نصوص أدبية
لاجئ عراقي
- التفاصيل
- كتب بواسطة: جميل حسين الساعدي
قصة اللاجئ العراقي
والمراكشية
فتىً قابلتهُ أمسِ شكا لي حالةَ َ البؤسِ
وحدّثنــــي بقصتهِ التي حــــــــزنت لهــا نفسي
وقدّمَ نفسهُ خَجلا (أنا المتشـــــرّدُ المنسي)
فذكّرني بمـــا يلقى كثيرٌ مـــــن بني جنسي
وتابعَ وهْوَ من سهَرٍ بدا في صفرة الورْسِ(1)
قصدتُ بلادَ أوربا ولمْ ترغبْ بها نفسي
لجأتُ بها على مضَض ٍ هروبا ً من بني عبْسِ
فقدْ أفتى مشايخهم لهمْ أنْ يقطعوا رأسي
لأنّـــــي مولــــــعٌ بالنقْـــدِ والتحليلِ والــــدرْسِ
ورأيي لا يوافقُ رأْ يَ منْ جلسوا على الكرسي
فصارتْ عيشتي رُعْبا ً وألوانا ً من التعْسِ
وما أغمضتُ لي جفنا ً ولمْ ألتذّ بالنَعْسِ(2)
سهامي لمْ تُصِبْ هدفي فرحتُ محطّما ً قوسي
فقلتُ هو َ اللجوءُ يكو نُ لِي بمثابةِ التُرْس ِ(3)
وطمأنني المحقّقُ قارئا ً ما خُطَّ في طِرْسي(4)
بجسمكَ يا فتى أثرٌ من اللكماتِ والرفْسِ
وهذا وَحْدهُ يكفي دليلا ً دونما لبْسِ(5)
وعشتُ هنا بلا روحٍ وحانتْ لحظةُ النحْسِ
فقرّرتُ الزواجَ لكي أبدّدَ ظلمة َ اليأس ِ
وأنهي وحدة ً طالتْ وأبصرُ مثمرا ً غرسي
فطرْتُ الى مراكشَ لي سَ مِنْ هاد ٍسوى حَدْسي(6)
هنالكَ صادفتني في طـــريقي مُنْية النفْسِ
فتاةٌ وجهها طلــــقٌ لـــهُ إشراقةُ الشمسِ
تحدّثنا وقالـــــت آ خرَ الكلماتِ في همْسِ
أنا (ليلاكَ) فاتبعني هلمَّ إليّ يا (قيسي)(7)
فقلتُ لها وقد ختمَتْ بصورتها على حِسّي
أنا (المجنونُ) يا ليلى قسا زمني فلا تقسي
وكوني لي على الأيّا مِ عونا ً أرجعي أُنْسي
فقدْ ضاقتْ بيَ الدنيا وعيشي صارَ كالحبْسِ
***
ومرّ الوقتُ في عَجَل ٍ وحانتْ ليلةُ العرْسِ
غدتْ لي زوجة ً فضّل تُها حتّى على نفسي
لمستُ بها التقى تبدي ــه ِ في صلواتها الخمْسِ
وعنْدَ الصبْحِ تدعواللهَ، تتلو الآيَ إذْ تُمْسي(8)
ظننتُ بأنَّ رابعة ً معي.. بُعِثتْ من الرَمْس ِ(9)
ولكنْ فجأةَ حدث َ الذي ما كان َ في حَدْسي
لقد هربتْ وصرتُ فري سة ً للغشِّ والدسٍّ(10)
رصيدي كلّهُ سحبت ـهُ ما أبْقتْ على فلْسِ(11)
ذهلتُ لما جرى في (البنكِ) ثمّ صرختُ واتعسي(12)
وفيما بعْدُ جاءت دفْ عةَ ٌ أخرى من النحسِ(13)
فقدتُ البيتَ فاكتملتْ فصولُ روايةِ البؤس ِ
وكمْ حاولتُ أنْ انسى وهلْ شئٌ تُرى يُنسي
***
جميل حسين الساعدي
........................
(1) الورْس: نبت أصفر يزرع في اليمن
(2) النعس: النُعاس الوسن
(3) التُرْس: الدرع
(4) طِرْس: صحيفة ورقة
(5) لبْس: شك شبهة
(6) مراكش مدينة تقع في المغرب
(7) في البيت اشارة الى قصة الحب الخالدة قيس وليلى. أو مجنون ليلى والمجنون هو الشاعر قيس بن الملوح الذي أحب بنت عمه ليلى العامرية وقال فيها شعرا كثيرا
(8) الآي: جمع آية وهي كل فقرة أو جملة من القرآن
(9) رابعة: عابدة مسلمة تأريخية من الشخصيات المشهورة في التصوف الإسلامي وهي التي أسست مذهب الحب الإلهي
الرَمْس: القبر
(10) الدسّ: المكر وتدبير المكائد
(11) فلس: عملة نقدية مضروبة من غير الذهب والفضة تستخدم في عدد من الدول العربية، ومنها العراق، وفي البيت اشارة الى النقد بشكل عام وبالتحديد العملة المعدنية
(12) البنك: المصرف
(13) النّحس: الضرّ والشؤم والشقاء
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.