حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني أنه ليس بالضرورة (أن عدو عدوك صديقك) فهو يعادي عدوك دفاعاً عن مصالحه وقد لا تلتقي مصالحه مع مصالحك، بل قد يكون عدو عدوك عدوك أيضاً إن تعارضت مصالحه مع مصالحك، وخصوصاً إن كانت صداقتكم مبنية على الشعارات والايديولوجيا وإن لم تُحسن توظيف عداوة صديقك المفترض مع عدوك الفعلي لصالحك .

كما أنه ليس دائماً أن من يزعم أنه عدو عدوك عدوه بالفعل فقد يكون عداؤه لعدوك ظاهرياً يخفي تحالفاً مبطناً.

لقد كشفت هذه الحرب من هم الأصدقاء الحقيقيين ومن هم الذين يتظاهرون بصداقة الشعب الفلسطيني لمجاراة مشاعر شعبية مؤيدة للفلسطينيين أو لإخفاء عجزهم وتآمرهم، وعند الشدة لم نجد لهم أثراً.

لقد كشفت الحرب الصداقة الزائفة لتركيا التي وظفت القضية الفلسطينية لصالحها والتمدد في العالم العربي على حساب مصلحة الفلسطينيين ووقفت موقف المتفرج على ذبح الفلسطينيين، وكشفت الحرب حقيقة إيران الفارسية و مزاعمها حول تحرير فلسطين وفزّاعة جيش القدس المليوني وكيف انحازت لمصالحها القومية وتجنبت الدخول في حرب مع العدو مكتفية بمناوشات شيعة العرب في اليمن والعراق ولبنان، لتزعم لاحقاً أن الشيعة وحدهم وقفوا لجانب الفلسطينيين فيما خذلهم العالم السني.

وأسقطت الحرب وكشفت أسطورة الأمة العربية وأن فلسطين قضية العرب الأولى حيث كانت مواقف كثير من الأنظمة العربية وخصوصا الخليجية منحازة لإسرائيل أكثر من انحيازها للحق الفلسطيني. وأهم ما كشفته الحرب أن الصديق الوحيد للشعب الفلسطيني الذي يمكن ويجب المراهنة عليه هو الشعب الفلسطيني نفسه ورأي عام عالمي بدأ يتحرر من سطوة الرواية اليهودية الصهيونية .

***

إبراهيم ابراش

 

عادة ما توصف الشخصية النمطية في السردية بأنها أحادية البعد وتفتقر إلى العمق. ومن هذه الشخصيات النمطية الشخصية الشريرة التي تجسد الشر والشيطنة. وفي سردية مجزرة الطحين التي وقعت على دوار النابلسي جنوبي غربي مدينة غزة حين حاول المدنيين الوصول إلى إمدادات إنسانية قبل أيام ادعى جيش الاحتلال أن ما حصل نتيجة التدافع والهجوم على المساعدات.

فراوي السردية هنا هو جيش الاحتلال الذي حاول رواية قصة حتم عليه خياله أن يسردها بقالب نمطي لم ولن يتغير تجاه الآخر"الفلسطيني". وهي قوالب جاهزة دائما في مخيلة وأجندات قادة هذه الدولة. فالأمر عندهم دائما يتعلق بالمجموعة الضعيفة من وجهة نظرهم.

وقد حاول الجيش من خلال سرديته المقولبة والنمطية تلك، أن يشوه الواقع الاجتماعي للمجموعة الاجتماعية "الفلسطيني" سواء على مستوى المدنيين أو مقاومتهم وعلى رأسهم القسام. حيث اتهم المدنيين بالهمجية والهجوم بتدافع على شاحنات المساعدات ما أدت إلى موتهم. وأن المقاومين من القسام أطلقوا النار على أولئك المدنيين بهدف سرقة المساعدات. وواصل سرده بأن أفراد جيشه الطيب أطلق النار في الهواء خوفا من إصابة المدنيين ثم اضطروا للتصويب على الأرجل فقط لحماية أنفسهم،  وهنا يصور الجيش نفسه "بالطيب" ويبعد عنه صورة المجرم والقاتل.

 وهذا الادعاء قد أظهر المدنيين ومقاومتهم بالشكل النمطي المقولب"الشرير". واستراتيجية "الشرير" استراتيجية استعمارية غربية بامتياز. ولينتبه هذا المحتل السارد الكاذب بأن الفلسطيني ليس ذلك الهندي الأحمر الذي صورته أفلام هوليوود بالمتخلف "الشرير" والهمجي الذي يسلخ فروة الأبيض "الطيب" المتحضر الذي جاء بالحضارة للقارة الأمريكية فاستولى على الأرض وأعطته مبررا لاحتلالها أمام ذلك الشرير.

ويبقى الأوروبي الذي سرق أرض الهندي هو ذاته الصهيوني الذي سلب فلسطين، فكلاهما مستعمر،  نتن وعنصري.

إلا أن الفلسطيني لم يسكت عن حقه منذ البداية بدءا من الاستعمار البريطاني الذي مهد الطريق لليهود للاستيلاء على فلسطين. ولن يسكت الآن، وهذا ما أثبته الفدائي الأول حين انطلق من غزة. واليوم يكمل مسيره المقاوم من الفصائل الفلسطينية على رأسهم القسام.

فماذا يتحتم على المتلقي لسردية مجزرة الطحين؟ هل يصدق المجرم الحقيقي ويضعه مكان الضحية؟ فيكون المؤلف قد قلب الأدوار مبررا للشرير الحقيقي جريمته؟ أم أن السحر سينقلب على الساحر وينقلب السيناريو لصالح الضحية؟

***

بديعة النعيمي

 

لابد من التساؤل الغريب الذي خلاصته: ما هو الدين؟

هل الدين العمل؟

وما هو دين أدعياء الدين؟

النفوس البشرية طينية الطباع، بمعنى أن ما في التراب فيها، فلا يوجد تراب طاهر نقي، وليتوهم المتوهمون، وليتصوروا كما يحلو لهم، فالذي خُلِق بأحسن تقويم، إنتصر عليه الشيطان الرجيم، وتمثله النفوس الأمّارة بالسوء الفاعلة فينا رغما عنا!!

"إنا خلقناهم من طين لازب" الصافات: 11

"هو الذي خلقكم من طين...." الأنعام:2

لازب: لاصق

وما في الطين في البشر، ويبدو أن هناك قواسم مشتركة بين مادة الخلق والمخلوق، ويمكن القول أن جميع المخلوقات أصلها الطين، فمنه تنبثق وإليه تعود!!

هذه الكينونة الطينية تدفع بالعديد من أدعياء الدين لإستثمارها والتقليل من قيمة الحياة ونكرانها، وتحبيب الموت والحث عليه، ودفع المغفلين إلى جحيمات سقر بإسم الأدينة المعتقة في قوارير الدجل والتضليل والبهتان المُعطّل للعقول.

ويمكن القول أن الأصول الطينية أو الترابية تحققَ إستخدامها، لإستعباد البشر والنيل من كرامتهم وحريتهم، وإيهامهم بأنهم أسرى ومقهورين، وكلما زاد الجور والحرمان عليهم، صار الموت من أهدافهم التي ستمنحهم السعادة المطلقة، وكأنهم لا يعرفون بأنهم فرائس التراب، ويقدَمون له هدايا طازجة بإسم الدين المُعلب في أوعية النفوس الأمّارة بالسوء، التي يمثلها المؤديَنون من أصحاب العمائم المدنسة بالأفك والرياء والنفاق، ودينهم دنانيرهم وجيوبهم المثقوبة.

و"إن الدين يُسر، ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه"!!

و"مَن أطاع هواه، باع دينه بدنياه"!!

فأين جوهر الدين، يا أمة النور المبين؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

كنت ولا أزال أقول وأكتب دائماً: إن الصمت عن الخراب الذي حل بالعراق، شراكة في المسؤولية تتحملها جميع القوى السياسية، لأن مصائر البلدان لا يمكن أن تُترك لنهّازي الفرص من السياسيين الذين اكتشفوا بعد ” خراب البصرة ” فجأة أن الدولة المدنية هي الحل .

إنّ أفظع ما يدور من جدل مخجل، هو أن الجميع يتساءل: من يقف وراء الخراب الذي حل بنا، ومن صنعه، ويضحك ذوو الإجابة "الجاهزة" ويقولون مع ابتسامة "ساحرة" وهم يقلبون بأوراق "الروزنامة" فيقع بصرهم على متظاهري تشرين، إذن الشباب الذين خرجوا يرفعون شعارات ضد الفساد ويطالبون بدولة العدالة الاجتماعية وتطبيق القانون هم الذين جاءوا بكل هذا الخراب، سيقول البعض وهو محق حتماً، بالأمس تكتب عن الفرهود، واليوم تريد لنا أن نصفق لتظاهرات تفتح باب الفوضى، أيها السادة لم تكن الفوضى يوماً غريبة عن مجتمعنا فصبيحة كل يوم نقرأ في الأخبار عن العشيرة التي قطعت الطريق الدولي، والقبيلة التي تريد لها حصة في مشاريع إعمار البصرة، والعشيرة التي تهدد القوات الأمنية، عشائر تمتلك السلاح الثقيل، لكنها في الوقت نفسه تتغنى بسيادة الدولة وتعزف أنغام نشيد "السلاح بيد الدولة".

هذه هي أنباؤنا أيها السادة، فنحن الشعب الوحيد الذي يضحك عندما يقرأ خبراً يقول إن الرئاسات اجتمعت وتدارست وقررت أن تعلن "حصر السلاح بيد الدولة".. أما كيف، والسلاح مزدهر بجميع أنواعه: قنابل يدوية، رشاشات، صواريخ، وأيضاً مدرعات إذا تطلب الأمر.

يا سادة "حصر السلاح بيد الدولة"، هذا أقصى ما تتمناه الرئاسات الثلاث، وأقصى ما نُفرح به هذا الشعب الذي ظل ساهراً ليعرف نتيجة المباراة بين عشائر الناصرية .. إنسوا أن برلماننا الموقر ينادي بتأسيس مجلس للعشائر يدير هذه البلاد، وإنسوا أن معظم مسؤولينا يحتمون بعشائرهم في مواجهة الشعب، لا أُريد أن أقلب على حضراتكم المواجع في هذه الزاوية الصغيرة بشجون بلاد الرافدين لكننا أيها السادة لانزال نشغل الفيسبوك بشعارات العشائرية والكوامة والفصل العشائري و" أنت من ياعمام؟ "، لا يمكن أن نتصور أبداً أن هذا شعب يريد التطلع إلى المستقبل، ومدعي المدنية فيه تجدهم أول من يستدعون عشائرهم في أبسط نزاع .

لا أدري ماذا سيقول العالم المتحضر وهو يسمع ويشاهد معركة عشائر الناصرية التي جرت هذه الأيام والتي تخبرنا الأخبار العاجلة أن العشائر تصارعت بمختلف أنواع الأسلحة، وان رؤساء العشائر ينامون مطمئنين، فهم يعرفون جيدا ان قاذفاتهم أقوى من القانون .

***

علي حسين

للاسف البعض من المسؤولين يفترض أن العراقيين مجموعة من المصابين بداء فقدان الذاكرة، يجعلهم يرون هلاوس وحكايات على أنها حقائق. ولهذا لابد من ضبط حركتهم ومراقبة احاديثهم ومحاسبتهم عندما يصرون على ازعاج المسؤول الكبير .

كنت في هذا المكان قد حدثتكم عن كتاب بعنوان " العراقيون على طاولة التشريح " لمؤلفه الأستاذ طارق عبد الحميد الكنين، والكتاب الذي أعود إليه بين الحين والآخر أشبه بموسوعة تغوص في أحوال العراقيين وما جرى لهم، ويذكرني المؤلف بموسوعية الراحل علي الوردي عندما خرج لنا بكتابه الفريد " لمحات اجتماعية في تاريخ العراق " فالكنين يحاول مثل الوردي أن يربط بين الحكاية الاجتماعية بالظواهر السياسية التي يعج بها المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة وهو يعترف بفضل الوردي في تحديد منهجه لقراءة الحوادث التاريخية أو المعاصرة، فيأخذنا معه في سياحة طريفة يلتقط فيها الحوادث من هنا وهناك ليقدم من خلالها عرضاً ممتعاً لكنه يحمل الكثير من الأسى لسلوك العراقيين مستعينا بآراء ومقتطفات لمجموعة من الكتّاب الذين رصدوا تحولات المجتمع العراقي. ولأنني مشغول هذه الأيام بمتابعة الشأن العراقي العام وماطرأ عليه من تحولات خطيرة فقد استهوتني لعبة الأستاذ الكنين وهو يربط الماضي بالحاضر مقدماً لنا وثائق من التاريخ تسلط الضوء على صفحات مشرقة أحياناً ومؤلمة أحياناً أخرى من تاريخ الشعب العراقي. من بين الفصول التي تمنيت أن يقرأها كل مهتم بالشأن العراقي الفصل المعنون " الفساد في العراق الحديث " حيث ينشر لنا المؤلف عدداً من الوثائق والحكايات لعل أطرفها وأبلغها ما جاء في مذكرات المرحوم توفيق السويدي من أن الملك فيصل الأول طلب مبلغاً من المال بقصد المعالجة خارج العراق، لكن الوزارة التي كان على رأسها ساسون حسقيل رفضت ذلك قائلة " إن الملك يتقاضى مخصصات ملكية كافية لجميع أموره الشخصية مما يبرر صرف المبالغ اللازمة للمعالجة الطبية من جيبه الخاص ". ومن دفاتر عبد الرزاق الحسني يستشهد بهذا الخبر الذي يقول إن توفيق السويدي نائب رئيس الوزراء أراد تعيين شقيقه عارف السويدي رئيساً لمحكمة التمييز خلفاً للقاضي الإنكليزي " بريشارد " فلم يوافق مجلس الوزراء على طلبه بسبب الشكوك التي تحوم حول استقامة شقيقه حيث خشي المجلس من الغاية التي قد يجتمع الشقيقان من أجلها.

ربما يقول البعض يارجل: تكتب عن الديمقراطية وتتحدث عن الحريات وترفع شعار اليسار وأنت تروِّج للملكية، ماذا أفعل ياسادة وأنا أتابع ما جرى في قضية بيت السيد رئيس الجمهورية، فالرجل بعد أن قرر إغلاق قناة في اليوتيوب لأحد الإعلاميين حذرنا من الاقتراب من قلاعه، وبيوته التي حصل عليها بكده واجتهاده.

***

علي حسين

منذ عام ١٩٦٧ أقدمت دولة الاحتلال على تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى سجن كبير كما يسميه المؤرخ اليهودي "إيلان بابيه" عن طريق مشروعين رئيسيين خارجي وداخلي. الخارجي يقضي بتمزيق الضفة الغربية وقطاع غزة عبر دقّ أسافين استيطانية فيها.

أما الداخلية فعن طريق إصدار متواصل لمراسيم هدفها مصادرة الأراضي الفلسطينية بهدف تحويلها إلى مستوطنات. فما معنى أن يتمدد الاستيطان ليضم عشرات الكيلومترات لم تكن يوما جزءا من القدس ،فقط لتكون العاصمة الأبدية كما يدعون لدولتهم المشوهة.

وما معنى أن تهدم حي المغاربة والسريان وحي الشرف بمساجدها ومدارسها وأسواقها التجارية؟ ما معنى أن تُمحى بهدف التهويد وأن يُطرد سكانها الذين تمتد جذورهم آلاف السنين خارج الحدود؟ وكل مرة يتبجحوا بالأمن ،والهدف هو اقتلاع الفلسطيني من أرضه والاستيلاء عليها وسط تجاهل المجتمع الدولي ومباركة أمريكية للهدم وبناء المستوطنات. وما معنى جميع الانتهاكات التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية وقطاع غزة؟ ما معنى اقتحام المسجد الأقصى المبارك من قبل قطعان المستوطنين وإقامة طقوسهم التلمودية؟

لأجل ذلك كله كان ٧/أكتوبر، عملية استرداد لكرامة العربي قبل الفلسطيني.

وتعتبر حرب الأنفاق وغيرها من البنى التحتية طريقة أخرى للمقاومة الفلسطينية. وقد نجحت هذه الطريقة في إضعاف مزايا القوة الجوية المتمثلة بالاستخبارات وتوجيه الضربات ، لذلك تتطلب تكتيكات مواجهة الأنفاق قوات برية. وهذا ما لم يمكّن جيش العدو من تحقيق أي هدف استراتيجي في حربها على غزة ٢٠٢٣-٢٠٢٤ التي تذرعت بها لتدمير ما تسميه الإرهاب وأنفاقها.

فمنذ بداية هذه الحرب وهذا الجيش بوحداته الهندسية للمهام الخاصة وهو يحاول الكشف عن شبكة أنفاق المقاومة التي تشكل جزءا رئيسيا من أسلوبها في القتال كما ذكرنا. وبالرغم من التوغل البري للكشف عن هذه الأنفاق إلا أنها ما زالت تفشل وكل ما كان قادة الجيش يتفاخرون بالعثور عليه من أنفاق إنما هو خارج عن الخدمة. أو كمين نصبته المقاومة لهم فقتلت العشرات وأخذت العديد من الرهائن.

وقد تفاجأ جيش الاحتلال بحجمها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم جاهزيتها لحرب كهذه بالرغم مما أوصي به بعد حرب ٢٠١٤ على غزة من تطوير قدراتها على حرب مستقبلية تخوضها عبر الأنفاق.

وبسبب هذا الفشل لجأت قوات الجيش الجوية والبرية والبحرية إلى قصف المدنيين والبنى التحتية. كما لجأت إلى ارتكاب كل ما فيه انتهاك للقوانين الدولية والإنسانية. وقد صرح ضابط بجيش الدفاع اليهودي بعد حربها على غزة ٢٠١٤ "لا تزال "إسرائيل" عديمة الخبرة في القتال القانوني وهو أمر لا يتوافق مع مبادئها ،فهي تعتقد بأنها إذا خاضت حربا فليس لأحد أن يتدخل فيها".

كيف لا يكون لها ذلك وهي "طفلة امريكا المدللة"؟

وتتسم حرب الأنفاق بأنها حرب معقدة إذ تمكن الطرف الذي أنشأ النفق اختيار المكان والزمان الذي ستبدأ به المعركة. وقد مكنت المقاومة الفلسطينية من تنفيذ عمليات خلف خطوط العدو وستمكنهم أيضا من جعل هذه الأنفاق مقابر جماعية لهذا العدو الفاشي المهزوم.

***

بديعة النعيمي

 

كيف تجتمع الأخلاقُ المتنافرةُ في قرارٍ أمريكيٍّ أجوفٍ يستهدفُ مواراةَ جرائمِ الإبادة التي يمارسها الاحتلالُ الإسرائيليُّ ضد الجياع القابضين على الجمر في غزة، من خلال الجسر الجويّ الأمريكي الموعود من قبل بايدن؛ كيْ ينثرَ فتاتَ المعونات الإنسانية على أهل غزة، أصحابِ البطونِ الخاويةِ والعقولِ العامرةِ بالكرامةِ والإيمان.

يحدث كل ذلك، بينما تتكدس آلافُ الشاحناتِ بحمولاتها التي أصابها العفن، خلف معبر رفح المصري، الخاضعِ لسيطرةِ العدوِّ والصديق! واخيبتاه!

ألا يخجل الأمريكيون -ومن يدور في فلكهم- من أنفسهِم على إزدواجية المعايير في التعامل مع غزة القابضة على الجمر؟

فمقابل وعودهم بدعم أهل غزة بالمعونات الإنسانية على إثر مذبحة الطحين، يساهمون بلا خجل في قصفِ غزة بأسلحتِهِم الفتاكة خلال الحرب الدائرة منذ أربعة أشهر خلت، ما جعل الطيار الأمريكي آرون بوشنيل يحرق نفسَه أمامَ السفارة الإسرائيلية في واشنطن، احتجاجاً على مشاركة بلاده أمريكا، في العدوان الجائر على غزة! ورفضاً منه لأوامر قادته العسكريين.

والأنكى من كلّ ذلك أنّ قادة الولايات المتحدة يخططون لإدخال قوات أمريكية راجلة إلى رفح لمواكبة تدفق المساعدات الأمريكية الموعودة! بذريعة تولي حماية أهل غزة المحاصرين، في استخفاف مفضوح لعقول الناس في عالم يسوده الرياء.

فكيف يطالبُ الذئبُ المتربصُ بالحملان، بحضانتها وحمايتها من الهلاك؟

ألا يثير هذا الأمرُ الريبة في أنْ يكونَ الجسرُ الجويُّ الأمريكيُّ الموعود مجرد حصان طروادة؛ بغية إدخال رماةِ السهام المسمومة في عمق غزة التي استحالت على جيش الاحتلال المدرع بالأوهام والغارق في الفشل!

طبعاً ستكون المقاومة للأمريكيين بالمرصاد لو داهمتهم أفكار حمقاء كهذه، وفق تصريحات قادتها في أكثر من مناسبة، فهذه خطوة مُباغتَة لغزة لو تحققت على أرض الواقع في ميدان ملتهب، حتى لو شَرْعَنَتْها الأممُ المتحدةُ التي داست "إسرائيل" على كلِّ قراراتِها بشأن القضية الفلسطينية منذ عام 1948، مستقويةً بالفيتو الأمريكي.

فالجسر الأمريكي ما هو إلا أكذوبةِ للنوايا الحسنة بحيث يقدم العم سام عبرَهُ الفتات من الإعانات المغموسة بالمذلّة لأهل غزة، في الوقت الذي تتوارى خلفه جسورٌ بريةٌ وجويةٌ وبحريةٌ عملاقة، تتدفق عبرها -منذ بداية الحرب- المعوناتُ العسكريةُ والماديةُ والغذائية دون حساب، من باب المشاركة الكاملة في إبادةِ أهلِ غزة وتركها أرضاً محروقة يباب، مع أن الفينيق الكنعانيّ الفلسطينيّ سيخرجُ من بين الرّمادِ أشدَّ قوةٍ كما تقول الأساطير.

(2)

شيطانُ وعمائم

صحيح أن هناك شيوخاً أفاضل شرفاء يتوشحون نياشين الكرامة، ويحضّون على الجهاد ضد الاحتلال وحملِ البنادق بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، دفاعاً عن حقوق الفلسطينيين وكرامة الأمة.

ولكن بالمقابل فإن للشيطان منافذاً إلى قلوب وعقول كثيرٍ من المعمّمين، الداعمين للاحتلال بفتاويهم المزيفة، فيثيرون الفتنَ الطائفية، وقد أحسنوا التطبيلَ الأجوفَ لمن يدفع أكثر في سوق النخاسة.

يتجاوزون جوهرَ القرآن الكريم ويخضعونه للتأويلاتِ وفقَ مقتضيات الحاجة والمصالح، يوهمون بمبادئ الدين الحنيف، بينما هم يغطّون على منابعِ النفعيةِ التي يفيضُ بها كتابُ الأمير لميكافللي، واضعين السُّمِ الزعافِ في الدسم، من خلال الدعوة إلى تقديم المصالح على المبادئ وخلط العام بالخاص، مهما شذّت وسائل تحقيقها.

ألا يُعَدُّ الأمرُ على هذا النحو إستغلالاً للدين في أبشع صوره! أمْ أنَّه في تعدُّدِ المعايير يكون كلُّ شيء جائزا؟

يفعلون ذلك بلا حياء، عبر الفضاء الرقمي، تناغماً مع موجات الذباب الإلكتروني المتصهين وما يبث من أكاذيب لصالح سرديةِ الاحتلال، بدعوى حماية أهل غزة من أنفسهم، وحقناً لدمائهم؛ وكأن الكرامةَ لا ثمن لها، والدفاعَ عن الأعراضِ يتحقَّقُ مجاناً دون تضحيات.

وعليه فإنَّ من المنفِّرات المسيئةِ للأديان، أن لا يجدَ الناسُ قدوتَهم في شيوخٍ يدّعُوْنَ العلمَ والتقوى، بينما يعتبرون مقاومةَ الاحتلالِ والدفاعَ عن الأعراضِ في غزة تهورا! ويطالبون بالتطبيع معه من باب الرضوخ للأمر الواقع ومداراة لشره وطغيانه.

هؤلاء هم شياطينُ متصهينةٌ معممة، وحصادُهم بلا ريبَ هي الخيبة، كأنهم قطعانُ تملأ الفضاءَ الرقميَّ بالثغاء، وهي تقتفي خطى الرِيُوعِ المُرْتَضِعَةِ من أثداءِ الأُتُنِ النَهّاقة؛ إلا من رحم ربي.

***

بقلم بكر السباتين

4 مارس 2024

 

نعم، لن تبدو لك الرياضيات صعبة، إذا اتبعت القواعد السبع الآتية:

1. ذاكر قليلاً درس الرياضيات كل يوم، ولكن كل يوم، وذلك بانتباه وتركيز، ولتكن لديك حاسة التفكير المنطقي والمثابرة.

2. إبدأ بقراءة عامة لنص الدرس، ثم أعد القراءة وأنت على استعداد للكتابة، وبمجرد أن يُعرض لك أحد الأمثلة أنقله على الورق كأنه تمرين، ثم قم بحلّه. والشيء ذاته عندما تواجهك نظرية وبرهانها، إنقل نص النظرية فقط إلى الورق وقم ببرهنتها دون أن النظر إلى الكتاب المقرر.

3. إجعل نصف الوقت المخصص للرياضيات، وربما أقل لدراسة النظريات والمفاهيم والحقائق والتعريفات، والباقي للتطبيق، أي للتمرينات.

4. لا تنتقل إلى خطوة جديدة ما دامت قد بقيت أمامك نقطة غامضة.

5. إرجع للبداية كلما واجهتك صعوبة، ولا بأس أن تعتبر عملية التفكير، حواراً ذهنياً أو نقاشاً بينك وبين نفسك. لأن الذي يحل تمارينه بنفسه، يحدّث نفسه، ويتقدم على هذا المنوال.

6. لا تكتف بمحاولة واحدة للحل أو البرهان، ولكن قم بمحاولتين أو حتى ثلاثاً (إذ يمكن أن تصل إلى النتيجة ذاتها باستخدام عدة محاولات مختلفة).

7. لا تكن عجولاً، وتذكر دائماً أن العناصر الأساسية لحل المسألة في الرياضيات، هي حقائق تعتمد بما حصلت عليه من معارف سبق أن تعلمتها، أو تمارين سبق أن قمت بحلها أو نظريات سبق أن برهنت عليها. ولهذا فإن الفكرة الجيدة للحل أوالبرهان تُبنى على الخبرة السابقة والمعارف المكتسبة. أضف إلى ذلك استخدم دئماً القلم والورق، أي الكتابة، لأنها تزيد من الاستيعاب والفهم.

***

* أحمد محمد جواد الحكيم

باحث وأكاديمي عراقي (ماجستير في الرياضيات)

..........................

لمزيد من التوسّع في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى:

(1) جورج بوليا، البحث عن الحل، ترجمة أحمد سليم سعيدان، ط2، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965.

(2) مجلة المعرفة، العدد 92، شركة ترادكسيم، جنيف.

 

في كل يوم يسطر الشعب الفلسطيني بطولات وإنجازات من خلال عمليات فدائية فردية وبطولات جماعية بصموده في غزة والقدس والضفة في ظل صمت عربي وإسلامي رسمي وحتى شعبي في بعض البلدان، وبالرغم من فداحة الخسائر في الأرواح وتدمير البنية التحتية في قطاع غزة وانتشار الجوع والأمراض باعتراف مراقبين ومؤسسات دولية، إلا أن هذا بحد ذاته يرد على كل المتآمرين على فلسطين الذين زعموا أن الفلسطينيين باعوا أرضهم قبل حرب ٤٨ ليبرروا هزيمة جيوشهم المبرمجة في تلك الحرب التي خططت لها بريطانيا لتمكين اليهود من اقامة دولتهم، وهذا الصمود والبطولة يرد أيضاً على أعراب اليوم الذين يخفون عجزهم وخيانتهم وتطبيعهم مع العدو بالزعم أن الفلسطينيين استسلموا لواقع الاحتلال والانقسام وتخلوا عن قضيتهم الوطنية.

 صحيح أن هناك غياب استراتيجية مقاومة وطنية تجمع بين العمل العسكري والعمل السياسي والدبلوماسي وهناك انقسام واهتراء للنظام السياسي الرسمي. ولكن بكل صراحة وبعيداً عن تضخيم الذات وتضخيم قدرات المقاومة، حتى لو توفرت هذه الاستراتيجية فلن يستطيع الفلسطينيون وحدهم هزيمة العدو وتحرير كل فلسطين في ظل الدعم الأمريكي والغربي للعدو وتواطؤ وعجز الحكومات العربية والإسلامية، لا يستطيعون الآن تحرير فلسطين التي أضاعتها حروب العرب الخيانية أو الفاشلة حيث ضاع 78% من فلسطين بسبب حرب 48 الخيانية وتم فقدان بقية فلسطين بسبب نكسة حرب 1967.

ويا ليت المؤيدين جداً للمقاومة المسلحة في غزة والذين يحثون على استمرارها وعلى صمود أهل غزة متجاهلين حجم المعاناة والخراب والدمار والذي يعترف المراقبون والمختصون الأجانب بأنها أكبر جريمة حرب وإبادة بشرية في التاريخ، يا ليتهم، إن كانوا يؤمنون بالفعل بجدوى العمل العسكري لتحرير فلسطين، أن يعملوا زي مقاومة غزة حتى وإن تعرضوا لبعض ما يتعرض له أهل فلسطين وأهل غزة خصوصاً من قتل وإصابات واعتقال، والقواعد والسفارات والمصالح الإسرائيلية والأمريكية على مرمى حجر من أماكن سكناهم وتجمهرهم.

معركة تحرير فلسطين في ظل التوازنات الدولية الراهنة وبعد حرب الإبادة في غزة لم تعد مقتصرة على الحرب المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل تحتاج لاستراتيجية مقاومة شعبية شاملة ومعركة دبلوماسية توظف حالة التعاطف العالمي مع شعب فلسطين، لذلك نتمنى من كل المتعاطفين والمؤيدين للقضية التركيز على كيفية تغيير المعادلة والتوازنات الدولية الرسمية المنحازة حتى الآن لصالح العدو وتغيير سياسات الأنظمة العربية وخصوصاً المطبعة مع العدو بدلاً من الانشغال بالوضع الفلسطيني الداخلي وتصنيف الفلسطينيين ما بين وطني وخائن.

من لا يستطيع دفع حكومته لقطع علاقاتها مع دولة العدو الغاصب ولا يستطيع دفع بلده لإدخال ولو كيس طحين أو كرتونة دواء لأهالي غزة، ومن يعلم أن مظاهراته وعواطفه مع شعب فلسطين، وهو أمر نقدره، لا يؤثر على العدو وعلى مجريات الحرب، لا يحق لهؤلاء تقديم النصح للفلسطينيين أو المزاودة عليهم.

***

ا. د. ابراهيم أبراش

 

[إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]: 82 يس

كُن ... فعل أمر فاعله - هو -: في انما أمره - هو الله - إذا أراد شيئا وهو تعبير عن إنشاء شكل جديد له شيئية جديدة .. فـ .. الفاء حرفُ عطفٍ ترتيبي في محل الاستئناف والاستئناف هنا يفيد التعاقب لأنه يتحدث عن كائن لم يكن موجود ، لذلك فأنه لابد من أن يكون هناك فارق زمني بين ماكان وما سيكون يكون .. فعل مضارع يفيد المستقبل بمعنى سوف يحدث عطفا على دلالة إلفاء الترتيبية الاستئنافية ، وعلى هذا الفهم اللغوي للآية المباركة

يكون قول الله تعالى: [وجعلنا من الماء كل شئ حي]: الأنبياء الآية 30 - هو أول تحول من اللاحياة إلى الحياة وهي عملية تحول من والى وليست عملية ايجاد من العدم حيث يقول الله تعالى « وجعلنا من الماء » فهو سبحانه يشير إلى الماء باعتباره اصلا للحياة والجعل هنا يعني إعادة تشكيل الابعاد الهندسية والأقيام الذرية لإنتاج الخلية الحية وكل ذلك مسبوق بالإرادة (فإذا أراد شيئا فإنه يقول له) بمعنى يوعز للشيئ القائم  « الماء » كُن شيئا اخر فيكون شيئا اخر مختلف في كينونته والكينونة هي الهيأة ، بمعنى أن كن فيكون تعني اختلاف الشيئية بين شيئية الماء وشيئية ماتشكل عن الماء وذلك يشير بوضوح إلى أن ماتشكل قد تَشَّكل بإضافة خصائص الماء، ولكن كيف يمكن أن يكون الماء لوحده كافيا لاتمام خلق الهيأة !؟ إذا علمنا أن هيأة الماء ناتجة عن اتحاد ذرة اوكسجين والتي تمثل المركز في جزيئة الماء مع ذرتين من الهيدروجين ، وهو تركيب ذري لا يتغير في حال تغيرت هيأة الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة أو في حالة التحول إلى بخار .. من هنا نفهم أن جزيئة الماء لوحدها لايمكن أن تتحول الا إلى حالتين هما البخار أو الثلج مع بقاء التركيب الذري ثابتاً « H20 » بمعنى أن الماء في أيٍ من حالاته لن يكون خلقا آخر غير الماء فأنه أما أن يكون بخارا أو ماءً سائلا أو ثلجا اذن فأن قول الله تعالى وخلقنا من الماء كل شيئ حي .. لايعني أن الله قد خلق الأشياء المادية من الماء وانما لابد لكل ماخلقه سبحانه سيكون الماء بتركيبته الذرية داخلٌ فيه أو مؤثرٌ فيه ، وفي الوقت الذي يشير الله تعالى إلى دخول الماء في خلق كل شيئ حي فأنه عندما يتحدث عن التراب كمادة للخلق فأنه سبحانه يستخدم التخصيص حيث أنه أشار فقط إلى خلق الانسان من تراب

وبذلك فإن الإنسان مخلوقٌ من التراب وهو يشترك مع باقي المخلوقات في جعل الماء مشتركا لازما للحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ الروم الآية 20

﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. ال عمران آية 59

﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُل ﴾ الكهف الآية 37

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ ثم يقول الله تعالى في نهاية السياق

﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ الحج الآية 5

لاحظ هذه الآية التي بعد أن ثَبَّت الله فيها حقيقة جعل الماء مصدرا للحياة وحقيقة أن التراب هو المادة الأولية لخلق الانسان ؛ فأنه سبحانه يشير إلى الأرض بأنها « هامدة » بمعنى لاحياة فيها من دون أن ترتبط بالماء في قوله (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) والهامد في اللغة يعني أنه لايتحرك كما نقول عن الميت بأنه جثةً هامدةً بمعنى أن علامة موتها أو دليل موتها أنها لاتتحرك ، لذلك جعل الله تعالى كلمة اهتزت بمعنى تحركت دليلا على الحياة بعد أن كانت ميتةً هامدة لاحراك فيها . ومن ثم وبعد أن ينزل الماء على التراب بأمر الله ويرتبط به ويصبح طيناً فإنه يقول .. بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ 12 المعارج

لاحظ كيف أن الله تعالى قد جعل كيفية الخلق عبارة عن عملية متعاقبة منطقية فهو سبحانه في الوقت الذي يخبرنا بالخلاصة المتمثلة بخلق الإنسان من طين فأنه ايضا يشرح لنا الكيفية وهي أن الأصل في ذلك هو حتمية ارتباط الماء بالتراب ومن ثم طين لازب كما يصفه الله في قوله انا خلقناهم من طين لازب .. بمعنى متماسك ومن ثم يشير إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة تحويل الطين المتماسك إلى جسد بقوله خلق الانسان من صلصال كالفخار، حيث أنه سبحانه هنا يشبه صلابة هذا الصلصال الذي لم تمسسه النار بالفخار بمعنى أنه اكتسب صلابته من غير نار وهذا يعني أن ذلك استغرق وقتا طويلا ليصل إلى الصلابة الكافية لكي يتخذ شكلا ثابتا كالاجسام المعالجة بالنار ، فضلا عن ذلك فإن من لوازم وصول هذا الجسد إلى تمام الاستعداد لتلقي الروح فإنه لابد أن يكون مكتملا في جوهرية المراد من خلقه إنسانا ؛ لذلك كان وصف هذا الصلصال بالحمأ المسنون حيث أن هذا الوصف يعني أن ذلك الصلصال والذي هو نتاج تفسخ الصخور الطينية المحتوية على مادة السليكا اللاحمة. والذي غالبا يتواجد في المناطق المنخفضة الرطبة هو اصل ألمادة العضوية التي تشكل أساس الخلية الحية الاولى بعد بقاء هذا الصلصال مدة طويلة في هذه البيئة الرطبة حتى يتحول الى حمأ وهو الطين المنتن والنتن هو الرائحة الكريهة التي لابد أن تكون ناتجة عن تفاعل كيميائي احيائي ، وهذا يؤشر بوضوح أن جسد ادم الذي نفخ الله فيه من روحه كان جسدا حيا من هذه الناحية وفي مرتبة الحياة المجهرية حيث كان مهيئا لاستقبال الروح ، وقد وصف الله تعالى هذا الحمأ بالمسنون لأن المسنون في اللغة من سَنَّ. والسَنْ هو تحديد النهايات وجعلها حادة

ولأن خلق الانسان لابد أن يكون محدد المعالم في أدق التفاصيل المتعلقة بهيأته وجوهر وجوده فلابد من أن يتحول ذلك الحمأ الحي غير المُعَرَّف إلى حمأ مسنون محدد في شكله مُعَرَّف في في عنوانه وفق تلك المحددات التي من محدداتها معرفة أن للإنسان اذنين وعينين وأنفٌ بفُتحتين وفمٌ بشفتين ولسانٌ مشطورٌ إلى قسمين ويدين ورجلين وعشرةٌ من الاصابع في اليدين ومثلها في القدمين ، وبذلك فإن كل تفصيلة في هذا الجسد المخلوق محددة وليست سائبة أو محتملة ومن ذلك نصل إلى معنى آخر للمسنون وهو أن كل تفاصيل هذا الجسد مسنونةً مُقَّننةً.

فالسنن الكونية هي قوانين الخلق وهي لاتتبدل وذلك قول الله تعالى﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا :[ 43 فاطر]: - من هنا سنجد بوضوح أن خلق الانسان كان خلقا تطوريا متعاقبا وليس خلقا لحظياً مباشرا الا في مايخص [نفخ الروح] في ذلك الجسد بعد اكتمال هيأته وبعد أن أصبح قابلا مناسبا لاستقبال تلك الروح التي لانعرف عنها أكثر مما قاله الله تعالى لنبيه عليه افضل الصلاة والسلام في جواب من سأله عنها بقوله [ويسألونك عن الروح * قل الروح من أمر ربي * وما أوتيتم من العلم الا قليلا *] 85 الاسراء .. من هنا يضع الله تعالى حدا فاصلا بين مايمكن مقاربته بالمعرفة مما كنا نتحدث فيه تدبراً وبين مالا يمكن مقاربته بالمعرفة لتعذر ذلك موضوعيا في جواب النبي لمن كان يسأل عن الروح بأنها من أمر ربي ، بمعنى أنها متعذرة على المعرفة .. وهذا يعني بالضرورة أن مادون ذلك هو في حدود قدرة الإنسان بل إنه من مسؤولياته أن يبحث ويتدبر آياته وذلك قول الله تعالى: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة ص 29:  السؤال هنا هو كم كانت فترة التحول من تراب هامد لا حراك فيه إلى حمأ مسنون صلصال متماسك حي وبين استضافة هذا الجسد لتلك النفخة الإلهية المباركة ...؟

بتقديري أن من أكثر التصورات سذاجةً هو تصور مشهدية أن الله تعالى وكأنه نحات قد صنع تمثالا من طين ميت ومن ثم نفخ فيه الحياة وهو في الواقع تصور غريب يُنزل الخالق منزلة المخلوق في تعاطيه مع أدوات النحت بل أن هذا المخلوق المتفوق في خياله غالبا ما يتمكن من صناعة تماثيل واشكال تفوق في جماليتها الوجوه البشرية التي خلقها الله تعالى وفق مقدمات وعوامل ومعطيات مختلفة ، ذلك أن الأمر في حقيقة الخلق لايتعلق بالنحت أو الرسم وانما بالانشاء ..

***

فاضل الجاروش

بدايات القرن العشرين الماضي وصف بعصر الاستعمار أما القرن الحادي والعشرين وصف بعصر الفوضى والارهاب وهو الاكثر دموية . ذئاب بشرية خلقت الفوضى الدموية وعمت ابشع مجازر القتل والتهجير والترهيب والتشريد والتصفيات الجسدية التي بقيت وستبقى وصمة عار للفكر الانساني في ألفيته الثالثة بتخطيط وتنفيذ شياطين تتسابق لتتلذذ بسفك الدماء وازهاق الارواح ونشر الرعب والهمجية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا.. فاتضح ان الذئاب البشرية وخاصة التي تحمل الصبغة الدينية اشد فتكا وشراسة من الذئاب الحيوانية بغرائزها العدوانية الطائشة وامعانها بسفك الدماء وتماديها في التجرد من عقيدتها ودينها وتنصلها من الاخلاق الانسانية وقد فقد الامن والامان والامل والاستقرار واتسعت الفجوات المصطنعة بين ابناء المجتمع واصبحت الفوضى قاعدة عامة تتسع بحيث اعطت ذريعة لعودت المستعمر واطماعه فاصبح الاستقرار مسألة استثنائية ويوم بعد اخر اخذ المجتمع يفقد بوصلته كقطعان الاغنام تتوارث غبائها وخوفها اما الساسة تربية الاستعمار كالذئاب التي توارثت احقادها وشرها لِتَبقى مُستَحكِمَةً بِقطعان المجتمع وكأننا في حتمية لا مفر منها في مجتمع قطيع الأغنام أصبح واقع حال في مدركات العقل البشري وفي اجتماعية الانسان كنتيجة واقعة لغياب الراعي الحكيم النزيه والعادل فتشرذم المجتمع وتمزقت اوصاله بوجود ربيبين الغرب المتسلطين والمتحكمين بمقدرات المجتمع والمتاجرين بالدين في هذا الزمن الذي عم فيه فقدان السلوك السوي وانعدام الضمير وانتشرت مافيات الفساد وتجارة المخدرات وغسيل الاموال وغابت الاخلاق الدينية والعقائدية وتسلطت الذئاب فهل سمعتم للذئاب ضمير أو دين .. ذئاب تتسربل بثوب الدين فتقتل وتدمر قوة العدل والايمان التي يبحث عنهما الحق والدين الضمير.. هذا ليس لغز بل هو ذروة الواقع الذي نعيشه حيث استبدلت فيه نعمة الايمان والعدل بذئبية الانسان لاخية الانسان وساد الفساد عبر إدعاء الفضيلة المغشوشة وخدعة التدين . فالمعروف ان الدين تسام يردم الهوة بين الارض والسماء حيث يوقف أنسنة الإله وتأليه الإنسان .. والذئاب لا تستقوي الا بمهاوي العداوات والفساد وضعف الايمان وتجارة الممنوعات والمحرمات حيث الظلمات فتبتلع الالوهية وتعمي بصيرة البشرية . وهكذا يبقى المجتمع كالأغنام المرعوبة دائما وفي هلع لحين يعترف مجبرا ان تلك الذئاب هي وحدها خلاصه فيخضع لها مضطرا.. هكذا هو قدر مجتمعنا اليوم بهذه الرجاسة للأسف جدران من الخوف زرعتها فينا اوهام محميات الذئاب التي جاءت من الشتات مع المحتل وتكاثرت لتكون حاضرة بيننا والمتحكمة فينا .. اذا متى نعي هذه الحقيقة ونهدم جحود الذئاب في عقر أوكارها بعمق الايمان كي تترسخ جذور مجتمعنا في ارض الوطن وسمائه وبأخلاق الدين الصادقة .عندها لا أوكار للذئاب ولا أبواب لجحيم جماعة الشتات المتسلطين تقوى علينا وساعتها حقا نحن والأجيال القادمة من أبنائنا وأحفادنا سيكونون مجتمع متماسك مؤمن متسامح يسوده العدل والحق والانسانية ويعود الايمان بضمير الينا كما نحلم به ان يكون وطننا الذي يسوده العدل والحق وحرمة الدم.

***

د. قاسم محمد الياسري

تبدو السلوكيات السيئة، وكأن القائمين بها لا يرونها كذلك، بل الآخرين هم الذين يصفونها بالسوء.

فهل الظالم يعرف أنه يظلم؟

وهل الجائر يعلم بجوره؟

وهل الفاسد يرى أنه فاسد؟

لو علم الظالمون بأنهم يظلمون لما إرتكبوا الأفعال الموصوفة بالظلم، بل يحسبون أنفسهم من أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، والذين يتهمونهم بالظلم أعداؤهم، ولابد من نيلهم القصاص العادل.

فالذي يقوم بفعلٍ ما، يبرره لنفسه، فالنفس الأمّارة بالسوء لها آلياتها الدفاعية، القادرة على تسويغ أي سلوك وتحبيبه للقائم به، فلا يراه كما يراه الناس من حوله.

فالقاتل على سبيل المثال، يكون غاضبا على الضحية، ويرى أنها هي التي دعته لقتلها.

والذين يقترفون جرائم كبرى ويمعنون بالظلم والقهر للآخرين يحسبون ذلك قدرهم، وأنهم مسلطون عليهم بإرادة رب العالمين.

وهذا ما قام به هولاكو فبرر قتل عشرات الآلاف من البغداديين، بذريعة أنه غضب الله المسلط عليهم لعدم إلتزامهم بدينهم، فهو ينفذ إرادة الرب، وغير مسؤول عما يقع عليهم من إثم وعدوان مروّع.

وعلى هذا المنوال تجري تصرفات السلاطين والحكام، وذوي الكراسي المتنفذة وأصحاب الشأن.

وتلك معضلة محيرة، وبموجبها لا يمكن لسلوك السوء أن ينتهي، ولا للعدل أن يُقام، ومهما حاولت الرسالات السماوية والدنيوية أن تهذب النفس، وتساعدها على السيطرة على ذاتها، فأنها فشلت فشلا ذريعا.

ولهذا وُجدت الدساتير والقوانين، وإتجهت العديد من المجتمعات إلى العمل على منع تمركز القوة عند شخص واحد، وأوجدت عدة أركان شرعية ودستورية، لتمنع إشكاليات السلوك البشري المنفلت.

وهيهات أن يكون "العدل أساس الملك"، وسيبقى شعارا معلقا خلف مكاتب الظالمين إلى يوم الدين!!

و"سيعلم الظالمون أي منقلب سينقلبون"!!

***

د. صادق السامرائي

حول رد الرئاسة على اتهام الرئيس عبد اللطيف رشيد بالاستيلاء على عقار عائد للدولة وتأجيره للسفارة الكويتية، رئاسة الجمهورية ترد: الرئيس لم يستولِ على قصر حكومي بل اشتراه بماله الشخصي وأجره للسفارة الكويتية! ردت رئاسة الجمهورية يوم أمس ببيان مطول على اتهام وجهه أحد الصحافيين إلى الرئيس العراقي الحالي عبد اللطيف رشيد بالاستيلاء غير المشروع على عقار يعود إلى الدولة التي صادرته من أحد رجال العهد السابق هو عبد حمود التكريتي وتأجيره لمصلحته. وأفاد البيان أن الرئيس اشترى هذا العقار بمالة الخاص من الدولة في مزايدة علنية وببدل مقادره "خمسة مليارات وخمسمائة وأربعة وستون مليون دينار إلى السيد (عبد اللطيف محمد جمال رشيد) حسب كتاب دائرة عقارات الدولة المرقم (18334) المؤرخ 24/7/2011 وتم تسديد 25% من القيمة الكلية للعقار، وكذلك دفع أجور الخدمة والمبلغ المتبقي على شكل أقساط تدفع سنوياً وكذلك يتحمل مالك العقار تكاليف الصيانة الدورية للعقار". وأن العقار كان مسجلا باسم وزارة المالية وعند إعلان بيعه بالمزايدة العلنية بتاريخ 24/7/2011 تم دخول السيد (عبد اللطيف جمال رشيد) بالمزايدة وتم الشراء استناداً إلى القوانين والضوابط ولم يكن مسجلاً باسم زوجة المجرم (عبد حميد حمود التكريتي)". وهددت الرئاسة بانها ستتخذ "الإجراءات القانونية أمام المحاكم والجهات المختصة بحق الأشخاص الذين قاموا، وأي شخص يثبت تورطه في هذا الترويج المفتعل والكاذب كونها افعالاً يجرمها القانون وبعيدة كل البعد عن حرية الرأي، لأنها اتهامات لأعلى سلطة في الدولة".

يُفهم من الرد الرئاسي الأمور التالية:

1-لم ينف البيان الرئاسي أن إيجار العقار الشهري 50 ألف دولار، أي 600 ألف دولار سنويا، وحسب قيمة شرائه حسب التوضيح هي 5,564,000,000 دينار، أي ما يوازي حوالي 4,5 مليون دولار بسعر التراب...عفوا، بسعر الدولار، عند شرائه.

2-أن المشتري الذي صار رئيساً قد سددت قيمة العقار بالكامل في سبع سنوات وستة أشهر وقبل أن ينتهي من دفع أقساطه إلى أملاك الدولة، أي أنه سدد جزءا من ثمنه من أموال التأجير... ترى، إلا تثير هذه الأرقام ريبة أشد الناس غفلة؟ أو على الأقل، ألا تشير إلى جريمة استغلال المنصب فالمشتري كان وزيرا ثم مستشارا للرئيس آنذاك؟

3- البيان يقول إن الرئيس اشترى العقار قبل أن يصبح رئيسا وهذا صحيح ولكنه كان وزيرا للموارد المائية بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003 ثم مستشارا أقدم لدى رئيس الجمهورية جلال طالباني منذ سنة 2010 فهل يحق للوزير والمستشار الرئاسي ما لا يحق للرئيس؟

4- سؤال أخير من باب الفضول: ترى هل تضمنت الذمة المالية التي يقدمها الرئيس في العادة إلى الدولة هذا القصر أو قيمته النقدية؟

***

علاء اللامي

.....................

الصورة: هذا القصر الباذخ أو القلعة الجميلة التي اشتراها الرئيس حين كان مستشارا للرئيس بأربعة ملايين ونصف المليون دولار وأجَّرها للسفارة الكويتية وسدد ما تبقى من ثمنها من الإيجار!

رابط الصورة:

https://non14.net/150391

* رابط بيان التوضيح الرئاسي: رئاسة الجمهورية ترد على خبر مفبرك بشأن الاستيلاء على أحد العقارات العائدة للدولة

https://imn.iq/%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AE%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D9%81%D8%A8%D8%B1%D9%83-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86/?fbclid=IwAR3BoDyws2jPuNdalPmMaQ8IuFJuLiaYr97RuvA4ffZKlE8iE3Sy8R_Ig8I

واحدة من أهم نتائج ملحمة الصمود الغزاوي، التي حركت المياه الراكدة في العالم، وفي المنطقة العربية، هي إعادة القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، حتى بات الحديث عنها، حاضرا في كل لقاء أو مؤتمر أو تصريح، وبالتحديد إقامة دولة فلسطين على الأرض الفلسطينية، قبل الخامس من يونيو 1967. هذا الحديث لا يقتصر على الساسة الأمريكيين، بل شمل كل المسؤولين العرب وحتى في الجوار الإسلامي.

ولكن كيف تتمكن أمريكا والغرب الاستعماري؛ من إجبار إسرائيل على الموافقة أو الجنوح إلى الحق والعدل؛ بإقامة دولة فلسطينية، وهي مجتمعة لم تتمكن من إجبارها على وقف مذابحها هذه على غزة، على الرغم من مضي ما يقارب الخمسة أشهر من القتال هناك؛ وكيف تستطيع لي ذراع إسرائيل وجعلها تقبل أن تكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة، وفي الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل جرائمها البشعة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، من دون أي ضغط حقيقي وفعال عليها، ما يثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك والريبة في الدعوات التي ما انفكت تدعو لها أمريكا والغرب الاستعماري، وحتى دول التطبيع المجاني العربية، إذا افترضنا أن حسن النية متوفرة لدى مسؤولي أمريكا ودول الغرب، مع أن هذا الافتراض هو افتراض غير واقعي، فهذه الدعوة تعيد إلى الذاكرة؛ الدعوة التي كان قد أطلقها بوش الأب عام 1990، الغرض منها؛ تحجيم وامتصاص ردود الأفعال، سواء ما كان منها في الوطن العربي أو في الجوار الإسلامي أو في العالم.. نتنياهو حين أكد أن إسرائيل لا تريد أن تقام دولة فلسطينية، ما كان من أصحاب دعوات الاعتراف بدولة فلسطينية وضمها إلى الأمم المتحدة؛ إلا الصمت أو السكوت على تصريحاته.. المسؤولون الغربيون لم يردوا على نتنياهو، بل على العكس يستمرون في دعم إسرائيل بكل وسائل الدعم من الذخيرة والحماية من المساءلة الدولية عن جرائمها هذه، وهي جرائم لا مثيل لها في التاريخ. المسؤولون في المقاومة الفلسطينية، يدركون تماما، أن هذه الطروحات ما هي إلا لعبة للتخدير أولا، وثانيا لتصفية القضية الفلسطينية؛ بإيجاد الحلول البديلة التي ليس من بينها دولة فلسطينية حقيقية ومستقلة وذات سيادة كاملة غير منقوصة، بل دولة مقعدة بشلل رباعي؛ تحتاج إلى عون الآخر الصهيوني في ممارسة الحياة والتحرك على الأرض؛ لتوفير حاجات العيش.. بالشكل الذي يريده العراب الصهيوني، وليس كما تريد الدولة، التي تم أو سيتم وضعها على الكرسي المتحرك بأذرع الغول الإسرائيلي؛ الذي سوف تشعره هذه الدولة، أو توفر له الأمن والأمان والتحكم بها متى أراد. إقامة دولة منزوعة السلاح أولا، وثانيا منزوعة القرار، سواء في الداخل أو في المحيط العربي أو الإقليمي أو الدولي، ليست دولة. بعبارة أكثر دقة ووصف؛ هي حكم ذاتي لا دولة. من بين الأهم الذي عليهم، أي على أمريكا والغرب وحتى الدول العربية؛ أن يقوموا أو يعملوا على استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي يمنع الكيان الصهيوني من إقامة المستوطنات على أرض الضفة الغربية بصورة كاملة، وأيضا وفي السياق ذاته؛ استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي؛ لا يدعو بل يجبر الكيان الصهيوني على إزالة المستوطنات من الضفة الغربية بصورة كاملة أيضا. إلا أن أيا من هذا لم يحدث أو لم يتحدث عنه أي مسؤول دولي أو مسؤول عربي أو اقليمي أو إسلامي، وكأن الأمر غير ذي أهمية، أو ليس له علاقة بإقامة دولة فلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية، قبل الخامس من يونيو 1967. عليه فإن هذه الدعوات ما هي إلا ذر الرماد في العيون، وليس لها اي وجود حقيقي في أجندة الدول العظمى، وأولها وفي مقدمتها أمريكا والغرب الاستعماري.

إن إقامة دولة فلسطينية بالاعتماد على أمريكا والغرب الاستعماري وحتى روسيا والصين، وايضا الدول العربية وما اقصده بالدول العربية هي الأنظمة وليس شعوب العرب؛ هو وهم كبير فالحرية تؤخذ ولا تعطى، والشعوب بالجهاد والنضال والكفاح؛ تجبر المحتلين على المغادرة. دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى أقل تقدير واحتمال ما كان لها أن تستمر في احتلال فلسطين (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة)، وتواصل رفضها سواء المخفي سابقا أو الظاهر حاليا؛ لولا الدعم الأمريكي اللامحدود، والمفتوح بلا حدود وكوابح ومحددات. من المعروف؛ أنه لا بد للدول؛ أن يكون لها رأي وموقف يؤخذ بهما، ويكون لها اعتبار وأهمية في ما يخص علاقاتها أو تأثيراتها في المحيطين الإقليمي والدولي؛ وهو استثمار مواقعها الجيوستراتيجية، كما هو موقع الوطن العربي، إضافة إلى الثروات المعدنية وعلى وجه التخصيص؛ النفط والغاز. إن الأنظمة العربية لم تستثمر هذا في علاقتها مع القوى العظمى والكبرى؛ وفي فرض مواقفها ورؤيتها السياسية بما يحفظ لها حقوقها وبالذات حق الشعب العربي الفلسطيني؛ كون القضية الفلسطينية هي كما قالوا في السابق، وهي كذلك من الناحيتين الواقعية والموضوعية؛ قضية العرب المركزية. كما أن كل المصائب في الدول العربية، وجميع كوارثها، ومنها الاحتلال وتخليق الفوضى والاضطرابات والحروب الأهلية في هذه الدول والشعوب العربية؛ هي التأمين المستدام لأمن دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل إن القوى العظمى والكبرى هي من استثمرت هذه القدرات والإمكانيات العربية لصالح سياساتها، سواء في المنطقة العربية أو في المحيط الدولي، أو في دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي. كمثال وليس الحصر؛ النظام السوري؛ لم يتحرك ولو خطوة في دعم غزة الصامدة. لماذا؟ لأن روسيا تمنع النظام من التحرك في هذا الاتجاه إلا حسب خططها ورؤيتها هي، وليس النظام السوري، الذي يتعرض منذ سنوات إلى هجومات إسرائيلية تكاد تكون يومية. روسيا تمنع النظام من أن يفعّل منظومة أس 300 وأس 400 ولو فعّلها؛ لما تعرض الجيش السوري لكل هذه الهجومات. الأمر ذاته ينطبق على بقية الدول العربية، ولو بدرجات وأوضاع مختلفة ومتباينة، لكنها كلها تقع على الخط ذاته. الاستثناءان الوحيدان هنا هما حركة أنصار الله في اليمن، وحزب الله في جنوب لبنان، ولو أن الأخير يوفر الدعم للمناضلين في غزة؛ بطريقة الاشتباك المسيطر عليه حتى اللحظة. وفي رأيي، ربما كبيرة جدا؛ أن يخرج هذه الاشتباك عن السيطرة؛ بإرادة صهيونية. حركة أنصار الله في اليمن؛ هي الوحيدة التي وفرت دعما غير محدود، بل مؤثرا جدا على دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى عرابيها الأمريكي والغربي. ماذا لو فُعِلَ العرب من أجل دعم المقاومة الفلسطينية؛ الموقع الاستراتيجي والثروات؟ هل تستمر أمريكا في مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المذابح في غزة؟ الجواب: كلا وألف كلا، بل العكس تماما هو من يتسيد الواقع لصالح نضال الفلسطينيين.

***

مزهر جبر الساعدي

 

لايخفى على أغلبنا أن شرائح المجتمع العراقي جميعها، طالتها مآسٍ عديدة على مر العصور، ونالها ما نالها من الضيم والقهر الكثير، ليس من الدول التي تعاقبت على احتلال البلد فحسب، بل على يد بعض من تسلطوا عليه من أبنائه، وتسنموا مراكز قيادية في مراحله كافة وعلى أعلى المستويات، فكانوا بئس الولاة على أبناء جنسهم وذويهم، في الوقت ذاته كانوا نعم الأذناب وخير تبّع للغريب والمحتل والطامع، فجسدوا بفعلهم هذا قول معروف الرصافي:

كلاب للأجانب هم ولكن

على أبناء جلدتهم أسود

والتاريخ الحديث زاخر بمثل هذا الشخصيات، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حتى يومنا هذا، إذ نرى بين الحين والآخر بروز شخصيات تحمل الجنسية العراقية، وتنطق من اللهجات البغدادية او الموصلية او الأنبارية او البصراوية، او تتكلم اللغة الكردية، إلا أنها في حقيقة الأمر تعمل ضد العراق، وضد العراقيين من محافظاته وقومياته كافة. وفي كل أحوال المتسلط على حكم فئة او مجموعة او بلدة، ومهما كبرت او صغرت الرقعة التي يحكمها، فهو مسؤول عن كل ما يحدث لرعيته وما يتعرضون له، ومن ضمن واجباته الوطنية والأخلاقية، أن يدرأ عنهم الشرور والأضرار من أي مصدر تأتي منه، وهذا النهج يسير على خطاه الإنسان السوي حصرا، فمن المؤكد أنه يُدخل في حساباته مسؤوليات الراعي تجاه الرعية، كذلك مسؤوليات الرأس أمام المرؤوس، وسيكون العمل الصالح برنامجه وديدنه، وسيعتمد المهنية في إتقانه، وسيحرص على المثابرة في مراحل عمله، وستثمر بالتالي حساباته هذه عن معطيات ونتاجات تصب بالنتيجة في صالح الجميع. أما لو كان غير سوي، فإنه سيضرب كل هذه القيم والمبادئ عرض الحائط، وسينأى عن طريق الصواب بأشكاله كلها.

اليوم ونحن نعيش حقبة رئيس وزراء يختلف عمن سبقوه -بشهادة كثيرين- فقد أعلن بنفسه أن حكومته هي حكومة خدمات، وهو ماضٍ في طريق تحديث مؤسسات البلد وإنعاشها، بتكليف قيادات تنفيذية مهنية تقوم بواجباتها كما يُفترض، وبذا يكون من أولى مسؤولياته اختيار الشخص السليم ووضعه في المكان السليم، سواء أكان وزيرا أم وكيل وزير! ويدخل ضمن مسؤليته أيضا الانتباه لمن سيأتي بهم الوزير من مديرين عامين. وبذا على السوداني التحلي بصفة من صفات الذئب، تلك هي أن ينام بعين مغمضة وأخرى مفتوحة، وليأخذ من تجارب من سبقوه عظة وعبرة، وبغير هذا سيكون النكوص حليفه، والارتقاء الذي ينشده سيتبدل الى هبوط الى أسفل السافلين.

إن على السوداني وضع السلبيات التي لازمت نفرا من شخصيات الماضي أمام ناظريه، والتي مازال جلها يمارَس حتى اللحظة، إذ أن كثيرا من ساستنا ومسؤولينا، نأوا عن العمل الصالح أيما نأي، واستبدلوه بأعمال لاتمت الى الصلاح والفلاح والعرف الإنساني والوطني ولا الى الضمير بصلة، وآثروا عليها المصالح الشخصية والمآرب الخاصة، وخدمة أسياد لهم جندوهم لأطماع شتى، بين مادية وسياسية وإقليمية فضلا عن العرقية والطائفية، هاملين مصالح من اصطبغت أصابعهم تأييدا بنفسجيا لكتلهم وأحزابهم التي أتت بهم، متغافلين عن مراعاة حقوق الفرد من رعيتهم.

لقد ارتدوا لباس الراعي المسؤول عن الرعية وهم يبطنون غير ذلك، وتقوّلوا بالكلام السليم وحادوا عنه، وأطلقوا الوعود المعسولة وأخلفوها، وقطعوا العهود الموثوقة ونكثوها، وأقسموا بالله العظيم وحنثوا بيمينهم، وادعوا الإصلاح وأشاعوا الخراب، ومازال دأبهم هذا لغايات لاتخدم البلاد والعباد، فاستباحوا حقوق شعبهم، وتركوا المواطن يدور داخل حلقة مفرغة، ما كاد يمسك طرفها، إلا ضاع منه طرفها الثاني، وقد طال به المسير دون جدوى، وحذا حذو المرحوم (أبو سرحان) بقوله:

أمشي وأگول وصلت والگنطره بعيدة

***

علي علي

منظمة التحرير لم تعد القوة الاكبر جماهيريا، والقول بانها" الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" فندته انتخابات 2006، وبالتالي فان احياء المقولة هو تكريس للنهج الاستسلامي الذي ابتدعته فتح، وتسفيها لتضحيات بقية الفصائل وانتقاصا من شانها. 

منظمة التحرير القت البندقية جانبا ورفعت غصن الزيتون .ودخلت مع الصهاينة في اتفاقيات مشبوهة منها اسلو، واقامة سلطة فلسطينية مهمتها الرئيسية هي حماية الكيان المغتصب والزج بالمقاتلين في السجون او التبليغ عنهم ليفعل بهم العدو ما يريد، في مقابل اموال تعود بالنفع على سلطة رام الله وكوادرها الفتحاويون.

منذ ثلاثين عاما (اسلو) والعدو الصهيوني يقضم عند كل مطلع شمس اراضي الضفة لبناء مستعمرات عليها يقطنها المتشددون الصهاينة حتى اصبحت المستعمرات كالفسيفساء بالضفة الغربية تقطع اوصالها ما يجعل استحالة اقامة الدولة الفلسطينية وفق قرار التقسيم، بمعنى الحديث عن دولتين ما هو الا ذرا للرماد في العيون، ومع مرور الوقت ستصبح الضفة بأكملها ملكا للصهاينة، وحينها قد تبقي سلطات الاحتلال على الفتحاويين بالضفة لانهم قدموا لها خدمات فاقت التصور، أو تجبرهم سلطات الاحتلال على الرحيل بعد انتهاء المهمة، بالتأكيد سوف يلحقون بأبنائهم بأمريكا والدول الغربية حيث انفقوا اموال المساعدات للسطلة في شراء الفلل والعمائر وانشاء الشركات المتعددة.   

اجتماع الفصائل في موسكو خطوة جيدة لتوحيد صفوفها، لكن البيان الصادر عنها ذو التسع نقاط (العاشرة –تحية جنوب افريقيا)، نحسبه تعبير انشائي مللنا قراءته، ولن يتحقق أيا منها، لان من سيقوم بالعمل على تنفيذها او جزء منها هي منظمة (فتح) باعت الوطن ومن عليه بابخس الاثمان والاكثر من ذلك انها تقوم بحراسة الصهاينة.

ان انضواء الفصائل الجهادية (المقاتلة) تحت مسمى منظمة التحرير، سوف يدجنها ويجعلها تعترف بالكيان الغاصب عاجلا ام اجلا، على غرار اعتراف منظمة التحرير وزعيمتها فتح بمعنى الاستمرار في النهج الاستسلامي الذي يفوده ابي مازن وزمرته. فالصهاينة اعلنوها صراحة انهم لا يعترفون بدولة فلسطينية الى جانبهم مهما كلفهم الامر، نجزم من خلال تصريحات السلطة الفلسطينية، انها تسير في نفس النهج الذي يريده الاعداء، من لم يذد عن (حوضه!) بسلاحه يعش ابد الدهر ذليلا تابعا .

قرابة الخمسة اشهر والقطاع يتعرض لإبادة جماعية، الصهاينة والغرب يمعنون في القتل، وأخرها حتى الساعة هي مجزرة الطحين، اتوا للحصول على الاكل فاذا بهم يتعرضون لقصف بربري، يسقطون وهم جوعى بينما يتفاخر الحكام العرب بانهم يقومون بعمليات لانزال المؤن جوا، بينما يغلقون حدودهم البرية، إنهم يتامرون مع الصهاينة وامريكا على واد القضية الفلسطينية، حكامنا يضعون ايديهم في يد امريكا وهي التي استخدمت الفيتو ضد أي قرار يدين الصهاينة، حرب غزة اظهرت السلطة والحكام العرب على حقيقتهم، لم يجرؤ أي من الحكام على تعليق علاقاته مع العدو، لأنهم يخافون على مصيرهم فبقائهم في السلطة وفق ارادة امريكا، قالها ترامب ذات يوم، فهو سيدهم وصاحب الفضل عليهم.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

في سلسلة من الإغتيالات لن تتوقف على ما يبدو بالعراق شهدت العاصمة بغداد قبل أيّام محاولة لأغتيال الشخصية الوطنية والثقافية، الكاتب ورئيس مؤسسة المدى للنشر ورئيس مجلس السلم والتضامن العراقي السيّد فخري كريم، الذي كان في طريقه لبيته مغادرا معرض بغداد الدولي حيث معرض العراق الدولي للكتاب. وهذه ليست المرّة الأولى التي يتعرض فيها كتاب ومثقفون وناشطون سياسيون وعلماء وأطباء وعسكريون لمحاولات أغتيال في العراق ولن تكون الأخيرة، طالما ظلّت الدولة عاجزة عن أستخدامها لوسائل العنف الخاصّة بها، ومنع أيّة جهة غيرها عن حقّ أمتلاك السلاح. ووسائل العنف عند الدولة (أيّة دولة) هو عنف مشروع من الناحيّة السياسيّة عند بعض المفكرّين، وعمليا لا توجد دولة أو سلطة على مرّ التاريخ لم تستخدم العنف. وفي هذا الجانب يقول ويرث ميلز: كل السياسات صراع حول السلطة، والعنف هو الشكل الأخير للسلطة. فيما ذهب ماكس فيبر في تعريفه للعنف المشروع الى تعريفه للدولة من أنّها: هيمنة الإنسان على الإنسان باستعمال العنف المشروع. والدولة التي تستخدم العنف "المشروع" كأداة للقمع ومصادرة الحريات وأخضاع المعارضين لها، هي دولة تسلطيّة عنفية لا ديموقراطية، كون العنف هنا هو السلطة، وفي هذه الحالة يكون عنف السلطة هذا وسيلة لحماية طبقة أو قومية أو طائفة أو حزب سياسي، وليس تنازل الشعب لبعض حقوقه للدولة (القانون) من أجل حماية المجتمع من عنف جماعات مسلحة تمتلك السلاح خارج السياقات القانونية، أو من عنف أهلي بين أبناء الشعب الواحد لأسباب مختلفة. ليست وسائل العنف هي الوحيدة التي على الدولة أمتلاكها، لتعلن عن نفسها من خلال عقد أجتماعي بينها وبين الجماهير، بل على الدولة في سعيها لبسط القانون، إمتلاك جهاز أمني هدفه حماية الناس وليس ملاحقتهم أو تغييبهم وقتلهم. فالأمن الداخلي مهم لأستقرار البلاد، كما وسائل العنف الأخرى كالجيش والشرطة.

من الواضح أنّ وسائل العنف بالعراق اليوم ليست حكرا على الدولة، فالأذرع المسلّحة للأحزاب المختلفة وعلى الأخص تلك التي تهيمن على المشهد السياسي في المركز أو الأقليم، تمتلك كما الدولة وسائلها للعنف التي أستخدمتها في الصراع الطائفي الذي عاشته البلاد، أو القومي كما المواجهات بين المركز وإقليم كوردستان، أو فيما بين أحزاب ذات آيديولوجية واحدة لكنها مختلفة على توزيع الغنائم. وعمليات الأغتيال التي جرت والتي ستجري مستقبلا، هي جزء من عنف غير شرعي تقوم به مجموعات مسلحة تعمل خارج نطاق الدولة وإن كانت منضوية تحتها قانونيا ودستوريا، وبالحقيقة فأنّ الدولة عندنا لا تمتلك هي الأخرى اليوم عنف شرعي، لماذا..؟

كما ذكرنا أعلاه، فأنّ الدولة يجب عليها أمتلاك الأجهزة الأمنية وأحتكارها، لأنّ عدم أحتكارها للأجهزة الأمنية يعني وجود أجهزة أمنية رديفة قد تعمل لصالح أجهزة أمنية تابعة لدول أخرى، أو تعمل على مراقبة معارضيها وتصفيتهم. فهل محاولة إغتيال رئيس مؤسسة المدى المعروفة بدورها بالدفاع عن أنتفاضة تشرين وفتح ملفّات فساد السلطة ورجالاتها، والأخطر بنظر قوى الظلام أهتمامها بالكتاب وتطوير الثقافة المجتمعية، هو جزء من نشاط أجهزة أمنية غير تابعة للدولة...؟

أية محاولة أغتيال سياسي بالعراق وفي أي مكان بالعالم يسبقها جهد أمني، يدرس تحركات الشخص وخط سيره ومواعيده وعدد مرافقيه ونوع الآلية التي يستقلّها ومميزاتها، لتنتخب المجموعة المكلّفة بالأغتيال بعدها الزمان والمكان المناسبين لتوقيت العملية. والدولة بالعراق اليوم عاجزة عن حصر السلاح بيدها رغم ضجيجها الأعلامي، لكن أن تكون هناك جهات أمنية نشطة وتعمل على مرأى ومسمع الدولة وتصدر بيانات عن أنشطتها ونجاحاتها، فهذا أمر غير مقبول وطنيا وإن كان نجاح ذلك الجهاز الأمني له مقبولية على الصعيد الشعبي. فإعتقال إرهابي متمرس بالقتل بعد مراقبة أمنية دقيقة، هو من مهام الأجهزة الأمنية والأستخباراتية التابعة للدولة وليس غيرها، وعلى تلك المنظمات والأحزاب التي نجحت في متابعة هذا الأرهابي أن تعطي معلوماتها لأجهزة الدولة كي تتخذ اللازم، لا أن تصدر بيانا علنيا يحرج السلطة التي أكتفت بالصمت، فبيان قيادة عمليات أستخبارات سرايا السلام عن أعتقالها لأرهابي مطلوب وفق المادة الرابعة إرهاب، يعني إمتلاك أحزاب السلطة وأذرعها المسلّحة في بغداد وكوردستان لأجهزة أمنية تعمل بشكل منفصل عن أجهزة الدولة الأمنية، وبعض من هذه الأجهزة هي من قامت بمحاولة إغتيال رئيس مؤسسة المدى وعمليات الإغتيالات السابقة...

على الدولة إن ارادت تعزيز فرص الأمن وبناء المجتمع ونبذ التمايز الطائفي القومي، والسير في عملية البناء الديموقراطي التي لا زلنا نقف عند خط بدايتها، أن تحتكر السلاح وأجهزة الأمن دون تلكؤ..

كلمّا سمعت كلمة مثّقف تحسست مسدسي ... (النازي جوزيف غوبلز)

***

زكي رضا - الدنمارك

قبل بضعة ايام طرق بابي جاري الجنب يرجوني مساعدته وعارضا عليّ القيام بتدريس ابنه شيئا ولو يسيرا من قواعد النحو وانه لجأ اليّ راجيا مني القيام بتدريسه  وابداء المساعدة في رفع مستواه باللغة العربية وقد اضطر للجوء اليّ بسبب وضعه المالي المتردي واستنزاف جزء غير قليل من دخله الشهري لمصروفات الدروس الخصوصية الباهظة .

احسست بالحرج اولا لكنني وافقت ان اقوم بتدريسه بعض المحاضرات العسيرة الفهم  تطوّعا لاني اعرف الرجل الحريص على اولاده لا يقوى على تحمّل اجور التدريس الخصوصي مع حرصه الشديد على تطوير مهارات اولاده الدراسية واهتمامه بتفوّقهم بسبب الضائقة المالية التي يعاني منها .

وتساءلت من نفسي؛ لماذا يحدث كل هذا الارهاق على ارباب الاسر وتزيد من همومهم هموما أخر؟  بعد ان تفاقمت هذه الظاهرة المقلقة بشكل ملفت للنظر اذ اصبحت الاسر الفقيرة والمتوسطة الدخل تعاني وضعا اقتصاديا صعبا وأخذت تستنزف الكثير من ميزانية الاسرة  جرّاء الدروس الخصوصية حتى ان قسما اكبر من العوائل  أخذت تقلل من المصاريف الضرورية ومن لقمة الخبز لأجل توفير مبالغ أتعاب تلك الدروس .

كلنا نعرف مدى الانحدار في مستوى التعليم الحاصل في بلاد الرافدين الآن حيث وصلت الى مستويات معيبة بعد ان كان العراق سبّاقا معظم الدول العربية وحتى دول آسيا والشرق الاوسط في رقيّه العلمي ومستويات التعليم الاساسي والمتوسط والثانوي والجامعي وما بعده .

رحم الله سنوات دراستنا الجادة يوم كنا نكتفي بالحصص الدراسية الوافية في الفصل مع القليل من الساعات في التحضير اليومي والمذاكرة في البيت، يوم كان المعلم يمرّ على الطلبة واحدا واحدا ليتأكد بنفسه من استيعاب الدرس الجديد ويستفهمون منا عن اية صعوبة قد تصادفنا لإعادة شرحها، ولست أنسى ابدا معلمينا الاوائل العظام حقا حين كانوا يجيئون عصرا لإعطائنا دروسا إضافية وإرغامنا على حضورها بلا ايّ مقابل مادي فيما لو أحسّوا ان طلابهم لم يستوعبوا الدروس تماما .

 الان يحدث العكس حيث يعمد البعض من الاساتذة في الصفّ الى جعل المادة الدراسية غائمة ولا يعطون المحاضرات حقها الوافي في الشرح ويتعمّدون التمويه لغاية في نفس يعقوب أملا في الحصول على مزيد من حلقات الدروس الخصوصية وملء الجيوب الممتلئة أصلا، ربما كنّا نبرر هذا المسلك يوم كان المدرس يشقى ايام الفاقة والحصار وضآلة الراتب الشهري غير أننا الان لا نغفر للمدرس تصرّفه الغريب الذي يهدف الى تحريف رسالة المعلم السامية وتلويثها بالمطامع المادية وبذاءة جمع المال على حساب تطوير المهارات التربوية.

هناك اساتذة ومدرسون جعلوا بيوتهم معاهد وفصول دراسية وخصصت غرف البيت صفوفا معبأة بالرَحلات والسبورات وحتى وسائل الايضاح وغيرها ترغيبا للطلبة الضعيفي المستوى حتى يشار اليه باعتباره مدرّسا متميزا عن اقرانه المدرسين غير الحاذقين الذين لا يحسنون اللعب على الحبال ويعجزون عن الحصول على طالب واحد او ممن يأنفون من ممارسة تلك الظاهرة حفاظا على مبادئهم ورسالتهم السامية، مما يولّد فروقات طبقية واضحة حتى بين اوساط المعلمين والمدرسين انفسهم فالمدرس الذي يلهث وراء الدروس الخصوصية لا يتوانى في الأغلب الأعم من إنجاح الطالب الفاشل والكسول مادام يغدق المال وفق قاعدة " الدرس الخصوصي مقابل الدرجات العالية  " فتنقلب الموازين العقلية ويسمو الجاهل على زميله المجدّ المجتهد ويعمّ الخراب في العمليات التعليمية والتربوية حتى تصبح الدروس الخصوصية جريمة اخلاقية ظاهرة للعيان يرأسها معلمون لا يقلّون ذنبا عن بقية عتاة الجرائم الاخرى المشينة وتصير آفة تنخر المجتمع كما تقول الشعارات المعلّقة في جدران المدارس من قبل وزارة التربية .

ومع ان وزارة التربية ظاهرا تحارب هذا المسلك لكنها لا تتخذ الإجراءات الجادة والسريعة لفرض العقوبات الصارمة على منتسبيها العاملين من المعلمين والمدرسين وتكتفي باغراق المدارس والمؤسسات التعليمية بالشعارات واللافتات التي تدين تلك الظاهرة دون اجراءات عملية تقطع دابرها، ولو استثنينا مبادرتها المتواضعة في فتح قناة تلفزيونية تعليمية من قبل التلفزيون التربوي التابع لها وعرض محاضرات للطلبة لكنها لم تستطع ان تنافس ذلك السيل الجارف من كارتل المدرسين الذين امتهنوا التدريس الخصوصي تجارة رابحة افرغت جيوب الآباء والامهات اذ عجزت تماما عن ايقافها عند حدها او على الاقل التقليل منها وتضييقها.

خففوا العبء الثقيل عن كاهل ارباب الاسر المتعبين ايها المعلمون الرسُل المبجّلون ولا تدعونا  نأسف يوما ما ونقول لكم: كاد المعلم ان يكون أكولا .

***

جواد غلوم

 

في المثقف اليوم