الرئيسية

حوار مفتوح مع الشاعر يحى السماوي (6)

 

س 47:صالح الطائي (كاتب وباحث في الشؤون الإسلامية/العراق):الحبيب الغالي يا من انغرز نصل حبه في قلبي  فعاشر النبض وعانق الشغاف وأختلط بالنفس النازل لينتشر في كل أرجاء الروح ويعمر قلبا أوجعه هم السنين فلم يعد يبدي سوى الألم ..  عن صحتك هل تعتني بها كما تعتني بكلمات قصائدك، وإذا كان الجواب بالنفي أعلمك أنك لست ملكا لنفسك كي تفرط فيها فأنت ملك للعراق كل العراق وكلنا نحملك مسئولية الحفاظ على يحيى السماوي؟

 ج47: لقد بدأ التدحرج من السفح نحو الوادي ياصديقي ولن يكون بمستطاع  عشب "العطارإيقاف هذه الدحرجة ، فالستون زرعٌ  حان حصاده ، ولا ثمة ما أرجوه غير حسن العاقبة .. من حسن حظ ابن آدم أن رب العزة والجلال غفور  رحيم كريم ...

 أنقل إليك واقعة ً كنت شاهدها ياصديقي الذي عرفته "صالحا  في الزمن "الطالح" أيام كنا نتبادل أحاديثنا همسا ً خشية أن يسمعها شرطة الكلية المتخفون بملابس الطلبة : عام 1992 خلال تأديتي مناسك الحج ، لفت انتباهي رجلٌ كان رديفي في مكان الاستراحة  على صعيد عرفات قد لايكون  عمره أكمل  خمسين دورة شمس ... كان يجهش بالبكاء حين يصلي .. وينتحب حين يدعو .. ويبكي حين يُبسمل ويسبّح ... تجرّأت فتطفلتُ بسؤاله  عن سبب بكائه المستمر وعما إذا كان قد ارتكب معصية في حياته .. أجابني وعيناه ممطرتان حاشاني من هذا ، فما تخلفت عن تأدية صلاة وصوم منذ أكثر من ثلاثين عاما و لكنني أشعر بالحياء من ربي لأن إيماني كان ضعيفا ... ازدادت فضوليتي فسألته : كيف تكون ضعيف الايمان وأنت لم تنقطع عن صلاتك وصيامك منذ أكثر من ثلاثين عاما ولم ترتكب معصية في حياتك كما تقول؟ أجابني: قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم " مَنْ رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ...  وأنا  كنت أرى كل يوم ٍ عملا منكرا دون أن أمتلك الارادة فأعمل على تغييره بيدي أو لساني فكنت أكتفي بشجبه في قلبي لضعف إيماني) ... أقسم ياصديقي الطائي صالح ـ يومها بكيت بكاء مثكولٍ بوحيده  خجلا ً منه ومن نفسي وليس من ربي فحسب ، وخاط الصمت فمي .. فما عساني أقول وأنا الذي كنت أحفظ  عن ظهر طيش أسماء حانات بغداد  ونواديها الليلية ولم أفترش سجّادة الصلاة إلآ بعد أن لدغني ثعبان القدر بوفاة  طفلي إثر حادث صعق كهربائي ؟ الصحة عندي غدت رضوان الله ياصديقي ، فعسى أن يكون لي من حسن العاقبة نصيب  ..

  

س 48:صالح الطائيأجدت وأبدعت شعرا فهل كتبت نثرا غير السياسة وكيف ممكن الحصول على نماذج منه؟

 ج 48:كتبت نثرا أكثر مما كتبت من الشعر ... كتبت نثرا عاطفيا كثيرا وأصدرت منه كتاب "مسبحة من خرز الكلمات" وثمة في النية إصدار كتاب آخر وضعت له عنوان "مناديل من حرير الكلمات" ... حين أنتهي من إجاباتي عن أسئلتك الكريمة هذه ، سأكتب لك إهداء على نسخة من ثلاث نسخ ـ هي كل ماتبقى عندي من مسبحة من خرز الكلمات، وسأحملها إليك بيدي في غد قريب  بإذن الله مع كتاب آخر كنت قد كتبت عليه إهداء لك في وقت سابق من الشهر الماضي حيث كان مقررا سفري إلى العراق لولا أنني ارتأيت تأدية مناسك العمرة مع زوجتي وابنتي فتأجلت زورتي للعراق .

 

س 49: صالح الطائي: الغربة  كما هي  سيف يحز عبق روح الشاعر هي أيضا إلهام مبدع ومحفز فما مساحة كتاباتك عن الغربة نسبة إلى كتاباتك الأخرى؟

 ج49:كتبتُ ذات ضجر في الغربة :

 مانفعُ عينين ِ

يشعُّ فيهما اخضرارْ

 

مادمتُ

لا أميّزُ الليلَ من النهارْ

 

في مُدُن ٍ ضاحكة ِ العشب ِ

ولكني غريبُ الدارْ ؟

 أزعم ياصديقي أن مداد الغربة قد وشم جلَّ كتاباتي إنْ لم يكن كلها ..

  

س 50:صالح الطائي:هل كتبت شيئا من المراثي الحسينية وأين ألقيتها؟

 ج 50:الصدق أقول أيها البعيد القريب إنني لم أكتب قصائد  حسينية بمعناها المنبري المباشر لكنني كتبت الكثير من القصائد التي تتضمن الفكر الحسيني كقصيدة " يا آل ياسر " المنشورة في مجموعتي " قلبي على وطني " وقصيدة "نداء إلى أبي ذر الغفاري" ... وثمة قصائد كثيرة تتضمن هذا المنحى كقولي في قصيدة " عصفا بهم "من مجموعتي" نقوش على جذع نخلة " مخاطبا الشعب العراقي :

 

حاشاك تنثرُ  للغزاة ورودا

فلقد خُلِقتَ كما النخيل عنيدا

 

لازال فيك من " الحسين " بقيّة ٌ

تأبى تُبايعُ في الخنوع " يزيدا "

 

هذا لايعني أن كتابتي كانت طائفية ... فالحسين عليه السلام لم يكن طائفيا ... كان مثالا سماويا ً / أرضيا ً للتسامح وكفى به رمزا لهذا التسامح الخرافيّ والأسطوري أنه بكى على أعدائه خوفا عليهم من جهنم .... أرأيت مقتولا يبكي على مصير قاتله ؟

 

س 51:صالح الطائي : ما تمثل المرأة ليحيى السماوي؟

 ج 51:إذا كان الرجل زهرة ، فإن المرأة هي عطرها ... وإذا كان الرجل سفينة فالمرأة هي الشراع والموجة والريح ( أنا لا أقصد البعد الفرويدي في تعبيري هذا ، إنما أقصد البعد الإلهي كما ورد في  سورة النساء وسورة البقرة وسورة المائدة، والنور، والأحزاب، والمجادلة، والممتحنة ...)

هل كانت شجرة حياتي ستنتصب لولا رَحِم الأرض الذي انفلقت فيه البذرة ؟ المرأة هي رَحِمُ الأرض بالنسبة لشجرة حياتي المثقلة الأعذاق بعناقيد الطفولة والعشق والصداقة والأمومة وبزهور المسرة والحلم والأمنيات ....

 

س 52:صالح الطائيبعد أن فارقتك ثلث قرن عثرت عليك بواسطة صحيفة المثقف فكيف برأيك ممكن أن نرد جميل هذه الصحيفة وهل فكرت أن تهديها قصيدة عرفانا بالجميل؟

 ج 52:سيبقى العصفور عاجزا عن ردّ جميل البيدر أو الشجرة ... أنا لست عصفورا ياصديقي ... لكن صحيفة المثقف قطعا  هي شجرة المحبة التي أفاءتني بظلها النديّ ، والبيدر الذي ملأ حوصلتي بقمح السرور .. فأين لي باللغة القادرة على نقل مشاعر امتنان العصفور للشجرة والبيدر ؟

 

س 53:صالح الطائي: ما رأيك بملف التكريم وهل يعتبر هذا الأمر مؤشرا على تبدل النظرة للمبدعين؟

ج 53: لي يقين أن  حديقة صحيفة المثقف ماكانت ستكون الرائدة في هذا المجال لو لم يكن  حارسها وفلاحها أديبا  يأمر بالإبداع وينهى عن الجهالة هو الأخ أبو حيدر ، ومعه ناطورة ٌ قد رضعت مكارم الأخلاق والفضيلة مخلوطا مع لبن الأمومة هي الشاعرة خلود المطلبي ... طوبى للإبداع بهما ... وطوبى بهما لقلبي وأبجديتي .

  

س 54:صالح الطائي: أنت وأنا دخلنا الستين وناءت قوانا بحمل السنين فماذا تقول للستين وللقادم من السنين؟

 ج54: أقول صادقا ً وربي:

 مابينَ يقظة ِ غافل ٍ وكرى

مرَّ الشبابُ .. فليته اصطبرا

 

أغوى سرابُ نضارتي نظري

فركبتُ دربا ً موحشا ً خَطِرا

 

ياويحَ نفسي من غد ٍ خَسِر ٍ

إنْ كان حاضرُ يومِها عَثِرا

 

أسفي على مامرَّ من زمن ٍ

سامرتُ فيه الوهمَ والبَطرا

 

ماضيك كحاضرك ياصالح ... عرفتك في ماضيك قانتا ً مؤمنا تنسلّ إلى مصلى الكلية لأن الصلاة عندك كتاب موقوت فطوبى لك بالحسنيين بإذن الله ... أما أنا فأسأل الله أن يكون من لي حسن العاقبة نصيب ..

س55: محسن العوني (قاص وكاتب / تونس): الشعرية ..هل تعتبرها حكرا على الشعر أم هي قاسم مشترك بين جميع الفنون ..؟

ج55: الشعرية موجودة في كل الفنون ياصديقي ... فكما يصح اعتبار القصيدة لوحة تشكيلية مرسومة بالكلمات، فإنه يصح اعتبار اللوحة التشكيلية قصيدة مكتوبة باللون، والقطعة الموسيقية قصيدة مكتوبة بالنغم .. الفنون كلها تشكل قوس قزح ألوانه الكلمة والفرشاة والإزميل والنغم .. بل ان الصوفيين ينظرون إلى الكون على أنه قصيدة ربانية .

 

س56: محسن العوني: لو يحدثنا الشاعر الكبير الأستاذ يحيى السماوي عن علاقته بباقي الفنون ..الرسم و الموسيقى والمسرح والرواية و لسينما و..و..و

ج56: على رغم حراجة السؤال، سأجيب عليه بالصدق كله: أحببت الرسم والموسيقى ـ غير أنهما وجداني غير مؤهل لهما فطرداني من قبيلتيهما ... فعلى صعيد الرسم، حدث ـ حين كنت طالبا في متوسطة السماوة ـ أن رسمت " بطة " تسبح في نهر ... لكن مدرس الفنية الأستاذ "ثامر الدهان" حين رأى لوحتي سألني: هل هذه بطة أم نعجة؟

أما بالنسبة للموسيقى فقد كنت وأنا صبي أسهر في شهر رمضان مع رفقتي من أبناء الجيران حتى وقت متأخر من الليل لكي نشاهد "المسحراتيين" وهم يقرعون الطبول والصنوج النحاسية بنغمات معينة ... وحدث أن جرّبت حظي في العزف على صفيحة نفط فارغة في ظهيرة أحد الأيام داخل بيت جدي لأمي حيث كنا نقيم، وكان خالي "رسول" رحمه الله نائما في سرداب البيت لأفاجأ به قد استيقظ من قيلولته ـ بسبب عزفي ـ ليصفعني ويشدني من أذني شدّا مبرحا ـ ومذ ذاك اليوم لم أجرب حظي مرة أخرى في تعلم العزف على صفيحة نفط أو آلة موسيقية، غير أني حاولت تعلم العزف على العود على يد ابن عمة والدتي وهو الملحن العراقي وعازف العود المعروف "عبد الحسين السماوي" لكنني غادرت العراق في ذات الفترة التي التي عقدت فيها العزم على التعلم (والطريف أن قريبي عبد الحسين قد لجأ إلى استراليا وسكن مدينة سيدني قبل بضع سنين وأحيانا يزورنا في أديلايد ليقيم معنا بضعة أيام على أمل تعليمي العزف على العود لكنني أستثمر وجوده معنا للإستماع إلى صوته الشجي وألحانه الجديدة .. وقبل فترة قصيرة جلبت معي من دمشق جيتارا وكمانا وربابة ونايا ً لابنتي سارة التي لها بالموسيقى شغف وفطنة وأتوقع أنها ستعوض عن فقر أبيها الموسيقي .

 ماذا بعد؟ المسرح والسينما؟ المسرح لم أجرب حظي به ... لكن لي مع السينما حكاية:

توجد أيام صباي وفتوتي دار سينما واحدة في السماوة ... أتذكر أن سعر البطاقة كان عشرين فلسا للصبيان وأربعين فلسا للكبار ... هذه السينما كانت بائسة حقا ... على مَنْ يدخل لمشاهدة الفيلم، أن يحمل معه ثلاثة أشياء ضرورية .. هي: مطرقة، مكنسة، وكتاب الله " القرآن " ... المطرقة لكي يُعالج مسامير المقاعد الخشبية ... المكنسة لكي ينظف القنفة " المقعد الخشبي الطويل " لأن صالة العرض الصيفي تستعمل في النهار حظيرة للأغنام .. وأما القرآن فلكي يقسم به بعد انتهاء الفيلم قائلا: وحق هذا القرآن لن أدخل هذه السينما مرة ثانية حتى لو كانت البطاقة مجانا !!

دخلت السينما أول مرة في حياتي بصحبة خالي "رسول" .. كان اسم الفيلم "طرزان" بطولة " جوني ويسمولر " ... تأثرت بالفيلم فعلا ... ففي اليوم الثاني وجدت نفسي أخلع دشداشتي (كي أبدو مثل طرزان) وأتسلق نخلة بيت جدي ممسكا بسعفة من سعفاتها وأنا أصيح بكل قوتي آآآآآآآآآآآآآآآ ... آآآآآآآآ ـ مقلدا صوت طرزان ـ فإذا بالسعفة تبتعد بي عن الجذع قليلا ثم تعود بي لأرتطم بالجذع ومن ثم أسقط إلى الأرض ووجهي مليء بالكدمات وأنا أصرخ باكيا من الوجع ...

 ماذا بعد؟ و؟ و؟ أظنك تقصد بإحدى هذه الواوات "الرياضة أليس كذلك؟

 حسنا: لي صديق طفولة وصبا وفتوة هو الأخ المناضل "جاسم علي هداد" المقيم في السويد حاليا ... قبل فترة حاول تذكيري بلقب أطلقه عليّ زملائي في المرسة وهو: " يحيى عباس الطوبجي همْ خطاطْ وهمْ كولجي " ويعني أنني خطاطٌ وحامي هدف ... فقد كان خطي جميلا وخاصة خط الرقعة والنسخ ـ وقد خططت فعلا بضع لوحات مجانا ... لكنني قد فشلت كحامي هدف فشلا ذريعا في سباق مدرستنا " المأمون الإبتدائية للبنين " ضد " مدرسة الرشيد الابتدائية للبنين " ... ففي الشوط الأول دخلت الكرة شباكي

أربع مرات ... وقبل انتهاء الشوط الثاني أصبح عدد الأهداف المسجلة في مرماي سبعة فتركت المرمى وهربت خوفا من معلم الرياضة الأستاذ " علي مجيد " ... من يومها لم ألعب كرة القدم كحارس مرمى مرة أخرى ـ لكنني لعبت كرة السلة لكوني طويل القامة نسبيا ـ ومع ذلك فقد كان المدرب في أكثر المباريات يُجلِسني على دكة اللاعبين الاحتياط (يعني أبقى بانتظار ان يسقط أحد اللاعبين وتنكسر رجله حتى ألعب بمكانه)

 لك شكري ومحبتي أخي الأديب المبدع محسن العوني ...

خالص الشكر للشاعر الكبير الذي يغرينا بسعة صدره و أخلاقه العالية على طرح المزيد من الأسئلة يقينا منا بالاضافة التي ستحملها ردوده و امعانا في إثراء الملف المتميز حقا و صدقا محسن العوني .- أبو عزيز - تونس

 

 

 

 

 

 القسم الخامس من الحوار

القسم السابع من الحوار

 

...........................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف تكريم الشاعر يحيى السماوي، الخميس 1/1/1431هـ - 17/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم