حوارات عامة

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (4)

 

 

السعيد مرابطي / قاص وكاتب جزائري: أبــدأ بالســلام والتحية.

إن الأدب كــظاهرة إنسانــية لا يــعد بـذخا بــل حــاجة اضطرارية ملازمة للــحياة. تــهب الــشقاء الأزرق حيث يكون الــمبدع بين حالته الجــوهرية ورحــلة المعــاناة التي لا تنتهي، حتى تعــرض صاحــبها لشتى النعــوت وتستــمر آكلة من لــحمه تــقتات على دمــه الــمباح. أسوق هذا الكلام لأسأل د/ إنــعام عــن:

 

س29: السعيد مرابطي: ما مــدى حــضور الــحالة الــجوهرية الــمتصلة بشــقاء الــكاتب وهو يــعزف أحيانا عن وجه الــعالم ويعتـكف كــالقانت في مقصورة الاغتــراب الــداهس.؟

ج 29: أولاً ارحب بالأديب السعيد مرابطي بفكره العميق وإطلالته المتأملة دوما .. شكراً له مشاركته بالحوار التي ولاشك تلقي ضوء أخر ومن زاوية أخرى على وجهة الحوار.

لعلي في جوابي على هذا السؤال لا أستند على تجربة شخصية. فتجربتي في الإغتراب تختلف عن تجربة الآخرين. وأنا أضع خطاً فارقاً بين معني الإغتراب وبين التغرب والغربة. فالإغتراب في تعريفي هو انتقال الشخص من محيطه الى محيط آخر وثقافة أخرى وتراث آخر ويعادله الى حدٍٍّّ ما الاستشراق من حيث تبنيه وانغماسه في الثقافة الأخرى والتراث الآخر مع تقبله لها بغض النظر عن احتفاظه أو تخليه عن بعض جوانب ثقافته وتراثه. أما التغرب فهو انتقال الفرد جسديا من موطن نشأته الى موطن آخر مع احتفاظه الكامل بمشاعر الإنتماء الى موطنه الأصلي وثقافته وتراثه والتمحور حول الجالية التي ينتمي اليها أساساُ ، والغربة هي حينما يحس هذا الفرد المتغرب بالإنفصال التام عن محيطه الجديد ويبقى متمسكاً بحنينه في انتظار العودة الى تراثه وهو يعيش في وهم أن تراثه في موطنه الأول قد بقي كما هو دون أن يمر بالتغير الزمني وتعاقب الأجيال. معظم الكتّاب المهاجرين يقعون تحت تعريف التغرب والغربة.

الكاتب الذي يختار العزلة والاعتكاف في معظم الأحيان ينتج عن إحساسه بالانفصال عن البيئة المحيطة به وشعوره بالغربة ومن ذلك تنشأ معاناته التي قد تشحذ فيه الرغبة للكتابة حيت الورق والمداد واليراع يصبحون أوفى اصدقائه لأنهم ينصتون لصرخات روحه بصبر وأناة دون تذمر، ومن هنا يخرج الى العالم بإبداعه. وحين يخرج من العزلة ليحدث العالم عن حواره مع رفقاء اعتكافه ويستقبله العالم الخارجي بالترحاب يعتريه الشعور بأنه جزء من هذا المحيط الذي خرج إليه ولكن الى حين، وبعدها يعود له الأحساس أنه لاينتمي لهذا المحيط ويعود الى اعتكافه وتبدأ الدورة من جديد.

لا بأس من ذلك ففي الاعتكاف تطهير للروح ولكن المبالغة في التفكير بغربة الروح، وهي أقسى غربة، والشعور بالأسى على النفس هو حالة مرضية قد تؤدي بالكاتب الى الموت وحيداً ، وما اقسى ذلك! في الدول الغربية هناك علاجات للكآبة ولكن القلة هم الذين يلجأون اليها.

الوحدة (aloneness) ليست سيئة بحد ذاتها ولكن الشعور بالوحدة (loneliness) هو القاسي.. الإنسان الذي يملك الفكر يملك الفكرة، ومن يملك الفكرة يملك الطريقة لو حاول البحث عنها في نفسه، وشقاء الإنسان ــ الكاتب ــ يغذيه الشعور أن الشقاء هو فحوى الإنسانية ولذا لا يحاول هذا الإنسان إيجاد الطريقة للقضاء عليه.

أرجو أن أكون قد القيت الضوء على بعض جوانب السؤال.

 

 س 30: السعيد مرابطي: كــان أجدى بــالـمتداخلين أن يسـتفسروا أولا - حتى يـسهموا القارئ - عـما حققت د/ حرير وذهب:

ما تــم لــك تــحقيقه في ميدان الــنشر:

فهــل لــنا أن نــعرف الــمنجز الــمنشور والــمخطوط الذي ينتظر الــظهور وفي أي مــجال.؟

ج 30: أستاذنا السعيد مرابطي:

شخصي أنا وما حققته شخصيا ليس مهما إلا بقدر ما أضافه إلى تجربتي وفكري. لقد اطلعتَ على بعض كتاباتي التي نشرت في الإنترنيت، ولكنك ربما لم تقرأ الأ بعض ماتبقى منها. وهي في القصة القصيرة او الطويلة منها "يوم بلا غد" و"ليتني احتضنت الحزن في عينيه" و"الرسام والعصفور والليلة المرصعة بالنجوم" و" بائع الكباب" و"الفرس الأصيل والسلحوف والذبابات الثلاث" وهي رمزية على طريقة أيسوب، و"بستان الرمان" التي هي نواة لرواية تتطرق للتاريخ الاجتماعي في العراق وهذا المشروع خضع للتأجيل مراراً، وقصص قصيرة أخرى. وهناك التجربة في ملاحقة قصة لكاتب آخر واعادة الحياة لأحد شخصيات قصته كما في "لأنها لم تكن خنفسة" وهي ملاحقة لقصة  "حوار ساخن" للقاص حسين عبد الخضر الذي بدوره لاحق شخصية "لأنها لم تكن خنفسة" وأدخلها قصة جديدة.

من أحب ماكتبت إلى نفسي هو المحاورات وهي فلسفية انتقادية مرحة ساخرة  أحيانا، هي محاورات وهمية مثل، محاورة بيني وبين فيلسوف، محاورة بيني وبين شاعر – هذرمات وبصمات، محاورة بيني وبين قارئ، محاورة بيني وبين ربة الحروف، محاورة بيني وبين مثقف – الفكر والمعرفة في حضرة افلاطون، محاورة بيني وبين النفس _صلب و ذهب، محاورة بيني وبين نهد – الشريط الوردي ، محاورة بيني وبين طيف – قمة الحب، محاورة بيني وبين تجعيدة – الصبا مرت لياليه، ومحاورة بيني وبين مجنون.

هناك الكثير الذي كتبته ولم ينشر لأني لا أود لحروفي أن تنهمر على رأس القارئ وتغرقه وإنما أود لها أن تكون كالقطر أو كــ "ناكوط الحب"

والترجمات بدأت تأخذ حيزاً كبيراً من جهودي.

ترجمت الكثير من الإنجليزية للعربية لعدد من الشعراء الكلاسيكيين من الأدب الإنجليزي والأمريكي. مثل لورد بايرون، ماكوورث برايد، وهنري وادسوورث لونغفيللو ومايا انجيللو وغيرهم، ولكن جل اهتمامي وأكثر ترجماتي هي لأدغار ألن بو، فأنا مسحورة بكتاباته ومتعاطفة مع معاناته التي انعكست في الملنكولية التي تغلف وتتخلل أشعاره. وقد ترجمت له عدداً من القصائد أهمها قصيدته السردية الشهيرة "الغراب" The Raven.

أما نصوصي التي أسميها خربشات فهي عديدة وهي نصوص شعرية متعددة يتم إعدادها للطبع في مجموعات وكذلك الترجمات. أولها تحت الطبع مشترك مع الشاعر سعد جاسم والكتاب نصفين العربي بعنوان "قبلة بحجم العالم" شعر سعد جاسم والنصف الثاني إنجليزي يحوي ترجمتي النص للأنجليزي بعنوان “A Kiss In The Size Of the World

وسيتبعها مختارات من الشعر العربي مترجمة للإنجليزي وبعضها مانشر في صحيفة المثقف.

 

س31: السعيد مرابطي: الــجالية الــعربية في الــولايات المتحدة نشطة في عدة مجــالات فــما قــسط الكتاب الـعربي هناك من حــظ الــنشر والــتوزيع. وهل تــولي الــنخب العربية اهتــماما بــمجال تــرجمة الــكتب الــعلمية وغيرها مـمـا يـصدر عن المراكز الــمتخصصة في الــدراسات؟.

ج 31: لا أعلم الكثير عن نشاطات الجالية العربية . وهي ليست بالضرورة متجانسة وقد يقسمون الى عدة تقسيمات حسب عدة معايير مختلفة من ضمنها الانتماء القطرى حيث تتمركز كل مجموعة حول المناطق التي تكثر فيها بلدياتها كما يقال باللهجة المصرية. الأكثرية ليسوا أكاديميين. والأكاديميين منهم أكثرهم في فروع علمية أو فروع ليس لها صلة بالأدب العربي. الأكاديميين الذين وفدوا قبل تزعزع أوضاع الشرق الأوسط جاءوا للدراسة في الفروع العلمية خاصة ومن وفّق منهم في الحصول على منصب تدريسي همه تقديم البحوث والدراسات التي تساعد على تثبيته أو تجديد عقده ومعظم العقود تبدأ لمدة سنة يقيّم بعدها البروفيسور لتجديد العقد لسنتين أو ثلاث وبعدها عدد من التجديدات بعض الجامعات تقيّم الاستاذ للتثبيت أو إنهاء العقد ولهذا عليهم تقديم البحوث التي تساعد حصولهم على الترقيات أو تجديد العقود. والترجمة ليست من البحوث التي يحسب لها قيمة، خاصة من العربية حيث لا يوجد سبق علمي لكي يترجم ويستشهد به وما اهتم به الغرب من التراث القديم  هو مترجم من قبل المستشرقين. ومن الناحية الأخرى فإن الناشرين عادة يستخدمون مترجمين متخصصين ممن يجيدون اللغة الأنجليزية ولغة أخرى. وبصورة عامة إن العربي، أو أي أجنبي يلتصق بجاليته لا يتسنى له تطوير انجليزيته الى حد يهيئه لكي يكون مترجما مستقلاً. معظم المترجمين هم من المستشرقين إلا القلة ممن اختصوا باللغات من الجيل الثاني الذي اهتم ودرس لغة آبائه. أما المجموعة الأخرى التي جاءت نتيجة اللجوء والهجرة بسبب الأضطرابات في الشرق من مصر ولبنان وفلسطين والعراق خاصة، فهم أما كبار في السن ــ ومن تحاوز الأربعين يعتبر كبيرأ في مجال التنافس على الوظائف ــ ممن ليست لهم خبرة في أميركا او لم يكملوا دراساتهم في اميركا ويصعب حصولهم على وظائف أكاديمية تناسب مؤهلاتهم التي حصلوا عليها في البلاد العربية، وهذا يصيبهم بالإحباط. أما الصغار الذين يتهيأ لهم ما للأمريكي إن هم أكملوا تحصيلهم العلمي وتعلموا طريقة العمل الأمريكية التي تضع العمل فوق كل شيء،فلا أحد يعمل كما يعمل الأمريكي، وهذا يحتاج الى وقت لنرى نتائجه. وهناك من هذه المجموعة من المهاجرين ممن ليست لهم مؤهلات علمية وليسوا في عمر يمكنهم من التحصيل العلمي واللحاق بالركب فهم يتنافسون فيما بينهم ومع طلاب المدارس والشباب الأمريكي على الأعمال القليلة المتوفرة في المطاعم ومحطات البترول والمؤسسات الخدمية الأخرى، والبعض يفتح محال تجارية صغيرة حتى يتطور.. فبين هذه المجموعة وتلك ماذا تظن حظ الترجمة سيكون؟

في الأونة الأخيرة دخلت دراسات الشرق الأوسط كمراكز ثقافية في بعض الجامعات الكبرى وهذه يقع عليها العبء الأكبر في التبادل المعرفي بين الشرق والغرب. كم هو حظ الترجمة من جهودهم؟ ليس لدي المعلومات الكافية للإجابة على هذا السؤال. ولعل بعض الأكاديميين العرب ممن لهم اتصال مباشر بأساتذة في هذه المراكز لديهم معلومات معتمدة. وقد قرأت مقالاً لا أذكر مصدره أن سلمى الجيوسي، الأستاذة في إحدى جامعات مشيغن قد تبنت مشروعا للترجمة ولكن المقال يقول أن مشروعها قد توقف ولا أعلم درجة الأعتماد على المعلومات التي وردت في المقال . مع العلم أن مشاريع الترجمة أو أي مشاريع أخرى تتطلب وقتاً اضافياً أو وقتاً يعفى فيه الاستاذ من تدريس بعض حصصه ويأتي التمويل من مؤسسات ثقافية ومنح ليتسني استمرار المشروع. ولن ادخل في تفاصيل الميزانية وتكاليف مثل هذه المشاريع. بعض الجامعات الأخرى اهتمت بالترجمة في الفترة الأخيرة لحاجتهم لمعرفة الحضارة الأخرى التي تقف وراء الصراع الحضاري والديني الذي كانت نتيجته 9-11 واحداث العنف التي اجتاحت العالم منذ ذلك الحين. واهتمام هذه الجامعات بها هو اهتمام ثقافي وأكاديمي وبعض هذه الجامعات لديها دور نشر خاصة بها ولكن كما هو الحال في دور النشر التجارية،  بقدر أقل، يجب أن يكون موضوع الكتاب يكفي لأن تكون إيردات مبيعاته بالقدر الذي يغطي تكاليفه وربما بعض الربحية التي تغطي الخسائر من المشاريع التي لم تصادف مبيعاتها النجاح. هذا بالإضافة إلى أهميته وقيمته الاكاديمية.

في بعض المؤتمرات التي تعني بدراسات الشرق تجد في معارض الكتب كتبا بالعربية من مصادر عربية وكتباً أخرى كتبت عن الشرق باللغة الإنجليزية وقلما تجد مترجمة.

وهناك حقيقة يجب الانتباه إليها؛ ربما بعد سنوات تقصر أو تطول مدتها ستتوفر برامج ترجمة بمستوى عالٍ حيث لا يحتاج القارئ إلا الى ضغطة زر ويترجم النص كاملاً فتسقط الحاجة للمترجمين. والكثير من الجامعات الآن تقوم بتحويل الكتب في مكتباتها الى كتب اليكترونية، فإن تطورت برامج الترجمة هذه يمكننا أن نقرأ أي كتاب متوفر في أي مكتبة أليكترونية بأي لغة نشاء. وماهذا الوقت ببعيد نظراً لتطور التكنولوجي السريع وارتفاع كلفة الطبع الورقي. وحينها يصبح الكتاب المترجم المطبوع من التحف التي يحتفظ بها هواة التحف أو ربما تباع الى المشتري المتجول استجابة الى ندائه " عتيق للبيع ... مستعمل للبيع !" بثمن يعادل ثمن رغيف الخبز,

 

س 32- السعيد مرابطي: مــاهي أسهامات مثقفتــنا الــمحترمة في باب اختــصاصها ضــمن مجال الــتأليف والــدراسات الــتي عرفت طريقها للنشر.؟

ج 32: ذكرتني بمواجع نهاية السنة الدراسية والتقرير السنوي الذي نقدمه للجامعة سنوياً ندرج فيه أنجازاتنا في مجال التدريس والبحوت والخدمات الثقافية الجامعية وإسهاماتنا في اثراء الثقافة بالمشاركة في المؤسسات المهنية والاكاديمية بتقديم البحوث والمشاركة في لجانها التنظيمية وفي لجان المؤتمرات وماقدمناه لرفع إسم جامعتنا بين الجامعات. وكم كان مملاً ذلك. ولا زال كذلك . في حين  كان الكل يكتب كل صغيرة وكبيرة كنت استصغر العمل بعد انجازه فما يبدو كبيرا حين ينجزه الغير يصغر حينما نحققه. سأختصر وأعطيك رؤؤس اقلام لبعض منها..

اهتماماتي في البحث وإنتاجي متنوع ولكن أكثر ماكان في مجال الاختصاص يتركز على البحث في أصول المحاسبة والتدقيق المحاسبي وقد قدمت عدة بحوث أهمها ما جاء في دراسة تطور النظام المحاسبي في مصر بعد صدور قانون الشركات ومقارنته بالنظم العالمية، وكذلك في العراق بدراسة قانون المحاسبات العراقي "طبعاً قبل الاحتلال" فقد اختل نظام المحاسبات بعد الإحتلال حتى أصبحت الحسابات غير قابلة للتدقيق لعدم اتباعها نظما يمكن الاعتماد عليها. كّذلك شاركت الأستاذ حسين القاضي ( سابقاً عميد كلية التجارة في جامعة دمشق وكذلك وزير الصناعة في وقت مضى ) والذي له اليد الطولي في وضع أسس قوانين محاسبية وتدقيق في سوريا تماشيا مع التطور العالمي في معايير التدقيق في دراسة في هذا الموضوع. والموضوع الآخر يتعلق بانتشار التكنولوجي واعتماد الشركات على خدمات موظفين يعملون من بيوتهم وتقتصر اتصالاتهم مع شركتهم عبر الإنترنيت. الأهتمام والبحث كان يتعلق بالتغير قي قياس درجة المخاطرة (Audit Risk) وكمية ونوع الدلائل التي يحتاجها المدقق ليعطي رأيه كمحاسب قانوني بأن الحسابات هي صحيحة طبقاُ للمعايير المحاسبية المعمول بها.

 والموضوع الأخر يتعلق بدراسة تأثير الخصخصة (Privatization) وهو السماح لرأس المال الفردي للأستثمار الفردي من أجل الربحية وهي الموجة التي عمت الدول الاِشتراكية بعد حل الإتحاد السوفياتي، وهو شبيه بما يمر به العراق اليوم. ونتائجه الأولية التى تأكدت فيما بعد أن الأنتقال المفاجئ من النظام العام للنظام الخاص يبقي السلطة المالية والسيطرة الاقتصادية في يد ذات الاشخاص وهم الاشخاص المسيطرون على الحكم.. وإن تغيرت الوجوه وتغيرت الطاقيات فرجال الدولة أصبحوا رجال الأعمال، والربحية هي الدافع الأساسي، والمواطن العادي يدفع الثمن. أما المواضيع الأخرى الأكاديمية فهو موضوع تقييم الجامعة لنفسها ليس من خلال برامجها بل من خلال منتجاتها.. اي خدماتها ومستوى المعرفة التي يخرج بها طلابها لا كأفراد كما في الأمتحان الفردي وإنما كمنتوج كامل من حيث تسويقة ومتانته كمنتج مقارنة بالمنتجات الأخرى. وقد قمت بتقديم وإدارة عدد من الورشات لابتكار طرق القياس وتصميم نموذج خاص. كذلك بحوث في طرق التدريس. .لن أطيل في الموضوع لأنه لا يقع ضمن الاهتمام العام للقراء

 فقط أضيف أنى قد كان لي عدد كبير من المشاركات قي ندوات ومحاضرات عن المرأة العراقية ودورها في المجتمع بعضها عرض بالصور. وطبعاً المرأة العراقية التي كنت أتحدث عنها آنذاك هي غير المرأة العراقية اليوم فقد خضعت الى الكثير من التغيرات منها ايجابية ومنها سلبية. عند مغادرتي العراق كانت إمرأة قد تسلمت منصب وزيرة لواحدة من أهم الوزارات وهي وزارة التعليم العالي، في حين أن الولايات المتحدة لم تتسلم فيها إمرأة أية وزارة آنذاك. وهذا كان من دواعي فخري.

أظن أن هذا يكفي في هذا الموضوع فقد طويت الصفحة وأنا أفضّل الآن اللعب مع الحروف لعبة "الغميضة جيجو!"

 

س 33: السعيد مرابطي: الآن أود أن أمر إلى ما يقع ضمن اهتمامات كاتبـتنا الــكريمة في ما يتصل برؤيـتها لأجــناس الــكتابة والسؤال: كــيف تنــظر أديبتنا للــرواية الــعربية من حيث أنها تــشكل مفصـلا مهــما لــقضايا الإنسان العربي الــمحاصر على أكثر من صعيد .. ونظرتــها للكتاب الــذين يوظفون الــموروث الــحضاري ويــستحضرون رموزا لمحاورة الــواقع.

ج 33 : أعتقد أني أسوأ من يجيب على مثل هذا السؤال. فأنا لا أؤمن بالتجنيس والتحديد للكتابة في إطارات مرسومة ومحددة سابقأ الا ما يتعلق في الفروقات العامة كما بين المقالة والنص الأدبي وبين البحث العلمي والمقالة العامة، .. أنا كقارئ (ولا أقول قارئة!) حينما أقرأ بحثاً علميا أهيئ نفسي وفكري لاستقبال معلومات قائمة عل أسس البحث في الفرع المعين من وجود الفرضيات والهدف و... و.. و... وأتوقع أن يكون فيه تسلسلاً منطقياً يوصلني للأستنتاج .. في هذا النوع من القراءة آخذ النكتة وأخواتها الضحكة والابتسامة وأضعهن في الدرج وأقفل عليهن. حينما أقرأ مقالة جدية أخرج النكتة وأخواتها ولكن أشترط عليهن الصمت واحترام هيبة المقالة وقد أترك لهن بعض الحرية بين الحين والآخر للتمازح ودعوتي للضحك معهن. أما حين أقرأ النص الأدبي فإني اترك لهن الحبل على الغارب كما يقال.. لأني أقرأ النص الأدبي ليس بهدف التعلم رغم اني اتعلم منه، ولا لأناقشه بجدية رغم اني قد افعل ذلك، ولا أتوقع فيه أن يلتزم بنظرية أعتنقتها.. النص الأدبي يسري بنا على موجة هادئة.. أضحك معه، وأقطب أحيانا ولكني أتمنى أن أخرج منه بشعور أنني كنت في عالم آخر، سواء كان قصة أو قصيدة أو خاطرة أو رواية ، إن شد إحساسي وابقاني معه الى آخر كلمة وأبقائي في حلمه لفترة بعد الكلمة الأخيرة فهذا نص أدبي ولا تهم التسميات والتجنيسات والإلتزامات فيما بعد . ولا فرق إن كان قصيدة نثرية أم تفعيلة أم عمودية أم خاطرة أم مجرد خربشات. وأنا أميل للعمودي بشرط ألا يكون جامداً يهتم بالقافية دون المعاني والاستعارات والتوريات. ما الفرق بين قصيدة النثر والخاطرة؟ ما الفرق إن كانت القطعة النثرية السلسة مقطعة أم مستمرة؟ سوي أن التقطيع يعطي القارئ فكرة أين يريده الكاتب أن يتوقف، ثم هو رأفة الكاتب على القاري لكي يتوقف ويأخذ نفسا ويستأنف بدلاً من المضي في زحمة وأدغال غابة النثر المركز. أما حين أكتب، فإني لا أكتب بتخطيط مسبق بل أكتب كل مايسترسل به قلمي دون أن أفكر أي جنس يقع فيه النص حتى يكتمل ويأخذ عنوانه. مثلاً المحاورات كيف تصنفها؟ وخربشاتي الأخرى التي يحلو لي ان أسميها خربشات، اترك فيها العنان لحروفي تتقافز وتلهو وتلعب وتضحك كما في نص "ثورة الحروف" وفيه الحروف تضحك على الشعر الحديث والكلاسيكي. أنا أضحك كلما قرأته.

أكتب الارتجالات الشعرية وقد تبادلت بعض الإرتجالات مع الشاعر سعود الأسدي خاصة وغيره من الشعراء . وكما ذكرت سابقا كتبت القصة ولا التزم بنمط معين.

أعود الى موضوع الرواية... أعترف انني لم أقرأ رواية عربية منذ سنوات بسبب انشغالي في البحوث والقضايا التخصصية والقراءات في مجال التخصص لكي أحافظ على مواكبة التطور الذي علي كغيري من الأساتذة مواكبته ونقل هذه المواكبة للطلاب الذين يطمحون ليشقوا طريقهم في العالم الذي يجري مسرعاً حتى ليسبق نفسه، مما ترك لي الوقت القليل لقراءة ماهو خارج اختصاصي من كتب أدبية. كما أن الكتب العربية غير متوفرة لي هنا. فما في ذهني عن الرواية العربية هو من مخلفات نجيب محفوظ وثلاثيته وزقاق المدق والمنفلوطي وغيرها وكذلك من الروايات المترجمة عن الإنجليزية في عهد غابر حتي زارنا الروائي السوري وليد اخلاصي واهداني كتابين من تأليفه أحدهما رواية "زهرة الصندل" وهي من الروايات الشيقة التي يسرد فيها تاريخا لأمرأة يحتفل أبناؤها وأحفادها بعيدها ألمئوي ويسرد فيها ذكريات أحداث المئة سنة .. حينها قلت له أن حلمي أن أتفرغ يومأ بعد عمر طويل لكي أكتب رواية فيها سرد للتاريخ الاجتماعي وأرى أن بطلة روايته تشبه الى حد ما بطلة روايتي. قال لي بالحرف الواحد لأنها تمثل شخصيتك وحتى اسمها "وهوب" يشبه في رمزيته "إنعام" ربما سبقني وكتب الرواية التي في ذهني دون أن أعرفه من قبل. نحن نحس بالقرب من الرواية ونقرأها بشغف لأن فيها شيئاً منا أو شيئاً يتعلق بنا أو بحلم في أدهاننا. وحينما يأخذ الكاتب شيئاً من الواقع وينسج حوله غلالات خيالية أو رمزية تشير الى الواقع ضمن أبعاد أخرى يكون قد حقق اهتمام القارئ لأنه يجد في النقطة الواقعية شيئاً منه وفي الغلالة الجناح الذي يأخذه ويحلق به في عالم الحلم مما يضمن بقاءه مع الرواية الى نهايتها. إن انقطع الخيط هذا الذي يشد القارئ بين الواقع والخيال سقط القارئ وسقطت معه الرواية. القارئ العصري سريع الملل ومهمة الروائي العصري أصعب من مهمة نجيب محفوظ حين كتب رواياته. استحضار رموز من التراث وبناء الأحداث حولها أسهل في القصة القصيرة والقصيرة جدا منه في الرواية. لأن حل اللغز والأستدلال على مدلولاته لايستغرق الكثير من التنقل بين الصفحات لأيجاد الرابط ولذلك نجاح القصة القصيرة من هذا النوع الدلالي أكثر احتمالا منه في الرواية. وقد استخدمت أنت هذا النوع من الدلالية في بعض كتاباتك للقصة القصيرة جدا. وقد تناقشنا في هذا حتى أني كتبت نصا يقارن نصك الرمزي "التابوت" وفلم الينبوع.

كاتب الرواية يحتاج الى حيز أكبر من الواقع ليبقى القارئ ولكن ليس إلى الحد الذي يزرع الملل في نفس القارئ. مهمة الروائي الصعبة هي إيجاد التوازن.

وهذا هو رأيي المتواضع أرجو أن اكون قد لامست ما كنت تنشده..

 

س 34: السعيد مرابطي: هــنالك من يــرى في مجال الكتابة الــروائية

بأن الــقصة الـقصـيرة هي" بين ظفــرين "الــورشة الــتي لابد من الدخول إليها لإجراء حــصص التــربص ومن ثــمة يــصبح الـكاتب بيده تأشـيرة

الــظهور والتمنطق بــحرمة ســاحة الرواية.هــل تــوافقين الــراي أم تشــجبينه؟

ج 34: حين نتعلم السباحة لا نقفز من أعلى القفاز في أول يوم نقرب فيه الماء. أول شيء نفعله أن نجلس على حافة الحوض وندلي بأرجلنا في الماء ونراقب السابحين وفي اليوم التالي او بعد أيام ندخل قليلأ، ثم نجرب إدخال رأسنا في الماء وقطع التفس مع مسك الأنف بين السبابة والإبهام وتدريجياً نحاول البقاء أطول تحت الماء، ثم بعدها محاولة الطوفان حتي نسيطر على وضعنا تحت وفوق الماء قبل قطع الحوض طولا وعرضا ذهابا وإيابا سباحة فوف سطح الماء وتحته. أما القفز من القفاز فمن يحاول القفز دون دراية من أعلى السلم إن نزل على بطنه تمزق بطنه حال ارتطامه بالماء. أما إن نزل وكانت اصابع يده أول مايلمس الماء من جسده فإنه ينزلق كالسمكة .. يبدأ من حافة الحوض، ثم القفاز الصغير تم المتوسط قبل القفز من العالي تم بعدها تأتي البهلوانيات والدوران في الهواء وابتكارات الباليه .. الخ.

من يقفز من سلم الرواية تمزق بطنه مالم يكن إبن سمكة اي موهوب جداً.

ليس هناك شروط للعبة ولكن المنطق يقول للحذر الأفضل أن يمر بالقصة القصيرة قبل الرواية. ألا أن الرواية قد يمكن اعتبارها مجموعة من القصص القصيرة تجمع بينها شخصيات مشتركة ويجمعها هيكل واحد. إن أحسن الكاتب رسم الهيكل العام للرواية، ما عليه إلا أن يجد الناشر الذي يجازف ويقبل عملا من كاتب غير معروف. في الغرب، الناشر يقرأ المخطوطة ويقيمها فهي تقف على قوائمها. إلا أن الكاتب الذي نشر من قبل يستعمل مطبوعه السابق كمؤشر على استقبال السوق له. وقائمة أفضل المبيعات التي ترصد مبيعات الكتب ما أن يدرج كتاب فيها حتى يصبح الإدراج هذا كأداة تسويق لما ينتجه كاتبه فيما بعد ويسوق له على انه\ “ Best Seller Author” وكتبه تحقق نجاحها على هذا الأساس فأن أدرك القائمة مرتين تهافتت عليه دور النشر وحصل على أحسن العقود. بعض كتاب هذه القائمة قد تمر عقود قبل أن يصادف النجاح كتاباً من كتبهم.

والقول أن القصة القصيرة هي السلًَّمة التي تؤدي الى الرواية، أقول ربما .. الى حدٍّ ما، فليس كل كاتب قصة يمكنه أن يتعداها إلى الرواية ولكن الروائي بلا شك يمكنه كتابة القصة القصيرة مالم يكن من طبعه الإطناب.

أما القصة القصيرة جداً فهذا فن متفرد أرى الكثير قد دخل التجربة فيه ولكني أرى بعضهم قد أصبحت له بصمته الواضحة وبعضهم يقلد وبعضهم مازال يحاول. برأيي أن هذا اللون أصعب من القصة القصيرة حيث على الكاتب أن يضع بين أيدي القارى سطوراً يستخلص منها قصة ذات مغزى.

 

س35: السعيد مرابطي: الــجوائز التي تـمنــح الآن في مجال الــرواية والتي تصدر عن أقلام عربية تـعيش في أوروبا، أغلبها تــجامل الــوعي الــفني الــمتصل بشــكل الــرواية الــغربية لــتحصل على التتويج لأن الــغرب لا يـزال يــمتهن الأبوية كســلطة على النــص الــروائي ولا يعــترف بــمن خــرج عن الشكل المقدس للرواية كجـنس شـرعي هو صاحبه .

والسؤال:عـلينا أن نـقنع بــالشكل الــمتوارث عن كلاسكيــة الــرواية أم ترانا ننــحاز لــما تقتــضيه المغـامرة الإبداعية عــلمــا بأننا في هذه الحال نــخرج عن سـياق اهتمام الغرب ونـحن نــسلك مــنحى إبداعيا تــجريبـيـا مــخالفا للــسائد ؟

ج 35: لا أعتقد أن الغرب قد فرض الوصاية على كتابة الرواية العربية أو في الشرق وإنما الشرق قد نصبه دون علمه وهو غير آبه. ولكن حين تقدم منتوجك في أي بلد ليقيَّم فهم يستعملون معاييرهم وهذا شيء طبيعي. الغرب ليس له نمط واحد للرواية، من الغلاف الورقي الرخيص الذي تطبع به الروايات التي يكثر إنتاجها تحت وصف الأيروتيكا الى الكتب التي تسوق للشباب مثل روايات المغامرات الخيالية ثم الروايات البوليسية الى الخيالية العلمية، والبعض التي تأخذ بعض الحقائق وتبني عليها الكثير من الخيال ولكن القارئ يأخذ حتى الخيال فيها على أنها حقيقة وهذة هي الصرخة التي أتى بها دان براون Dan Brown في شفرة دافنتشي DaVinci Code . والذين يقلدون الغرب في الواقع يقلدون ما يصلهم منه أو مايقع تحت أيديهم ضمن محيطهم الذي لهم احتكاك مباشر به. أما الخيار بين كلاسيكية الرواية أو تجريبيتها فهذا متروك للكاتب وللقراء. أما النقاد فلهم شأن آخر.  الكاتب الذي ينحى منحى تجريبياً ويمضي قدما به لابد وأن يتسلح بالشجاعة للدفاع عن وجهة نظره أو شرحها للنقاد الذين ربما قد فاتهم فهم مبتغاه من هذه الصيغة التجريبية. كما وعليه أن يجد طريقة للوصول للقارئ وإيصال وجهة نظره له قبل أن يصله رأى النقاد ويفسد عليه فرصته. وهذا هو دور التسويق الذى يتفوق به الغرب على الشرق.

من يخالف المتعارف عليه أن ينتظر النبال ويلبس الدرع المناسب لصدها أو ردها قبل أن تصله. أما أن يجلس مكتوف االيدين شاكياً وينتظر منهم المباركة فهذا هو عين الفشل.

..

الأستاذ الأديب السعيد مرابطي أشكر لك مرة أخرى مشاركتك وتنوع أسئلتك التي رأيت أنك تبحث عن وجهة نظري فيها وليس نتائج بحوث المتخصصين ومن هذا المنطلق جاء حواري معك.

شكراً لك لإثراء الحوار بحضورك

 

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (3)

 

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (5)

 

...............................

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاور عن طريق اميل المثقف

[email protected]

...............................

حوار مفتوح خاص بالمثقف

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1430 الخميس 17/06/2010)

 

في المثقف اليوم