حوارات عامة

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (7)

 

 

صالح الطائي: كاتب وباحث اسلامي عراقي: سيدتي الأديبة الرائعة حرير وذهب أنا الكاتب والباحث الإسلامي صالح الطائي.

منذ نعومة أظفاري وأنا عاشق للأدب والقصة والقصيدة، ولذا لم تكن مصادفة أن أول قراءاتي الخارجية كانت كتاب "الأم" لمكسيم غوركي و"البؤساء" لفيكتور هيجو، ولكني ابتعدت عن الأدب حينما طغت مشاكل الحياة وكثرت التحديات الخارجية والداخلية للدين فحرمت من لذة التمتع بقراءة روائع الأدب، وكلما تقدمت حياتنا ازدادت تعقيداتها وأزداد بعدنا عن المتابعة الأدبية وانشغلنا في البحث والتقصي وطلب المعلومة التي تتساوق مع تخصصنا ومجال بحثنا. ولكني بعد أن عقدت وثيقة الصداقة مع "المثقف" وجدت أن محطة الاستراحة التي احضى فيها بالمتعة هي الدخول إلى المواضيع الأدبية فكنت إذا ما كللت من العمل أهرع إلى "المثقف" وأبحث عن قصيدة أو قصة أمتع بها نفسي وأزيح التعب عن فكري، وكانت لي وقفات كثيرة أمام مواضيعك بل وحتى مداخلاتك على نتاج الأدباء الذين يكتبون في الصحيفة ومنهم الأخوين العزيزين يحيى السماوي وسلام كاظم. ولكن لم يسبق لي التداخل على مواضيعك ربما لأني لا أجيد صنعة الأدب وأخاف أن تكون المداخلة فارغة المحتوى وقليلة القيمة أما الآن والمجال مفتوح عن الكلام وحده فأجد نفسي مدفوعا للحديث لأوجه شكري بداية إلى الأخ الغرباوي وإلى كل أعضاء (رابطة المثقف) ولك شخصيا على هذه الفرصة الرائعة

 

س 49: صالح الطائي: أسأل بداية فيما إذا كنت تكتبين إرضاء لنفسك أم أنك صاحبة مشروع تبغين تبليغه للناس، وأين وصل هذا المشروع؟

ج 49: الأستاذ الباحث صالح الطائي أرحب بك وأشكر لك مشاركتك ..

ما جاء في المقدمة التي سبقت سؤالك يشعرني بجدوى هذا الحوار ويمنحني القناعة ان فكرة الحوار المفتوح التي تؤسس لها المثقف قد أصابت الهدف وهو أشراك الجميع وعلى الأخص من يتحرج من الدخول في الحوارات الفردية لأحساسه بخصوصيتها .

 كثيراً ما شاهدت اسمك وقرأت لك بعض التعليقات على نصوص الأدباء الذين اعتدت قراءة نصوصهم . كما قرأت مشاركاتك في ملفات المثقف التي شاركت أنا فيها أيضاً، فاسمك ليس غريباً علي...تقبل مني تقديري..

 

للإجابة على سوالك الأول أقول إنني لم أفكر يوماً بالسبب الذي يقف وراء كتابتي، لم أتوقف لأسأل نفسي هذا السؤال ولو فعلت لتوقفت عن الكتابة. كل شيئ كتبته جاء وليد لحظته. أما الترجمة فهذا موضوع آخرسأتحدث عنه فيما بعد.

قلت أن مذهبي اللا إنتمائية وهذا نابع من حبي للحرية، والإنتمائية تعني الألتزام والالتزام يتعارض مع الحرية وهذه هي بديهية. لذا فإنى لا أؤمن بالأدب الملتزم لا بكتاباتي ولا بقراءاتي، وكثيرأ ما اختلفت مع من يقيّم ويحكم على الشعر من خلال حكمه على شخص الشاعر لاختلاف مواقفه أو معتقداته السياسية او غيرها.  وصاحب المشروع هو ملتزم وإن لم يلتزم, وأعني المشروع الواحد الملتزم بخط فكر معين. وهذا لا يعني أن ليس لي مشاريع كتابية محددة . فقط هي منفصلة عن بعضها وكلٌّ قائمٌ بذاته. مثلاُ مشروع رواية أحداثها تروي التاريخ الاجتماعي في العراق على مدى القرن العشرين مع امتدادات الى ماقبله وما بعده، هذا مشروع بدأ منذ زمن ويحتاج بعض الوقت. وكذلك لدي مشاريع ترجمة عديدة من الإنجليزية للعربية. أما الترجمة فقد بداتها لا لسبب إلا لأن بأمكاني الترجمة ووجدت أن من النافع أن أقوم بها. ومضيت بها وكلما أردت التوقف وجدت نصا يختارني ويمسك بتلابيبي فأذعن لندائه .

 

هل أكتب إرضاء لنفسي؟ الأصح أكتب إرضاء لقلمي. تأتي فكرة والفكرة تحرك القلم والقلم يلح كالطفل اللجوج ويكتب النص نفسه إذعاناً للفكرة، كما في المحاورات.

من غريب الصدف أن أدغار ألن بو الذي أنا من أشد المعجبين بكتاباته، وهو الكاتب الذي كان يعتاش على أيراد كتاباته سئل نفس السؤال,, ولعجبي كان جوابه كموقفي انه لا يدري لماذا يكتب. ولعل هناك الكثير من الكتاب يسأل نفسه أحيانا هذا السؤال محاولاً ايجاد المبرر لكتابته في حين أن الكتابة شيء يكتفي بذاته ولا يحتاج الى تبرير.

 

س50: صالح الطائي: كيف تقيسين تعامل المتلقي مع نتاجك، وما هو شعورك إذا كان التفاعل جيدا، أو سيئا وهل حدث وأن تجاهل القراء بعض نتاجك وماذا كان شعورك؟

ج 50: حينما يكون هدف الكتابة هو الكتابة ذاتها وحينما تكون الكتابة مكتفية بذاتها فلا يهمها إن نشرت أم لا. الكتابة طاقة تنطلق منا لتحرر جزء منا وتعطيه حيزه الخاص به. هل من الضروري أن يكون هناك متلقِّ؟ الكاتب ينتهي دوره بعد الكتابة، ولهذا نجد أن الكثيرين من الكتاب لاينشرون في حياتهم أو أن كتاباتهم تنشر بعد مماتهم من قبل الآخرين المهتمين بأدبهم. وحين ينشر المنتج الالأدبي أو الثقافي يبقى الأمر متروكاً للمتلقي ليأخذ منه ما يشاء حسب ذوقه ووضعه النفسي واهتمامه بالكاتب أو لاشباع رغبة حب الإستطلاع لديه.، وهذا يختلف عن البحث العلمي الذي تأتي اهميته من اهتمام الباحثين الآخرين به ومناقشته، لأن البحوت تعتمد على بعضها. مايتفاعل معه المتلقي نابع من ثقافته وميوله، فما تتلقفه مجموعة من القراء قد يحظى بالقليل من الاهتمام لدى مجموعة أخرى. وما لا يحظى باهتمام مجموعة في زمن ما قد يحظى باهتمام غيرهم في زمن قادم، وهذا يفسر شهرة الكثير من الشعراء بعد مماتهم ، ماكتبوه لم يتغير ولكن القارئ قد تغير. فالكاتب لا حكم له على كيفية التلقي.

ما نكتبه هو جزء منا كأبنائنا، نحبهم مهما كان شكلهم، من أجملهم وأصحهم الى أقلهم جمالاً وأضعفهم صحة.

أبناؤنا نتحمل عبثهم وضجيجهم وصراخهم ولعبهم، نلعب معهم أحيانا ونضحك معهم ونبكي لبكائهم ونتألم لألمهم، فهل نطلب أو نتوقع من الآخرين أن يمدوا لهم بساط الترحيب كلما أطلوا عليهم؟ أليس هذا من العبث إن شغلنا أنفسنا به؟ والملاحظ والمتوقع ان من ليس لهم أبناء هم من أشد المنتقدين لسلوك أطفالنا لأن طفلهم الذي لم يولد بعد هو كامل الأوصاف!

 إن فتح المتلقى بابه لهم علينا أن نكون شاكرين. وإن لم يستقبلهم، هل نبكي؟

أنا أدع حروفي تلهو كالأطفال، تضحك وتمرح وتسخر من بعضها وحين يأتي وقت الدرس أطلب منهم الجلوس لينصتوا لما لدي من أفكار. أن وقف مستمع ليستمع إلى ما أقول أرحب به وأفرح ، ان هز رأسه مؤيداً ما أقول شكرت له حسن فهمه، وإن هز رأسه معترضاً قلت لك الحق ألا تقبل ما أقوله ولكن يكفي أنك استمعت اليه وتحملت ضجيج أطفالي.

قياسي لتقبل المتلقى هو وصوله إلى آخر كلمة كتبتها، إن أعطاني أشارة بذلك رحبت بها وقلت أدّى النص مهمته، وإن صمت تركت الحرية لحروفي تلهو وتلعب فيما بينها وتتراشق بالألون والكعك المغطى بالكريمة.

. فيما يتعلق بما أنشره في الأنترنيت من النصوص العربية، وهو القليل مما أكتبه، فالكتاب الآخرون هم الحكم، ولكن كما تعلم هناك الكثير من المجاملات والقليل من النقد الهادف . فكل ما ننشره في الانترنيت جميل وإن لم يكن جميلاً. لكني لا أبحث عن المديح ولا أصدق المديح المبالغ فيه ولكن المشاعر الطيبة لها تقديرها، والشكر عليها واجبفما عي لإلا المشاعر الطيبة التي يعرب عنها الأصدقاء. أعلم أن اللغة الرصينة هي شيء أساسي ولذا أحرص على سلامة اللغة، أما ما عدا ذلك فللقارئ الخيار فيما يأخذه منها وما ينبذه. ولكن وجب عليه الحرص أن يكون أديبا في طرح رأيه المخالف، وأن لا يركز اهتمامه على الترهات، فاهتمامات الفرد تعكس وزنه.

وبما أنني أطاوع قلمي في الكتابة فعليّ أن أتوقع أن للقراء أراؤهم المختلفة ولا يمكن أن نرضي كل الأذواق .. فإذا كنت لا أرضي ذوقي ذوقي في كثير من الأحيان فكيف لي أن أرضي غيري؟ شعوري نحو ما اكتب هو كشعور أدغار ألن بو نحو اشعاره:

"أتمنى لأشعارى ان تنتشر كما هي ولكني شخصياً أشعر أن لاقيمة تذكر لها..........

الشعر عندي ليس غاية ن وإنما هو حب، والحب يجب أن يقدَّس، وهو لن يكون يكون سعيدأ إن كنا نبحث عن ثمن تافه له، او الأكثر تفاهة من ذلك، وهو ثناء الناسزز"

 

.... my poetry has not been a purpose, but a passion; and the passion should be held in reverence; they must not—they cannot at will be excited, with an eye on the paltry of compensation, or the more paltry commendations, of mankind

 

اعلم ان ترجماتي ناجحة ليس فقط من ردود الفعل العربية وإنما من القراء الاميركان الذين أعتمد على آرائهم . هم لا يقرأون النص العربي وإنما يعتمد على تذوقهم للنص الإنجليزي فقط،. والأمريكي قد يجامل بعض الأحيان ولكن معظم الأحيان يبدي رأيه بوضوح وصراحة. وردود الفعل الإيجابية. تؤكد تلمسهم جمالية النص مع فهم الرمزية فيه إن كان رمزياً. ومقياسي الآخر معرفتي الشخصية فأنا قارئة ومتذوقة للأدب الإنجليزي الكلاسيكي منه والحديث ولذا بإمكاني الحكم على عملي. عادة اترك النص الذي ترجمته فترة لأعيد قراءته كقارئة ومتذوقة للشعر، وربما أخضعه للتعديل حتى يستقر.  هناك بعض القصائد التي أعجبتني صياغتها باللغة العربية ولكني حين أقرأ ترجمتها كقارئة لا أرى فيها نفس الجمالية فتبقى معلقة. كذلك الترجمة للعربي أعتمد فيها على ذوقي وقراءتي لها كقارئة متذوقة وبالتأكيد رأي الأدباء العرب وتذوقهم للترجمة العربية لها

 

س51: صالح الطائي: هل تعتقدين أن الأدب العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص أدى دوره في الأحداث الراهنة أم انه لا زال متخلفا عن المسيرة؟

ج 51: الشعب العربي مبتلى وهو يساهم في استمرار بلائه بعدم بحثه عن علاج له، فهو على العكس يحفر في جراحه خوف أن تندمل. والأدب والشعر هو الإزميل الذي يحفر به. وسأطرح هنا رأياً قد يقع ضمن المجال السياسيً ولكنه مرتبط بالسؤال، وقد يغضب البعض إن لم يتأنوا في التفكير به والنظر اليه من الناحية المنطقية لا العاطفية. الماضي أهميته تكمن في دوره كدليل للمستقبل، والرجوع للماضي لا نفع فيه الا بقدر الدروس التي نتعلمها منه، فإن لم نتعلم الدرس، مضي العالم في مسيرته وبقينا نراوح مكتفين بالتغني بالأمجاد، أو البكاءً على الحظ العاثر والتأسّي على الخسائر، وفي هذا قمة اللاجدوى. او الأدهى من ذلك التغني بالخسائر وتوهمها نصراً. أكثر من ستين عاماً مضت والعرب يرفعون راية فلسطين ويتغنون برمي إسرائيل في البحر رغم علمهم انهم ليسوا بقادرين على ذلك .. وإسرائيل الدويلة "اللقيطة" كما أسموها العرب تبكي وتشكي وتلطم على الخدود مستغلة التهديد، رغم يقينها ان امكانية تحقيقه ضئيلة جداً، في كسب عطف العالم الذي أسهم في بنائها اقتصاديا وعسكرياً حتى أصبحت دولة عظمى تحرك السياسات العالمية. والشعب الفلسطيني الذي كان من أثقف الشعوب العربية قبل 1948 والذي بقيت من جيله السابق بقايا تشهد على ذلك، قد ضاع منه جيل و حكم عليه بالتشريد والتبعثر الذى نشهد آخر مآسيه في غزة. الماضي ذهب ولن يعود ولكن لكي نستدل به علينا العودة الى 1948 واستذكار ماحدث. عند التقسيم.كان الجزء الذي أعطي للعرب يفوق الجزء الذي أعطي لليهود لو أضفنا الأردن كجزء من فلسطين، وحتي بدون الأردن، الجزء العربي كان يكفي لتكوين دولة فلسطينية، لماذا لم يتكاتف العرب ويكونوا دولة فلسطينية حينها عندما كان ذلك بأيديهم؟ لماذا توزع وتشرد الفلسطينيون على الدول العربية دون إعطائهم جنسية وبقوا "لاجئين"؟ يالها من صفة لما فيها من تحطيم للكبرياء، ستون عاما أو أكثر ولم يجدوا الحل!

 وحين ثبت منذ البداية أن العرب لم يكونوا قادرين على التغلب على الدولة او الدويلة الجديدة لم يعرفوا كيف يتدابروا الأمر لمجابهة الخسارة ومن ثم أيجاد بديل، بل أصبحت فلسطين الورقة التي يتاجرون بها.

هل ساهم الشعر والشعراء في إيجاد الحل للشعب الفلسطيني لكي يخرج من أزمته ويعيش الطفل الفلسطيني كبقية أطفال العالم؟

 منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا انبرى الشعراء يتسابقون يقصائدهم العصماء التي يتغنون فيها بنصر ينأى كل يوم ويذكون العداء الذي استحكم، والفلسطينون يقدمون االتضحية وراء التضحية و العرب يحققون الخسارة وراء الخسارة .. والشعراء يرفعون البيارق ويدقون الطبول.

 

العالم العربي بحاجة إلى مفكرين يخرجون به من أزمته وعلى الشعراء ان يتبعو المفكرين ويسهلو مهمتهم، وإلا فصمتهم افضل.

أما العراق وما حدث فيه فهو امتداد لتلك القضية وما تلاها.. وبعض الشعراء لم يدركوا أن صدام حسين قد مضى منذ سبع سموات ولن يعود وإن موضوعه لم يعد مهماً، فهم يدقون نفس الطبل ويتغنون بكفاحهم ضد ظلمه وببطولاتهم الوهمية. فما هو الدور الذي يؤديه هؤلاء الشعراء للعراق وهو مازال يتمزق تحت سياط الطائفية والعنصرية والتمزق؟ العراق والوطن العربي بحاجة لمن يلم شمله ويضمد جراحه وهذا يحتاح الى الفكر المتوازن لا الشعر العاطفي والخطابات التي تؤجج الكراهية وتثير الطائفية، الأدباء بحاجة الى التحلي بثقافة التسامح أنفسهم قبل ان يتمكنوا من المساهمة في نشرها لتأدية دورهم.

 

س52: صالح الطائي: مدى إسهام الأدب في ردء الصدع العراقي وهل نجح في تقريب وجهات النظر أم أنه أسهم في تقوية (الأنوات) والفردانية؟

ج 52: الأدب لم يعي دوره في هذا المجال لحد الآن إلا بشكل محدود . القصص والروايات لم تتطرق لموضوع التسامح الذي هو في مقدمة ما يحتاج له العراق لردع الصدع الذي خلف آثاراً لن تنمحي بين ليلة وضحاها. بل أرى أن بعض المثقفين يندفع وراء الاستفزازات  بشكل عاطفي  بكتابات من شأنها تعميق الصدع بالتعرض للخلافات العصبية والطائفية وذلك بالتصدي للدفاع عن الطائفة التي ينتمي لها إن شعر أن اعتداء او إهانة قد لحقت بها، لا عن طريق الدفاع بالحجة وتبيان السبب والنتيجة، وإنما بالهجوم على المعتقد الآخر. وإن انتقد أحدهم سياسياً من طائفة معينة، بحق أو بغير حق، انثني احدهم لمهاجمة سياسي آخر من الطائفة الأخرى بمناسبة أو بدون مناسبة. لو انتبه المثقفون الى أن ما يفعلونه ويكتبونه لا يساهم إلا بتوسيع شقة الطائفية لغيروا اسوبهم. لو تخلى المثقفون عن عاطفيتهم ونظروا الى الأمور بموضوعية لتجنبوا الكثير مما يظهر في كتاباتهم. الأنترنيت كما يمكن لها أن تساهم في تقريب وجهات النظر، كذلك تساهم في توسيع شقة الخلافات،. وذلك حين ينفعل الكاتب ويسرع الى الكومبيوتر ويكتب انفعالاته ويضغط زر الإرسال دون تردد. لو تعلم الكتاب ثقافة التأني واتبعوا حكمة "فكر قبل ان تفعل" لما ضغطوا على زر الإرسال في معظم مايرسلونه للنشر نتيجة الإنفعال .

 

س53: صالح الطائي: الأديب الذي يعيش في المهجر بعيدا عن تداعيات الصراع في وطنه، هل ممكن أن يتواصل مع هذا الصراع مثلما هو مثقف الداخل أم هناك قطيعة بينه وبين الحدث في موطنه؟

ح 53: الأديب في المهجر ضيع المشيتين كما يقولون في العراق.. فلا هو تعلم طريقة وثقافة مجتمعه الجديد واستفاد من تجربة وجوده في عالم آخر، ولا هو اكتسب خبرة الظروف الحالية التي يعيشها بلده، فأصبح غريبا عن الثقافتين والتجربتين متكتلاً ومتقوقعاًً على نفسه. لهذا تراه يعيش أيامه مكتئباً يجتر ألام الماضي وكفاحه ضد الظلم الذي كان يوم كان في موطنه الاصلي، تلك التجربة التي لم يعد لها ذا ت القيمة في خضم الصراع الذي يعيشه من هو في الوطن، وبذا اصبح منفصلاً عن الواقع. هذا بصورة عامة ما الاحظه عن الأدباء المهاجرين.  فنتاجاتهم وكتاباتهم الأدبية التي أقرؤها لا تعكس تجارب جديدة إلا ماندر.

 فيهم القليل الذي استطاع أن يتخلص من القيود التي تحد من اندماجه بمجتمعه الجديد والاستفادة حضارياً من التجربة التي هيأها له هذا المجتمع الجديد. وترى هذا منعكساً على مايكتبونه . التواصل مع مايجري في الوطن الأم اصبح ميسوراً عن طريق الإنترنيت، ولكن أن تعيش الصراع شيء وأن تسمع عنه وتشاهده على شاشة التلفزيون شيء آخر. ولهذا ترى التنظير في التحليلات يطغي على الواقعية في كتاباتهم.

 

س54: صالح الطائي: كل منا ينظر إلى الحداثة كمفهوم من منظاره الخاص فأنا الإسلامي مثلا أراها عملية تخريب يراد من ورائها تذويب القيم الموروثة (الدينية والحياتية) وإبدالها بمفاهيم تمت صياغتها في عالم آخر قد لا تصلح لقيادة حياتي، وقد أسهم الشعر الحداثوي كما هو شعر أدونيس في تشويه بعض المفاهيم العقائدية .. أنت ما رأيك بالشعر الحداثوي؟

ج 54: سوف أخذ الموضوع من الزاوية التي طرحتها منها وليس من الناحية التركيبية الأدبية.

لا يمكنك إيقاف عجلة الزمن، ولا يمكنك وقف التطور الذي يرافق حركتها ، هل يمكنك أن تقول انك تسلك تماما كما كان والدك أو جدك؟ أو الجيل العاشر السابق وأنك حافظت عى التقاليد والموروث؟ قد يخيل اليك ذلك وتنسى أنك ايضاً خضعت الى التطور ونبذت ماكان متعارف عليه في جيل ابيك او جدّك. وأنا أرى صورتك أجزم انك لم تتبع خطاهم بحذافيرها؟ إن حاججتني سأقول لك أين سدارتك؟ أو يشماغك؟ الم يلبسوا السدارة أو اليشماغ كجزء من التقاليد. اليس ذلك من موروثك؟ إذن لماذا تخليت عن هذا المروث وتنكر على غيرك رغبتهم في خيارات تعتبرها أنت خروجاً عن الموروث؟ مهما حاولت لا يمكنك أن تجعل ابنك نسخة منك كما أنت لم تكن من ابيك ،

الموروث وجد في حينه وتوارثه الأبناء عن الآباء لأمد ، و مهما طال به الأمد فله نهاية. الظروف والمتغيرات الطبيعية والاقتصادية وغيرها مما لا يمكننا التحكم به تفرض شروطها على المجتمع وتؤدي الى تغييره. العالم لم يعد كما كان؛ العالم أصبح قرية صغيرة والتغير الذي يحدث في بقعة من العالم تنتقل عدواه بسرعة. كيف لك أن تستفيد مما حققه التطور الصناعي والتكنولوجي وترفض التغيرات الأخرى التي ترافقه؟ ألا ترى في ذلك محاولة عبثية لايقاف عجلة التطور؟

محاولاتك قد تؤجال التغير الى حين ولكنه يحدث رغما عنك تدريجياً . الحداثيون يدركون هذه الحقيقة والمتعصبون الرافضون للتغيير يظنون عبثا أن بإمكانهم الحفاظ على ماكان، وبين هؤلاء وهؤلاء تقع نقطة التوازن، أين نقف منها ؟ هذا هو الخيار الشخصي الذي تضمنه قوانين حقوق الإنسان.

 

س55: صالح الطائي: تنامت ظاهرة شاعرات الإيروسية العربيات والمسلمات مؤخرا بشكل كبير، ما رأيك بهذا النوع من الأدب، وما رأيك بهن، وهل تطالعين مثل هذا الشعر، وإذا طلب منك أن تكتبي في هذا المجال هل تقبلين بذلك؟

ج 55: كتبت مقالاً مستفيضاً في موضوع الكتابات الأيروسية لدي المرأة الذي نشر ضمن ملف "المثقف" حول الأيرسية بعنوان " ظاهرة الكتابة الأيروسية عند المرأة: أهي ضجة مفتعلة؟" ظهر على قسمين، اقتطف منه مايلي:

 

** المقتطف **

 "في رأيي أن موضوعَ الكتاباتِ الآيروسيةِ *(1) لدى المرأة لا يدعو للضجَّةِ التي يحاولُ البعضُ إثارتَها حولَه، ففي مفهومي للحرية، للمرأةِ كما للرجلِ الحريّةُ أن تكتبَ ماتشاءُ وللقارئِ رأيُه فيما يقرأ وما يتذوَّق، كما له وحده أن يكوّنَ ردَّ الفعلِ لديهِ، وعلى الكاتبِ أو الكاتبة تِحمُّلُ مسؤوليةِ الفعل. الكاتبُ له السيطرةُ على محتوى نصِّه ولا حكمَ له أو لها على ما يفكِّرُ به الآخرون أو على الانطباعِ الذي تخلِّفُه هذه النصوصُ لديهِم . وهذه هي شروط ُاللعبة.

حين نحكمُ على نصٍّ ما فإنه محتوى النصِّ ومستواهُ الفنّي والأدبي الذي يحدِّدُ موقعَه بين مختلفِ الكتابات لا جنسُ الكاتب..

من ينشدُ الحريّةَ لنفسِهِ عليه أن يرضى بها لغيرِهِ دونَ فرضِ قيودِه الخاصةِ عليها. وهذا لا يعني بالضرورةِ المصادقةَ أو استذواقَ ما قد يُكتبُ ويُنشَرُ ضِمنَ هذه الحريّة مما قد يخالفُ ما يعتنِقُهُ الفردُ من مبادئ َأو فِكر، كما أنَّ مساندةَ حريّةِ الكتابةِ لايعني بالضرورةِ الدفاعَ عن مُحتَوى أو فِكرِ أيِّ نصِّ وأيِّ نوعٍ من الكتابات."

حكمتي الشخصية تقول: ضع أمامي كلَّ أنواعِ الطعام وأنا لن أتناول إلا مايروقُ لذائقتي. "

** انتهى المقتطف **

 

وفيما يتعلق بالشق الثاني من سؤالك اقول: لا اتبع أحداً ولا يمكن لأحد أن يطلب مني الكتابة في موضوع أياُ كان. ولكني لا أستطيع القول أي نوع من الكتابة سوف أكتب فيه أو لا أكتب في المستقبل لأن الظرف هو الذي يملي علينا سلوكياتنا ومنها كتابتنا وكيف لي أن اتكهن بما يحمله المستقبل ... هناك خط فاصل بين الأيروسية والبذاءة. إن كنت تقصد الايروسية التي تتجاوز الصيغة الأدبية إلى الصيغة الغرافيكية أو البذاءة فأستطيع أن أقول انني لا أستذوق هذا النوع من الكتابات. ولا ابحث عنه ولا اكتبه لا لشيء إلا لأنه لايناسب ذوقي.

 

س56: صالح الطائي: طالت دعوات التجديد كل مناحي حياتنا ومنها الأدب، فهل تعتقدين أن التجديد المتسارع ممكن أن يقضي على فنون صنعة الشعر العربي من حيث القافية والوزن فنرى مستقبلا شعرا عربيا بلا وزن ولا قافية؟

 

ج 56: ربما ..

وربما بقي من يحسن صنعة الشعر المقفى الرصين حسب الأصول المتعارف عليها. وما زال هناك من يكتب الشعر العمودي المقفي بمنتهي البلاغة والعذوبة .. أذكر منهم ممن يكتبون في المثقف ثلاثة أمثلة حاضرة أمامنا:

الشاعر العراقي يحيى السماوي

الشاعر الفلسطيني سعود الأسدي

والشاعرة الإماراتية فواغي القاسمي

 

وهؤلاء الشعراء ومن يورثونه تراثهم كفيل بأن يحافظ على أصول الشعر.

 كما أن القصيدة المغناة التي يساهم كاظم الساهر وغيره في إعادة الشعبية لها من شأنها ان تطيل في عمر القصيدة الموزونة ذات الموسيقية الغنائية. وكذلك مسابقات الشعر مثل مسابقة أمير الشعراء، التي يتابعها عدد كبير من المشاهدين، رغم تجاريتها ورغم المآخذ التي تؤخذ عليها، لاشك تساهم في الحفاظ على سلامة الشعر وأصوله.

ولكن التجديد والتحديث له حلاوته أيضاً كل في مجاله، إلا ما تجاوز في حريته التحليق الى الضياع كما في الهذيانات التي نراها في بعض الكتابات التي تتمتع بحماية الشعر الحديث.

 

س57: صالح الطائي: كم درجة تعطين (من 1 إلى 10) للشعر النثري وهل تؤمنين به، وهل تعتقدين أنه سيحل مستقبلا بدلا عن الشعر المقفى؟

 ج 57:  لا أستطيع ان احدد درجة . فهناك مقطوعات نثرية تفوق بجمالياتها القصيدة المقفاة ومثال ذلك ما كتبته جبران خليل جبران في كتاب "النبي"

 The Prophet الذي كتبه بالإنجليزية وترجمه للعربية، وهو الكتاب الأكثر قراءة في الولايات المتحدة في القرن العشرين. وقد قدم قراءته صوتياُ أشهر النجوم منهم أورسون ويلز. أنه يفوق بجزالته وانسيابته وقوة تعابيره القصيدة الكلاسيكية. كل صنف من الكتابة له جماليته المميزة في حدود صنفه. إن نجح الكاتب في رسم صوره بصورة فنيه وكلماته بشكل متناسق يتبع ثيمة انسيابية كان له مكان في ذائقة المتذوق بغض النظر عن التسميات. التعبير "الشعر النثري " خاطئ أما أن يكون شعراً أو نثرأ. أما تعبير" القصيدة النثرية" فهو استعمال مجازي وقي رأيي افضل تسميه هي "النص النثري المقطع"  وهو مايحل محل النص النثري أو المقطوعة النثرية بعد تقطيعها .

 الملاحظ أن المقطوعة النثرية يمكن تقطيعها ووضعها على شكل قصيدة لتسهيل قراءتها.  ولكني لاحظت أن الكثير من كتاب القصيدة النثرية لايمكنهم كتابة النثر. النثر أصعب من القصيدة النترية حيت يتطلب الاسترسالية وتكامل الفكرة وترابطها. إن استطعت إعادة القصيدة النثرية الى أصلها النثري وظهر النص بصياغة نثرية صحيحة فهو نص ناجح كقصيدة نثرية. وإلا عدا ذلك، في رأيي، فإنه لا يعدو عن كونه سطور لا يربطها رابط. وهو لا يمكن أن يحل محل القصيدة المقفاة. بالتأكيد سيزداد انتشار القصيدة النثرية او النثر المقطع ليكون أضعاف أضعاف الشعر المقفى ولكن يبقى السحر والمهارة في الشعر العمودي المقفّى الذي سيبقى مقياساً لمهارة الشاعر وحسن صنعته..

 

س 58: صالح الطائي: كيف ممكن للأدب أن يسهم في نشر ثقافة التسامح في مجتمع يؤمن بثقافة العنف؟

ج : 58: العنف لا يمكن أن يسمى ثقافة. العنف سلوكية خاطئة ينميها غياب الثقافة . كما لا يوجد شعب يؤمن بالعنف وإنما هناك شعوب حتمت ظروفها ان تعيش في ظل العنف الذي وراءه قيادة تؤمن بالعنف او تنتهجه لحل نزاعاتها التي تعجز عن حلها بطرق اخرى عقلانية. القيادة التي تؤمن بالعنف وتنتهجه ينبع سلوكها من مسببات عديدة بعضها مرضي واختلال في تفكير القائد وبعضها لجهله بأي طرق أخرى لحل نزاعاته لأنه نشأ في جو العنف ووجد ان الغلبة لا تتحقق في المحيط الذي نشأ فيه إلا عن طريق العنف. كما يحدث في الأحياء الفقيرة التي يقطنها الملونون حيت ينتشر فيها بيع المخدرات والإنتماء للعصابات المتناحرة فيما بينها.  أو كما نلاحظه من انتشار ما يسمة بالإرهاب الدولي الذي يقوده بن لادن ومؤسسته "القاعدة" والمؤسسات المشابهة النابع عن التعصب الديني أو العقائدي الأعمى. وفي هذه الحالة يستغل البسطاء بإقناعهم ان الهدف الذي ينفذون من اجله عملياتهم الإرهابية هو أسمى من الحياة، بعملية غسيل دماغ وبقوة تأثير الكارزما التي يتمتع بها القائد. وغيرها من أصناف العنف الذي كان العراق مسرحا لها بسبب الانتماءات الحزبية او العقائدبة او الطائفية.

أما نشر ثقافة التسامح فيبدأ بالسيطرة على مصادر العنف وقطع مصادر تمويلها ليشيع الأمان، ثم بتبني الدولة لمشاريع ثقافية من شأنها أن توضح لاجدوى العنف وبعد ذلك على المثقفين ممن يؤمنون بالتسامح أن يسعوا لأيجاد الطرق لنشر هذه الثقافة والمهمة ليست بالسهولة التي تسمح بإيجازها في سطور.

ملف المثقف فيما يخص التسامح احتوى على عدد من المقالات في هذا الشأن وقد ساهمت فيه بمقال عنوانه " التسامح والعقائدية .. دربٌ طويلٌ من التضحيات"

 

للاطلاع:

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (6)

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (8)

...............................

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاور عن طريق اميل المثقف

[email protected]

...............................

حوار مفتوح خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1436 الاربعاء 23/06/2010)

 

في المثقف اليوم