حوار مفتوح

المثقف في حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي (229): منطقة الفراغ التشريعي والأخلاق

majed al gharbawiخاص بالمثقف: الحلقة التاسعة والعشرون بعد المئتين، من الحوار المفتوح مع ماجد الغرباوي، حيث يواصل حديثه عن الأخلاق:

منطقة الفراغ التشريعي

ماجد الغرباوي: يقصد بمنطقة الفراغ التشريعي: تلك المساحة التشريعية التي ترك الإسلام ملأها للدولة أو أولي الأمر في إطار أهداف الشريعة. يقول محمد باقر الصدر في كتابه اقتصادنا، وهو يتحدث عن منطقة الفراغ في التشريع الاقتصادي: (إن المذهب الاقتصادي في الإسلام يشتمل على جانبين: أحدهما، قد مُلئ من قبل الإسلام بصورة منجّزة، لا تقبل التغيير والتبديل. والآخر، يشكل منطقة الفراغ في المذهب، ترك الإسلام مهمة ملئها إلى الدولة أو ولي الأمر، يملؤها وفقا لمتطلبات الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي، ومقتضياتها في كل زمان) (ص 400).

وبالتالي تخرج العبادات والمعاملات مادامت الشريعة قد تكفلت ببيان أحكامها، لتختص منطقة الفراغ بما عداها من أنظمة وقوانين، على أساس "شمول الشريعة لجميع مناحي الحياة"، و"ما من واقعة إلا ولله فيها حكم". وإذا كان تعريف منطقة الفراغ التشريعي صحيحا فإن شروط ملئها لا تخلو من بعد أيديولوجي، فتكون مرتهنة في صدقها وعدم صدقها لمقدماتها أعلاه. ولكن هل فعلا ترك الإسلام مساحة تشريعية، وما معنى كمال الدين؟ وهل فعلا خص الإسلام الفقيه أو ولي الأمر يملؤها في إطار أهداف الشريعة أم وفقا لمقتضيات الحكمة ومبادئ التشريع؟. ولماذا لا نقول إن الإسلام شرع مجموعة أحكام وترك للإنسان تشريع ما يحتاج وفقا لمقتضيات الحكمة ومبادئ التشريع؟.

السيد محمد باقر الصدر: فقيه وأصولي وفيلسوف ومفكر كبير، غني عن التعريف، سعى لتأصيل نظرية إسلامية في مجال الاقتصاد وغيره. تعتبر آراؤه من أنضج الآراء العلمية، لذا استشهد بها. وهو أول من استخدم مصطلح منطقة الفراغ التشريعي في سياق تنظيره للمذهب الاقتصادي الإسلامي. إذ يعتقد، (أن تقويم المذهب الاقتصادي في الإسلام لا يمكن أن يتم بدون إدراج "منطقة الفراغ" ضمن البحث..). ويؤكد: (حين نقول: "منطقة الفراغ" فإنما نعني ذلك بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية ونصوصها التشريعية، لا بالنسبة إلى الواقع التطبيقي للإسلام، الذي عاشته الأمة في عهد النبوة). (المصدر السابق، ص400). فنفهم من كلامه، أن الشريعة قد ملأت قسما من الفراغ بأحكام ثابتة، وكلفت ولي الأمر بملء القسم الآخر: (فإن النبي الأعظم قد ملأ ذلك الفراغ بما كانت تتطلبه أهداف الشريعة في المجال الاقتصادي، على ضوء الظروف التي كان المجتمع الإسلامي يعيشها، غير أنه حين قام بعملية ملء هذا الفراغ لم يملأه بوصفه نبيا مبلغا للشريعة الإلهية الثابتة في مكان وزمان، ليكون هذا الملء الخاص من سيرة النبي لذلك الفراغ، معبرا عن صيغ تشريعية ثابتة، وإنما ملأه بوصفه ولي الأمر، المكلف من قبل الشريعة بملء منطقة الفراغ وفقا للظروف). (المصدر نفسه). فهي أحكام إذاً مرنة، تستجيب للواقع ومتطلباته وفقا لرأي ولي الأمر. وليس وفقا لمقتضيات الحكمة ومبادئ التشريع في أفق الواقع وضروراته. والفقيه إنما يصدر أحكامه الولائية، في ضوء خبرته الفقهية والأصولية، وفهمه لمتطلبات العصر والزمان، فلا يخرج عن إطار الشريعة. بل يبقى يستغيث بنصوصها ويطوّع دلالاتها لتستجيب لاسقاطاته. فتبقى الأدلة الشرعية ولو بشكل غير مباشر هي دليله لأحكامه الولائية، إضافة لخبرته ومتطلبات الواقع، فقد يستشير الخبراء لكن القرار الأخير بيده. وتبقى مقاليد الأمور تحت وصاياه وولايته.

بهذا تتضح نقطة الخلاف بين من يرتهن ملء الفراغ التشريعي للفقيه أو خصوص ولي الأمر من الفقهاء، في ضوء أهداف الشريعة. أو ملؤها وفق مقتضيات الحكمة ومبادئ التشريع في أفق الواقع وضروراته، وفي إطار القيم الأخلاقية، ولا خصوصية للفقيه سوى اختصاصه، فيمكنه مشاركة الخبراء في تشريع الأنظمة والقوانين باعتباره خبيرا فقهيا، بعيدا عن ولاياته، بل ولا مبرر لتقديم رأيه على آراء الآخرين ما دام رأيه اجتهاديا، يمثل وجهة نظره المرتهنة لقبلياته. فالفارق بين الاتجاهين كبير. بين من يخص ولي الأمر بملء الفراغ التشريعي وفقا لاجتهاده في إطار أهداف الشريعة، فتكون له الكلمة الأخيرة، وقرار الحسم باعتبار ولايته الشرعية. وتسمى أحكامه في هذا المجال أحكام ولائية، وهي أحكام يتخذها ولي الأمر والقائد الأعلى لملء الفراغ التشريعي، وتكون نافذة على الجميع بحكم ولايته لا بصفته فقيها. فيصدق أنها أحكاما استبدادية. لا يمكن مساءلته فهو ولي الأمر ويعرف من الأمور ما لا يعرفه غيره بحكم قيادته ومركزيته. لذا تنتفي فعليتها بوفاته، ما لم تمضَ من قبل مَن يليه في تولي منصب الولاية. وإذا كان الفقيه يعتقد أن ولايته مجعولة من قبل الشارع، فستكون ولايته مقدسة، وهنا مكمن الخطر، إذ سيكون الراد عليه كالراد على الله، كما في الرواية المعروفة في باب ولاية الفقيه. أما الاتجاه العقلي فيعتقد أن تشريع الأحكام يجري وفق مقتضيات الحكم، ومبادئ التشريع في أفق الواقع وضروراته. فهي قوانين وأنظمة غير معصومة ولا مقدسة. يمكن مراجعتها ونقدها.

وعلى أساس هذا الفارق نسجل الملاحطات التالية:

1- إن التنظير للمذهب الاقتصادي في الإسلام جاء كأحد رهانات السيد محمد باقر الصدر في مشروعه أسلمة المعارف، وإثبات قدرة الدين على إدارة الحياة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

2- راهن السيد محمد باقر الصدر على دلالة كلمة "اكتشاف" أكثر من رهانه على الواقع التشريعي، للتستر على دوره التنظيري في تشييد مذهب اقتصاد إسلامي. فكلمة "اكتشاف" توحي بوجود مذهب اقتصادي ناجز، وما على المفكر سوى اكتشافه. وتجعل من وجوده مسلّمة، لا تثير شكاً وريبةَ، وهي ليست كذلك، غير أن دلالة الكلمة تسلب سؤال الحقيقة معناه. إذ لا معنى للسؤال فكلمة اكتشاف دالة على وجوده مسبقا، فمن يفترض وجود شيء ثم يكتشفه لا يُسأل عن أصل وجوده، لأن عملية البحث ترتكز لوجود مفترض. فالوجود السابق يتبادر لذهن السامع من نفس كلمة "اكتشاف"، لا من واقع الشيء خارجا، وهذا ما يريده بالضبط حينما وظف كلمة "اكتشاف" بدلا من أية كلمة أخرى، لذا وظف السيد الصدر دلالة الكلمة توظيفا بارعا من خلال تأكيده عليها: (وعلى هذا الأساس يمكن القول: بأن العملية التي نمارسها هي عملية اكتشاف، وعلى العكس من ذلك المفكرون المذهبيون الذين بشروا بمذاهبهم الرأسمالية والاشتراكية، فإنهم يمارسون عملية تكوين المذهب وإبداعه)، (المصدر السابق، ص389). غير أن بحوث كتابه اقتصادنا تؤكد دوره التنظيري، بل أن المذهب الاقتصادي في الإسلام هو أحد إبداعاته. وليس كما يقول: (.. المفكر الإسلامي أمام اقتصاد منجز تمّ وضعه، وهو مدعو إلى تمييزه بوجهه الحقيقي، وتحديده بهيكله العام، والكشف عن قواعده الفكرية، وإبرازه بملامحه الأصلية، ونفض غبار التاريخ عنها، والتغلب بقدر الإمكان على كثافة الزمن المتراكم، والمسافات التاريخية الطويلة، وايحاءات التجارب غير الأمينة التي مارست ـ ولو اسمياً ـ عملية تطبيق الإسلام، والتحرر من أطر الثقافات غير الإسلاميّة التي تتحكم في فهم الأشياء، وفقاً لطبيعتها واتجاهها في التفكير. إنّ محاولة التغلب على كلّ هذه الصعاب، واجتيازها للوصول إلى اقتصاد إسلامي مذهبي، هي وظيفة المفكر الإسلامي)، (المصدر السابق). ولا تخفى منطلقات هذا الكلام، ولا تخفى دوافعه. فهو اسقاط لرغبات شخصية وقبليات تكونت في ظل وعي ديني – سياسي.

3- جاءت فكرة الفراغ التشريعي لترميم نقص التشريعات على صعيد المذهب الاقتصادي واقعا، سيما آيات التشريع، فلا تجد سوى ضوابط أخلاقية لضبط سلوك المعاملات الاقتصادية، التي هي بحدود البيع والشراء والرهن والعقود وغيرها. فحرّمت الشريعة الربا: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). واشترطت التراضي في المعاملات التجارية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ). ودعت لكتابة الدين لتفادي ضياع الحقوق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ). والمعروف في الأوساط الفقهية إن أكثر المعاملات التجارية أو ما يسمى بالمكاسب، هي إمضائية. أمضاها الشارع المقدس أو النبي بسكوته، وعلى هذا الأساس تدرس ضمن مناهج الدارسات الإسلامية كالحوزات العلمية. مما يؤكد أنها كانت تجري وفق سياقات عرفية، وتلك السياقات كافية لإمضائها. فكانت قبل الإسلام تبادلات ومعاملات تجارية، وكانت الأسواق تسير بشكل سلسل. وأما النظريات والمذاهب الاقتصادية فهي نتاج عصر النهضة وما بعدها، ولم تكن موجودة سابقا. الإسلام ظهر ما قبل وجود الدولة ومؤسساتها ودساتيرها ونظمها، وجمعها تجارب وتراكم خبرة سنوات طويلة. لذا أخفق المفكرون المسلمون في أسلمتها، ولم تستطع أي دولة بما فيها إيران تطبيق نظام البنك اللاربوي، وعادت أدراجها لنظام السوق الحر، والتعامل بالربا بصيغ شرعية ملفقة، بعضها مقرف حينما يأخذ ربا فاحشا، بعنوان جعالة مثلا. أو غيرها من عناوين الفقه الإسلامي.

4- إتصاف منطقة الفراغ بالفقر التشريعي، سوى الأهداف العامة للدين. فهو يعترف بعدم وجود أدلة لملء الفراغ التشريعي، ولازمه عدم شمول الشريعة الفعلية لموضوعاتها، فمن أين جاء مفهوم الشمول والكمال للدين؟. أليست فكرة منطقة الفراغ مجرد فكرة اجتهادية ووجهة نظر لإضفاء صفة الكمال على الدين وشموله لجميع مناحي الحياة؟. ينبغي أولاً إثبات صحة أقوالهم من خلال أدلة قرآنية صريحة واضحة لتكون مرجعية لجميع الأطراف. أي الخروج من التأويل اللازم لتعدد الآراء إلى وجود نص صريح يحسم موضوع الخلاف، وهذا منتفٍ بالضرورة. الجميع إذاً يتفق على انتفاء وجود أدلة دالة على المطلوب، فيكون الأصل بالنسبة لنا هو البراءة العقلية، وعدم اشتغال الذمة بأي تكليف اتجاهها، فيمكن للخبراء ملؤها وفقا لمقتضيات الحكمة ومبادئ التشريع الإنساني، بعيدا عن احتكار الفقيه للتشريع وقداسة الدين. فيكون التشريع منجزا بشريا يراعي مصالح الفرد والمجتمع والدولة والنظام في إطار أخلاقي ومنظومة قيم إنسانية أعم من القيم الدينية.

5- جعل السيد الصدر إملاء منطقة الفراغ مرددا بين الدولة وولي الأمر. أما الدولة فالتقنين أحد مهامها الأساسية لتنظيم شؤونها وتحديد الحقوق والواجبات ولا ريب في اختصاصها. وجميع قوانينها وضعية تجري وفقا لمقتضيات الحكمة في أفق الواقع وضروراته إلا بعض أحكام الشريعة، إذا نص دستورها على اعتبار الشريعة أحد مصادر التشريع، وهنا نفترض أن المجتمع مسلم. وأما الفقيه، فلا مانع من اشتراكه بتشريع الأنظمة والقوانين بصفته خبيرا فقهيا وأقرب إلى روح الشريعة، بعيدا عن القداسة ودعوى الوصايا باسم الدين. إذ الأصل في الولاية ولاية الشعب على نفسه، ولا دليل على ولاية الفقيه، سوى مقدمات عقدية لا دليل عليها. وبالتالي لا دليل على اختصاص الفقيه بها، إلا من خلال مقدمات كلامية، كالفقيه أولى بحكم اختصاصه وقربه من روح الشريعة. ولا يمكنه احتكار التشريع ورأيه الفقهي لا يعدو كونه رأيا ضمن آراء الفقهاء. بالعكس أن التعدد سيربك التشريع كما تقدم بيانه.

6- اضطر السيد محمد باقر الصدر للفصل بين منصبي النبوة والولاية في سلوك النبي، ليختص الثاني بملء منطقة الفراغ بأمر من الشريعة كما يقول. وولاية الأمر منصب متحرك، بصلاحيات مفتوحة، هي معنى الولاية المطلقة، لا يقف عند حدود النبي بل يتعداه لكل من تصدى للسلطة والحكم، لتستمر مهمة ملء الفراغ التشريعي استجابة للواقع وضروراته. يقول: (غير أنه "أي النبي" حين قام بعملية ملء هذا الفراغ لم يملأه بوصفه نبيا مبلغا للشريعة الإلهية الثابتة في مكان وزمان، ليكون هذا الملء الخاص من سيرة النبي لذلك الفراغ، معبرا عن صيغ تشريعية ثابتة، وإنما ملأه بوصفه ولي الأمر، المكلف من قبل الشريعة بملء منطقة الفراغ وفقا للظروف). فهناك منصب ولاية الأمر لم تنص عليه الآيات التي اقتصرت مهام النبي على التبليغ والبيان والتفصيل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿45﴾ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا). لكن بلا ريب هناك آيات جعلت ولاية النبي إلى جانب ولاية الله. وهناك آية ذكرت ولاية الله ورسوله والمؤمنين. وقد مرّ الكلام تفصيلا حول الموضوع، وأثبت بما لا مزيد عليه من خلال الأدلة، أن ولاية المؤمين تقتصر على دور إداري تنفيذي تحت رعاية وإشراف النبي. (يراجع كتاب مضمرات العقل الفقهي). كما أن الآية مطلقة فأي من المؤمنين مكلف بملء الفراغ التشريعي؟ ومتى كانت صفة الإيمان كافية لإناطة مسؤولية التشريع بالمؤمن بعنوانه؟. لا ريب أن النبي الكريم مارس دور النبوة ودور الولاية، ولا ريب بوجود مجموعة أحكام وتعليمات وإرشادات لتوجيه الحياة الاجتماعية والسياسية، قد صدرت فعلا منه. والسؤال: على أي أساس كان النبي يتخذ مواقفه، ويقرر أحكامه الولائية. هل على أساس الشريعة أم وفق مقتضيات الحكمة؟ أما الشريعة فأحكامها محدودة ولو كان لها رأي في الموضوع لصرحت به ضمن آيات الأحكام. ولا ولاية تشريعية للنبي كما بينت ذلك، وكان إذا سألوه يتوجه بالسؤال لله تعالى. لذا جاءت كثير من الأحكام بعنوان ويسألونك، ويستفتونك. فكان النبي يتصرف بوحي حكمته ومنظومته الأخلاقية، ولا شك أيضا كانت الشريعة تحد من أحكامه، فلا يتعارض معها. وليس بالضرورة أن تكون أحكامه الولائية من وحيها، بل يكفي أن تكون وفق مقتضيات الحكمة ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية وثوابتها، خاصة القضايا العامة التي تهم المجتمع ومؤسساته. وكانت إحدى مهامه تعليم الكتاب والحكمة: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). وما يؤكد مقتضيات الحكمة في ولايته، اكتمال الدين والتشريع: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). فالآية تؤكد كمال الدين وكمال التشريع مادامت مسبوقة وملحوقة بأحكام تشريعية. وليس الدين سوى العقيدة والشريعة. والصدر أيضا يؤكد هذا لكنه يرى أن ذات ولاية ولي الأمر هي مبرر طاعة أحكامه الولائية، فتكون مقدسة، لا يجوز التمرد عليها، بهذا الشكل يؤسس الصدر للاستبداد الديني بحجة الولاية الشرعية. والصدر لمن هو خبير بفكره يراهن على الفقيه في كل شيء. بينما مصدر إلزام الأنظمة والقوانين الوضعية هي مبادئ التشريع والقاعدة الأخلاقية التي ترتكز لها. يجد الفرد نفسه ملزما أخلاقيا بجميع التعليمات القانونية، لتفادي الفوضى وتحقيق العدالة الاجتماعية. كما ثمة فرق أهم هو قدسية الأحكام الولائية التي ينبطق عليها الحديث المتقدم: الراد على الفقيه راد على الله، والراد على الله كالمحارب له، فتترصده العقوبات حد الموت. بينما على الاتجاه الثاني، فإن القوانين والأنظمة كتاب مفتوح للمراجعة والتعديل باستمرار لا لأجل قدسية ولي الأمر بل لتحقيق العدالة.

7- ربما هدف الشريعة من ختم التشريع إعادة مسؤوليته للإنسان، وفق مقتضيات الحكم وعلى أساس مبادئ وقيم أخلاقية وإنسانية. واكتفت بتشريع مجموعة أحكام، ولم تجعل لأحد ولاية تشريعية، كي لا تستغل وتوظف، كما فعل الفقه السلطاني.

8- إن تأكيد السيد الصدر على شرعية وإسلامية جميع وجهات النظر على صعيد المذهب الاقتصادي دليل على عدم وجود مذهب اقتصادي ناجز، وإنما تنظيرات فكرية وفقهية لذا لا يمكنه سوى قبولها جميعا وإمضائها، يقول بهذا الصدد: (.. ووجود صور عديدة له، كلها شرعي وكلها إسلامي، ومن الممكن حينئذٍ أن نتخير في مجال أقوى العناصر التي نجدها في تلك الصور، وأقدرها على معالجة مشاكل الحياة وتحقيق الأهداف العيا للإسلام)، (المصدر السابق، ص416)

 

يأتي في الحلقة القادمة

............................

للاطلاع على حلقات:

حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي

 

للمشاركة في الحوار تُرسل الأسئلة على الإميل أدناه

[email protected]

 

 

في المثقف اليوم