حوارات عامة

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (2)

 

 

س12: نور حامد / مدرسة عراقية: الدكتورة انعام، جاء في هوية التعريف انك تفتخرين ان والدتك وخالتك اول الداعيات لسفور المرأة، وتقولين بفخر انك استلمتي المشعل منهما، ثم تربطين بين السفور وتحرر المرأة فكريا، هل لي ان افهم ما هي علاقة السفور بالتطور الفكري؟ هل تقصدين ان السافرة متحرره فكريا، بينما المرأة المحجبه متخلفه فكريا؟ ام تقصدين شيئا اخر؟

ج12: الأستاذة نور حامد، اشكر لك مشاركتك في الحوار واسئلتك التي تحمل في ظاهرها الاحتجاج عل شيء قلته ولكن بين سطورها وفي بواطنها التي تظهر لعيني واضحة أرى اهتماماً بشؤون المرأة وانتفاضاً لها ولكرامتها وهذا شيء يبعث على الارتياح.

القراءة الدقيقة تجنبنا الكثير من سوء الفهم، وسوء الفهم يقف وراء الكثير من النزاعات وحتي الحروب.

لو دققت النظر فيما قلته، " أوائل الداعيات لسفور المرأة وتحررها الفكري " شيئين تربطهما واو العطف.. وليس هماك مايشير إلى أن أحدهما مسبب للأخر؛ هما مطلبين ولهما تشعبات. قد يكون بينهما ارتباط غير مباشر ولكن ليس ذاك الارتباط الذي يقع تحت نطاق السبب والنتيجة.

 

س13: نور حامد: هل تتصورين ان تخلف المرأة فكريا (ولو لدى بعض النساء) في مجتمعاتنا الشرق اوسطية سببه حجاب المرأة، ام هناك اسباب اخرى، ترتبط بالوضع السياسي، والاقتصادي والاجتماعي؟

 

ج13: تخلف او تقدم المرأة فكرياً هو في يد المرأة. المرأة هي التي تخلق المثل وتوجه سلوك المجتمع كونها أول من توضع بيده العجينة التي إسمها الطفل.

كما أن في يدها توجيه مستقبلها ووجهة تفكيرها. ولكن لكي يكون لها التأثير هذا عليها ان تمشي الطريق الوعر الذي اسمه " انا افكر إذاً انا موجود!"

ولكي يكون لها هذا الخيار ولكي يسمع لها رأي عليها أ ن يكون لديها رأي يسمع! وعليها أن تكون لها الشجاعة أن تعبر عن هذا الرأي. وهذا لا يتأتي لها إن لم تسلِّح نفسها بالمعرقة. وطرق الحصول على المعرفة متعددة وعليها ان تمشي هذه الطرق مهما كانت شاقة. إذا كان الرجل يقطع هذة الطرق بخطوة واحدة عليها أن تتقبل الحقيقة بأن عليها أن تمشي عشر خطوات بالمقابل لكي تقطع نصف الطريق . ولا يقتصر هذا على المرأة الشرق أوسطية فقط وإنما على الغربية كذلك ولكن بشكل أقل لأنها قطعت مرحلة من النضال في سبيل تحقيق ذاتها في هذا الطريق.

هناك مايسمى بالسقف الزجاجي الذي يحد من تقدمها . المرأة هنا يقال لها "حدودك السماء!" فتنظر الى الأعلى وترى السماء وزرقتها وحين تحلق ترتطم بالسقف الزجاجي. هذا السقف الزجاجي يبقى قائما رغم أنه يرتفع تدريجياً. ليومنا هذا لم تنجح المرأة الأمريكية في أن تتبوأ منصب رئيسة الدولة في حين نجحت بندرانايكا قبل عقود في ان تتسلم مهام رئاسة سيلان.

لم يمنع بندرانايكا لباسها الوطني ولا كون بلدها من دول العالم الثالث ولا نسبة الأمية العالية بين النساء قي بلدها آنذاك. كيف حققت بندرانايكا ذلك؟ على المرأة في الشرق دراسة ذلك. ولا شك أن طريقها كان مليئا بالتضحيات. ومثال آخريستحق النظر ذلك هو مثال بنازير بوتو في باكستان .. تضحياتها انتهت بتضحيتها بحياتها.

حجاب او لا حجاب، ما في داخل رأس المرأة لا يأتي عبثاً وأنما نتيجة جهود وتضحيات ولولا أوائل النساء اللواتي فتحن الطريق امام التعليم لما اتيحت الفرصة للأعداد الهائلة من النساء دخول المدارس والجامعات، حيث كان ارسال البنت الى المدرسة عيباً. ولعل الأغنية الشعبية العراقية التي تقول:

"لا بينا الغمّازة

ولا بينا اللمّازة

ولا بينا التدرس بالمكتب

ميلن غاد عن دربنا"

لهي دليل على ان العيب يتغير مع الزمن.

 

التقاليد التي تُستغَل لتكون عائقاً في سبيل تقدم المرأة، الوضع الاقتصادي الذي تقع تبعاته على عاتق المرأة ويحدد اولوياتها، الحروب التي تأخذ شريك حياتها وتضاغف مسؤولياتها، كل هذه اسباب تعيق تطور المرأة. في سلم الحاجيات الأساسية " لماسلو" الطعام والمسكن يأتيان على رأس قائمة الحاجيات للإنسان، فإن كان الهمّ الأعظم هو الحصول على المأكل والمسكن كما هو في وقت الحصار والحروب، سقطت كل الأولويات الأخرى وعلى رأسها تطوير المرأة وتحقيق طموحاتها الثقافية والمهنية والفكرية. أن نربط تطور المرأة بالحجاب او عدمه كشيء أساسي لهو من السذاجة بقدر كبير ولست بتلك السذاجة فالكتاب لا يقرأ من غلافه.

 

س14: نور حامد: هل تعتقدين ان المرأة المحجبه عصية على التطور الفكري؟ اعتقد ان الواقع سوف يخذلك، لكثرة المتطورات فكريا وحضاريا من المحجبات، سواء من اللاتي قطن الغرب منذ امد بعيد، او في بلداننا حاليا، فكيف تفسرين ذلك؟

ج14: في هذا السؤال اجدك تناقشين افتراضاتك وكأن تطور المرأة العربية محجبة أو غير محجبة سوف " يخذلني" ؛ عجيب هذا الافتراض.

كأنه دفاع محام في دعوى لم يُقدَّم فيها اتهام ولكنه يجد هذا الاتهام وجيها وحريّا بأن يطرح. لم أوجه مثل هذا الاتهام بل أنت التي قدمته ودافعت لدحضه. ولعل إجابتي على سؤالك السابق توضح موقفي.

 

س15: نور حامد: ان شخصيا اعتقد ان سفور الوالده وخالتك وانت سببه التشبه بالغرب، باعتباركن درستن في مدرسة امريكية، ولكي تكونن كذلك كانت الخطوة الاولى نزع الحجاب، والتمرد على العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية ... ثم جاءت الخطوة التالية، وهي ربط السفور بالتطور الفكري من اجل تبرير تلك الممارسة المخالفة في حينها، فماذا تقولين؟

 

inam1ج 15 : هل أفترض في هذا السؤال محاولة هجوم؟ لا أظن ذلك فهو رأي قابل للنقاش.

التشبه بالغرب، هل هو مذمة؟ او محاولة لجعله كذلك؟

الدول تقتبس من بعضها .. وقد اقتبس العرب من الاغريق والرومان والعكس صحيح. والنتيجة أن الحضارتين كسبتا من بعضهما. لو أن مجتمعاً ما أغلق أبوابه ونوافذه في وجه الحضارات الأخرى لأصبح معزولا يجتر ما كان عليه ولا يتطور، وسنة الحياة التطور. المسألة ليست مسألة حجاب أو لا حجاب؛ أنظري حواليك، كم من الأدوات والتغيرات مصدرها الغرب؟ وكم منها بقى مما كان يستعمله البابليون أو السومريون؟

هذه الواسطة التي أرسلت خلالها بأسئلتك الم تأتِ من الغرب؟ هل استعمال الإنترنيت هو تشبها بالغرب علما أنه نشأ في الغرب وطور في الغرب واستعمل في الغرب منذ عقود قبل أن يتاح استعماله في الشرق.. وهذا التلفون النقال اليس هو تقليعة غربية؟ والتلفزيون الم يقتبس من الغرب؟ وهل يغير من هذه الحقيقة تسميته بالتلفاز؟ لماذا يحق لك اقتباس بعض ما تختارينه لنفسك من منتجاتهم وتستنكرين على الآخرين خياراتهم الأخرى؟

ماذا لو أنك اخترت الفوطة والچرغدواختارت امرأة أخرى القبعة على أحدث طراز أمريكي؟ اليس لها حق الأختيار كما هو لك؟ ثم كلمة الحجاب لا تعني نفس الشيء .. هي أزياء، كلٌ قد اختار منها مايلائم ذوقه. وهذا من حق من يختار. كلمة الحجاب كلمة خادعة. فهناك من تلبس الجينز مع طرحة، وهناك من تلبس العباءة التقليدية , وهناك من تلبس الجبة وهناك دور ازياء خصصت للتفنن بربط غطاء الرأس بمختلف الموديلات والألوان، وحديثا دخل الجادر الأيراني. فأي حجاب تتحدثين عنه؟ في أول نشأة والدتي وفي زمن جدتي كان الحجاب العباءة ة والبوشية وتحته عباءة اخرى على الكتف وتحته صاية . ألا ترين أنك قد تخلصت من الحجاب ذاك؟ كم إمرأة تلبش البوشية والعباءة اليوم؟ الا ترين ان معظم النساء قد اسفرن ولبسن أزياء أخرى غير العباءة والبوشية؟ ألا ترين أنك قد استجبت الى دعوة والدتي ولبست زياً أخر؟ لا أظن انك تلبسين العباءة والبوشية.

 

س16: نور حامد: لا شك ان خروج امك وخالتك سافرتين في ذلك الحين كان خروجا على المألوف، والاعراف الدينية والاجتماعية، كيف تلقى المجتمع البصري هذه الظاهرة الغريبة عليه؟ وهل حصلت ردود فعل على ذلك؟

ج16: من اكبر الأخطاء في النقاشات ان يفترض المحاور مالم يرد على لسان الطرف الآخر .. وها أنت تفترضين مرة أخرى وبهذا يصبح سؤالك باطلاً.

المفروض ان تسألي سؤالك بشكل أخر... وهل اسفرت والدتك في ذلك الحين؟

والجواب لا.

وهل يمكن لسيدة عاقلة ومن عائلة يحسب لها حساب أن تتصرف بمثل هذه الحماقة؟

فالكل يعلم أن الخروج على التقاليد دفعة واحدة يقابل بردّ فعلٍ عنيف ولكن التغيير التدريجي الهادئ يعطي أكله اخيراً.

إن الدعوة أو المطالبة بشي لايعني تطبيقه ولو كان مطبقاً لما كان لهم الحاجة للمطالبة به وهذه من البديهيات. ولكن كل تغيير يبدأ بدعوة والأزياء في كل العالم تخضع للتغييرات والتطور، الرجالية منها والنسائية. ففي الغرب كانت المرأة تلبس القبعة التي تنسدل منها غلالة على الوجه وتعقص شعرها تحته، وكانت تلبس الأثواب الطويلة والملابس الداخلية التي تصل حد الكاحل وتلبس ايضاُ الكورسيه الذي يشد بقياطين حتى ليكاد يخنق انفاسها ويكسر أضلاعها. وبالتدريج تخلصت من الطبقات التي كانت ترتديها ووصلت الى ما ترينه اليوم من أزياء. وكان للحروب والتحاق الرجال بساحات الحرب أثرا كبيراً في حصول هذا التغير إضافة إلى التغيير الذي تفرضه المسيرة الزمنية. فقد اخلت الحرب المصانع من الأيدي الرجالية التي كانت تشغلها، ثم بسبب الحاجة للتصنيع الحربي دخلت المرأة المصانع ووجدت بعض ما كانت تلبسه يعيق حركتها فتخلصت تدريجيا مما يعيق حركتها ويقلل من انتاجها واستبدلته بملابس أكثر عملية.

العراق والبلاد العربية مرت بمراحل تطور مشابهة وكل مايحدث في الغرب يتبعه الشرق بتغيير مشابه ولكن بعد عقود من الزمن. هكذا تخلصت النساء في العراق تدريجياً من الصاية والعباءة الأولى التي تلبس على الكتف ثم البوشية واخيراً العباءة الثانية السوداء التي تلبس على الرأس حتى جاءت الثلاثينات والاربعينات وقصّت الفتيات شعورهن على الطريقة الأوربية ولبسن التنورة القصيرة، كما هو الحال في أي زمن حين تتبع الفتيات الموضة وبالطبع موضة المدن الكبيرة ليست كما هي في المدن الصغيرة والقرى والضواحي... ووالدتي كما هن الفتيات في جيلها ومحيطها الاجتماعي مررن بتلك الأدوار. بعض النساء من الأجيال اللاحقة خاصة في الخمسينات وبعدها لم يفرض عليها لبس العباءة في المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة. وجيلي من هذه الأجيال.

وملاحظة أخرى قد تجهلينها او لم تنتبهي لها؛ حينما تذهبين الى مراكز الانتخاب وتدلين بصوتك، هذا من مكتسبات المرأة الأمريكية التي جاهدت للحصول على حق الإنتخاب وما كانت المرأة لتحصل على هذا الحق لولا جهود إمرأة إسمهاسوزان بي أنثوني التي جاهدت وضحت لمطالبتها بحق التصويت للمرأة وكانت اول أمرأة تصوت في الانتخابات الامريكية مجادلة بأن القانون لايحدد جنسا لمن له حق الانتخاب ولكنها حوكمت وأدينت، إلا أنها لم تتوقف عن الدفاع عن حقوق المرأة ورفع الحيف عنها: وبعد اربعة عشر عاما من وفاتها صدر قانون إعطاء المرأة حق التصويت في عام 1920 .. أليس في ممارستك حق الانتخاب محاكاة للغرب؟ وماذا عن دخول المرأة البرلمان؟ أليس في هذا محاكاة للغرب ايضاً؟ فهل كان لجداتنا حق التصويت؟ هل ننبذ هذه المكتسبات لأنها بدعة غربية؟ ألا ترين أن سوزان بي أنثوني مهّدت لك الطريق وضحّت ليكون لك هذا الحق؟ ألا تستحق وكل النساء الرائدات الاعتراف لهن بالفضل لانهن وراء حصول المرأة على حق التعليم والانتخاب وغيرها من الحقوق؟

سيدتي إن الحجاب فرض على المرأة وهو بلا شك يعيق حركتها الى حد ما ويمنعها من المشاركة في النشاطات المتاحة للرجل وللمرأة في بلدان أخرى، ولكن إن اختارته هي لا حق لأحد أن يمنعها ؛ وإن رفضته، فبالمثل لا حق لأحد أن يفرضه عليها. هذا هو موقفي ولا علاقة لذلك بتطورها الفكري أو عدمه فليس كل محجبة جاهلة وليس كل سافرة متطورة فكرياً. ولكن للمرأة أن تقرر ماتريد والمدى الذي تريد الوصول اليه في تطورها دون أن توضع العوائق في طريقها.

وسأرمي آخر ما لدي؛ لماذا يفرض الحجاب على المرأة دون الرجل؟ ولا تعجبي؛ ماكان الرجل في زمن الرسول يكشف رأسه فقد كان يلبس العمامة وكذلك الجبة. كما لم يكن يلبس الجينز وقميص الحرير الملون. إن من العدالة أن يفرض على الرجل مايفرض على المرأة وحينها لا حق للمرأة ان تحتج وإلا فلها أن تطالب بحرية الاختيار. يقولون أن المرأة عورة، ويقولون فتنة وهي سبب الفسوق، بكشفها عن وجهها أو شعرها أو أجزاء أخرى من جسدها ... لو أن الرجل حافظ على أخلاقياته واحترم المرأة كإنسان لما كان التحرش متفشيا في الشرق أكثر من الغرب رغم انتشار الحجاب.

 

س17: نور حامد: كيف كان شعورك وانت تتحدين المجتمع المحافظ آنذاك، بخروجك سافره؟ هل كنت تشعرين بالفخر، او الزهو؟

 ج17: في جيلي ماكان الحجاب مفروضا كما ذكرت سابقاً ولهذا كما هو السائد لم ألبس العباءة ولم أخلعها. وعدم لبس العباءة لم يكن تحديا بل كان السائد في المدن الكبرى. إنني لم أعش في القرن التاسع عشر. أنا عشت بعد منتصف القرن العشرين. في وقت الازدهار الحضاري وفيه حققت المرأة الكثير من المكاسب. وقطعت شوطاً كبيرا في المجال الثقافي والاجتماعي وبعد ثورة تموز 1958 أعطى عبد الكريم قاسم المرأة حينذاك حقوقها الكاملة بالمساواة. المرأة في ذلك الوقت كانت أفضل حالاً من اليوم.

 

س18: نور حامد: لو عدنا بك لذلك الوقت (جدلا)، فهل ستتخدين نفس الموقف، ام انت نادمة عليه؟

ج 18: ما هو الموقف الذي علي أن أندم او لا أندم عليه؟ وتحددين ذلك الوقت، أي وقت تعنين؟ أعتقد أن إجابتي على سوالك السابق فيها التوضيح الكافي.

 

س19: نور حامد: انا اتابع كتاباتك وتعليقاتك، واشعر انك تعيشين نرجسيه عالية جدا، هل سبب ذلك الشعور في اللاوعي انك اكثر تفوقا، من الناحية الاجتماعية، او الاكاديمية، او ربما بسب سكنك في امريكا؟

ج19: أشكر لك متابعتك ما اكتب وهذا من دواعي فخرى وأتمنى أن تكوني من قرائي الدائمين فقد أعجبني تعبيرك عن رأيك رغم أنه يختلف معي. أما شعورك، فهذا هو انطباعك من خلال تفسيرك الشخصي وليس لي حكم على تفكيرك، غير أني أرى وكأنك تفترضين أو تطلبين مني المصادقة على تفكيرك أو شعورك ثم إعطاءك تفسيرات له. لا أظن أن هذا ممكن . مادمتِ صاحبة الشعور فلك أن تفسريه أو تعلليه كما شئت لتثبتي لنفسك صحته أو بطلانه. ثم كيف لي أن أجيبك عما في اللاوعي؟

وأخيراً اقدم لك شكري لمشاركتك في المحاورة وإتاحة الفرصة لي لطرح وجهة نظري. كما أتمنى ان تبحثي تاريخ النساء اللواتي مهّدن الطريق للمرأة الحديثة للحصول على المميزات التي لم تكن جدتها لتحلم بها. شكراً لك وأتمنى لك كل التوفيق في كل خياراتك.

 

س20: ا. هيام الفرشيشي / ناقدة وقاصة واعلامية تونسية: كيف ترسم السيدة إنعام الهاشمي صورة المرأة المثقفة؟ وهل تعتقد أن لها دورا؟ وهل تستمد هذا الدور من ذاتها الخلاقة والمبدعة والفاعلة أم تؤمن بالدور الذي يسند لها لخدمة أهداف المجموعة؟

 ج 20: أهلاً بالأستاذة هيام الفرشيشي، السيدة ذات السبق الصحفي الشهير الذي كشف السر الكبير وراء تألق صحيفة المثقف. يسرني أن أتبادل معك الرؤيا في تصوير المرأة المثقفة.

هذا السؤال كثيراً ما راود فكري وهو تعريف المثقف بصورة عامة؛ أقول أنه شيء نتحسسه ولا يمكننا أن نحدده بتعريف مبسط. الثقافة ليست التعليم، فكم من متعلمٍ جاهل! المرأة المثقفة هي التي تدرك أن معرفتها مهما بلغت فهي محدودة مقابل ما تجهله..

 المثقفة هي التي ترى الحكمة وتتلمسها لدى من لا يعرف فك طلاسم الحروف. المرأة الحكيمة التي دخلت الحياة من أوسع ابوابها تدخل تعريف المثقفة بلا شك وباستماعنا لما حوته تقافتها من حكمة تهيء لنا كنزا لا تحويه الكتب. الحكمة أو المرأة الحكيمة ليست في متناول اليد دائماً ولهذا نستعيض عنها بالكتب لاكتساب المعارف المتخصصة ونجد فيها الطريق الى الحكمة. ومحظوظة هي المرأة التي أتيحت لها الفرصة لفك رموز الحروف والغوص في أعماق المعرفة . فلسنوات ليست بعيدة كانت المرأة تقبع في دهاليز الظلام لان ذهاب البنت الى المدرسة عيب. أما وأن التعليم قد أصبح متوفراً بقي على المرأة مهمة اكتساب الثقافة.

لا تعارض بين أن تكون المرأة جميلة ومثقفة في الآن ذاته.

لا تعارض بين أن تعني المرأة بهندامها والظهور بأحلى صورها وبين الحفاظ على عنايتها بما يدخل في رأسها من الثقافة. هذا التوازن متروك للمرأة ذاتها.

المرأة التي تلبس الطاقم الرمادي ليست أكثر ثقافة وعلما ممن تلبس الثوب الحريري الأحمر أو الأخضر أو أي لون آخر تختاره.

التقطيبة والنظارة السميكة لا تعني أن صاحبتها أكثر ثقافة وفهماً من تلك التي تحمل ابتسامة ساحرة على شفتيها.

لا حاجة للمرأة المثقفة أن تظهر ثقافتها وتطالب الآخرين الاعتراف بها... يقال أن الثقافة والحب شيئان يصعب إخفاؤهما.

لدي حكمة تقول إن ادعاء الجهل أسهل من ادعاء المعرفة.. فلا يمكن لإنسان أن يسقط في امتحان الجهل..

المرأة المثقفة لا تردد ما قاله الغير وإنما يظهر رأيها واضحاً مستقلا نابعا عن فكر وليس تابعاً لما هو متبع..

المرأة المثقفة مقتنعة بكونها إمرأة .. لاتقلد الرجل لأن في هذا اعتراف بدونيتها، ولا تنقص من قيمة الرجل لأن في هذا تجنياً هي ليست بحاجة له. فقط تشعر بإنسانيتها وتعترف بإنسانيته.

دورها هو كدور الرجل، دور الأنسان مضافاً اليه دورها كمصدر اساسي للحياة وموجهة لتنشئة الجيل ولو وعت دورها هذا لغيرت وجه العالم وذلك بزرع مفاهيم احترام الإنسان للإنسان بغض النظر عن الجنس والدين والعنصر واللون والعقيدة .. ليتها تدرك أن الطفل في سني عمره الأولى عجينة في يد الأم لها اليد العظمى في تشكيلها وهذا دور كبير يقع على عاتق المثقفة كأم او كمدرّسة، وهذا هو الدور الأساسي .. أما الأدوار الأخرى فهي ثانوية.. سواءً كانت نابعة من ذاتها أو مسندة لها وعليها أن تبدع فيها كعضو فعال في المجتمع، وتبذل أضعاف جهد الرجل لأنها دخلت الحلبة متأخرة. وفي كل هذا تقف خدمة الإنسانية في المحور، فهي الهدف الأساسي الذي تعيه المرأة المثقفة.

 

س21: هيام الفرشيشي: ما هو المشروع الثقافي الذي تحلم السيدة إنعام بإنجازه؟

ج21: المشاريع الثقافية واسعة ومتعددة، قلت في المقدمة أني حققت طموحاتي الثقافية وطويت الصفحة عليها لألعب مع الحروف في عودة للغة العربية. لا أبحث عن الخلود فقد أعطانا جلجامش درسا في عدم جدوى ذلك.

كل ما أقوم به الآن هو أن أطاوع قلمي أينما وكيفما قادني .. إنه القارب الذي أركبه في مياه تجري على مهل أو كما يقال بالعراقي "يمشي برهدنة!" أما حروفي فتتقافز بشيطنة بين الحين والحين لتغضب ربة الحروف، ولكن الآلهة كريمة فتسامح وتعفو. ولكن ما يسعدني هو إتمام ترجمة بعض النصوص التي تستحق الترجمة وتقديمها بطبق شهي لقارئ اللغة الأخرى.

أملي أن أكمل هذا المشروع ليظهر بكتاب ليكون هديتي لمن كانوا كرماء معنا بحروفهم ممن قد لا يتوفر لهم من مصادر الترجمة ما يتوفر لغيرهم ممن لهم علاقات عالمية.

وهناك مشاريع ترجمة عديدة الزمن كفيل بها. أحد المشاريع تم وهو تحت الطبع وهو مشترك مع الشاعر سعد جاسم . الكتاب هو كتابين في واحد، القسم العربي شعر سعد جاسم بعنوان " قبلة بحجم العالم " والنصف الآخر ترجمتي النص للأنجليزية وهذه تجربة جديدة أرجو أن تكون بداية لكتب  اخرى عربي وانجليزي.

 أما مشروعي الأكبر الذي يخضع لتكرار التأجيل، وذلك لأن قاربي يسري كما يشاء، هو مشروع رواية فيها الكثير من التاريخ الأجتماعي للعراق؛ نواته قصة "بستان الرمّان" التي نشرت في المثقف وفي مجلة الفوانيس. والرواية مزيج من واقع وخيال.

 

س22: هيام الفرشيش: كيف ترى السيدة إنعام الذاكرة الثقافية العراقية بعد أعمال النهب التي تعرضت لها المكتبات والمتاحف العراقية؟

ج22: العراق كُتب عليه أن يتعرض لفقدان تراثه الثقافي أكثر من مرة في مختلف العصور ولكنه ينهض ... وسوف ينهض... ربما ليس في زماني ولكن بعد سنوات أو عقود ولن أقول قرون لأن ذكر هذه الكلمة يصيبني بالإحباط. وهذا ممكن اذا ماتخلى الكتاب عن الأنا، وماذا في جيبي، وماذا تقدم لي لأخدمك. لو تخلى مجمع الكتّاب عن التكريمات والجوائز المرتبة والمتفق على نتائجها مقدماً، تلك التي أصبحت لا معنى لها في الكثير من الأحيان وتمنح لمن هب ودب وكتب حرفاً، لو أن الكاتب اكتفي بعلمه أن مايقدمه هو خدمة لتراثه وللأجيال القادمة ومنها أحفاده لقدم أفضل ما لديه، ولقلت أن الثقافة والذاكرة العراقية بخير.

أخيراً أشكر لك مشاركتي مائدة الحوار عسى أن أكون قد وفقت في إعطاء أسئلتك وفكرك حقهما من الأهتمام. دمتِ بخير وتألق.

 

للاطلاع على الحلقة الاولى من الحوار

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (1)

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (3)

...............................

 

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاور عن طريق اميل المثقف

[email protected]

...............................

 

حوار مفتوح خاص بالمثقف

 الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1426 الاحد 13/06/2010)

  

في المثقف اليوم