روافد أدبية

هدى توفيق: فاكهة بشرية

هدى توفيقكانت منجة وموزة من عائلة بطيخ، من مركزكفرشكرالقريب من مدينة بنها عاصمة محافظة القليوبية، ولكن يعملان في إدارة معهد أزهري في مركز عاصمة المحافظة، وكانتا منتدبتين من مديرية الشباب والرياضة إلى المعهد الأزهري؛ لقربه من مكان سكنهما، لحياتهما الموزعة بين حجرتين، وصالة صغيرة بمطبخ، ودورة مياه مرعبة التكوين من الشقوق، ودهان الجير الباهت،الذي يتساقط من السقف، علاوة على ماسورة المياة المتسربة على الدوام، بجانب مخرج مقعدة الحمام الأفرنجي.

خرجت موزة على المعاش، وتعاني من الإمساك الشديد، لدرجة أن فضلات الإخراج تتحجر في فتحة الشرج، وتحتاج إلى حقنة شرجية، وعملية جراحية في المسالك البولية، تزوجت وطُلقت ولم تُنجب.

بينما منجة تزوجت وطُلقت، وأنجبت أربعة أولاد، شاب معاق، عمره ثمانية عشر عامًا، وهو الابن الوحيد الذي يسير بكرسي متحرك، رغم أن بقية بناتها في صحة تامة، أكبرهن تزوجت، والأخرتان في المرحلة الأخيرة من إتمام دراستهن الجامعية.

منجة شخصية نكدية، لأقل إساءة لها تدمع، وتظفر الدموع في عينيها، حتى وهي تبتهج، وتفرح، وتضحك أو حتى في الحديث العابر دون مبررأوربما يوحي داخلها بتذكر ذكريات حزينة أو سعيدة، يستجلب دموعها سريعًا وغريبًا لمن ينصت لها، فيتعجب لأمرها بالفعل، حتى أطلقوا عليها منجة أم دمعة.

كانت تطمح أن تعمل في المجلس القومي للمرأة، وتتشدق وتتحدث كما تشاهدهن في التليفزيون وهن يصخبن، ويُعبرن عن حقوقهن، ويتألقن بالملابس والماكياج بين الجلسة، والوقفة،والابتسامات،والجميع يلتقطون لهن الصور، ويقدمون الحوارات الصحفية والتليفزيونية، خاصة المتميزات والناشطات منهن، وتتمنى لو تتخصص بالدفاع عن اقتناص حقوق المعاقين، مثل ابنها المكلومة من أجله.

ولكل من يشبه حالته بشكل أو بآخر، وفجأة تتحول الدمعات إلى دموع منهمرة، وهي تتحسر على حظها الأسود من زواجها السابق لهذا المحامي المعتوه، الذي كان يشتري كتبًا عن أخطار السحر ومميزاته، ويحلم أحلامًا غريبة بالعفاريت، ويدهن جسده بالزيوت المختلفة، ويشاهد بعينيه المخبولتين على حوائط المنزل، علامات الأعمال السحرية، فيتهمها بأنها تعمل له عملًا، ويضربها بالمنفضة التي انكسرت عدة مرات، فقررت ألا تحضر منفضة إطلاقًا، وليحترق تنظيف المراتب والمفروشات، التي تهبدها كل نهاية أسبوع في إجازتها من العمل الوظيفي.

وفجأة تنتحب وتولول على سوء حظها من عضو في المجلس القومي للمرأة، إلى منجة أم دمعة، ثم تنادي عليها موزة، التي تقهرها أفعال أختها المجنونة، من وجهة نظرها، وتُشعرها أنها امرأة كارثية؛ لأنها تعيش مع تلك المرأة عكرة المزاج على الدوام، وهي عالقة في شوال فقرالواقع، وسقف الأحلام الخيالي، الذي يجعلها تعاني نفسيًا، وتغرق موزة في الأسى والحزن من أجلها،فتداعبها بقولها:

- يا منجة ألم تستوِ بعد؟!

فترد وهي ترسم إيماءاتها الحمقاء على شفتيها المبللتين من الدموع، وهي تتنهد:

- آه، أصلي لسه على الشجرة.

***

هدى توفيق - مصر

 

في نصوص اليوم