الرئيسية

حوار مفتوح مع الشاعر يحى السماوي (8)

 

س74: سلمى بلحاج مبروك (مديرة مجلة ملتقى ابن خلدون للعلوم والفلسفة، كاتبة وشاعرة / تونس):كيف ينظر الشاعر يحي السماوي لإبداع المرأة؟ هل باعتباره إبداعا متفردا وفريدا قادرا على الصمود بمفرده وأن المرأة بإمكانها أن تثبت ذاتها كمبدعة باستقلال عن دعم الرجل المثقف لها أم أن كل امرأة مبدعة بحاجة إلى من يأخذ بيدها؟

ج74: نظرتي إلى إبداع المرأة هي ذات نظرتي إلى إبداع أخيها الرجل ... هما معا طرفا معادلة الإبداع الإنساني .. كلاهما يتأثر إبداعه بالظروف المحيطة ... فكما أن إبداع الرجل لايتأثر بدعم المرأة من عدمه، فإنّ إبداع المرأة لايتأثر هو الآخر بدعم  الرجل من عدمه ـ لكنّ الإبداعين يمكن أن يتأثرا ـ، إلى حدّ ما ـ بدعم النظام المؤسساتي من عدمه .. فالجانب الأكثر أهمية هو إرادة الأديب سواء أكان رجلا أو امرأة ..

على سبيل المثال: لقد أبدعتْ نازك الملائكة وعاتكة الخزرجي في العراق  وجليلة رضا وسهير القلماوي في مصر وليلى بعلبكي في لبنان وفدوى طوقان في فلسطين رغم أن هؤلاء المبدعات عشن في ظل مجتمعات أبوية يتسيّد فيها الرجل في صنع القرار وتنفيذه إنْ على صعيد السلطة المجتمعية أو الأسروية ... كان إبداعهن وليد إرادتهنّ ومواهبهن معا .

 

س75: سلمى بلحاج مبروك:كيف تقيمون تجارب المرأة المبدعة في عالمنا العربي؟ هل وصل أدبها إلى مستوى أن يصبح لدينا أدب نسائي متميز يستحق المتابعة ويستحق الارتقاء إلى مستوى التجربة الأدبية العالمية؟

ج 75: بالنسبة لي شخصيا، أنا ضدّ تقسيم الأدب إلى أدب نسوي وأدب رجولي، وبالتالي لا أنظر إلى أدب المرأة إلآ باعتباره أدبا إنسانيا بغض النظر عن الجنس ـ وهي نفس نظرتي إلى أدب الرجل ... أعتقد أن المرأة العربية قد نجحت ـ إلى حدّ ما ـ  في الوصول بأدبها إلى مستوى التجربة الأدبية العالمية ... فليلى بعلبكي قد تُرجمت أعمالها إلى الإنكليزية والفرنسية .. ونوال السعداوي قد تخطى نتاجها الإبداعي حدود لغة الضاد ... واستطاعت الشاعرة اللبنانية جمانة حداد والجزائرية أحلام مستغانمي وغيرهما أن يجدن قراءً كثيرين لإبداعهما من غير الناطقين بالضاد .. نجحن بجهود شخصية وليس بدعم الرجل أو المؤسسة الرسمية العربية .. ويقينا أن الانتشار عالميا سيكون أكثر لو وجدت المرأة الأديبة دعما مؤسساتيا من قبل المؤسسات الثقافية الرسمية  .. قبل أسابيع زرت الشاعرة والروائية والمستشرقة الأسـتـرالية الدكتورة  "إيفا ساليز" بعد عودتها من رحلة طويلة إلى دول البلقان حيث أمضت شهورا على حساب الحكومة الأسترالية لتعد بحثا أدبيا ولتكمل فصلا من روايتها  تدور أحداثه خارج استراليا ... ترى لو كانت إيفا ساليز  مواطنة مصرية أو عراقية أو ليبية أو سعودية أو مغربية هل ستمنحها الجامعة التي تعمل فيها إجازة لبضعة شهور  بكامل مرتبها كي تُنجز بحثا خارج بلدها؟ أعتقد أنها لو تقدمت بمثل هذا الطلب إلى  الجامعة التي تعمل فيها، فإن طلبها سيعود إليها وقد كتب عليه المسؤول الحكومي ملاحظة تقضي بعرض الأديبة على طبيب نفسي للتأكد من سلامة عقلها !!

 

س76: سلمى بلحاج مبروك:ما رأيك في من يتهم الثقافة العربية بكونها ثقافة تبخس ذات المرأة كإنسان وكمبدعة وأنه ليس هناك ذات نسائية حقيقية ومن هنا ينظر إلى العمل الإبداعي النسائي على أنه من درجة ثانية؟

ج 76: من المصادفات أنني قرأت قبل دقائق في المثقف موضوعا كتبه الباحث النفسي الأديب أ. د. قاسم حسين صالح ـ وكأنّ به قد كتب ـ وبشكل غير مباشر ـ جوابا على سؤالك النابه والفطِن هذا ... إن من طبيعة المجتمعات الذكورية النظر إلى المرأة نظرة غير منصفة .. فهي كما جاء في مقال الأخ الأديب أ. د قاسم: (تعاني استلابات: عقلية وسياسية واقتصادية واجتماعية، واستلاب عقائدي الذي هو أخطر من الاستلاب الجنسي، فضلا عن قهر متعدد الابعاد ووضعيات مأزقية وازمات نفسية وعنف جسدي ونفسي، وتشريط استهدف طمس طاقاتها الذهنية واقناعها بدونيتها ازاء الرجل وتبعيتها له في علاقة تحددها قوة قانون تمنح الرجل أغلب الحقوق وتفرض على المرأة أغلب الواجبات.) ..

 

س77: سلمى بلحاج مبروك: هذا السؤال يتعلق بمسألة التجديد في الشعر فهل تعتبر أن القصيدة النثرية مؤامرة على قصيدة التفعيلة كما يظن البعض أم أن القصيدة النثرية العربية هي ضرورة ملحة داخل واقعنا الذي يشهد تناقضا وتمزقا وحيرة ورغبة في التغيير وجاءت القصيدة النثرية كاستجابة لهذا الواقع؟

ج 77: حين كتب بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري (وقبلهم علي أحمد باكثير)  بواكير قصائدهم  الخارجة على نظام الشطرين، وصفهم سَدَنة ُ القصيدة الكلاسيكية بـ "المتآمرين" على الشعر العربي والخارجين على المألوف ... لكن التجربة الفردية لهؤلاء الرواد أضحت ظاهرة  أدبية نجحت في إضافة دم ٍ جديد لجسد الأدب العربي أسهم في منحه المزيد من العافية ..

 الأمر نفسه بالنسبة للشعر المنثور أو النثر الشعري أو قصيدة النثر: إنه إضافة جديدة وليس مؤامرة على قصيدة التفعيلة كما يزعم سدنتها ونواطيرها المحافظون .. لكن المؤسف سيدتي الشاعرة هو أن الطارئين على هذا الجنس الأدبي الوليد، قد وفّروا لخصومه بعض الذرائع للتهجم عليه، وذلك من خلال نصوصهم الرديئة التي توهموها شعرا منثورا .. نصوص قد لاتختلف كثيرا عن الهلوسة اللغوية والخواطر الإنشائية المتواضعة .. فالكثير مما نقرأه على أنه قصيدة نثر هو   يتضمن مشاعرَ ولا يتضمن شعرا ... والقليل منه يتضمن شعرا رفيعا تتمثل فيه ثوابت قصيدة النثر من اختزال للغة وحداثة ورؤى وصور ومخيال ..

 

س س77: سلمى بلحاج مبروك:هل تعتقد أن نظرية المؤامرة نظرية قد استفحلت داخل الذهنية العربية لدرجة النظر لكل محاولة تجديد سواء أدبيا أو فكريا أو سياسيا لا يمكن فهمه أو رده إلا على ضوء هذا التفسير المؤامراتي؟

ج 78: المؤامرة موجودة على الكيان العربي المتحّد (الأمة العربية ـ بل وحتى الإسلامية) والدليل على ذلك محاولة الفأس الأمريكي وبقية فؤوس الصهيونية العالمية الرامية إلى تفتيت الأمة العربية ودول المنطقة الإقليمية لرسم خارطة "سايكس بيكو" جديدة تحت مسمى جديد هو  "الشرق الأوسط الكبير" .. هذه المؤامرة  لايعنيها الأدب ـ وبالتالي ليس صحيحا الاعتقاد بأن التجديد في الأدب هو وجه من وجوه هذه المؤامرة ... نعم : إن أمريكا وأسرائيل والصهيونية العالمية لاتريد  لنا ولادة فكر إبداعي وسياسي يُفشِل مشروعها الكولونيالي ويُسهِم في صيانة ثقافتنا من "الأمركة" ... لكن الذي يهمّ تلك الجهات بالدرجة الأولى : أفعالنا وليس أقوالنا .. نفطنا وليس كتبنا ...  موقع الأمة في الخارطة الجغرافية وليس موقع لغتنا  في خارطة اللغات النائمة في مكاتب اليونسكو .

 

س79: سلمى بلحاج مبروك:ألا ترى أن هناك قطيعة بين جيل الكبار من الشعراء وجيل الصغار الذي يحاول تلمس طريقه؟ وهل تعتقد أن أدباءنا وشعراءنا أصابهم مرض الحكام المتمثل في رفض التداول والحرية والديمقراطية خوفا على كرسيه؟ فهل صار مثقفون يرفضون التواصل مع الجيل الجديد ودعمه بسبب الخشية من فقدان سلطة الإبداع وكرسيه؟

ج 79: ربما كانت هذه القطيعة ـ إن وُجِدَتْ ـ انعكاسا للقطيعة القائمة بين الحاكم والمحكوم .. انعكاسا للهوة السحيقة  التي تفصل بين ذوي القفازات الحريرية وبين الأيدي المتشققة .. بين أثريائنا المتخمين وبين فقرائنا الذين يشكون جميع الأمراض الناجمة عن  سوء التغذية ... بين السياسي الأمّيّ  أو عضو برلماننا الأميّ وبين مثقفنا الرافض أن يكون تابعا لهما ... ومع ذلك فلا أرى قطيعة بين جيل الأدباء  الكبار وجيل الأدباء الصغار، ولسبب جوهري هو: إن هؤلاء الكبار كانوا صغارا يوما، والصغار حاليا سيكونون كبارا غدا ... والأديب الذي يترفّع عن الناشئة ليس كبيرا حتى لو كان اسمه  كثير اللمعان ... مثل هذا الأديب سيكون ضخما مثل براميل القمامة لكنه أصغر كثيرا من أية قارورة عطر ...

 

س80: سلمى بلحاج مبروك:ألا ترى أن جوائزنا الأدبية والشعرية لا قيمة لها لأن من يشرف عليها مثقفون فاسدون وهي تخضع لمقاييس أخرى غير الإبداع بل المجاملة والمصالح؟

ومعذرة عن هذا السيل من الأسئلة تقبل احترامي وتقديري

ج 80: قد يكون رأيك صحيحا بالنسبة للجوائز الحكومية ... فمثل هذه الجوائز تُمنح عادة للأديب الأكثر تهريجا في سيرك السلطة، أو الأكثر قربا من هذا الزعيم والقائد والحزب الحاكم ... أما بالنسبة للجوائز غير الحكومية فأعتقد أنها لا تخضع لتلك المقاييس ... ومن حسن حظ الأدب العربي أن أكثر الجوائز العربية هي ليست حكومية، وضعها أشخاص ذوو نعمة ورؤوس أموال وهم أدباء أساسا  وبعضهم قد توفاه الله ... فجائزة العويس قد وضعها الشاعر الثري الإماراتي سلطان العويس رحمه الله .. وجائزة البابطين قد وضعها الثري الكويتي عبد العزيز البابطين وهو شاعر أيضا ... وجائزة الفقي قد وضعها الثري السعودي أحمد زكي يماني وهو شاعر مجيد (أتذكر أنه انحنى مقبلا الجواهري الكبير وجلس جاثيا أمامه في دارة الأديب عبد المقصود خوجة عشية الاحتفاء به في منتدى الاثنينية) ... سأبوح لك بسرّ سيدتي الشاعرة : حين فزت بجائزة البابطين لأفضل ديوان شعر تفاجأت بقرار اللجنة ... فقد ورد في الشهادة  وبالحرف الواحد: (لقد نوّهت اللجنة بالإجماع بهذا الإنجاز الكبير) وكلمة "الإجماع " هي المفاجئة بالنسبة لي إذا أخذت بنظر الإعتبار واقع أن قصائد الديوان  تتناول إدانة الإحتلال والدعوة لتطهير العراق من خنازير البنتاغون بكل السبل بما فيها الكفاح المسلح إذا فشل الكفاح السلمي (ومثل هذا الطرح يتنافى والرؤية الرسمية الكويتية) ..

 تقبلي من أخيك الشاكر فضلك محبته البيضاء بياض فضاءات شعرك ورؤاك وأمانيك .

 

القسم السابع من الحوار

...........................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف تكريم الشاعر يحيى السماوي، الخميس 1/1/1431هـ - 17/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم