الرئيسية

حوار مفتوح مع الشاعر يحى السماوي (3)

60القسم الثالث من الحوار المفتوح مع الشاعر يحيى السماوي بمناسبة تكريمه، وقد اجاب فيه على اسئلة: القاص محسن العوني والشاعر مصطفى المهاجر والشاعر صادق العلي

س26: محسن العوني: (قاص وناقد ومترجم / تونس):ما رأي الشاعر في ترجمة شعره خصة والشعر عامة؟

ج26: ترجمة الشعر من لغته الأم إلى أخرى، لابدّ وأن تُفقِده الكثير من دفئه اللغوي وموسيقاه وخضرته ـ إنها أشبه بعجن رغيف خبز ٍ طازج وإعادة خَبْزِه من جديد ـ وهي مهمة صعبة لايتمكن منها غير خبّاز حاذق ـ أعني لاينجح فيها غير مترجم ٍ حاذق متمكن من اللغتين، لغة القصيدة الأم واللغة المُتَرجَم لها مع معرفة بخفايا الشعر والتشكيل البلاغي اللغوي.

بقدر تعلق الأمر بقصائدي المترجمة، فأنا فقيرٌ باللغة الأجنبية ولست مؤهلا ً للحكم عليها ، لكنني أستطيع الحكم بنجاحها من خلال ماتركته تلك القصائد المترجمة من أثرفي نفوس المتلقين ... فالكتاب الذي أصدرته المستشرقة الأسترالية د . إيفا ساليز قد أعيد طبعه مرتين في استراليا واختارت منه مجلة كلية الفنون والآداب  / جامعة أريزونا الأمريكية خمس قصائد كما تم اختيار عدد من قصائد الكتاب لأنطولوجيا الشعر الأسترالي والسنغافوري ـ وقد علمت من السيدة إيفا أن دار "بيكارو" للنشر ودارا أخرى سنغافورية طلبتا منها ترجمة مجموعة كبيرة من شعري وهي تعمل على إنجازها حاليا ... كما أن مجلة اتحاد الشعر الاسترالي نشرت القصائد التي ألقيتها في ثلاث أمسيات وهي من ترجمة الدكتور الشاعر عادل الزبيدي وصباح جاسم ... ونشرت مجلة جامعة سيدني قصيدة " أذلني حبي " التي ترجمتها الشاعرة الاسترالية " آن فيربيرن " ... وقد ترجمت الأديبة الأردنية " هند أبو العينين "  عددا من قصائدي ، قرأت بعضها في مهرجان الشعر العالمي في ملبورن فنشرت بعضها دوريات أدبية استراليا وكذلك الحال بالنسبة للقصائد التي ترجمها الدكتور صالح جواد الطعمة إيفا ساليز حيث حوّلت المؤلفة الموسيقية " هيلاري كلينينك " أربعا منها  إلى مقطوعات موسيقية ونشرتها في قرص .... وبالنسبة للغة الفرنسية فقد ترجمت الروائية والشاعرة التونسية " أسية السخيري " بعضا من قصائدي ونشرتها في أكثر من صحيفة وحين قرأت بعضها  في مهرجان المتنبي العالمي في سويسرا هي وترجمة أخرى للشاعر المغربي " جمال جلاصي"فقد نالت استحسان الجمهور كذلك الأمر بالنسبة للترجمة إلى اللغة الإيطالية والتي ترجمها الفنان الأديب فوزي الدليمي المقيم في ايطاليا منذ أكثر من ثلاثين عاما والذي سبق وترجم لأدونيس وسعدي يوسف والبياتي ، والأمر نفسه بالنسبة لترجمة الدكتور الشاعر علي الشلاه للألمانية  .

   ثمة مجلة اسمها " كلمات " تعنى بالأدب العالمي وتصدر من سيدني يشرف عليها الدكتور رغيد النحاس ، كانت قد جعلت صورتي غلافا لأحد أعدادها وتناولت تجربتي الشعرية مع مختارات شعرية ترجمها الدكتور رغيد فأخذت مجلة " خمسة أجراس "التي يصدرها اتحاد الشعر الاسترالي بعض قصائدي ونشرتها في عددها الخاص  .

أعتقد أن الترجمة ضرورية لإيصال صوتنا إلى الضفة الأخرى من النهر الإنساني ، والترجمة تغدو إبداعا حين يتصدى لها أدباء مترجمون . 

س27:محسن العوني:ما رأي الشاعر في الدراسات التي كتبت عن منجزه الشعري..وهل سبرت غور قصيدته؟

ج27: جلّ الذين كتبوا عني قد أضاءوا  تجربتي الشعرية المتواضعة وأثروا معرفتي بخفايا الشعر ... فأنا أؤمن أن الناقد بمثابة الدليل للشاعر في رحلته المحفوفة بالكثير من المجاهيل والعثرات  ... بعض النقاد قرأووني أفضل من قراءتي لنفسي وساعدوني على نفض الأوراق اليابسة من شجرتي لتبدو أكثر نضارة وخضرة ... أصدقك القول إنني حين قرأت كتاب د . فاطمة القرني " الشعر العراقي في المنفى .. السماوي نموذجا " استفدت كثيرا  وعرفت نفسي أكثر  ، والأمر نفسه بالنسبة لكتاب السيدة إنصاف الحسني " شعر يحيى السماوي بين الرؤيا والإبداع " والذي هو في الأصل رسالة ماجستير في النقد الأدبي ... وحين قرأت دراسة د . محمد جاهين بدوي عن المرأة والاغتراب في تجربتي الشعرية ـ وكنت حينها منشغلا بكتابة قصيدة جديدة ـ مزّقت القصيدة وأعدت كتابتها من جديد . الشاعر الذي لايهتدي بصره ببصيرة الناقد سيصاب بالعمى الإبداعي ... كل الذين كتبوا عني أنصفوني وأسهموا في نماء فسيلتي .

س: محسن العوني28:ما رأي الشاعر بالنقد عموما ونقد الشعر خاصة؟

ج 28: إذا أردنا من الفلاح أن يقدم لنا ثمرا ً طيبا ً فإن علينا أن نوفّر له البذور الطيبة أولا ... الناقد الجيد بحاجة إلى نص جيد يجري عليه تجاربه في مختبره الابداعي ... حين تتواجد النصوص الجيدة ، يتواجد النقد الجيد .. وحين تنعدم فإن النقد الجيد ينعدم هو الآخر .

بقدر تعلق الأمر بالنقد الأدبي في مرحلتنا  الراهنة ، فإن الواقع المجتمعي والمؤسساتي مصاب بالوهن وبكثير من الأمراض ، وبالتالي فإن الأدب ـ باعتباره انعكاسا للواقع ـ مصاب هو الآخر بالوهن والأمراض ، فمن الطبيعي إذن أن يُصاب النقد الأدبي بما أصاب المجتمع والأدب ... كيف يزدهر الأدب في ظل واقع لاتنفق فيه الدولة على اتحاد الأدباء مثلا ً نصف ماتنفقه على حماية عضو برلمان فاشل ؟ كيف يزدهر النقد الأدبي الإبداعي في ظل واقع يفترش فيه الناقد  كتب مكتبته الخاصة على أرصفة سوق المتنبي كي يوفر إيجار بيته ؟ قبل فترة التقيت أخي الشاعر الأديب وجيه عباس فعرفت منه ومن آخرين أنه أعدّ كتابا موسوعيا لم يسبقه إليه أحد  ومازال يبحث عمّن يموّل طباعته ـ في وقت تطبع فيه هذه الكتلة السياسية أو تلك أطنانا من الورق الملوّث بالشعارات الفارغة والدجل السياسي .. لا أعتقد أن الكتب النقدية التي أصدرتها وزارة الثقافة العراقية طيلة السنوات السبع الأخيرة تتجاوز عدد أفراد حماية  عضو من أعضاء برلماننا ياصديقي !!!

س29: محسن العوني:لو طلبنا من الشاعر الكبير ان يمدنا بمفاتيحه السرية لقول الشعر ويدلنا على عنوان وادي عبقر...ماذا يقول؟

ج 29: المفاتيح موجودة في الشارع ياسيدي ... إنها حياة الناس ... دموع الأرامل والثكالى .. الأمهات اللواتي أنضب القهر والعوز والرعب حليب الأمومة في أثدائهن ... الشباب العاطل عن العمل .... اللصوص الجدد الذين أقاموا امبراطورياتهم المالية في غفلة من الزمن ... سكاكين المحاصصة التي جعلت من العراق أرخبيل دويلات هشة ... اليانكي الأمريكي ... تنانير الخبز التي اتخذت من البعر والروث والسعف وقودا في وطن يطفو على بحيرة نفط ... العاشق الذي يخشى التجول مع حبيبته في حديقة عامة خشية من صاحب لحية كثة أفتى بجواز  حزّ  رقاب العاشقين ... الطفل الذي يختبئ تحت عباءة أمه كلما شاهد سيارة مسرعة ... الأديب الذي نطالبه بالإبداع بينما عائلته تطالبه بتوفير الخبز والدواء والحقائب المدرسية لأطفاله ... المبدعون الذين صدّقوا الوعود فعادوا إلى العراق ليفاجأوا  بكونهم أسهموا في إضافة رقم جديد للعاطلين عن العمل !!

شكرا لك سيدي الأخ الأديب المبدع ... وتهنئة نقية كالصلوات بالعام الهجري الجديد الذي أرجو أن يكون نافذة ضوئية نطل منها على الغد الأبهى.

دمت ودام إبداعك .

س 30: مصطفى المهاجر(شاعر وكاتب / استراليا - برزبن): متى وكيف بدأت فكرة كتابة قصيدة عن الشهيد محمد باقر الصدر (رض)؟

ج 30: أخي العزيز الشاعر المبدع مصطفى المهاجر: كان والدي رحمه الله من أصدقاء حجة الاسلام والمسلمين الشهيد الشيخ  مهدي السماوي وشريكا لشقيقه الشيخ سلمان في حانوت بقالة ... وكان من بين طلابي في اعدادية السماوة علي بن الشيخ مهدي رحمه الله ... وبحكم هذه العلاقة كنت دائما أزور الشيخ مهدي السماوي وأتحدث معه في الأدب واللغة وعبره عرفت فكر آية الله العظمى المفكر محمد باقر الصدر ... وحين علمت بإعدامه تأثرت وحزنت كثيرا وكنت  قد استطعت الحصول على مؤلفيه  الكبيرين " فلسفتنا " و"اقتصادنا"  ... وحدث في معسكر  رفحاء أن أقمنا أمسية شعرية فوجدتني أقرأ هذه القصيدة التي لم يسبق لي أن قرأتها من قبل لأن قراءتها تعني التأرجح من حبل مشنقة ... بسببها .

س 31: مصطفى المهاجر: هل حصلت مشاكل او مضايقات بسببها؟

ج 31: لا لم أتعرض لمضايقات بسببها.

لك شكري  المشفوع بتهنئتي الحميمة بالعام الهجري الجديد .

 

س32: صادق العلي (كاتب وشاعر/امريكا):في عصر التأثير البصري واقصد التكنولوجيا وما يرافقها من ابهار للعقول...وفي اغلب الاحيان تصل هذه التكنولوجيا بسهولة الى المتلقي ...هل تجد الكلمة نصيبا في عقول الشباب او الاجيال المقبلة؟

ج32 : أخي الشاعر المبدع صادق العلي : حين شاع استخدام الشبكة العنكبوتية ، توقعتُ أن تشهد الصحافة الورقية انحسارا طالما أن بمستطاع القارئ قراءة الصحيفة أو المجلة في حاسوبه ... لكن المفاجأة حدثت لي حين سألت صديقي الصحافي " جاسر الجاسر " مدير تحرير صحيفة الجزيرة فاتضح أن مبيعات الصحيفة تنامت ولم تنحسر كما كنت أظن ... ثم سألت السؤال نفسه الصحافي " حسن صبرا " رئيس تحرير مجلة الشراع اللبنانية فكان جوابه نفس جواب سابقه ـ بل وأخبرني أن مجلته أجرت استطلاعا فاتضح أن نسبة القراء من الشباب هي الأكثر .

السؤال نفسه سألت به الشاعر " سامي أحمد " صاحب دار التكوين للنشر والتأليف والترجمة فأخبرني أن عدد الاصدارات قد تضاعف عما كان عليه قبل انتشار الشبكة العنكبوتية ... وأعتقد أن الشبكة العنكبوتية قد أسهمت في انتشار الكتاب الورقي لأنها وفرت وسيلة مجانية للإعلان عنه ـ فكثير من القراء يعرفون بالإصدارات الجديدة بواسطة الشبكة فيسرعون لانتقائها من المكتبات  .

س33: صادق العلي:المستجدات في الشعر واقصد هنا القصيدة النثرية او المدورة او حتى الايجاز في الصورة الشعرية او في القصيدة بشكل عام هل هو تطور طبيعي في مواجهة الصورة والتكنولوجيا على اعتبار انه زمن السرعة ويجب على الشاعر ان يوجز القصيدة او في الصورة الشعرية كي يلحق بركب المتلقي؟

ج 33: يقول منظر الحداثة الأمريكية كليمنت جرينبرغ: كل الأعمال الأصيلة تبدو للنفس قبيحة في البدء.

ويقول الفيلسون البريطاني برتراند راسل : (لا تخش ان تكون شاذاً في آرائك، فكل رأي مقبول اليوم، كان شاذاً يوما ما.

لقد شنّ الكثير من الأدباء واللغويين حربا شعواء على شعر التفعيلة ونعتوا بدر شاكر السياب ونازك الملائكة والبياتي والحيدري بنعوت شتى ـ لكن قصيدة التفعيلة استمرت في النماء لأنها تمتلك مقومات الحياة وتستجيب لمتطلبات العصر ... الشيء نفسه بالنسبة للقصة القصيرة جدا واللمحة الشعرية أو القصيدة الومضة ...

  أعتقد أن القارئ يقبل على النص الذي تتوافر فيه شروط الابداع  بغض النظر عن طوله وقصره ... فقصائد محمود درويش كانت طويلة نسبيا لكنها كانت تستقطب القراء أكثر مما تستقطبه القصائد القصيرة لشعراء آخرين ...

شكرا لك مع محبتي واعتزازي وتمنياتي لأشجارك بالمزيد من عناقيد الابداع ..

 

 

 

 

 

القسم الثاني من الحوار

القسم الرابع من الحوار

...........................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف تكريم الشاعر يحيى السماوي، الخميس 1/1/1431هـ - 17/12/2009)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم