حوار مفتوح

المثقف في حوار مفتوح مع الأديب ا. د. عدنان الظاهر (7)

 

س69: حمودي الكناني: هل كان المتنبي عنصريا فقصيدته في هجاء كافور تفصح عن ذلك فما قولك؟

ج69: د. عدنان الظاهر: ما كان الرجل عنصرياً لكنه كان نبتة وخلاصة زمانه وظروف ومفاهيم ذلك الزمان .. وكان ينطق بالسائد وما نشأ عليه من منظومات قيم وعادات وأوجه سلوك . لم يحرّم الإسلامُ ملكية العبيد وإنْ حث على تحرير رقابهم  وعبيد ذلكم الزمان هم السود الإفريقيون وأنت تعرف ماذا تعني كلمة " عبد " . ثم ميّزه القرآنُ في أمور كثيرة عن الرجل الحر ووضعه في مرتبة أدنى حتى في مجال العقوبات . لذا ما شذَّ المتنبي عن مفاهيم عصره حين سبَّ كافوراً الإخشيدي ونعته بأبشع النعوت وبعضها يصلح أنْ يكون صوراً كاريكاتيرية تثير الضحك من قبيل:

 

وأسودَ مِشفرُهُ نصفهُ

يقالُ له أنت بدرُ الدجى

 

وشِعرٍ مدحتُ به الكرْكَدنَ

بين القريضِ وبين الرُقى

 

وقد ضلَّ قومٌ بأصنامهمْ

وأمّا بزِقَ رياحٍ فلا

 

أو قوله فيه:

 

وتعجبني رجلاكَ في النعلِ إنني

رأيتكَ ذا نعلٍ إذا كنتَ حافيا

 

وإنك لا تدري ألونُكَ أسودٌ

من الجهلِ أمْ قد صارَ أبيضَ صافيا

 

ويُذكرني تخييطٌ كعبكَ شقّهُ

ومشيكَ في ثوبٍ من الزيتِ عاريا

 

ومثلُك يؤتى من بلادٍ بعيدةٍ

ليُضحكَ ربّاتِ الحدادِ البواكيا

 

س70- حمودي الكناني: رأيتك وجماعة من اصدقائي الشعراء والكتاب شديدي الوطأة على الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد وحملتموه كثيرا حتى قيلت عنه عبارات نابية ومهينة فهل أن في الامر غضاضة أن يجد هذا المرء كل ما يتمناه في كنف هذا السلطان او ذاك الملك او هذا الرئيس، أنا أرى عبد الواحد شاعرا كبيرا وإذا عُدّ الشعراء فلا يُستثنى الرجلُ، وهو بالتالي إنسان، فما مبررات هذه الحملة إذا ما علمنا أنّ حتى جسد صدام حسين كان يخاف من سطوة صدام حسين نفسه؟

 ج70: د. عدنان الظاهر: قليل ما قلتُ وما قال غيري بحق هذا المِسخ عبد وخادم صدام حسين مجرم العصور وسفاح الدهور .

 أنت لا تعرف تأريخه الوسخ حدَّ النتانة وأعجب كبف مثلك يصطف ويتعاطف مع القذارة وتفسخ الفطيس من أمثال هذا المخلوق ! ثم ... قل لي: هل قال جديداً أو أضاف جديداً إلى شعر العمود العربي؟ قل لي ما هو وأين هو . لماذا تعتبره شاعراً؟ هل أتهمك بأنك لا تفهم الشعر الحقيقي أو أنك " دوغما " لا تقرأ إلا أشعار البحور ولا تميّز فيها الشعر الحقيقي وغير الشعر أصلاً ! الموضوع عويص وقد نشرتُ رأيي في صاحبك هذا وفيما نشرتُ الكفاية .

 

س71: حمودي الكناني: لقد دخل الفكر الشيوعي مبكرا الى العراق في الوقت الذي كانت الامية سائدة في المجتمع العراقي وان نسبة 75% أو أكثر كانت تمتهن الزراعة والرعي وكان لرجالِ الدين ومازالوا السيطرة على عقول ومعتقدات الناس مما جعلهم يتصدون لهذا الدخيل الجديد الملحد ...أما كان بالإمكان تغيير مسمى الحزب الشيوعي العراقي الى مسمى آخر يتبنى نفس الفكر لكن بلباس يوائم طبيعة المجتمع انذاك؟

ج71: د. عدنان الظاهر: أثرتَ مسألة أثارها قبلك غيرك . تغيير الإسم ليس ذا شأن كبير فقد أغلقت حكومات العهد الملكي أحزاباً وطنية أو دمقراطية ووطنية مثل أحزاب توفيق منير وعزيز شريف ورحيم شريف بل وحتى حزب كامل الجادرجي " الوطني الدمقراطي " . أما الكلام عن الدين فهل تجهل أنت أنَّ مدينة النجف أنجبت من أنجبت من بين قادة الحزب الشيوعي وأكثرهم شهرة سلام عادل " حسين الرضي "؟ أسألك: من هو الشاعر محمد مهدي الجواهري ثم محمد صالح بحر العلوم وسواهما من شعراء الغري؟ ثم ... أنجبت النجف بعثيين كباراً والبعث حزب علماني لكنَّ رجال الدين في النجف وسوى النجف لم يحرّموا البعث ولم يحاربوه مثلما حاربوا الشيوعية والشيوعيين (ما عدا فتوى محمد باقر الصدر التي كلفته حياته سوية مع شقيقته بنت الهُدى) ... ما تفسيرك لهذه الظاهرة؟ أما الأمية ونسبة المزارعين والفلاحين العالية في العراق فتلك حقيقة ولكن ... من قام بالثورة الصينية بقيادة ماو تسي تونك؟ الفلاحون والأميون وأشباه عبيد الأرض وهذه الصين شاخصة اليوم أمام العالم بنهضتها الجبارة في كافة المجالات ومنها العلمية والتكنولوجية والإقتصادية وفي مجالات الألكترونيات والإتصالات وغير ذلك .

أما فذلكة الإلحاد فتلك أكمة يختبئ وراءها عفريتٌ من الجان . أقول لك الحق: الإلحاد سابق على الماركسية بآلاف السنين والملحدون موجودون في الساحات بشيوعية وبدون شيوعية . وفي صفوف الحزب الشيوعي ملحدون كما فيه عناصر غير ملحدة . وهذه حقيقة تتساوى فيها جميع الأحزاب السياسية غير الدينية وفي كل مكان وزمان . الدين مسألة شخصية لا تتدخل الأحزاب فيها أبداً وعند طلبك لعضوية أي حزب لا يسألونك ما دينك أو ما هي طائفتك أو قوميتك . قيل وما زال القول صحيحاً: الدين لله والوطن للجميع .

 

س72: حمودي الكناني: جيلكم واكب احداثا جساما نكبة 48 والعدوان الثلاثي وجيلنا واكب حرب 67 وحرب 73 وحروب الخليج لكني احيانا أكفر بمسمى الضمير وأقول ان ليس ثمة ضمير لهذا العالم لأنه ينتصر للباطل والظالم ويسحق الفقير صاحب الحق، فما تقول في ذلك يا ابن عبد الكريم ظاهر الظاهر؟

ج72: د. عدنان الظاهر: أقول أنا بكليّتي معك في هذا الشأن . هذا هو زمان طغيان الرأسمالية والجبروت الإسرائيكي ولكن مهلاً وصبراً فلكل ظاهرة في الدنيا نهاية محتومة ونهاية هذا الزمن اللئيم المنافق والأعوج لا بدَّ آتية وإنها مسألة زمن .

 

س73: حمودي الكناني: ثورة 1958 ثورة عظيمة لو انها سارت على ما يرام وأكملت مشروعها وأهدافها لكني من وجهة نظر شخصية بحته رأيتها أم مصائب العراق وكانت خطأً جسيما قضى على حياة برلمانية عراقية لو قدر لها البقاء حتى اليوم لكان العراق بلدا ديمقراطيا حرا ينعم ابناؤه بالأمن والأمان والاستقرار والرخاء الاقتصادي ، ما قولك في ذلك؟

ج73: د. عدنان الظاهر: لا أتفق معك في طرحك هذا . كانت ثورة 14 تموز ضرورة وحتمية تأريخية فرضتها ظروف العهد الملكي الفاسد والمتفسخ والمرتبط بالإستعمار البريطاني ثم بحلف بغداد . ما كان العراق قبل ثورة تموز وطن العراقيين إلا مجازاً . كنا غرباء وطارئين عليه . تتكلم عن حياة برلمانية وأنا كنت شاهد عيان كيف كانت تُجرى إنتخابات البرلمان . كان مجلس النواب هِبة بريطانية تنفذها حكومات عميلة لبريطانيا حتى نخاع العظم وعلى رأسهم كان الوصي عبد الإله ورجال من أمثال نوري السعيد وصالح جبر والمدفعي والسويدي وأحمد مختار بابان وسعيد قزاز وآخرهم عبد الوهاب مرجان . تعثرت حتى سقطت ثورة تموز لأسباب معروفة للجميع أسقطها البعثيون والقوميون بشكل أساسي وكانت بريطانيا وأمريكا وحلف بغداد وراءهم ثم عبد الناصر ... ولا أهمل شأن الأخطاء التي ارتكبها عبد الكريم قاسم وعلى رأسها تفرّده بالسلطة واحتكار إتخاذ القرارات الحاسمة ثم خضوعه المُشين لإرادة اليمين وقطعان المتآمرين عليه وعلى ثورة تموز وبعضهم كان معشعشاً في قلب وزارة الدفاع مثل صالح مهدي عماش ومدير المخابرات العسكرية النجفي الرفيعي . إرتكب قاسم جملة أخطاء قاتلة كانت نتيجتها قتله ودمار العراق وما سال على أرضه من دماء زكية .

 

س74: حمودي الكناني: الهجمة الان استشرست وقضت على الكثير الكثير من لحمة ابناء الوطن الواحد تحت مسمى الربيع العربي، فالحال في تونس وفي ليبيا وحتى في مصر وما يحصل في سوريا هذه الحال عمقت الجراح واندمالها ليس بالأمر الهين ونسيان جراحاتها صعب لان جراحاتها تنز دما ومآسيها فظيعة هل تعتبر سيدي العزيز ما حصل بالعراق من تغيير ربيعا وهل شكل سببا لما يسمى بالربيع العربي؟

ج74: د. عدنان الظاهر: (متى تنتهي أسئلتك أستاذنا حمودي الكناني؟ هددتَ حيلي وليس فيَّ ما يكفي من طاقة للرد على أسئلتك الكثيرة والمتشعبة فمن حرّضك ضدي؟ الأستاذ ماجد الغرباوي يحثني على الصبر وطول البال وتجنب الإختصار في إجاباتي فالويلُ ثم الويلُ لي مما أنا فيه من محنة).

ما جرى في العراق مختلف عمّا جرى في غيره من البلدان التي ذكرتَ . إحتلت أمريكا العراق وحررته من صدام حسين وحلقة ضيقة من أعوانه لكنها لم تحرره من حزب البعث وفلول حزب البعث ورمزهم الأكبر موجود ولاعب نشط اليوم فيما يجري في العراق ... أياد علاوي وصحبه في الحكومة والبرلمان وخارجهما .  ربيع باقي العرب صنعته ثورات حقيقية سالت فيها دماء وسقط فيها شهداء في شوارع العواصم وغيرها من المدن ولكن لشديد الأسف قطف ثمار هذه الثورات من لم يشارك فيها إلا قليلاً وإلاّ في أواخر أيامها . الشعب يثور ويضحي ثم يحكمه البرجوازيون البطرانون والأفندية المثقفون وهذا مصير أغلب الثورات في تأريخ البشر . عن أي ربيع في العراق تتكلم أستاذ حمّودي .. أين هو وما مكانه في تقويم السنين؟

 

س75: حمودي الكناني: أعود الى بغداد والشعراء ، كم كانت بغداد جميلة ترى فيها كل ابناء العراق من اقصى شماله الى اقصى جنوبه هل أنت متفائل بعودة الروح الى بغداد والى لياليها المنعشه على شواطئ دجلة؟

ج75: د. عدنان الظاهر: أنا كما قال أديب فلسطيني: مُتشائل !

ما يذهبُ لن يعود وإذا عاد ففي حلة جديدة وطبع جديد وموازين جديدة فلا من طبعة أو طمغة أو ختَمٍ يتكرر في الوجود ... الكل يتحرك ومن يتحرك يتغيّر . بغداد التي كانت لن تعود وإذا عادت فستكون بغداداً أخرى غير تلك التي تتوقعها .

 

س76: حمودي الكناني: صاروا يصنفون الشعر الى اربعة اصناف:

الشعر العمودي، والشعر الحر، شعر التفعيلة وشعر النثر، لكن الجدل يدور حول شعر النثر ، أولا ما هو الشعر ولماذا سمي بهذا الاسم وثانيا ألا يحق لنا استخدام التسمية "قصيدة النثر" ونرفع كلمة شعر ونعتبرها موازية لقصيدة العمود؟ وهل من الممكن ان تغنى قصيدة النثر هذه وتُطربُ؟

ج76: د. عدنان الظاهر: (ولك حمودي لو إمتحان بكلوريا جان هواية أسهل عليَّ) .. الفَرجُ مع الصبر فليسمعني الأستاذ موسى فَرَج .

شعر التفعيلة هو نفسه الشعر الحر يا كناني لذا فالشعر ثلاثة أصناف ... صحح معلوماتك .

عندما تقول " قصيدة النثر " تضعها شئتَ أم أبيت في خانة الشعر .  هل تُنكر أنَّ زماننا اليوم يختلف عن ذاك الزمان الذي جرى فيه تعريف وتوصيف الشعر والشعراء ... زمان ابن المعتز والجرجاني والجاحط وسيبويه والأخفش والشاعر الأحمر وغيرهم؟

قلتُ قبل سنين في مقارنة بين أصناف الشعر الثلاثة إنَّ قصيدة النثر لا تصلح للمديح والرثاء واللطم والبكاء كما أنها لا تصلح للتلحين كأغنية بسبب إفتقارها للإيقاع الموسيقي وزهدها في القوافي المتشابهة .. وما زلتُ عند رأيي ذاك حتى يثبت ملحنو الأغاني عكس ذلك .

 

س77: حمودي الكناني: وأخيرا استاذي العزيز أبا أمثل ارجو الاجابة باستفاضة عن السؤال التالي " هل نحن جميعا نغني بالكوز؟"

تحياتي لك وللمثقف وكتابه وقرائه وعذرا أني اثقلت عليك وأنت ما انته طويب .... وراح اشوف لي كوز اغني فيه ...سلام

ج77: : د. عدنان الظاهر: هل هذا سؤال يا حمودي؟ اجبنا عليه مسبقا

تريد مني جواباً مستفيضاً على أمر مقياسه " كوز " !! هل أنصفتَ فيما طلبتَ وهل عدلتَ؟ لو أبدلتَ الكوز بالحِب أو الزق أو البستوكة أو ببرميل البيرة لقلت مع الرجل حق ! يا عزيزي ... يغني ندماء الخير والسرور وأخوان الصفاء بكوز وبدون كوز وما الأكواز إلاّ عوامل مساعدة بلغة أهل الكيمياء ومنافعها أكثر من مضارها ....

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

 

[email protected]">[email protected]

 

 

 

للاطلاع

 

حوار مفتوح مع الأديب ا. د. عدنان الظاهر

 

  

 

خاص بالمثقف

 

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

 

............................

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2278 الأحد 18 / 11 / 2012)

 

في المثقف اليوم