كتب واصدارات

جواد عبد الكاظم: رباعيات الخيام في ترجمة مميزة

حظيت رباعيات عالم الفلك والرياضيات والفيلسوف والشاعر عمر الخيام المولود في مدينة نيسابور بخراسان سنة 1048م، والمتوفى فيها سنة 1131م باهتمام عالمي كبير ، واكتسبت شهرة واسعة بعد ترجمتها إلى لغات عديدة ، مثل الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية والتركية والعربية ، وكان أول وأهم مترجميها إلى اللغة الإنكليزية  الشاعر فيتز جيرالد (1809- 1889م)، وكانت السبب في ذيوع صيته كشاعر عالمي.

ولهذه الرباعيات ترجمات كثيرة إلى اللغة العربية، ولعل من أكثرها شهرة ترجمة الشاعر أحمد الصافي النجفي (1897- 1977م) وقيل هي الأدق والأقرب في معانيها م الأصل، وهناك ترجمة الشاعر المصري أحمد رامي (1892- 1981م)، وقد اكتسبت شهرة في العالم العربي وخارجه بعد أن صدحت بها كوكب الشرق أم كلثوم في الإذاعات، وتبقى هناك ترجمات عربية أخرى مهمة كترجمة وديع البستاني، ومحمد السباعي، وأحمد زكي أبو شادي، ومصطفى وهبي التل (عرار)، ويوسف بكار، وعامر بحيري، وغيرهم.

3461 رباعيات الخيامأما على صعيد العراق، ففضلاً عن الصافي النجفي، فقد ترجمها الشاعر الشهير جميل صدقي الزهاوي (1863- 1936م) نظماً ونثراً، والشاعر صالح الجعفري (1908- 1979م)، وأحمد حامد الصراف (1900- 1985م) نثراً ، وعبد الحق فاضل ( 1911- 1992م)، ومهدي جاسم الشماسي (1920- 1979م)، وجلال زنكبادي المعاصر وغيرهم، بل إن الشاعر الكربلائي الدكتور عباس الترجمان قد ترجمها شعراً إلى اللهجة الدارجة العراقية، كما صدرت عنها الكثير من البحوث والدراسات في بلدان عديدة.

وتطل علينا اليوم هذه الرباعيات بترجمة فريدة ومميزة للشاعر العراقي الكربلائي علي محمد الحائري (1933- 1999م)، وهي صادرة بطبعة أنيقة عن (دار النثر) في العاصمة العمانية مسقط، وقد مهد لها الدكتور مهدي أحمد جعفر بكلمة ذكر فيها أن صاحبها الشاعر كان قد أنجز هذه الترجمة في نيسان من العام 1997م، وبقيت مخطوطة ومودعة لدى (صديقه الأعز ورفيق عمره الأستاذ سلمان هادي آل طعمة الذي كان قد قدم وجمع وطبع ديوان الراحل الأخير "الركب الضائع" في العام 2013م).

والمترجم الحائري ولد في كربلاء، و( ونشأ وترعرع في كنف أسرة دينية كان لها الأثر الأكبر في تشكيل معالم شخصيته واهتماماته، وصقل موهبته الشعرية)، وقد ابتدأ تعليمه في كتاتيب المدينة المقدسة قبل انتقاله إلى التعليم الحكومي، وكان من الطلبة المجتهدين غير أن وفاة والده وتحمله للمسؤولية جعله يلتحق بدورة تربوية تعليمية سنة 1954م، ويدخل بعدها سلك التعليم معلماً للغة العربية في الناصرية، وبعد عودته إلى مدينته كربلاء واستقرار حاله واصل الدارسة في كلية الآداب بالجامعة المستنصرية وتخرج فيها سنة 1973م، واستمر في عمله في التعليم يشغف حتى تقاعده، وتفرغه لحياته الثقافية.

كان الحائري من شعراء كربلاء الكبار في عصره ، إذ أحب الشعر كما أحبه الشعر منذ نعومة أظفاره، وقد (شرع ينظم الشعر منذ مراهقته المبكرة، وكان وفياً وملتزماً لعمود الشعر وبحور الخليل بن أحمد الفراهيدي)، وظهر الكثير من قصائده منشوراً  في الصحف والمجلات العراقية والعربية، ومنها مجلة (الأديب) اللبنانية الشهيرة، واتصف شعره بالجزالة والأصالة، وقد جمع بعضه في حياته، وأصدره في ديوان سنة 1986م في بغداد، وحمل عنوان (أغنيات في سهر شهرزاد)، وله ديوان آخر مخطوط بعنوان (قناديل في أروقة الليل).

يجيد المترجم والشاعر الحائري فضلاً عن لغته العربية التي حلق بها عالياً اللغتين الفارسية والإنكليزية إجادة تامة، وقد اعتمد في ترجمته لرباعيات الخيام على الأصل الفارسي لها مع النظر في الترجمات المتوفرة له ومقارنتها؛ ومنها ترجمة الشاعر الانكليزي فيتز جيرالد.

ومن قرأ مقدمة المترجم يلاحظ بوضوح معرفته التامة بشخصية عمر الخيام والعميقة بأفكاره، فقد وصفه (موسوعي الثقافة، ذا أبعاد ذهنية متعددة، فهو الفقيه الأصولي الملم بأصول الشريعة وأحكامها، وهو الفلكي الذي يطيل التأمل في حركات النجوم، ويضع لها تقويمه الشرقي، وهو الرياضي الذي يضع حلاً للمعادلات الجبرية)، وهو المتكلم والجدلي والشاعر المشبوب العاطفة والمجنح بخياله، (والميال إلى المشاعر الحسية، وتجسيد صور الجمال في كل ما تنزع إليه رغبات الإنسان الفطرية).

وينبه المترجم الحائري في نهاية مقدمته إلى قضية مهمة، وهي أن (عدد الرباعيات التي نظمها الخيام غير متفق عليها؛ فهناك من يقول إنها ثمان وخمسون رباعية، وفي نسخة فيتز جيرالد مئة وثمان وخمسون رباعية، وفي نسخ أخرى ثلاثمئة وخمسون رباعية، والشيء المتفق عليه هو أن هذه الرباعيات قد أضيف لها الشيء الكثير، ونسب إلى الخيام ما لم يقله، وكان التمحيص فيها عن النصوص الأصلية عملاً شاقاً).

***

جواد عبد الكاظم محسن 

في المثقف اليوم