نص وحوار
نص وحوار: مع الباحث والمترجم والشاعر د. بهجت عباس ونصه "من همسات الماضي الجميل"
- التفاصيل
- كتب بواسطة: ميادة ابو شنب
خاص بالمثقف: يسرّ "المثقف" استضافة الباحث والمترجم والشاعر القدير د. بهجت عباس، ضمن برنامج نص وحوار، لتحاوره حول نصه: "من همسات الماضي الجميل" ولتدعو له بطول العمر وتمام العافية بمناسبة بلوغه الثمانين عاماً، فأهلاً ومرحباً به.
د. بهجت عباس باحث علمي ومترجم (عربيّة/ ألمانيّة/ انجليزية) وشاعر له حضور دائم ومميّز في صحيفة المثقف. شارك القرّاء بسيرته الذاتية عبر سرد فنيّ رشيق، يشرّع للقارئ عبر مقالاته آفاقاً علمية بلغة مبسّطة، ويثري وجدان القارئ بترجماته عبر الحرف الشفيف، ويتحف خيال القارئ بأشعاره المترعة بسحر المشاعر الإنسانية.
إصداراته:
1. عالَـم الجينات - عمان 1999
2. مرض السكر والتعايش معه - عمان 2002
3. ستون قصيدة ألمانية (عربي / ألماني) – بيروت / عمان 2006
4. راينر ماريا ريلكه - مراثي دوينو وسونيتات إلى أورفيوس
عربي / ألماني - السويد 2006
5. دموع بغداد - ملحمة شعرية بثلاث لغات (عربية - إنكليزية- ألمانية) - السويد 2007
6. الجينات والعنف والأمراض - السويد 2007
7. زنابق السّنين - مجموعة شعر - السويد 2009
8. مختارات من الشعر العالمي - لغة مزدوجة - عمّان 2009
9. الكيمياء الطبية – بالاشتراك مع زميلين في كلية الطب - الجامعة المستنصرية - بغداد1987
10. كتاب (الكيمياء الفسلجية-3 أجزاء)- هاربر- ترجمة - بالاشتراك مع أساتذة كليات الطب في العراق- بغداد 1988
11. مختارات من الشعر العراقيّ المعاصر – ألماني/ عربي – السويد 2013
الجوائز التي نالها:
- درع المثقف للثقافة والأدب والفن 2013
- شهادة تقديرية من منظمة (الشعر العالمي) الأمريكية لقصيدة (نهاية طاغية) باللغة الإنكليزية.
- درع الهدف الثقافي
- الجائزة الأولى وكانت ساعة ذهبية عن أحسن مقال كتب عن الأم في العراق نظمه الإتحاد النسائي العراقي برئاسة السيد آسيا توفيق وهبي بمناسبة عيد الأم في 21 مارس 1957
- الجائزة الأولى في المسابقة المدرسية (الصف الرابع ثانوي) عام 1952 وهي ساعة ذهبية.
ميادة ابو شنب: الباحث والمترجم والشاعر القدير د. بهجت عباس، عند تحرير قصيدتك وقراءتها، باشرت بالبحث، بين سطور رسالتك وسطور النص، عن اسم كاتب النص لإعتقادي أنه ترجمة لنص أحد الشعراء العالميين لأنّك عوّدتنا على ترجماتك الّتي تختارها بحسّ إنساني سامق. وأنتشيت فخراَ حين أيقنت أن القصيدة وليدة وجدانك المبدع بامتياز، مما أغراني لقراءة ثانية انتشلتني من بشاعة الواقع الذي يشقّ كل لحظة نهر دماء قانية وأخاديد دموع داكنة ويفجّر حمم رعب وترقّب تصهر القلوب وتمحي الحدود بين الليل والنهار.
أهلاً وسهلاً بالباحث المترجم الشاعر د. بهجت عباس في المثقف، في باب نص وحوار، لمحاورة نصه من خلال طرح بعض الأسئلة، تاركين الفرصة للقراء الكرام لطرح المزيد منها وإغناء الحوار بمداخلاتهم.
د. بهجت عباس: أشكر الأديبة والشاعرة المتألقة ميّادة على تفضّلها بدعوتي إلى هذا الحوار واتخاذها هذه القصيدة ومقالة (الخروج الأخير) أساساً له. وهي بارعة في هذا الفنّ الجميل الذي يكشف للقارئ ما لم يكنْ في الأصل من قبل، أو ما خفي مما لقيه الكاتب أو الشاعر في هذه الدنيا التي انقلبت فيها المفاهيم واستفحلت العادات السَّيِّـئة فما كان يُعدُّ (نبلاً) اختفى وأصبح الدجل وعدم الحياء والسّطوة على حقوق الآخرين مفخرة وبراعة وشطارة.
أشكر الأستاذ الباحث ماجد الغرباوي على سماحه بإتاحة هذه الفرصة الثقافيّة على صفحات المثقف الأغـرّ، وأرجو ألاّ يمـلَّ القارئُ العزيز من ثرثرة قد تكون غير محمودة أحياناً!
س1: ميادة ابو شنب: في النصوص الأجنبيّة تنساب اللّغة بسكينة الأغادير وعفوية النسيمات لتشكّل للحياة إطاراً ربيعياً، أمّا في النصوص العربيّة، فاللّغة صاخبة، تضجّ بالآهات واللوعة والحسرات، ونصك تراتيل تهدهد القارئ على أرجوحة الجمال والسكينة، وهذا ما جعلني أعتقد أن النصّ مترجم.
هل لنا أن نطلّ على منابع الإختلاف عبر عدسات منظارك الصقيلة؟
ج1: د. بهجت عباس: لم تكن النصوص العربية دوماً تضجّ بالصّخب قديماً أو حديثاً. ففي العصر الأموي مثلاً كان جميل بثينة وكثيّر عزّة وعمر بن أبي ربيعة يقولون الشعر الرقيق العاطفي وفي العصر العباسي كان شعراء كثيرون لا (يصخبون)، فهناك العباس بن الأحنف وابن المعتز وأبو نؤاس وغيرهم وأما في القرن العشرين فكثير من الشعراء يجيدون الشعر الرقيق. وإن غلبت اللغة الصّاخبة على بعضهم فنتيجة الحياة السياسية المتقلبة، وجَوْر الحكّام، وظروف الحياة القاسية بأنواعها. هذه الأمور تؤثّر طبعاً على نفسيّة الشاعر الذي يكون حسّاساً أكثر من غيره، فيتمرّد حتّى على نفسه إذا لم ينلْ ما يريد، أو إذا ما حلم به أصبح سراباً، أو إذا رأى تمايزاً بين الناس أو ظلماً. وكلّ هذا يعتمد على القناعة الذاتيّة وتقييمه الأمورَ حسب ما نشأ عليه بدءًا من طفولته التي تؤثّر عليها العائلة والمحيط الذي يترعرع ويعيش في أجوائه. فإذا لقِيَ لطفاً صار شعره منساباً كنهر يُروي الرياض والحدائق الحالمة، وإن عانى قسوة فزمجرة وهدير. وقد شرحت هذه الظاهرة جينيّاً في مقالة منشورة في المثقف. لذا يمرّ الفرد بمراحل في حياته بين مدّ وجزر فيتصرّف بموجبها، فنجد الشعر الغربيّ يتصف بصورة عامّة بالهدوء والانسياب اللطيف لوجود العدل والمساواة في الحياة على نطاق واسع، ولا نستغرب إن وجدنا الصّخب في الشعر العربيّ لفقدان العدل والتدخّل الظالم في حياة الإنسان على مدى حياة الإنسان. وعلى هذا الأساس تصوّرتِ قصيدتي ترجمة، ولك الحقّ، فتأثير الشعر الغربي والعيش بحريّة وعدم التدخّل في شؤون الآخر ليعيش كما يريد، وعملي صيدلانيّاً أكثر من عشرين عاماً في كندا متعاملاً مع كثير من الناس المختلفين لساناً وعرقاً وديناً، غيّرتْ كثيراً من المفاهيم القديمة والعادات. ولكنّ الجذور، بالرغم من هذا كلّه، راسخة، بعضها متصلّب وبعضها ليّن، وهي غافيةً وساهية! ولو قرأتِ قصائدي الأولى لوجدتِ فيها شيئاً مُغايراً!
س2: ميادة ابو شنب: القصيدة معتمدة على بحر واحد ولكنها متعددة القافية، تُقسم إلى مقطوعات ، كل مقطوعة منها بيتان أو ثلاثة أو أكثر لها قافية واحدة تختلف عن قافية المقطوعات الأخرى، ومن أمثلة هذه الصورة من الشعر قول ميخائيل نعيمة في قصيدته "النهر المتجمد" (مجزوء الكامل):
يا نهر هل نضبت مياهك فانقطعت عن الخرير؟
أم قد هرمت وخار عزمك فانثنيت عن المسير؟
بالأمس كنتَ مرنَّمًا بين الحدائق والزهور
تتلو على الدنيا وما فيها أحاديث الدهور
بالأمس كنت إذا أتيتك باكيًا سّلّيتني
واليوم صرت إذا أتيتك ضاحكًا أبكيتني
قصيدتك الّتي تعزف على نفس الأوتار الحسّية، تتهادى موسيقاها على أوزان شعرية وقافية متعدّدة.
" في الحقل كانت وردةٌ**وكان حولهـا الزهـرْ
تستقبل النسيمَ جـذلـى**والريـاحَ والمـطــرْ
ومــرّة أبصـرتــها** تبكي بدمـع مُـنهـمِــرْ
قلتُ لها يا وردتي**ماذا دهاك ما الخبـرْ؟"
ما هو جليّ لعين القارئ، التشابه بين روح قصيدتك وروح قصيدة "ميخائيل نعيمة" واتخاذ الطبيعة مسرحاً للحياة، يلوذ إليها الإنسان المرهف لبثّ خلجات الفرح والألم.
لماذا جاءت القصيدة متعدّدة الأوزان والقافية؟ ولماذا كانت الطبيعة (الروض والحقل) مسرحها؟ هل إختلاف الحدث (المكان والزمان) الذي يوثّقه كل مقطع، واختلاف الانفعال الآني بالمشهد وراء ذلك؟
ج2: د. بهجت عباس: تعدّد القوافي والأوزان ليست جديدة في الشعر العربي، فهناك مثلاً الموشّحات الأندلسية الجميلة بألحانها الصّاعدة والنازلة التي تستهوي القارئ فتشنّف سمعه فيسرح في ملكوت الخيال والجمال، هي أجمل كثيراً من القصائد الطويلة المملّة ذات القافية الواحدة وخصوصاً إذا زادتْ أبياتها على المئتين وقد يصل بعضها إلى الستمئة بيت. فهذا في رأيي هو الحمق ذاته في هذا الزمن المسرع في الخطو دون هوادة. أليست هذه الأبيات من الموشحّة التالية مثلاً تريح النفس وتهدئ الأعصاب؟
يا سما... فيك وفي الأرض نجوم وما
كلّما.... أخفيتِ نجماً أظهرتْ أنجما
وَهْيَ ما... تهطل إلاّ بالطلى والدما
فاهطِلي... على قطوف الكرم كيْ تمتلي
وانقلي... للدنِّ طعم الشّهد والقرنفلِ
مَنْ وُلِي... في دولة العشق ولم يعدلِ
يُعْـزَلِ...إلاّ لحاظَ الرشأ الأكحلِ
لا أريم...عن شرب صهباء وعن عشق ريم
فالنعيم...عيش جديد ومدام قديم
لا أهيم...إلاَ بهذين فقم يا نديم
واملَ لي... من أكؤسٍ صُوِّرنَ من صندل
ألذَّ لي... من نكهة العنبر والمندل
وكذلك فعل صفيّ الدين الحلّي (ت عام 750 هـ 1349 م) عند (تثمينه - بجعل شطريْ البيت الواحد ثمانيةَ أشطر) قصيدةَ أبي نؤاس (حامل الهوى تَعِبُ يستفزّه الطربُ)
وحقّ الهوى ما حلتُ يوماً عن الهوى
ولكنّ نجمي في المحبة قد هوى
وما كنتُ أرجو وصلَ مَنْ قتلتي نوى
وأضنى فؤادي بالقطيعة والنّوى
ليس في الهوى عجبُ إنْ أصابني النّصبُ
(حامل الهوى تَعِبُ يستفـزُّه الطربُ)
أقول لذات الخال يا ربّة الذَّكا (ذكاء)
ومَنْ بضياء الوجه فاقت على ذُكا (الشمس)
شكوتُ غرامي لو رثيتِ لمن شكا
وأطلقتُ دمعي لو شفى الدمعُ مَن بكى
فانثنيتِ ساهيةً ...والقلوب واهيةً
(تضحكين لاهيةً...والمحب ينتحبُ)
ثمّ إنّ القصيدة ذات القوافي المتعدّدة تمنح الحريّة لكاتبها، فهي لا تقيّد حريّته في استيعاب المعاني الجميلة دون حشوٍ لا مبرّر له سوى القافية! وهذا الأمر ليس جديداً عليّ، فقد كتبتُ قصيدة (حوارات) التي تقارب المئة بيت بقوافٍ وأوزان عدّة. أما ملحمة (دموع بغداد) فزادتْ على 750 بيت، فتصوري أيَّ عذابٍ لي وللقارئ لو كانت بوزن واحد وقافية واحدة!
أمّا ما قاله ميخائيل نعيمة فهو تعبير عمّا كان عليه ذلك الحين. فربّما رأى نهرَ إبداعِه ينضب فتغيّرت رؤيته إلى الحياة، لأنّ هذا (النهر) كان سلوتَه في شبابه فغدا كابوساً عليه في أواخر عمره، أو ربّما أدّى إلى نضوب (الدوبامين) من الخلايا الدماغية، فكانت الكآبة والنظرة القاتمة. أو ربّما لم يعنِ هذا سوى رؤيته نهراً نضب، كدجلة مثلاً، فحزن وتغيّر. واشتراكنا في (الروض والحقل) هو اشتراك عام لكلّ الشعراء، غرباً وشرقاً، فكلّنا يحبّ الماء والخضرة والوجه الحسن ما عدا المغول الجُدُد حاملي نفسيّة الضّباع وطبع الوحوش! أليست هي الطبيعة الخالدة أمّ الوجود!؟.
س3: ميادة أبو شنب:
ما الذي جاء بهذا الصَّبِّ من أقصى البلادِ
يسُرع الخطو كطيفٍ فـرّ من طول الرقادِ
ينشُد الحبَّ ويهوى العيش في تلك المِهـادِ
حين يرسم الفنان بورتريت يدمج فيه ملامحه بشكل لاشعوري، وحين يكتب الشاعر يخطّ ملامح انفعاله بشكل لاشعوري أيضاً.
في مذكّراتك "الخروج الأخير" كتبت:
"وكان ذلك في الواقع هروباً من الوطن وخروجاً أخيراً."
"ولكنَّ الخروج من الجحيم بأيّ ثمن هو ما أصبو إليه"
"فقد كانت الخطوة الكبرى للهرب من الجحيم!"
هل "هذا الصبّ" هو ذاته د. بهجت عباس حين غادر الوطن "أقصى البلاد" فاراً من "طول الرقاد"؟ وهل حقّق ما نشده بعد الفرار إلى "تلك المِهـادِ"؟
ج3: د. بهجت عباس: نعم، لم تكنْ الحياة جحيماً وحسب، بل موتٌ قد يأتي أيَّ وقت لأيِّ سبب أو تهمة. فإطلاق نكتة عابرة أو كلمة غير (لائقة) بحق القائد الضرورة حينذاك تكفي لإرسالك إلى حيث ألقت رحلها أمُّ قشعمِ! لذا كان خروج ولا عودة! ولكنّك لم تذكري هذا المقطع من (الخروج الأخير):
"وقلت لنفسي، ولماذا أتيتِ بي إلى هنا أيتها النفسُ الأمّـارة بالسوء وكنتِ غيرَ مرتبطة بأيِّ عقد مع الحكومة ولم تستلمي أيَّ فلس منهم، وكنتِ كالطير في الأجواء تمرحين بالحرية في دول أوروبا ولم تكوني بحاجة إلى مال وقد وجدتِ عملاً في إنكلترا كباحث علمي في الكيمياء الحياتية وعملاً آخر في الباثولوجي ولكنك فضّلت خدمة الوطن الذي انطلقت فيه وحوش الغاب من غاباتها لتسيطرَ على عباد الله ولتفتكَ بهم أنّى تشاء؟" فالوطن إذاً ليس جحيماً في الأصل، ولكن من يسيطر عليه ويجعل الحياة جحيماً لا تُطاق، ولقد غادر كثير من الشعراء قديماً وحديثاً أوطانهم إلى المجهول أحياناً لعدم تحمّلهم جحيم تلك الأوطان ، وانظري إلى المغتربين الآن الذين لا يخلو منهم أيّ مكان في هذا العالم الرحب. وفي القديم قال الشريف الرضيّ (ت عام 406 هـ - 1015 م):
ما مُقامي على الهوان وعندي مِقْولٌ صارمٌ وأنفٌ حميّ
وإباءٌ محلّق بي عن الضَّــيـْـ مِ كما طار طائرٌ وحشيُّ
أحمل الضَّيم في بلاد الأعادي وبمصر الخليفة العلويُّ
وقبله قال أبو نؤاس:
تقول التي من بيتها خفّ مركبي عزيزٌ علينا أن نراك تسيرُ
أما دون مصرٍ للعلى مُتطلَّبٌ؟ بلى! إنَّ أسباب الغنى لكثيرُ
وبين ذلك قال المتنبّي:
وكلُّ امرئٍ يولي الجميلَ محبَّبٌ وكلُّ مكانٍ يُنبتُ العزَّ طيِّبُ
فالـ(وطن) ليس أرضاً وبنايات وأنهاراً وأشجاراُ وغير ذلك، بل البشر الذين يعيشون فيه والسلطة التي تُسيطر على مقدَّراته. وهناك الطموح أيضاً!
أمّا سؤالك فيما إذا كان هذا (الصبّ) هو أنا؟ ربّما أو أيّ عبدٍ من عباد الله، فهذا يعود إلى استنتاج القارئ وتفهمّه، فالشاعر لا يشرح قصيدته! بل القارئ هو من يُسمّي الأشياء بأسمائها! القصيدة ليست على أيّة حال بهذا التعقيد لأتمثّل بقول المتنبي:
أنامُ ملءَ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ
س4: ميادة ابو شنب: من عمق التأمّل تنتشل حكمة الحياة وتخطّها بوعي العارف بخفاياها...
القلبُ قبل العـيـن لا يعشَقُ**لكـنّـه مــن عـشقــهـا يُــورِقُ
فتورق الأزهار من حوله**أنفـاسُهــا مــن عطـره تعـبَــق
لا يُخفى مدى الترابط بين بصيرة القلب وبصر العين، يتجلّى ذلك بوضوح في القضايا العاطفية.
ما هي، من وجهة نظرك، مناهل الحب القادر على الاستمرارية والديمومة؟ وهل تعتقد ان الاخفاقات في عالم الحب سببها عدم تمييز الحقيقة؟ ما هو المرجع في ذلك، القلب أم العين؟
ج4: د. بهجت عباس: لا أرى ترابطاً بين (بصيرة القلب وبصر العين) بل أجده بين بصر العين وخفوق القلب، فليس للقلب بصيرة بالرغم من تفسير بعضهم بأنّ (البصيرة) هي (اعتقاد القلب)، بل أني أراها في العقل. وهنا أحبُّ أنْ أذكر أغنية ألمانية شهيرة في السّتينات من القرن العشرين كانت تُغنّى في المراقص والحانات في برلين الغربيّة والشرقيّة حينذاك مُزجت فيها بعض الكلمات الفرنسية تقول حسبما أتذكّر:
Monsieur! Ich habe Sie geliebt!
Mein Herz sagt ja! Mein Verstand sagt nein,
Aber, ich liebe Sie,
Oui! Oui! Chérie!
ومعناها (لقد أحببتكَ يا سيّدي! قلبي يقول نعم، ولكنّ عقلي يقول لا، ولكنّي أحبّك! نعم! نعم! يا حبيبي الغالي!)
فالعين هي التي (تشخِّص) الجمال فيصيب (شعاعُها) القلبَ (العاطفة) بلا رويّة فيخفق بالحبّ! ولكنّ ثمة (قاضياً) أو (حَكَماً) يفكّر ويراقب فيرى إنْ كان هذا (صحيحاً) أو لا يكون! وعند هذا يحدث (الصّراع) أحياناً، والنتيجة إمّا فشلٌ وإمّا نجاحٌ، معتمداً على قوّة القلب (العاطفة) وسدادُ العقل (البصيرة) ومَنْ سيكون المنتصرَ! ففي حال الأغنية المذكورة أعلاه، كان القلب هو المنتصر، وهذا ما يحدث غالباً. هذا ما أرى وقد أكون مُخطئاً، فلست خبيراً في هذا المجال! ولكنْ هناك المحبّ العاجز أو الغادر، وهناك الحبيب الهاجر! يقول عبد الله بن المعتزّ (توفيَّ عام 909 م)
صَدّتْ شريرُ وأزمعتْ هجري وصغَتْ ضمائرها إلى الغدرِ
قالتْ كبرتَ وشِبْتَ، قلتُ لهــا: هذا غـبــار وقائــع الدَّهــــرِ
وعلى العكس تقول الولاّدة بنت المستكفي (الأميرة الأندلسية توفيّتْ عام 1091 م):
أغارُ عليكَ من عيني ومنّـي ومنكَ ومن زمانكَ والمكانِ
ولو أنّي خبأتُـكَ في جفوني إلى يوم القيامـة مـا كفانـي
وهي قائلة هذين البيتين الشَّهيرين
أنــا والله أصلح للمـعــالــــي وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكِّن عاشقي من صحن خدّي وأعطي قُبلتي من يشتهيها
أعتذر عن الإطالة وأجيب عن سؤالك عن ديمومة الحبّ، حسب اجتهادي، ولستُ خبيراً كما قلتُ كأخينا الشاعر الجاهليّ الذي (خصمْها) ببيتين من الشعر:
فإنْ تسألوني بالنساء فإنني بصيـرٌ بأدواء النساء طبيبُ
إذا شاب شعرُ المرء أوقلّ مالُـهُ فليس له من ودِّهـنَّ نصيبُ
ورأيي: إنَّ ديمومة الحبّ هي في تفهّم الطرفين بعضهما البعضَ ومعرفة طبائع كلٍّ منهما منذ البداية، وهذا يعتمد على حسن الاختيار وتحكّم العقل قبل العاطفة في الاختيار فيما إذا يكون انسجام في المستقبل أو لا يكون، والثقة المتبادلة منذ بدء العلاقة واستمرارها طوال مدة العلاقة هامّة جدّاً، فإذا فُقدتْ انتهى كلّ شيء! واستمرارها يعتمد على غضّ النظر عن الأخطاء والهفوات الطفيفة والاحترام المتبادل. أمّا في هذا الزمن فلا تنسَيْ الحالة الماديّة للرجل بصورة خاصّة والنجاح في مهمّته.
س5: ميادة ابو شنب: الشهادات العلمية التي نلتها: صيدلي كيميائي – كلية الصيدلة والكيمياء بغداد 1958. دورات في اللغة الألمانية والبكتريولوجي (ميونيخ- برلين) 1962-1964 - زمالة ألمانية. دكتوراه في الكيمياء الحيوية (نوتنغهام - بريطانيا) 1977. ماجستير في الباثولوجي التجريبي (كلية الطب الملكية للخرّيجين- لندن) 1978.
كعهدنا بك، تطالع النصوص الأدبيّة باللغة الألمانية والأنجليزية وتختار منها بذائقتك الرفيعة ليفوز القارئ بترجماتك التي تضاهي النصوص الأصليّة إبداعاً.
ما هو تأثير الآفاق التي تشرّعها العلوم على قراءة الباحث للنصوص الأدبيّة وصورة تفاعله معها؟ وما هي البصمات التي تركها توغّلك في مطالعة الأدب العالمي على نتاجك الأدبي؟
ج5: د. بهجت عباس: لا تأثير للعلوم على قراءة النصوص الأدبية سوى قراءتها بتمعّن وتأنٍ وفهمها جيّداً. وربّما تخلق (العلوم) الصّبر والعزيمة على المضيّ في القراءة دون تراجع، ويتمثّل هذا في الأمانة والدقّة والمثابرة والصّبر في العمل. ففي العلوم، قد يكون الخطأ مدمّراً أو قاتلاً لتشابه المصطلحات واختلاف الفعاليّة، مما يستوجب الحذر لتجنّب الخطأ. وقد يكِّن هذا الأمر عادة لدى الشخص عند قراءة النصوص الأدبية. ولكنّه ليس لزاماً. فكثير من قرّاء النّصوص الأدبية حذرون وجادّون دون أن يكونوا منخرطين في العلوم. وأنا عندما أقوم بعمل أدبيّ، ترجمة مثلاً، أضع العلم جانباً وأكون شخصاً آخر، فأذوب في القصيدة وأحسَب نفسي كاتبها، فأنقلها إلى العربية بأمانة كما هي مع تغيير بسيط (تجميل) إذا تطلّب الأمر وحسب الفوارق بين اللغتين، وإن شطحتُ أحياناً، فهذا شيء طبيعي، فليس هناك إنسان كامل ولا يوجَد من لا يُخطئ. أمّا في العلوم فترجمتها مثلاً تستوجب أن تكون مطابقة تماماً للنصّ المترجَم دون زيادة أو نقصان، وإنّ أيّ تلاعب بالمعنى قد يكون كارثة.
أمّا تأثير الأدب العالمي عليّ فكثير، منه تجنّب البكاء على الأطلال أو النوح على الماضي أو التغزّل بخيال الصور أو بحبيب وهميّ (هوائي)! أو الحلم بالسّراب بل الواقعيّة والسّخرية من الحاضر بإطلاق الخيال الرحيب! ففيه الصور اللامعة المتباينة ورقّة المعنى بصورة عامّة، فمزجتُ رشاقة المعنى الغربيّة الواقعيّة بفخامة اللغة العربيّة الجميلة، ولهذا حَسِبتِ قصيدتي ترجمة! وهذا لا يعني إنكار بعض الشعر العربيّ الجميل رقّة ونعومة وانسياباً، كما ذكرتُ في الجواب رقم 1 والأمثلة كثيرة.
س6: ميادة ابو شنب: من "الخروج الأخير":
"إني لا أحب العيش مُصفّـداً وتحت مراقبة الأعين وتُحصى عليَّ أنفاسي، وأنا أحبّ الانطلاق في رحاب الحرية ما استطعت، فأنا أعيش في هذه الحياة مرة واحدة، مرة واحدة لا غيرَ، وأريد أن أتمتعَ بهذه المرة، وخصوصاً ما دمت صحيحَ العقل والبدن"
ما نتلقفه من مذكّراتك يتناقض مع عنوان النص: "من همسات الماضي الجميل".
هل حقاً، كانت الحياة، في الماضي، تستظل بالسكينة؟ أم أنّ الماضي يبدو ساكناً مقارنة مع صخب الحاضر وضجيجه؟
اتمنى ان يبوح الشاعر بما يسلط الضوء سيكولوجيا على عنوان النص.
ج6: د. بهجت عباس: كيف عرفت أنّ الماضي الجميل الذي قصدتُه كان عراقيّاً؟ وقد مررتُ بدول عدّة في (أوديسّتي) الحافلة بالمغامرات؟ لم يكن مع الأسف عراقيّـاً بالرغم من بعض الذكريات السارّة بعضَ الشيء. فليس ثمّة (تناقض) بين عنوان القصيدة و(الخروج الأخير)! وهنا أودّ أن أذكر بعض ما حدث آنذاك، وهو، كما ذكرت في ج3 من أنَّ بعض النكات قد تؤدّي بصاحبها إلى الموت، كتلك السيّدة (المذيعة) التي كانت منطلقة بالفرح بين زميلاتها اللائي كنَّ يسردْن النكات، فقالت تعليقاً على أغنية (صدام غالي): خلّينا نسعْـره! (دعونا نضع سعراً له) وكان ثمّة تسجيل واختفاء لها في اليوم التالي، وبعد أيام استلمها أهلها (كومة لحم مقطَّع) في كيس خيش (كَونيّة)! ولم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة بل إحداهنّ. وكان لجارنا البعثيّ المنتمي خوفاً أو زيفاً ولد في السادسة من عمره يغنّي: (شعبنا غالي، لابس قديفة، يمشي بالمنصور بلا وظيفة!) فنهره أبوه بحدّة أن يخرس فوراً. أهذه هي الحريّة؟ وكيف سينشأ هذا الطفل؟ لذا كان نطقنا مراقباً وهمسنا مشكوكاً فيه وأيّا نعمل يدعو إلى الريبة! وممّا زاد الطّين بلّة، كما يقال، كان هناك نقصان أو شحّة في المواد الغذائية، وقد تطلّب هذا ملاحقة (أخبارها) لمعرفة أماكن وجودها للحصول عليها. فكان الواحد منّا بعد الدوام يقضي ساعات طوالاً في التجوال لشراء ما يحتاجه. فالخبز في منطقة المسبح واللحم في الكرّادة والتفّاح في الكرخ والبرتقال في الكاظميّة وهكذا. أمّا المعاملات الرسميّة فتستغرق زمناً طويلاً لإنجازها. ولا تنسيْ، ولو كنتِ غير موجودة هناك، التحضير للحرب العراقية الإيرانية التي أوقد صدّام أوارها. كلّ هذا وغيره، ألستُ محقّاً فيما ذكرتُ في (الخروج الأخير) من الهروب من هذا الجحيم؟ فإنْ لم يكنْ جحيماً، فماذا يكون إذاً؟
ولكنَّ هذا لا يعني أنَّ العهودَ كلّها خلتْ من أيّام جميلة. ففي العهد الملكي مثلاً كانت الحياة بسيطة بعض الشيء وكان الناس لطافاً ومتعاونين، وفي العهد الجمهوري الأوّل كانت أعراس في أوّله انقلبت إلى مآتم في آخره، فلم يفهموا الزعيم عبد الكريم قاسم حقَّ فهمِه ولم يفهمهم هو أيضاً. ونَعِم العراقيّون بأشهر فرح واسترخاء في عهد عبد الرحمن عارف ولكنّه كان عهداً قصيراً، وبدأ العراق يدخل في الظلام البعثيّ الدمويّ المستديم حتّى هذا اليوم من زمن اللصوص والدواعش. فأيّ ذكريات جميلة!؟
وهنا تحضرني أبيات ابن الرومي في (الوطن) التي قمت بـ(تثليثها) أو بردّ يناقضها بعد حادث جسر الأئمة الذي وقع عام 2005 وذهب ضحيّته أكثر من ألف شخص:
(ولي وطن آلَـيتُ ألاّ أبيـعَـه
وألاّ أرى غيري له الدهـرَ مالكـا)
ولكنْ أراه بالـدِّمـاء مُخـَضَّـبـاً
وأُبصِـرُ فيه الصّبـحَ كالّليل حـالـكا
أرى جُـثَـثَ الأطفال فوق تُـرابـه
مُـمَـزَّقـةَ الأوصال تَمـلا المَسـالكا
***
(عَـهِـدتُ به شرخَ الشَّبـاب ونعمـةً
كـنعمـة قـوم أصبحـوا في ظلالـكا)
فأيّ ُ شبـابٍ؟ أيّ ُ عهـدٍ؟ ونعـمـةٍ؟
فقـد أوردَ البـعثُ الأنـامَ المَهـالكـا
هو الموتُ خفـّاقـاً يرفـرف فـوقَـهم،
فيحـصُـدُ أرواحـاً ويرجـع ضـاحكا
***
(وحـبَّبَ أوطـانَ الرِّجـال إليـهمُ
مـآربُ قَـضّـاها الشَّـبابُ هنـالكـا)
بسـجنٍ وتشـريـدٍ وغُـصَّـةِ ثاكـلٍ
وأرمـلـة تشكـو إلى الله سـافكـا
وقد يرجـع الطَّـيرُ الغـريبُ لعُـشِّـه
إذا لم يجـدْ شـوكاً هـنـاك وشائـكا
***
(إذا ذكـروا أوطانَـهمْ ذكَّـرتْـهُـمُ
عـهـودَ الصِّبـا فيهـا فحنّـوا لذلكـا)
عـهـودُ الصِّـبـا كانتْ مـآسـِيَ جمّـةً
فقـد سُـقِـيَـتْ مُـرّاً وخـاضتْ معاركا
وكيفَ يَـحـِنّ ُالمـرءُ للقـيـد بعـدمـا
تحـرَّر من أصـفـاده مُـتَـهـالـكا؟
ميادة أبوشنب: شكراً لك مجدداً الباحث والمترجم والشاعر القدير د.بهجت عباس وشكراً للحوار الممتع، والآن نترك الباب مفتوحا لمداخلات القراء لطرح المزيد من الاسئلة لاثراء الحوار.
المثقف
نص وحوار
ميادة أبوشنب
2015/3/3
.............
النص:
من همسات الماضي الجميل / بهجت عباس
كان يوماً ذِكْرُهُ أجملُ من ورد الربيع الناضرِ
سِحـرُه لمسةُ حُـبٍّ وحنـان ٍ مــن نسيـم سادرِ
شمسُهُ ساطعـةٌ تغزلُ خـيـطـاً لحبيب حــائــرِ
ليس فيه أيّ وهمٍ وأساطـيـرٍ وجهــلٍ غـامــرِ
هي ذي الجنّة خضراءَ تراءتْ لعيون الناظرِ
ترك الدنيـا وما فيها وهاما
لاهثاً لا يرتوي إلاّ لمـامـا
ما الذي جاء بهذا الصَّبِّ من أقصى البلادِ
يسُرع الخطو كطيفٍ فـرّ من طول الرقادِ
ينشُد الحبَّ ويهوى العيش في تلك المِهـادِ
أدمتِ الأشواكُ منه القدمينِ واليدين
لا يبالي أدمٌ أو أدمعٌ في المقلـتيـن
فرأى حُلـمَ الليـالـي باسمـاً يأتـلــق
ناشراً أجنحة الشوق لقلب يخفــقُ
في صباح عبق الورد شذاً واختال غصنُ
ونسيمُ الصّبـح فوق الشجـر الوارف لحـنُ
يا خليلي لم يكن طيفـاً تهادى فـي خـيالـي
بـيـن أشباح ترامتْ وتراءتْ فـي اللـيالـي
إنّما السِّحــرُ الذي شعّ مـن العـيـن وذابـا
في فؤاد حائــرٍ لاقـى مـن الدُّنـيـا عـذابـا
ظامئٍ لا يرتــوي من منهلٍ إلاّ رُضابــا
حينما أبصر في العينين وهْجاً وضِراما
لاحتِ الدنيا له روضاً وأزهاراً خُزامى
ورأى كلّ حوالـيْــه ثغــوراً وابـتسامـا
حَلِيتْ في عينه الدنيا فهاما، وتسامـى
وإذا بالقُـبلة الحرّى على الثَّـغــر تـفـور
وإذا بالرّوح تسري في عروق وتغـور
وإذا بالخــدّ يحـمــرّ كَـورد الجلّنارِ
آه يا فاتنة الكون ويا رمــز النهـارِ
ها هي الدنيا عطــورٌ وأزاهــيـرٌ ونورُ
وغدٌ في الغيب لا يُعرَفُ، همٌّ أم حبورُ
أحياةٌ وحـضـورٌ، أم مـمـاتٌ ونشـورُ
فليكن كأسُ الهوى نشوةَ حبّ لا تبـورُ
***
القلبُ قبل العـيـن لا يعشَقُ**لكـنّـه مــن عـشقــهـا يُــورِقُ
فتورق الأزهار من حوله**أنفـاسُهــا مــن عطـره تعـبَــق
وتبسِم الثغورُ من نرجس**ناطـقـةً مـا السَّحـــرُ لا ينـطِـق
ويملأ الأريجُ رحبَ الفضا**منـه طـيـور الحبّ تستـنـشـق
أغصانـه تمـيـد من نشوة**أزهــارُها فــي خـلسة تــرمُــق
وينتشي الروض بسحر الهوى**من دونه النفـوسُ لا تألـَقُ
والشمس عين في أعالي السّما**تمنـحها النورَ الذي يخلـق
***
في الحقل كانت وردةٌ**وكان حولهـا الزهـرْ
تستقبل النسيمَ جـذلـى**والريـاحَ والمـطــرْ
ومــرّة أبصـرتــها** تبكي بدمـع مُـنهـمِــرْ
قلتُ لها يا وردتي**ماذا دهاك ما الخبـرْ؟
قالت ومن تويجها**بـدا ذبــول واستـمَــرْ
لقد أتـانـي مــرّةً**عصفورُ بَـرٍّ فـي حـذرْ
كان يغنّيني الهوى**ْ في نشوة وفي خفَـرْ
وكان يُبدي الوجـْدَ**ممزوجاً بشوقٍ ووطَرْ
لكنّـه أبصـرنـي**أداعب النـجـمَ الأغَـــرْ
فصار منّي غاضباً**فغادر الروض وفَـرْ
وها أنـا من بعـده** دائـبـةٌ علـى السّهــرْ
أضنانيَ الدَّهـرُ وما**ينفعُ لحــنٌ وسمـرْ
لا تحزني يا وردتي**فكـلّ شيء بـقــدرْ
وابتسمي! إنّ الحياةَ** دأبُهــا خيـرٌ وشرْ
وإن تعيشي بالشَّقا**ينًـلْـكِ بؤسٌ وكَـدَرْ
وتُصبحي أسيرةً**يعيث فيكِ المنـتـصِرْ
فابتسمي! فإنّ في**أكمامك النفحَ العَطِرْ
فأجهشتْ باكـيـةً**بأدمــعٍ عـلـى الأثـرْ
ناطــقَــة بحسرةٍ**والليـلُ داجٍ معتكِــر؛
ما فات من سعادةٍ**أصبح مَـيْـتاً واندثرْ
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.