حوارات عامة

المثقف في حوار مفتوح مع الكاتب والسياسي موسى فرج (3)

 

 

 

 س6: سلام كاظم فرج: كنتم من السياسيين الأوائل الذين تصدوا للدكتاتورية. واستلمتم مسؤولية النزاهة نائبا حال سقوط الصنم.. في ظروف مخاض عسير.. لكنكم لم تفلحوا في استعادة الأموال المسروقة.. كنتم في مرحلة تأسيس البنى التحتية لهيئة النزاهة وهذا مفهوم.. لكن الصراع أطاح حتى بهيئتكم..ورحيل القاضي راضي الراضي رئيس الهيئة كان أشبه بالفرار منه بالاستقالة.. هل لكم أن توضحوا لقراء المثقف ملابسات استلامكم رئاسة هيئة النزاهة. بعد القاضي الراضي؟؟. ورأيكم الصريح الذي عودتمونا عليه بالقاضي راضي الراضي؟؟ من ناحية إنجازه. لا من ناحية شخصه..

 

 ج6: موسى فرج: هذه قصتي مع مكافحة الفساد: ومن يعترض على طول ما فيها سأرسل له خلاصة مكثفه خلافا للشائع إذ أن الكاتب يرفق بخلاصته التفاصيل وأنا أرفق بالتفاصيل..خلاصه ..). .

 

 في الأشهر الأولى بعد سقوط صدام وعندما وقفت مبكرا على فرهود القادمون في ظل الدبابات الأمريكية في محافظتي (السماوه) للمناصب الوظيفية والمباني الحكومية، وبعد محاولات محمومة مني ـ لم تفلح ـ لثنيهم عن هذا السلوك .. تلوت على مسامع جمع منهم وصية الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر يوم ولاه مصر وقال له: فليكن أقربهم أليك أمرّهم في قول الحق في حضرتك...تلك الوصية عرضتها شخصيا على المتنفذين الجدد من (أتباع) علي عليه السلام .. فقابلوها بالازدراء.. وضعت تحت كلمة ازدراء خط احمر وتأكد لي أن الأمر بالنسبة لهم ...مغانم .. .

 

 ـ من جراء ذلك لملمت نفسي وهاجرت مجددا إلى بغداد .. بعد إن غادرتها عائدا إلى سماوتي في عام 1987 .. عاقدا العزم على مواجهة الفساد، ومن أحد فنادق الدرجة الثالثة كتبت سلسلة مقالات نشرت بعضها جريدة المؤتمر في 14 /11 /2003 وجريدة الزمان في 15 /11 / 2003 أدعوا لمواجهة الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة .. مفردة الفساد لم تكن مطروقة في العراق قبل ذلك التاريخ و طيلة المدة بين عامي 1963 و2003 باستثناء مقالة لأحد التدريسيين هو الاعرجي في جامعة بغداد غير منشوره في حينه نشرها بعد عام 2008 في احد المواقع .. صوّرت المقالتين ووضعتهما في ظرف كتبت عليه: إلى السيد رئيس مجلس الحكم، وكان رئيس مجلس الحكم لذلك الشهر المرحوم عبد العزيز الحكيم، ولم أعنون الظرف إلى بريمر ..وحضرت إلى استعلامات مجلس الحكم وسلمتها للاستعلامات .. بعد مضي أسبوعين عدت إلى تلك الاستعلامات أسأل، فبادروني: أنت موسى فرج ..؟ قلت أنا هو .. اشتغلت التلفونات والثريات حضرت سيارة وضعوا في رقبتي باجاً وأمروني بالركوب .. أنزلوني أصعدوني وجدت نفسي قبالة د .موفق الربيعي وهو يقف في باب مكتبه .. أنت موسى فرج ..؟ أنا هو .. بالمباشر نزلنا إلى الطابق الأول وقد اخبرني في الطريق أنهم شكلوا لجنة من أعضاء من مجلس الحكم وممثلين عن الأمريكان لمكافحة الفساد في العراق ..وهذا هو اجتماع اللجنة الأول .. دلفنا إلى القاعة، قدمني لهم وكانوا ثمانيه من أعضاء مجلس الحكم وأمريكان اثنان (وقد كان شكلي مخيفا وكأني قادم للتو من دارفور .. وسحنتي تجسد فعلا ظروف حصار صدام بأصدق تعبير في حين أن ألجماعه كانوا متفحين ومبينه عليهم ألنعمه .. لقد كنت في سنواتي الأخيرة قبل ذلك مغرما (بالمسموطه وتشريب اللبلبي ...)..تكلم احد الأمريكان والمترجم يترجم فتبين لي بأنه ولكونه مختصا بالموضوع خلافا للآخرين فقد كانت لهجته لهجة المعلم الذي يدرس تلاميذه ..! طلبت الكلام موجها كلامي للأمريكي .. قلت له: هل لديكم في أمريكا أو دول الاتحاد الأوربي قانون ينص على: انه إذا قُتل شخص ولم تعرف الحكومة القاتل فان الحكومة تدفع الدية لأهل القتيل ..؟ قال: لا .. قلت له: هل عندكم في أمريكا أو في إحدى الدول المنضوية ضمن الاتحاد الأوربي قانون ينص على انه إن حصلت سرقة في المدينة ولم يعرف السارق فان الحكومة تعوض المسروق عن ماله ..؟ قال: لا ..ضحكت في حين ازداد احمرار وجه الأمريكي معتقدا أني سأقول له: أن صدام شرّع هذا .. قلت له: هذه القوانين عندنا في العراق وعمرها 5 آلاف سنه شرّعت في زمن حمورابي .. و(أنت جاي اليوم تعلمنا مالاتنا ..؟)..والتفتُ على زملائي قائلا: انتم مبهورين وهو يتكلم معكم من على منبر .. اتسعت فتحة عين الأمريكي في حين قابل جماعتنا ذلك بالزهو ..

 

 ـ بعد شهرين أنهت لجنتنا إعداد قانونين الأول خاص بالمفتشين العموميين والثاني خاص بهيئة (مفوضية) النزاهة، سألوني هل تريد أن تعمل بصفة مفتش عام لإحدى الوزارات أم تنتظر تشكيل مفوضية النزاهة ..؟ قلت لهم اعمل بصفة مفتش عام وفي وزارة البلديات بالذات ..لماذا ..؟ لأنها تتعلق بالناس في المحافظات والمحافظات قد عاقبهم صدام بعد الانتفاضة بأخس عناصره القمعية وأكثرهم إجراما .. واشتغلت على هذا الاتجاه.. .

 

 ـ في تلك (العصرية) الشباطيه نفذت الفلوس ولم يبقى من ثمن السيارة بونتياك 1977 التي بعتها تمويلا لرحلتي الميمونة من السماوه إلى بغداد غير أجرة مبيت ليلة واحده في الفندق و (كروة السيارة نفرات من بغداد إلى السماوه ..) أعدت رسم موازنتي المالية لتوفير نفقات الجانب الأهم في حياتي ..الدخان .. في صباح اليوم التالي قطعتها سيرا على الأقدام توفيرا في النفقات من فندق باخان قرب ساحة الفردوس إلى مبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء حاليا .. ولكن عند بلوغي نهاية جسر الجمهورية وبجوار عمارة وزارة التخطيط القديمة استدارت قريبا مني دبابة أمريكية لتعود أدراجها فأثارت عاصفة من الغبار وقع بعض منه في عيني ..فركتها ..نزفت دما ..تبين انه لم يكن مجرد تراب فقد حدث انفجار في تلك المنطقة قبل يوم ..أكملت مراجعتي وراجعت المستشفى فتبين إنها شظية صغيرة دخلت إلى عيني بشكل عمودي وتم استخراجها.. وعندما راجعت ممثل بريمر من اجل المقابلة عصرا نزعت القطن من عيني ودسسته في جيبي ..ومن هناك توجهت إلى السماوة الغراء .. .

 

 ـ بتاريخ 10 /2 /2004 باشرت بصفة مفتش عام في وزارة البلديات والأشغال كان تسلسلي الثاني بين المفتشون العموميون في الوزارات فقد سبقني زميلي وصديقي نوري ألنوري إلى وزارة الداخلية ..سلموني طاقم من السيارات من ضمنها سوبر سوداء أضيفت إليها لاحقا مرسيدس غواصه مصفحه..(طبعاً)، وكونيه من الأسلحة الرشاشة والمسدسات وسترتين ضد الرصاص وطاقم من أفراد الحماية المدججين بالاسلحه .. (غير أركد..؟.. لا..) .. .

 

 ـ كتب رسميه إلى كافة المحافظين ومسؤولي سلطة الائتلاف (CPA ) وقادة القوات الأمريكية (المحتلة) في كافة المحافظات ..وجهتها لهم: أرسلوا كافة المستندات الخاصة بكافة المبالغ التي صرفتموها ونسخ من العقود التي أبرمتموها لغاية تاريخه.. .

 

 ـ كنت وزميلي وصديقي الشهيد القاضي مهدي أبو المعالي (استشهد وولده المحامي الشاب عند عودتهم من مسكنهم في كربلاء ..لاحقا عندما سأله احد أفراد السيطرات عن هويته فقال له بصوت آمر: أنا القاضي مهدي أبو المعالي مفتش عام وزارة التربية فاتصل ذلك المجرم بآخرين اعترضوا طريقه فأردوهما قتيلين في الحال هو وولده المحامي الشاب ..).. كنت وزميلي في قصر المؤتمرات لمناقشة ستراتيجية المناهج الدراسية للمدارس..كان يدير المناقشة الرجل القوي في تلك الحقبة احمد الجلبي ، عندما عدت إلى مقر عملي في الثانية بعد الظهر وجدت على مكتبي رسالتين بالغة الانكليزية احدهما بضعة أسطر والثانية صفحة كاملة .. المختصرة من سلطة الائتلاف يطلبون حضوري في جامعة النهرين في الساعة 12،40 ظهرا في حين أن عودتي كانت في الثانية بعد الظهر وفات المعاد .. الرسالة الثانية نسخة من رسالة مرسلة إلى بريمر من مسؤولة سلطة الائتلاف في محافظة ميسان ـ مسز مولي ـ وهي تشكوني إلى بريمر و تقول له بدون مقدمات كالتي نكتبها في كتبنا الرسمية: ما هذه الحكومة التي تديرها سيد بريمر ..؟ وكيف يأمرني مفتش عام عراقي ويطلب مني أن أسلمه ما عندي من مستندات ..؟ أنا عندما غادرت فلوريدا متوجهة إلى العراق ..اعرف ماذا أفعل ..

 

اطلب منك اتخاذ الإجراءات الفورية ضد هذا المفتش العام العراقي .. عندما أعطيت الرسالة لغرض ترجمتها عرف معيتي من الموظفين مضمونها فحضر بعضهم إلى مكتبي يواسيني وبعضهم يلومني قائلا: ألم تجد غير الأمريكان تصطدم بهم ..؟ أخليت المكتب إلا من سواي ووقفت قبالة النافذة المطلة على شارع الجمهورية مستعرضا تاريخي من سيد خلف إلى مسز مولي ..

 

 ـ سيد خلف: قارئ حسيني كان يقيم في بيت عمي طيلة شهري رمضان ومحرم وكان عمري وقت ذاك خمس سنوات وكنت مستقتلا على تعلم القراءة والكتابة، وفي ذلك الوقت لم تكن مكبرات الصوت معروفة في الريف العراقي في حين أن السيد ..أبح .. فأبرمنا عقدا مبني على المصالح المشتركة ..أنا اجلب له من أمي بيضه نص أستاوا يشربها قبل القراءة كي تقوي صوته ..وهو بعد نزوله من المنبر يخرج من خرجه جزء عم ليعلمني القراءه ..فكنت اردد وراءه: ألف ب زير أن، ألف ب زير إن، ألف ب زير أون، ألف ب دوبش أون ..!.. كنت اردد ذلك دون أن اعرف كنهه وخصوصا هذه الـ دوبش أون ..ولكن بعد ما يزيد على النصف قرن وقبل سنتين فقط من الآن تنبهت إلى أن الرجل كان يقولها باللغة الفارسية ..لأنه هو أيضا قد تعلمها بتلك اللغة وانه هو أيضا لم يعرف كنه (الـ دوبش أون) في حين انه كان يعلمني ألفتحه والكسرة والضمه والأخيرة تنوين الضم ..! رحم الله سيد خلف .. لكن تلك الـ دوبش أون دفعتني إلى ممارسة التمرد والعصيان المدني ففي أول زيارة فصليه من قبل والدتي إلى مدينة السماوه التي لا تبعد قريتنا عنها سوى 6 كم وقد اعتادت والدتي عند وصولها المدينة أن تمّر على عائلة أبن أختها ألفصليه و أتكيل (تمضي الظهيرة) في بيتهم وكنت معها وعرفت أن أبنهم في ألمدرسه .. رفضت العودة مع والدتي مصرا على البقاء عندهم وان يسجلونني في المدرسة مع أبنهم ..فتم ذلك والتحقت بمدرسة المتنبي الابتدائية للبنين وفي العام اللاحق كنت ارفع دفتر الرسم ملوحا بصورة عبد الكريم قاسم ..وبعد سنتين ولأن والدتي لا تقوى على فراقي فقد أجبرتهم على النزوح إلى المدينة والسكن على مشارفها وتركوا القرية خلف ظهورهم .. ولأن نفسي تواقة ..! فقد رفضت العودة إلى السماوه بعد تخرجي من الجامعة وبقيت في بغداد وتنقلت بين دوائر عده حتى استقر بي المقام في دائرة مرموقه (المركز القومي للاستشارات والتطوير الإداري)، وكنت يساريا مذ حبي لعبد الكريم قاسم .. لكن ملاحقات الأمن أجبرتني على العودة إلى السماوه وعدت عام 1987 لأعمل في دائرة بقلب الصحراء تبعد عن مركز المدينة 37 كم وحصل إن اصطدمت بفاسدين لهم صلة بمشعان ركاض ضامن الجبوري الذي كان يعمل وقت ذاك لحساب عدي فأحلتهم إلى المحاكم وانتهى بهم الأمر في محكمة عواد البندر فتبعتهم وحبستهم وعدت لأقدم استقالتي من العمل في الوظائف الحكومية ..ولم يمضي غير وقت قصير إلا وأنا وزميل دراستي وصديق شبابي الشاعر يحيى السماوي في مخيم رفحا للاجئين بعد انتفاضة آذار 1991 هو يصيح: انزعوا قمصانكم الحزبية والبسوا ثوب العراق .. وأنا أصيح: أنا ديمقراطي .. يا قوم ! .. هو انتهى به المطاف في بلاد الكنغر وأنا عدت إلى ضيم السماوه وتشريب اللبلبي والمسموطه (هي السمك الذي يجفف في العراء طيلة الصيف وتصنع منها مركة تشريب يشم رائحتها النفاذة الذي يمر من الشارع الآخر.. وعندما نأكلها نصطحب معها عادة رأس بصل كبير أحمر ..أحمر ..أحمر ..ونستخدم قبضة اليد لضربه فتنطلق اللبة منه كقذيفة المدفع النمساوي ..) .. وطيلة تلك السنوات كنت كلما عصفت بي متاعب التمدن قارنت بين وضعي المتعب .. ووضعي لو لم أكن قد أبرمت ذلك العقد مع سيد خلف .. والمعيار الذي استند إليه هو أن أقارن بين حياتي وحياة ابن عمي الذي خلفته في القرية وبات فلاح وراعيا للأغنام هو مرتاح البال وقرير العين على آخرته ..وأنا مشلوع القلب وتوقعي لآخرتي بين بين .. هو لم يتمسك بغير جهالته وأنا لم اجني غير (فهمي) فمن هو السعيد منا..؟ ومن هو التعيس ..؟. في هذه النقطة بالذات أفقت من البحلقة عبر النافذة إلى بطن شارع الجمهورية دونما التركيز على نقطة أو مكان محدد و تنبهت إلى أني وجها لوجه مع مسز مولي ... ـ عدت إلى منضدتي ابحث عن كتاب وصلني قبل يومين، كان الكتاب قد وصلني من الحلة ويتضمن قيام مسؤولة سلطة الائتلاف (أيضا امرأة) في بابل كانت قد أصدرت أمرا بمنع تنفيذ قرار بريمر الخاص باجتثاث البعث ضد عدد من المسؤولين في المحافظة .. وجهت إليها كتاب رسمي يشير إلى أنها خالفت القانون وأنها باتت خارجة على القانون وليس السيد مقتدى الصدر الذي وصفه بريمر بأنه خارج على القانون وطلبت منها إلغاء أمرها وإلا فاني سأحيلها إلى المحاكم العراقية ..نسخة منه إلى السيد بريمر، وأخرى إلى رئيس هيئة اجتثاث البعث .. بعد العشاء كنت أتابع التلفاز فشاهدت بريمر مجتمعا بالمفتشين العموميين في جامعة النهرين فعرفت أنه موضوع الرسالة المقتضبة التي وجدتها على مكتبي بعد ظهر اليوم .. في اليوم التالي هاتفت أحد زملائي وهو مفتش عام وزارة العلوم والتكنلوجيا كما أتذكر مستفسرا عن موضوع اجتماع بريمر بهم أمس ... فقال: بسببك ..لقد امتدحك وبالغ في إطرائك..ويقول: هو هذا المفتش العام المثالي .. يا لفتة الله ...!. .

 

 ـ في احد الصباحات كانت منشورات قد تم توزيعها في الوزارة تقول: أننا نحذر كل العراقيين العاملين في وظائف حكوميه وننذرهم إنذارا أخيرا ..بان يذهبوا إلى بيوتهم ويتركوا العمل في وظائف الدولة العراقية القائمة في ظل الدبابات الأمريكية وإلا فان الذبح على سنة الله ورسوله سيكون بانتظارهم غدا ..التوقيع: هيئة علماء المسلمين .. تزامن اطلاعي على المنشورات مع زخات من الأسلحة الرشاشة تطلق من السيارات المارقة في شارع الجمهورية ومنطقة الكفاح المواجهة لوزارتنا.. نزلت إلى مكتب زميلي وكيل الوزارة كامل الجادرجي .. وكنا نحن الأثنين أكبر رأسين في المبنى .. فقد كانت الوزيرة تتخذ من مبنى قديم للمخابرات في المنصور مقرا لها ..في حين تتخذ الوزراة من مبنى محافظة بغداد في ساحة الميدان مقرا لها ..سألني صاحبي فيما إذا كنت قرأت المنشورات..؟ قلت له نعم .. لكني أضفت: (أنا غدا أداوم .. فشله إذا الموظفين يشوفونا ممداومين هم همين ميداومون ..) ..في اليوم التالي حضرنا أنا وزميلي مع عدد قليل من موظفي الوزارة وفي ظل إطلاق نار لم ينقطع فان تواجدنا شكلي حيث نزلت إلى زميلي الجادرجي ..نتبادل الحديث وكانت زوجته تتصل به بين آونة وأخرى تخبره بان بيتهم يتعرض في تلك الأثناء إلى قذائف الآربي جي، كانت معنوياتي عاليه فاستغرب صاحبي قائلا أشو أنت ماخذ الأمور ببساطه ..؟ قلت له أنا اختلف عنك فانا مسيطر..جفل مدفوعا بالشك والريبة التي ترافق الساسة وأبناءهم ظنا منه باني على صلة بهم.. قال: أشلون يعني ..؟ قلت له: (بمجرد صعودهم سأصفط ظهري على الحائط وأقول لهم: آنا سائق وهذا هو المسؤول يساعدني في ذلك لون بشرتي الحنطاوي وأنت احمر ومتفح.. أمبين أبن ذوات ..).. قال: سأقول لهم هذا المفتش العام وشوفوا هويته،هذا سابي الوزاره سبي .. قلت له: (إيه أشلون عاد آنا غشيم.. في مثل هيجي يوم احمل هويه .. بس جنسيه عندي ومكتوب بيها عنوان ألمهنه: راعي .. باقيه من أيام سيد خلف..) .. قال: (اشو أنت بها لسرعه تخليت عني ..جاوبته: وأنت بهالسرعه كرشت علي ..!).. بعدها ضحكنا حتى وقعنا على اقفيتنا .. ليس على ما دار بيننا فقط بل على الوضع في العراق برمته .. .

 

 ـ في تلك الأيام نشرت إحدى الصحف خبر يقول أن مجلس الوزراء بصدد استحداث منصب باسم رئيس المفتشين العموميين وان الاختيار وقع على السيد موسى فرج المفتش العام في وزارة البلديات .. وفي هذه الأثناء تم استحداث هيئة النزاهة واختير لرئاستها السيد راضي الراضي .. وكان الراضي يظهر في لقاءات تلفزيونية وهو يصيح: موسى فرج ..أقوى مفتش عام في العراق، وعندما اظهر في أحدى الفضائيات يتصل بي قائلا: أم فنر (زوجته) من تشوفك بالتلفزيون تريد تهلهل .. وعندما كلفوا الهيئة بتقييم المفتشين العامين حصلت على أعلى درجه: جيد جدا ولا يجامل .. والناطق الرسمي باسم الهيئة يقول أن موسى فرج متاح له لقاء كل لفته يلتفتها عن عقد من العقود مليون دولار يضعونه عن طيب خاطر في جيبه ..؟ عجيب ..! في حين أن الأمر عندي:(مادام كهوه وتتن موجود ..كل الأمور تهون..) .. .

 

 ـ كانت الوزارة تشغلني بقضايا الدوائر الفرعية في المحافظات لإبعادي عن ما يدور في الدائرة المحيطة بالوزيرة .. وهم يرسلون لي صباح كل احد ملف هائل من أوليات تتعلق بموظفين يريدون مني اجتثاثهم لكن أولائك إما معاون ملاحظ أو كاتب في دائرة فرعية في كربلاء أو واسط أو ألبصره أو كركوك في حين أن في مركز الوزارة 7 مدراء عامين بعثيين وكتب ترشيحهم لعضوية الشعبة موقعة من فاضل المشهداني مدير مكتب أمانة سر القطر .. وهم ليسوا عادلين حتى مع رفاقهم البعثيين ففي الوقت الذي طاردوا فيه ولاحقوا المحافظين من المحافظات الجنوبية فان محافظوا 4 محافظات اعتبروهم معومون (ترسل لهم رواتبهم بدون دوام..ّ) وهم يدفعون يوميا إلى مكتبي بأوليات رفاقهم من صغار الموظفين في المحافظات ..فالتفت عليهم هم ..فأصدرت أمر بشمول كل المدراء العامين بالاجتثاث، وأحلت ملفات فساد تتعلق بالوزيرة إلى المحكمة المركزية، ولأن الوزيرة بات زوجها فخامة الرئيس وخالها رئيس الكتلة البرلمانية الثانية فقد تناوشتني المنجنيقات من كل حدب وصوب .. .

 

 ـ شكوني عند رئيس الوزراء السيد إبراهيم الجعفري وشكوني عند السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية .. فقلت لهم: تفضلوا هذه تخصيصات الوزارة لـ 4 من محافظات الجنوب لا تصل إلى تخصيصات محافظة واحدة من المحافظات المتخمة في وقت صدام، وهذه عقود كل عقد واحد فيه فرق لا يقل عن 10 مليون دولار ويتفقون مع موردين على بضاعة يشترطون أن يكون منشأها ياباني أو أمريكي وعند التنفيذ يستلمون بدلا عن ذلك بضاعة تركيه ..وعندما اعترض يكتبون: تؤدي الغرض.. فاكتب لهم: صحيح عودنا صدام على اللنكات.. لكن كل شئ بسعره فسعر التركية لا يتجاوز ثلث سعر الأمريكية واليابانية ... لم يكتفوا بذلك ..بل أحالوني إلى المحكمة بتهمة التشهير مستغلين قيام احد محرري صحيفة الدستور بنشر خبر صغير في صفحة المحليات يقول: موسى فرج أحال ألوزيره إلى المحكمة المركزية بـ 7 تهم فساد ..وأثناء قراءة مذيع الديار الفضائية لاستطلاعات الصحف اليومية قرأ الخبر بدربه ..! فأحالونا بشكل موحد إلى المحكمة بدعوتين جزائية وأخرى مدنيه يطالبوننا بمليار دينار رد اعتبار ..فتعالى صوتي: هسا الحبس سهله ..بس أمنين أجيب المليار .. قابل آنا فاسد ..؟ لم يفدني كلامي بشئ، وبعد مثولنا في قفص الاتهام أنا وباسم الشيخ رئيس تحرير الدستور ومذيع الديار ولعدة مرات ولأن رأسي هو المقصود فقد حاولوا عقد صفقه مع زميلاي تقضي بان يتنازلوا عنهم مقابل أن يعترفوا بأني مصدر الخبر .. وحصل شئ من هذا ونهض القاضي يقرأ قرار الحكم: نظرا لتنازل المشتكي عن الشكوى المقدمة من قبله ضد المشكو منه باسم الشيخ والمشكو منه مذيع الديار الفضائية فقد قررت المحكمة غلق الشكوى ضدهما .. كنت أتوسط في وقفتي في قفص الاتهام زميلاي الذين صاحا في وقت واحد مقلدين ما اختزنته ذاكرتهما من الأفلام المصرية: يحيا العدل ..! صحت في وجهيهما وأنا اضحك: ولك هذا يا عدل ..؟ جا وآنا ..! ردا علي قائلين: اذهب أنت وربك فقاتلا الفساد ..ومن يومها فقد استوطن باسم الشيخ عمان في حين غادر مذيع الديار الديارا .. .

 

 ـ فاتني أن أشير إلى أن الجماعة بحكم معرفتهم للدروب كلها فقد نصحوا الوزيرة أن تكلف السيد برهم صالح نائب رئيس الوزراء ليطلب من علاوي أثناء رئاسته للحكومة أن يصدر قرار (وهو بمثابة قانون لعدم وجود برلمان في حينه) يعيد بموجبه المادة 136 الجزائية إلى العمل وهي المادة القانونية التي كانت معتمدة في عهد صدام ولا تسمح للمحاكم بمحاكمة أي موظف دون موافقة الوزير المختص وتم إلغاءها في حقبة بريمر من ضمن القوانين الجائرة وبالفعل أعادها علاوي فأعادت المحاكم القضايا التي أحلت بموجبها فاسدين من الوزارة مشترطة موافقة الوزيرة على الاحاله والوزيرة لن توافق .. الأستاذ العزيز سلام كاظم فرج ..: إن أردتني استرسل بقصتي مع الفساد فإنها أطول من قصة المياسة والمقداد وروميو وجوليت ..أعدكم أن استكملها لكم في وقت لاحق إن رغبتم .. وإلا فان الوقت سينتهي وسيتم سحب دفاتر الامتحانات وأنا لم ألحق الأسئلة الباقيه .. تقبلوا محبتي ..

 

 

 

 س7: سلام كاظم فرج: مؤتمرات المعارضة للحكم الدكتاتوري. اشتركتم في بعضها.. لم تفرز دراسات رصينة لمرحلة ما بعد استلام السلطة .. بل كانت تركز على محاصصات تقليدية..في حين أن بعض المشاركين.. يحملون شهادات عليا في القانون والسياسة والاقتصاد.. هل كان الأمر عفويا.. أم متعمدا؟؟..

 

ج7: موسى فرج: أنا لم اشترك في مؤتمرات للمعارضة في خارج العراق .. لأني عدت من مخيم اللاجئين في صحراء رفحا السعودي إلى العراق ولم أبرحه حتى سقوط صدام، ولكن عندما كنت في ذلك المخيم فان من بين الذين حضروا من الساسة لزيارة المخيم هو المرحوم السيد عبد العزيز الحكيم، وفي حينه استدعتنا السلطات السعودية بوصفنا ممثلوا جانب من اللاجئين للاجتماع به في قاعة خارج المخيم وكنت من بين الحاضرين فنقل إلينا تحيات المرحوم السيد باقر الحكيم ..بعدها قال: إن رئاسة الجمهورية لنا (يقصد ألشيعه) فقلت له كيف حسبتها ..؟ قال: لأن نسبة الشيعة في العراق 60 ./. فقلت له بل 70 ./. إن أنت أضفت الكورد الفيليه ..ولكن هل أن محور ما يشغلكم هو هذا .. ومعاناة الناس ..؟ ومكابدتها ..ألا تشغلكم ..؟ ثم هل أنكم تحسبون الأمور هكذا أم أن الشيعة منهم البعثي ومنهم القومي ومنهم الشيوعي ومنهم الديمقراطي ومنهم الليبرالي ومنهم اللامنتمي أيدلوجيا ومنهم المنتمي إلى الأحزاب الإسلامية السياسية .. ونفس الأمر ينطبق على السنة أيضا ..في مجال الزواج والطلاق كلهم شيعه أو سنه ولكن في مجال اختيار الساسة ونمط النظام السياسي كل يتبع أيدلوجيته في هذا المجال .. كان ذلك في عام 1992 وعندما زرته رحمه الله بعد عودته من العلاج في إيران عام 2007 ذكرته بالقضية فتذكرها جيدا ..أنا ضحكت لكنه لم يضحك ... .

 

 قبل سقوط صدام كان الأمر واضحا عندنا في الداخل: إن وصل الجمهوريون إلى الحكم في أمريكا فإنهم يسقطون صدام لأن بوش يربطه ثار شخصي ضد صدام بسبب الصورة التي رسموها لأبيه في مدخل فندق الرشيد والجميع بمن فيهم أمريكان وطئوها بأحذيتهم، والسبب الأهم هو ما كان يتبجح به صدام من تهديدات لإسرائيل بالأسلحة البايلوجية والغازات السامة، وهذا هو الذي حصل فقد أسقطوه .. ولم نكن نسمع عن المعارضة العراقية في الخارج باستثناء ما نلتقطه من راديو صوت العراق الحر الذي يبث من براغ، وأشير بهذه المناسبة إلى أن الأمريكان في عامي 2003 و2004 كانوا يتحسسون جدا من الأحزاب الشيعية حتى أنهم عندما يقابلون شخص تمهيدا لتعيينه في منصب حكومي فإنهم لا يسألونه عن علاقته بنظام صدام ولكنهم يسألونه عن علاقته بالمجلس الإسلامي الأعلى .. بسبب علاقته مع إيران .. .

 

 الذي أؤمن به أن الأمريكان عندما قرروا إسقاط صدام لأسبابهم الخاصة التي ليس لها علاقة بمصلحة الشعب العراقي كان يعوزهم عراقيين يطمأنون لهم لاستكمال المراسيم المقتضية أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي قبل الاجتياح ويضمنون أنهم يشتغلون وفقا للسياسات الأمريكية بعد الاجتياح والتي تتمحور باتجاه تقويض القدرات العسكرية العراقية البشرية والمادية بشكل لا يكون معه في المستقبل خطرا على جيرانه ممن توليهم أمريكا عنايتها .. وأسهل طريقه هي أن يستقطبون تشكيلة تقول عن نفسها أنها تمثل شرائح الشعب العراقي ..ولما كان العراقيون في الخارج المشتغلين في السياسية قد عرضوا على الأمريكان أن يتم النظر لخارطة العراق المجتمعية من الناحية المذهبية والعرقية فقد استقطبوهم على هذا الأساس واتخذوا الترتيبات اللازمة لأثابتهم بتوزيع تركة الرجل الساقط عليهم لأن ذلك أمر يصب في مصلحة الأمريكان القائمة على إضعاف العراق من خلال تمزيقه كي لا يشكل تهديدا على جيرانه في الخليج وإسرائيل بالذات، هذا هو المعيار لتعامل الأمريكان مع العراقيين من المعارضة في الخارج ..إما عن مؤهلاتهم العلمية والأكاديمية ومقدرتهم على توفير نتائج في إدارة شؤون الدولة ما بعد صدام وبناء نظام سياسي يجعل من العراق قويا فذاك مما يتعارض وستراتيجية الأمريكان تجاه العراق .. وهي إستراتيجية عسكريه ..

 

 

 

للاطلاع على الحلقات السابقة

 

 حوار مفتوح مع الاستاذ موسى فرج

 

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

 

[email protected]

 

 

 

خاص بالمثقف

 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

 

............................

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2061الجمعة 16 / 03 / 2012)

 

 

 

في المثقف اليوم