اخترنا لكم

ديفيد والاس ويلز: الكارثيون

فجأة، أصبح الأمر كما لو أننا واجهنا كائنات جديدة تماماً على شاشات هواتفنا الذكية وجهاً لوجه.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، تدفقت أحاديث الذكاء الصناعي إلى وسائل الإعلام الاجتماعية في أميركا، وإلى حد ما، كوابيسها الجديدة، مع النص تلو الآخر، مما أثار شكلاً جماعياً و«ألفيّاً» مما وصفه ناقد القرن التاسع عشر جون روسكين على نحو لا ينسى بالمغالطة المثيرة للشفقة - أو الميل الإنساني للغاية إلى إسقاط هذه السمات التي نراها سمات أساسية للبشرية على الكائنات غير البشرية. مع «شات جي بي تي» و«بينغ شات»، نحن لا نكتفي بإبراز العمق، أو الشفقة، أو الحياة الداخلية، ونحن نتوسل إليهم لأجل «سرد غزو العراق بكلمات غنائية مناسبة لأميرة ديزني»، أو «شرح لفتى في الرابعة من عمره لماذا صُنع قناع الموت للملك توت عنخ آمون لامرأة»، نحن نقرأ ذعرنا الوجودي الخاص في ردود الروبوتات، ونراها بصورة أقل كحيوانات أليفة مثل العديد من وحوش فرانكنشتاين، حتى عندما يتبعون أوامرنا بكل بساطة.

ما مدى خطورة روبوتات الدردشة؟ إنها لا تزال ترتكب الأخطاء الأساسية بصورة روتينية لدرجة أنه من المبهم، ومما لا جدوى منه، الإشارة إليها بأنها مجرد «هلاوس»، كما يميل إلى ذلك مهندسو التعلم الآلي والذكاء الصناعي.

(هل كانت جرعات الذكاء الصناعي صغيرة للغاية أو ربما مخطئة عندما اقترحت أن ليبرون جيمس كانت لديه فرصة جيدة جداً للفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الأميركي للمحترفين هذا العام؟) إنها عُرضة إلى التضليل، ومنحازة بطرق تقليدية للغاية وإن كانت مزعجة. بعضها مُدرب على قواعد البيانات التي لا تصل إلى يومنا هذا، بحيث إن أي أسئلة حول الأحداث الأخيرة (مثل انهيار بنك وادي السيليكون) من المرجح أن تولد إجابات غير مجدية أو عكسية، مما يجعل من «حالة الاستخدام» الرائدة اليوم لهذه الأدوات، كصورة من صور البحث على الإنترنت، عسيرة الفهم بعض الشيء.

لكن الذكاء الصناعي يُظهر أيضاً بعض التقدم المثير للحيرة بوضوح، ليس فقط في المهام الملموسة، وإنما في تلك المثيرة للأعصاب أيضاً: روبوت الدردشة الذي يستعين بموظف بشري من بوابة «تاسك رابيت»، أو حل كلمة التحقق الآلية، وروبوت آخر يكتب كوداً بلغة برمجة «بايثون» الخاصة به لتمكين «هروبه». هذه ليست أمثلة على استقلالية الروبوت بقدر ما هي انعكاسات لحالة القلق الراهنة - في كل حالة، دُفعت الروبوتات من قبل المراقبين البشر لاختبار حواجز الحماية - ومع ذلك لا يزالون قلقين، في مؤشرات بأن شيئاً غريباً ومزعجاً يحدث الآن.

تتقدم التكنولوجيا بسرعة فائقة، حتى إنه قد يبدو من قبيل الغرور، الاعتقاد بأننا ندرك بالحقيقة ماذا نفعل في خضم ذلك كله. لكن العديد من أولئك الذين قضوا العقد الماضي غارقين في التعلم الآلي يعتقدون أنهم يعرفون، في الواقع، وبأننا بحاجة إلى التفكير بعبارات مزرية للغاية.

من الشائع أن نسمع دعوات ثورة الذكاء الصناعي كحدث مهم مثل وصول الإنترنت، لكن التحضير لزلزال ثقافي مثل الإنترنت شيء، والتحضير لما يعادل الحرب النووية شيء مختلف تماماً. وهو أمر لافت للنظر بصفة خاصة، نظراً للطوباوية المنتشرة بين مهندسي الإنترنت الأصليين، فما مدى البؤس الذي يستشعره أولئك الذين يدخلون المرحلة التالية بشأن العالم الذي يعتقدون أنهم يتكاثرون فيه.

كتب عالم الأعصاب إريك هويل في نظرة تأملية واسعة الانتشار حول الحالة الراهنة تحت عنوان فرعي: «الذكاء الصناعي لدى مايكروسوفت ينذر في الواقع بتهديد عالمي كبير»، يقول: «في المرة الأخيرة كان لدينا منافسون من حيث الذكاء، وهم أبناء عمومة الجنس البشري، مثل الإنسان البدائي (نياندرتال)، والإنسان المنتصب، وإنسان فلوريس أو (الإنسان القزم)، وإنسان دينيسوفا، وغيرهم الكثير». وتابع الدكتور هويل: «لنكن واقعيين: بعد القليل من التزاوج، من المحتمل أننا قتلنا الكثير».

صرخات القلق الأكثر صراحة يتردد صداها عبر الإنترنت منذ شهور، بما في ذلك من إليعازر يودكوسكي، الأب الروحي لوجودية الذكاء الصناعي، والذي أخذ مؤخراً كل ما يمكن أن نسميه «عكس مسار النصر» يأساً من التقدم الذي أحرزه الذكاء الصناعي، والفشل في إقامة حواجز حقيقية في وجه تقدمه المريع. أخبر يودكوسكي اثنين ممن أجروا المقابلات معه أننا قد نكون على أعتاب إنجازات عظيمة في الذكاء الصناعي الخارق، إلا أن الفرص التي سوف نحظى بها لمراقبة هذه الإنجازات ضئيلة للغاية؛ «لأننا سنموت جميعاً». ونصيحته، بالنظر إلى مدى استحالة تصديقه لخروج الذكاء الصناعي بأي نتائج جيدة على الإطلاق، كانت: «الانطلاق للقتال بكرامة».

حتى سام ألتمان، الرئيس التنفيذي اللطيف لشركة «أوبن إيه آي»، الشركة التي تقف وراء أكثر روبوتات الدردشة الجديدة إثارة للإعجاب، قد تعهد علناً «بالعمل وكأن هذه المخاطر وجودية»، وأشار إلى أن يودكوسكي قد يستحق جائزة «نوبل» للسلام لدقه ناقوس الخطر بشأن تلك المخاطر. كما كتب مؤخراً أن «الذكاء الصناعي سوف يكون أعظم قوة للتمكين الاقتصادي، وكثير من الناس سوف يصبحون أثرياء بصورة أكبر مما قد رأيناها في أي وقت مضى»، ثم قال مازحاً عام 2015: «سوف يؤدي الذكاء الصناعي على الأرجح إلى نهاية العالم، لكن في الوقت نفسه، سوف تكون هناك شركات عظيمة!».

بعد عام واحد، وفي موضوع لمجلة «نيويوركر»، كان ألتمان أقل سخرية في الحديث عن مدى بؤس نظرته للعالم. وأقر قائلاً: «أنا أعد العدة للبقاء على قيد الحياة؛ بمعنى مواجهة احتمالات مثل الحشرات العملاقة المصممة مختبرياً، والحرب النووية، والذكاء الصناعي الذي يهاجمنا. وقال: «مشكلتي أنه عندما يسكر رفاقي فإنهم يتحدثون عن الطرق التي سوف ينتهى بها العالم، أحاول ألا أفكر في ذلك كثيراً، لكنني أملك أسلحة، وذهباً، ويوديد البوتاسيوم، ومضادات حيوية، وبطاريات، ومياهاً، وأقنعة واقية من الغاز، وبقعة كبيرة من الأرض في «بيغ سور» بولاية كاليفورنيا يمكنني الطيران إليها».

قد لا تكون هذه وجهة نظر عالمية بين العاملين في مجال الذكاء الصناعي، لكنها أيضاً ليست وجهة نظر غير شائعة. في أحد الاستطلاعات عام 2022 التي استشهد بها كثيراً، سُئل خبراء الذكاء الصناعي: «ما هو الاحتمال الذي تضعونه على عدم قدرة الإنسان التحكم في أنظمة الذكاء الصناعي المتطورة المستقبلية، التي تسبب انقراض البشر أو على نحو مماثل الحرمان الدائم والشديد من تمكين الجنس البشري؟». وكان متوسط التقديرات يبلغ 10 في المائة، واحدة من 10 فرص. وقد صنَّفت نصفُ الاستجابات الفرصَ بأنها أعلى من ذلك.

وفى استطلاع آخر، قال نحو ثلث الذين يعملون بنشاط في التعلم الآلي إنهم يعتقدون أن الذكاء الصناعي سوف يجعل العالم أسوأ. ووصف زميلي عزرا كلاين مؤخراً هذه النتائج بأنها محيرة للغاية: فلماذا إذن تختارون العمل على تطوير الذكاء الصناعي؟

***

ديفيد والاس ويلز - خدمة «نيويورك تايمز»

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في يوم: الاثنين - 4 شوال 1444 هـ - 24 أبريل 2023 مـ رقم العدد [16218]

في المثقف اليوم